أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - الحرب الاهلية الأوكرانية تتجه نحو الغرب















المزيد.....


الحرب الاهلية الأوكرانية تتجه نحو الغرب


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4935 - 2015 / 9 / 24 - 14:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتجه الأوضاع في أوكرانيا نحو التأزم اكثر فأكثر.
فشل الجيش الاوكراني والعصابات الفاشية في اقتحام "دونيتسك" و"غدانسك"
وفي المرحلة السابقة جرت إعادة تسليح الجيش الانقلابي الاوكراني بكثافة بالأسلحة الأميركية التي استبدلت بها الأسلحة السابقة ذات الطراز السوفياتي والروسي، وحط رحاله في أوكرانيا مئات المدربين والمستشارين العسكريين الاميركيين، من اجل الاشراف على استخدام وتجربة فعالية الأسلحة الميدانية الأميركية الجديدة، بمواجهة الأسلحة التي تقاتل بها قوات "الدفاع الشعبي الذاتي" في شرق أوكرانيا، والتي هي من مخلفات الجيش الاوكراني ذاته. وامام دهشة الخبراء العسكريين الاميركيين، فإن أسلحتهم الجديدة ذاتها سقطت في الامتحان حتى امام الأسلحة الروسية من طراز تسعينات القرن الماضي، ولم يستطع الجيش الانقلابي الاوكراني المدعوم من العصابات الفاشستية لما يسمى "المتطوعين" وما يسمى "الحرس الوطني"، لم يستطيعوا احراز أي اختراق او تقدم على خط الجبهة، بل ان خط الجبهة تراجع باتجاه الغرب.
الانتقام من المدنيين
ولكن الجيش الانقلابي الاوكراني وعصابات حلفائه، وللتعويض عن الفشل العسكري ولكي يبرروا قبض مخصصاتهم، قاموا بقصف المدن الآمنة بالصواريخ والمدفعية الثقيلة وايقاع المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين، بشكل انتقامي همجي ليس له عسكريا أي مبرر واي نتيجة. ونتيجته الوحيدة هو كشف إضافي لمدى الانحطاط الأخلاقي والسياسي والعسكري لستراتيجية اميركا والناتو وحلفائهما أينما كانوا، من سوريا والعراق واليمن الى أوكرانيا.
المماطلة في تنفيذ "اتفاق مينسك"
وطوال الأشهر الماضية كانت حكومة بوروشينكو الانقلابية العميلة تماطل في تنفيذ "اتفاق مينسك" الذي وقع عليه بوروشينكو شخصيا، لحل الازمة سلميا وسياسيا، بحجة عدم وقف اطلاق النار على الجبهة. علما ان الذي كان يمتنع عن وقف اطلاق النار، كما اثبت المراقبون الأوروبيون بالذات، هو جيش بوروشينكو نفسه. ذلك ان الاميركيين كانوا يصرون على تجربة أسلحتهم، والا فإن بوروشينكو وعصاباته الفاشستية "لن يقبضوا" بدل "اتعابهم" في خدمة المخطط الأميركي ـ الناتوي لاستفزاز روسيا والضغط عليها بواسطة اشعال الحريق الاوكراني على حدودها، بهدف "تليين" موقفها في الشرق الاوسط.
مهزلة اقتراح المحكمة الدولية
ومن اجل المزيد من المماطلة وتأخير تنفيذ "اتفاق مينسك"، عمدت الكتلة الغربية بزعامة اميركا الى اخراج مسرحية الهاء جديدة هي التقدم الى مجلس الامن الدولي بمشروع قرار لانشاء محكمة دولية لاجراء محاكمة خاصة باسقاط الطائرة الماليزية فوق خطوط الجبهة القتالية في 17 تموز 2014.
ولكن المندوب الروسي فيتالي تشوركين اسقط فورا هذا المشروع قرار بالفيتو. وفضح المقاصد الحقيقية الالهائية له، واولها التشهير بروسيا وحلفائها وإعادة توتير الأجواء لعرقلة تنفيذ "اتفاق مينسك".
