أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - مفارقات السياسي والأكاديمي















المزيد.....

مفارقات السياسي والأكاديمي


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4934 - 2015 / 9 / 23 - 21:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



حين تفترق مواقف السياسي عن الأكاديمي تكون الخسارة للحقيقة كبيرة جداً، خصوصاً إذا ما تعلّق الأمر بالجوانب الإنسانية والحقوقية، وهكذا للتاريخ مفارقاته، بل ومكره ومراوغته على حد تعبير هيغل. وإذا كان فهم التاريخ هو قراءة الوعي بضدّه، حسبما يقول المفكر الماركسي الفرنسي لوي ألتوسير، فإن التناقض يبدو صارخاً أحياناً بين السياسي الذي يقوم بالتبشير والدعاية لإيديولوجيته وأفكاره، وبين الأكاديمي الذي يستهدف الوصول إلى الحقيقة بغضّ النظر مع من وضد من، وفي ذلك تعارض كبير. أستعرض هنا ثلاث مفارقات لها دلالات مهمة لعلاقة السياسي بالأكاديمي:
المفارقة الأولى مضى عليها 35 عاماً وأعني بها الحرب العبثية (العراقية - الإيرانية) التي ابتدأت في 22 سبتمبر/أيلول العام 1980، خصوصاً بعد الاستفزازات الإيرانية وكذلك التحرشات الحدودية والدعوة لتصدير الثورة، حيث قامت القوات العراقية باجتياح الأراضي الإيرانية بعد أن مزّق الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين اتفاقية 6 مارس/آذار لعام 1975 والمعروفة باسم «اتفاقية الجزائر». وكانت هذه الاتفاقية مُجحفة بحق العراق الذي وافق على اعتبار خط الثالويك هو الحد الفاصل للحدود في شطّ العرب، في حين إنه نهر وطني عراقي وليس نهراً دولياً، كما وافق على التنازل عن أراضي عراقية في منطقة نوكان (ناوزنك) في شمال العراق (كردستان)، مقابل وقف دعم إيران للحركة الكردية المسلّحة، بل أكثر من ذلك سكتت الاتفاقية عن احتلال إيران للجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي احتلتها إيران في العام 1971، وهي جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
وإذا كانت الحكومة العراقية قد أقدمت على الحرب، فإنها أعلنت عن رغبتها في وقفها والجلوس إلى طاولة المفاوضات، لاسيّما بعد أن اضطرّت إلى سحب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية بعد معركة المحمرة (خرمشهر) في العام 1982، ولكن إيران التي حرّرت أراضيها رفضت وقف الحرب، وأعلنت من جانبها الاستمرار فيها حتى يتم الإطاحة بالنظام العراقي، إضافة إلى شروط أخرى. وقد كان قيام الحرب واستمرارها 1980-1988 مصدر اختلاف شديد في أوساط المعارضة العراقية في الخارج، فالقوى الإسلامية دعت هي الأخرى إلى استمرار الحرب حتى النصر، ولم يكن في برامج القوى الكردية موضوع وقف الحرب، وسوريا ومن معها كانوا إلى جانب عدم توسيع رقعة الحرب، واليسار الذي كان موقفه داعياً لوقف الحرب فوراً والانسحاب العراقي من الأراضي الإيرانية، والجلوس إلى طاولة مفاوضات لحلّ الخلافات طبقاً للقانون الدولي، بدا مشوشاً إزاء المشروع السياسي والحربي الإيراني، خصوصاً اختراق القوات الإيرانية للأراضي العراقية، وهو الأمر الذي أثار تعارضات شديدة وانقسامات متعدّدة داخله، لاسيّما من جانب بعض المثقفين الشيوعيين.
لم يكن حجم القسوة ومئات الآلاف من الضحايا، سوى أرقام لدى السياسيين وكأن المسألة، حفلة صيد، وليست أرواح بشر، وظلّت اللغة الخشبية مهيمنة على الخطاب السياسي للقوى والأحزاب والجماعات، سواء كانت حاكمة أو معارضة ومهاجرة، لدرجة أن الشعار السياسي كان يتقدّم على الواقع، مقابل تراجع الخطاب الأكاديمي الذي جرت محاولات لتوظيفه لصالح السياسي. البشر الذين كانوا يحترقون بنار الحرب والقصف اليومي والرعب المستمر، لم يكن يجدوا لهم مكاناً في خطاب إرادوي يُسقط فيه السياسي رغباته على الواقع، بعيداً في أحيان كثيرة عن آلام الناس وعذاباتهم.
كتب بريمي ليفي عن المحرقة النازية ومعاناة الضحايا يقول «معظم الذين نجوا من المحرقة، يذكرون شفهياً أو في مذكراتهم المكتوبة، حلماً كان يراودهم باستمرار خلال ليالي احتجازهم، يختلف في تفاصيله، لكن جوهره واحد: إنهم عادوا إلى منازلهم يصفون لأحبائهم بانفعال عذاباتهم الماضية، لكن هؤلاء لم يصدّقوهم، والحق إنهم لم ينصتوا إليهم، وفي الشكل الأكثر نمطية (والأكثر قسوة) كان المستمع يستدير ويغادر بصمت».
لاحظت ذلك من خلال قصص المهجّرين إلى إيران بحجة التبعية الإيرانية المزعومة، وقد نشرت في كتابي «من هو العراقي؟» أربع عشرة شهادة عن مأساتهم ومعاناتهم المتواصلة، وهي شهادات مركّبة ومعقّدة وأقرب إلى الخيال في بعض تفاصيلها، حيث تتحوّل القسوة في زمن الأزمات الأخلاقية والانحلال القيمي إلى نوع من الخضوع والتخلي عن المسؤولية وتبرير ما هو قائم.
المفارقة الثانية بين سلوك السياسي والأكاديمي ترتبط بحادث قصف «إسرائيل» للمفاعل النووي العراقي في حزيران (يونيو) العام 1981، وكنت قد كتبت مقالة بعنوان «السلاح النووي في الصراع العربي- «الإسرائيلي» وشجعني عامر عبدالله على نشرها في مجلة الثقافة الجديدة العراقية «المهاجرة» وطلب مني المقالة ووافقت على طلبه. وصدر العدد الذي تلا الحدث ولم تنشر المقالة، وصدر عددان آخران، ولم تر المقالة النور. وبعد أخذ وردّ واستفسارات، لا تخلو من غموض، جاء الرد مفاجئاً بأن «الجماعة» على الرغم من تقديرهم علمية ورصانة المقالة، لكنهم يعتبرونها غير منسجمة مع سياسة الحزب الراهنة التي ترفع شعار إسقاط السلطة، ولذلك فإن نشرها قد يفسّر على إنه تخفيض من مستوى شعارنا على الصعيد السياسي، وزاد الأمر تعقيداً حين أكّد أنهم لا ينصحون بنشرها، إلاّ إذا أجريت عليها تعديلات وحذوفات