اتهموا روسيا باسقاط الطائرة قبل ان يسقطوها
ومعلوم انه حينذاك، وقبل ان يصل حطام الطائرة المنكوبة الى الأرض، انبرت فورا جميع ابواق البروباغندا الغربية بمن فيها غالبية الرؤساء الغربيين وإسرائيل وتركيا وعلى رأسهم كراكوز البيت الأبيض، لاتهام الثوار الاوكرانيين وروسيا وحتى الرئيس بوتين شخصيا، باسقاط الطائرة الماليزية.
يريدون محكمة دولية وهم يخفون المعلومات ويرفضون التحقيق الدولي
ولكن البروباغندا هي شيء، والوقائع هي شيء آخر تماما. وقد قدم الجانب الروسي وحلفاؤه للأطراف الأمنية والحقوقية الدولية المعنية الوقائع التالية:
ـ1ـ فور اسقاط الطائرة المنكوبة، شنت قوات الجيش الاوكراني هجوما مفاجئا (كأنما كان محضرا سلفا) باتجاه البقعة التي تناثر فيها الحطام، في محاولة للعثور على الصندوقين الاسودين للطائرة. ولكن تلك القوات ردت على اعقابها، وعثر الثوار على الصندوقين الاسودين، وطلبت سلطات كييف تسليمهما لها. ولكن الثوار رفضوا، واصروا على تسليم الصندوقين للمراقبين الأوروبيين، الذين سلموهما بدورهم الى المختبر المختص التابع لحلف الناتو في بروكسل. وحتى اليوم يمتنع الناتو عن الإعلان عن محتوى الصندوقين، ويرفض تسليمهما الى الأمم المتحدة او الى الدولة الماليزية.
ـ2ـ وحتى الان ترفض سلطات كييف الإعلان عن محتوى تسجيلات اللحظات الأخيرة للاتصالات بين برج مراقبة الطيران الاوكراني وربان الطائرة المنكوبة.
ـ3ـ اكدت الجهات الروسية، التكنولوجية ـ العسكرية ـ الأمنية المختصة، انه في لحظة اسقاط الطائرة الماليزية، كانت توجد أقمار اصطناعية أميركية في المدار الفضائي للمنطقة. واضطرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية ذاتها للاعتراف بأنه كانت توجد لها أقمار اصطناعية تجسسية، فوق المنطقة، وانها لم ترصد دخول او خروج منصات صواريخ عبر الحدود الروسية، قبل وبعد اسقاط الطائرة. ومع ذلك فإن الجانب الأميركي يصر على اتهام روسيا وحلفائها باسقاط الطائرة بصاروخ ارض ـ جو، وفي الوقت ذاته يرفض الى الان تقديم أي بيانات عن الصور والمعلومات التي وفرتها الأقمار الاصطناعية التجسسية الأميركية عن الكارثة.
ـ4ـ تؤكد أجهزة الرقابة التجسسية ـ العسكرية الروسية ان الطائرة الماليزية اسقطت بصاروخ جو ـ جو اطلقته طائرة حربية اوكرانية. وبدون اجراء تحقيق دولي شامل لا يمكن التأكيد هل ان الطيار الاوكراني الجاني ارتكب جريمته بأمر من قيادته المباشرة، ام بالتواطؤ مع طرف اجنبي مجهول.
ـ5ـ ان قيادات الناتو والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ودول الكتلة الغربية بأسرها، وعلى رأسها اميركا، ترفض الى الان رفضا قاطعا الاقتراح الروسي باجراء تحقيق دولي شامل، تشارك فيه الدول المحايدة، في هذه الجريمة النكراء.
ـ6ـ ويتساءل الجانب الروسي: كيف يمكن للمؤسسات الدولية، وخصوصا مجلس الامن، ان تقفز الى تشكيل محكمة دولية، في الوقت ذاته الذي ترفض فيه اجراء تحقيق دولي في الجريمة المعنية. أوليست هذه سوى مسخرة جديدة من مساخر "الدمقراطية" الأميركية ـ الأطلسية، وتدل تماما انه ليس المقصود اجراء محاكمة حقيقية للجريمة، بل المهاترة السياسية وكسب وقت إضافي لتأخير تنفيذ "اتفاق مينسك" للحل السياسي السلمي للازمة الأوكرانية، الذي وضعته الدول الأربع (روسيا، المانيا، فرنسا وبولونيا)، والذي وقع عليه ممثلو الطرفين المتنازعين في شرق أوكرانيا (وفد كييف برئاسة الرئيس الانقلابي المافيوتي بييترو بوروشينكو بشحمه ولحمه، وممثلو الجمهوريتين الشعبيتين المستقلتين المعلنتين ذاتيا "دونيتسك" و"لوغانسك").
جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك تتجهان نحو الاستقرار وإعادة البناء
وخلال مرحلة الهدوء النسبي اثناء المفاوضات لصياغة "اتفاق مينسك" وقبل المصادقة النهائية عليه من قبل الأطراف المعنية، بدأت ترتسم في أوكرانيا اللوحة شبه السوريالية التالية:
أ ـ في شرق أوكرانيا بدأت الجمهوريتان المستقلتان المعلنتان ذاتيا "دونيتسك" و"غدانسك" تستغلان الهدوء النسبي، من اجل ترميم او تجديد بناء البنى التحتية والمؤسسات الاجتماعية والخدماتية والصحية والتعليمية، التي دمرتها سلطات وعصابات كييف الفاشستية، وإعادة تأهيل المصانع والمعامل والمناجم والمزارع والمتاجر والبنوك، والسكك الحديدية وخطوط المواصلات العامة، والمطارات، لاعادة الحياة الى الدورة الإنتاجية والاقتصادية والمعيشية، وتهيئة الأرضية الواقعية لعقد الاتفاقات التجارية والإنتاجية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية فيما بين الجمهوريتين، وفيما بينهما وبين روسيا خصوصا وغيرها من الدول الصديقة عموما. وتطمح "الجمهوريتان"، بمساعدة ودعم روسيا، لتقديم نموذج ناجح لفكرة "الحل الفيديرالي" لاوكرانيا، أي تحويل أوكرانيا الى اتحاد حر لجمهوريات فيديرالية (تتشكل من المقاطعات الحالية) على ما يشبه الكانتونات السويسرية، تتعاون فيما بينها، ولا ينهب بعضها بعضا، كما كان يجري حتى الان، حيث كان الثقل الإنتاجي يقع على منطقة الدونباس (شرق أوكرانيا) ذات الغالبية الروسية، فيما كانت المقاطعات الغربية، التي تنشط فيها المنظمات والعصابات الفاشستية والكاثوليكية المعادية لروسيا، تعيش عالة على الميزانية العامة للدولة. وهذه المنظمات والعصابات هي التي كانت تشجع على، وتمارس، سرقة الغاز الروسي المار ترانزيت الى أوروبا. مما دفع روسيا الى اتخاذ القرار الستراتيجي بشطب أوكرانيا عن الخارطة والشروع في بناء خطي الانابيب شمالا عبر بحر البلطيق وجنوبا عبر البحر الأسود لنقل الغاز الى أوروبا. ومن ثم حرمان أوكرانيا كليا من رسوم الترانزيت التي كانت تمثل العمود الفقري لوجود الدولة الأوكرانية. وبعد ان يبدأ هذان الخطان في العمل، سنرى اذا كانت دولة كييف الحالية ومقاطعاتها الغربية ستبقى موجودة.
"الدمقراطية" الأميركية في أوكرانيا!
ب ـ خلال هذه الفترة ذاتها كان الانقلاب الفاشستي الذي حدث في كييف في 21 شباط 2014 قد رسخ اقدامه، واتخذ طابعا "شرعيا" بعد اجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في الأراضي الأوكرانية (باستثناء المقاطعات الشرقية) بشكل "دمقراطي" تماما، اي تحت فوهات المدافع والرشاشات والبنادق وهراوات البيسبول الموجهة الى رأس كل "ناخب"، خارج وداخل أقلام الاقتراع، وكل من يجرؤ على الاعتراض كان مصيره لا الاعتقال او الطرد او الضرب، بل ببساطة: القتل ونهب واحراق منزله وتشريد عائلته. وبنتيجة هذه الانتخابات حل اللصان والمجرمان بييترو بوروشينكو وارسيني ياتسينيوك في رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء.
التنافس على نهب الصناديق الوطنية
ولا بد من لفت نظر المحللين هنا انه، بالإضافة الى الأسباب السياسية او كأحد اهم العوامل المكونة لهذه الأسباب، فإن النظام المالي المركزي الذي كان سائدا في أوكرانيا كان له تأثير كبير في التحفيز على الانقلاب الفاشستي في 21 شباط 2014. فهذا النظام كان يقضي، او يفضي الى، تجميع جميع ارصدة الصناديق الوطنية والمقاطعية وصناديق المعاشات التقاعدية والصحة والتعليم وحتى رياض الأطفال، وصناديق المعامل والمناجم والسكك الحديدية الخ الخ. في كييف. وكان هذا ينطبق بالطبع على منطقة الدونباس في شرق أوكرانيا، اكثر مناطق أوكرانيا انتاجا. وفي ظل حالة الفساد التي كانت سائدة في أوكرانيا منذ عهد يانوكوفيتش وقبله. وبسبب الطابع السياسي والمافياوي في آن واحد لاحزاب ومنظمات المعارضة السابقة ضد نظام يانوكوفيتش، وخصوصا بعد اعتقال رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، اتحدت أحزاب ومنظمات المعارضة السابقة في جبهة واحدة للانقلاب على يانوكوفيتش، وعيونهم على الأرصدة المالية الهائلة في كييف، التي يمكن وضع اليد عليها ونهبها وتقاسمها. وتم الانقلاب طبعا تحت شعارات معاداة روسيا والروس والناطقين الاوكرانيين باللغة الروسية، بتهمة انهم "غير وطنيين اوكرانيين". وتحت قرع طبول الحرب ضد شرق أوكرانيا، تمت سرقة وتقاسم صناديق الامومة والشيخوخة ورياض الأطفال وحتى أجور العمال التي لم تدفع لعدة اشهر، بمن فيهم عمال مناجم الفحم والمعادن في الدونباس الذين، هم وآباؤهم واجدادهم، اطعموا أوكرانيا مدة قرن كامل منذ نشوئها، والذين قاتلوا ببسالة وقدموا مئات الاف الشهداء ضد الغزاة الهتلريين في الحرب العالمية الثانية، نهبت اجورهم المستحقة، وألقوا في وهاد الجوع هم واطفالهم، لا لشيء الا لانهم روس وأرثوذكس لا يوالون الغرب، ولا يحظون ببركة الفاتيكان الأسود والسينهدرين اليهودي . وهذا كله يسمى "دمقراطية" و"دفاع عن حقوق الانسان" و"حقوق القوميات والاتنيات والأديان" في قاموس السياسة العالمية لاميركا.
العصابات الفاشية والمافيات في غرب أوكرانيا بدأت تأكل بعضها بعضا
ومع بداية نضوب الصناديق الوطنية والحسابات المالية لمختلف المؤسسات والمقاطعات، بدأت الازمة الاقتصادية والمعيشية تنعكس على "القاعدة الشعبية" او ما يسمى "الحاضنة الاجتماعية" للأحزاب والمنظمات الفاشستية والموالية للغرب التي كانت تلتف حول نظام بوروشينكو ـ ياتسينيوك، وبدأت جبهة الأحزاب والمنظمات التي كانت تدعم هذا النظام تتفكك، وتنهش بعضها بعضا سياسيا، وتفتش عن "مصادر رزق" جديدة ماليا.
"القطاع الأيمن" يشق طريق التهريب الى البلدان الأوروبية الاخرى
وكان اول المنشقين التنظيم الفاشستي ـ المافياوي المسمى "القطاع الأيمن" بزعامة النائب دميتريي ياروش. ووجد هذا الحزب مصدر تمويل لا ينضب، يتمثل في التهريب من أوكرانيا واليها في غرب أوكرانيا. وفيما كان ياروش وحزبه يقرع طبول الحرب ويملأ الدنيا زعيقا هتلريا بالدعوة للقتال ضد جمهوريتي "دونيتسك" و"غدانسك" وضد روسيا ذاتها، ويقول انه سيذهب الى موسكو ويجعل روسيا تركع على ركبتيها، ـ في هذا الوقت كان يعمل سرا على سحب "متطوعيه" من شرقي أوكرانيا، ويجمعهم ويوزعهم في مقاطعة "زاكارباتيا" في غربي أوكرانيا، التي تقع على الحدود مع بولونيا، سلوفاكيا، المجر ورومانيا، التي هي دول أعضاء في الاتحاد الاوروبي، وبالتالي مفتوحة على الدول الأوروبية كلها. وبالتعاون مع المسؤولين في أجهزة السلطة الفاسدة تم انشاء شبكة كاملة من قنوات التهريب من والى أوكرانيا. وتتمثل هذه الشبكة في شق وتأهيل انفاق ضخمة تتسع لمرور قوافل من التيرات. وانابيب عصرية (مع مضخاتها وعداداتها) لتهريب السوائل النافعة والمطلوبة كالسبيرتو، والبنزين وغيرهما. ومطارات خاصة للطائرات الصغيرة والطائرات الشراعية.
وعبر هذه القنوات يتم تهريب (من والى) كل شيء "مفيد" و"مطلوب": من السجائر الاوكرانية رخيصة الثمن الى المخدرات والعملات المزورة والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، والعملاء والجواسيس وخبراء المتفجرات والمرتزقة الذين يذهبون للقتال في شرق أوكرانيا. ولوحظ ان ردة الفعل الغربية على انفضاح وجود هذه القنوات التهريبية كانت "ناعمة" جدا، مما يدل ان قيادة الناتو والاتحاد الاووبي وأميركا ضالعون او على الأقل موافقون على هذه العملية.
فوائد التهريب: المالية ـ العسكرية ـ السياسية
وهكذا فإن حزب "القطاع الأيمن" الفاشستي، بزعامة دميتريي ياروش، ضمن لنفسه:
أولا ـ مصدرا لا ينضب للتمويل بمليارات الدولارات.
ثانيا ـ مصدرا ثابتا للحصول على جميع أنواع الأسلحة والذخائر، والتدريب الخاص بها، من الدول الغربية.
وثالثا ـ اعترافا دوليا (غربيا) بـ"القطاع الأيمن" بأنه قوة سياسية ـ عسكرية فاعلة على الأرض، له حصته في كل حل سياسي للمسألة الاوكرانية.
وقد تحولت منطقة زاكارباتيا الى منطقة سيطر عليها بشكل خاص "القطاع الأيمن"، ومحمية مخصصة للتهريب. ويتحكم الناتو والاتحاد الأوروبي بمنافذ قنوات التهريب من الجهة الغربية.
بوروشينكو يأخذ حصته
وكما ذكرنا في مقالة سابقة دخل على خط المزاحمة او المشاركة في عمليات التهريب سياسيون تابعون لرئيس الجمهورية الأسبق العميل فيكتور شيفتشينكو الذي جاء الى السلطة في اعقاب "الثورة البرتقالية" في 2005.
ودخل على هذا الخط أيضا رجل الاعمال المعروف والنائب في البرلمان ميخائيل لانيو، الذي يتهم بأنه من اشهر المهربين في المقاطعة، وهو من انصار بوروشينكو.
"معمودية الدم" الأولى لـ"جمهورية زاكارباتيا"
وفي أواسط شهر تموز الماضي وقع في مدينة موكاتشيفو في مقاطعة زاكارباتيا اشتباك مسلح بين عصابتين لـ"القطاع الأيمن" ولانيو، على خلفية المزاحمة في التهريب، وسقط قتيل هو المرافق الشخصي لـ لانيو. وتدخلت الشرطة النظامية، واقامت الحواجز لاعتقال عناصر "القطاع الأيمن"، فوقع اشتباك عنيف بين الطرفين أدى الى سقوط 10 جرحى ستة منهم من الشرطة. وعمدت عصابات "القطاع الايمن" الى إقامة الحواجز على كل الطرقات والمنافذ المؤدية الى مقاطعة زاكارباتيا لمنع قوات الجيش والشرطة النظامية من التقدم نحو المقاطعة. ولتأكيد سيادتهم على المقاطعة اقدم انصار "القطاع الأيمن" على نزع اعلام الاتحاد الأوروبي عن المؤسسات الرسمية ورفع اعلام الحزب مكانها. وفي ذلك تهديد سياسي واضح للاتحاد الأوروبي والناتو بعدم الانحياز الى جانب حكومة كييف ضد "القطاع الأيمن".
حكومة بوروشينكو ـ ياتسينيوك تتجنب الصدام
وقد مر الان شهران على تلك الاحداث. ولكن سلطات كييف الرسمية كلها، البوليسية والقضائية والسياسية، لم تجرؤ على اصدار أي قرار اتهامي او حتى قرار اجراء تحقيق بتلك الاحداث، يمس "القطاع الأيمن". كما ان قوات الجيش والشرطة اخذت تتجنب أي اصطدام مع مسلحي "القطاع الأيمن" و"تتعايش" مع سيطرتهم الفعلية على المقاطعة. ولكن المطلعين يقولون ان هذا الوضع هو اشبه بوضع البنزين قرب النار، وان أي شرارة تهدد باندلاع الحريق في أي لحظة. ويفسر بعض المراقبين هذا الموقف الضعيف لحكومة بوروشينكو بأن هذه الحكومة التي جرّت القوات النظامية للجيش والشرطة الى الحرب ضد شرق أوكرانيا ذي الغالبية السكانية من الروس والناطقين بالروسية، سيكون من الصعب عليها اقناع جمهرة الجنود والضباط في القوات النظامية، الذين هم من أبناء المقاطعات الوسطى والغربية لاوكرانيا، ان يفتحوا جبهة جديدة في "مناطقهم" ذاتها، و"بين بيوتهم". وهذا ما يعزز خطر حدوث انقلاب عسكري، غير معروف النتائج، على بوروشينكو.
انشقاق جديد ومصادمات عنيفة في كييف
وأخيرا، وبعد مماطلة لعدة اشهر حاول فيها نظام كييف تحقيق تغيير ميداني على الأرض في شرق أوكرانيا وهو ما فشل فيه فشلا ذريعا بل وتحقق تغيير معاكس، قرر بوروشينكو دعوة مجلس النواب الاوكراني (الرادا) للانعقاد يوم الاثنين في 31 اب الماضي للبحث في التعديلات الدستورية كما يتطلب "اتفاق مينسك". ولكن بدلا من البحث في، وإقرار تعديلات دستورية تقضي بمنح "الجمهوريتين الشعبيتين" المعلنتين ذاتيا "دونيتسك" و"لوغاتسك" وضعية شرعية (status) في الدولة الأوكرانية، بصورة تضمن بقاءهما الشكلي داخل الدولة الموحدة، وفي الوقت ذاته يكون لهما استقلاليتهما في السياسة الخارجية، والمالية والاقتصاد، والثقافة والتعليم، والامن الداخلي، والدفاع. وهو ما تطالب به الجمهوريتان. ولكن بدلا من ذلك أقر البرلمان تعديلا دستوريا ينص على توسيع الصلاحيات اللامركزية للمقاطعات الأوكرانية عامة ومنها مقاطعتا دونيتسك ولوغانسك. الا انه اقر أيضا الموافقة على انشاء "الشرطة المحلية" من أبناء كل منطقة. وهو جزء يسير مما تطالب به الجمهوريتان.
وعبرت الجمهوريتان عن عدم مطابقة "الاصلاحات الدستورية" التي اقرها مجلس النواب (الرادا) لمفهوم "الوضعية الشرعية" (status) الذي يتضمنه "اتفاق مينسك". الا ان الجمهوريتين لم تذهبا في اعتراضهما الى درجة تهديد الهدنة الهشة السائدة على الجبهة، مع انه ارتفعت بعض الاراء التي تقول بأنه لا يوجد حل جذري لمسألة "الاستقلال الواقعي" لجمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك" الا بتحرير كييف ذاتها من قبضة العصابة الانقلابية ـ الفاشستية التي تسيطر عليها في الوقت الحاضر.
اعتراضات فاشستية على التعديلات الدستوورية
ولكن الاعتراضات على قرارات البرلمان الاوكراني لم تأت فقط من "الشرق"، بل انه خلال انعقاد جلسة المجلس، كان مبنى البرلمان يتعرض للتطويق من قبل مظاهرة نظمتها الاحزاب القومية المتطرفة: الحزب الراديكالي، وحزب "النجدة الذاتية" وحزب "سفوبودا" (الحرية)، وهي أحزاب يمينية عميلة معارضة للتعديلات الدستورية. وشارك في المظاهرة حسبما نشرته الصحافة العالمية اكثر من 3000 شخص. ولفت نظر المراقبين التنظيم الدقيق للمتظاهرين، الذين قام حوالى الالف منهم بمحاولة اقتحام البرلمان، وهاجموا طوق رجال الشرطة الذين كانوا يحرسونه، ووقع بين المهاجمين وبين رجال الشرطة اشتباك عنيف، استخدم فيه رجال الشرطة الدروع والهراوات والقنابل المسيلة للدموع، وكان ممنوعا عليهم منعا باتا استخدام الرصاص العادي او المطاطي؛ فيما استخدم المهاجمون الهراوات الشبيهة تماما بهراوات الشرطة، والبخاخات المخدرة والمعطلة للنظر، والزجاجات الحارقة، والمفرقعات شديدة الانفجار، كما كان هناك اطلاق نار والقى احدهم قنبلة يدوية. ووقع اكثر من 140 جريحا، حسب تصريح وزارة الداخلية، غالبيتهم من رجال الشرطة، وقتل على الفور احد رجال الشرطة وأصيب اثنان منهم بجروح خطرة، احدهما برصاصة، وتوفيا لاحقا في المستشفى. كما اصيب بجروح احد الصحفيين الفرنسيين. واعتقل حوالى الثلاثين من المهاجمين، بينهم الرجل الذي رمى القنبلة، والذي اعترف انه احد "المتطوعين" من حزب "سفوبودا" الذين يقاتلون قرب دونيتسك في الشرق، تحت اشراف وزارة الداخلية. والاصطدامات التي حدثت في 31 اب يمكن ان تتجدد في أي لحظة كما تقول جريدة Bloomberg الأميركية.
واشتباك بالايدي داخل قاعة البرلمان
وحصل التعديل الدستوري على أكثرية 265 صوتا، ووقع اشتباك بالايدي داخل قاعة البرلمان بين نواب الحزب الراديكالي المعارضين للتعديلات وبين انصار بوروشينكو. وعلى اثر التصويت على التعديلات الدستورية كما اقترحها بروروشينكو، الحاصل على دعم ميركيل واولاند، صرح النائب من الحزب الراديكالي يوري شوخيفيتش (وهو ابن احد ابرز الشخصيات التي تعاونت مع النازيين في الحرب العالمية الثانية المدعو رومان شوخيفيتش)، صرح "ان أوروبا باعت أوكرانيا لارضاء بوتين".
بوادر ازمة حكومية
ولا بد ان نذكر هنا ان الأحزاب الثلاثة التي نظمت المظاهرة وصوتت ضد التعديلات الدستورية هي مشاركة في الائتلاف الحكومي. وهذا يعني ان ملامح ازمة وزارية حادة تلوح في الأفق أيضا. وقد هبطت شعبية رئيس الوزراء ياتسينيوك تقريبا الى حدود الصفر. وهذا ما دفعه الى توثيق علاقته مع بوروشينكو.
السلطة الانقلابية افلست... واما بعد!!!
وجاءت الاحداث الأخيرة في كييف يوم الاثنين 31 اب الماضي، لتؤكد مرة أخرى الافلاس التام للسلطة الانقلابية في كييف، وبداية قيام الأحزاب الفاشستية واليمينية الموالية للغرب بنهش بعضها بعضا، في صراع مميت على تقاسم حصص المساعدات المالية الغربية التي تقدم لسلطة كييف العميلة واحزابها وعصاباتها، من اجل متابعة القتال ضد أعداء الفاشستية وانصار روسيا في شرق أوكرانيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقات الروسية الإيرانية سد منيع ضد الامبريالية والصهيوني ...
- العقيدة الجديدة للبحرية الحربية الروسية: المحاصرة الكاملة لا ...
- أزمة أوكرانيا ستنتهي بزوالها كدولة
- اميركا تقع في الفخ الذي نصبته لروسيا
- اليونان المتمردة تغيّر ميزان الجيوستراتيجيا العالمية
- بعد اغتيال نيمتسوف روسيا تتجه نحو تغيير كل الخريطة المحيطة ب ...
- اليونان تنتفض ضد التبعية الغربية
- الستراتيجية الروسية وأسلحة الليزر
- بداية ثورة في صناعة الأسلحة الروسية
- العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا
- القيادة الروسية تتعلم اللغة اليونانية
- مشروع -كوسوفو- او -أوكرانيا- جديدة في البلقان
- السعودية تقع في -الفخ اليمني- وروسيا تؤيد الوجود الصيني في ا ...
- روسيا تقتحم -الحوش الخلفي- لاميركا
- سياسة -معاداة روسيا- ستنقلب وبالا على الكتلة الغربية وحلفائه ...
- الحكومة الثورية اليونانية تنتقل من الدفاع الى الهجوم
- الجيش الروسي يتحول بسرعة الى قوة عالمية لا تقهر
- الحكومة الراديكالية اليسارية الارتودكسية تقلب صورة: اليونان ...
- جورجيا لن تبقى خنجرا في خاصرة روسيا
- اليونان: بداية تحول راديكالي في المشهد الجيوستراتيجي العالمي


المزيد.....




- منها لقطات لنساء غرينلاند تعرضن للتعقيم.. إليكم الصور الفائز ...
- أصيب بالجنون بعد شعوره بالخوف.. شاهد قط منزل يقفز بحركة مفاج ...
- الدفاع الروسية: أوكرانيا خسرت طائرة حربية و213 مسيرة و1145 ج ...
- بوليتيكو: واشنطن توسلت إسرائيل ألا ترد على الضربات الإيرانية ...
- بيونغ يانغ تختبر سلاحاً جديداً وخبراء يرجحون تصديره لموسكو
- بالفيديو.. إطلاق نار شرق ميانمار وفرار المئات إلى تايلاند هر ...
- مصر.. محاكمة المسؤول والعشيقة في قضية رشوة كبرى
- حفل موسيقي تركي في جمهورية لوغانسك
- قميص أشهر أندية مصر يثير تفاعلا كبيرا خلال الهجوم على حشود إ ...
- صحف عالمية: الرد الإسرائيلي على إيران مصمم بعناية وواشنطن مع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - الحرب الاهلية الأوكرانية تتجه نحو الغرب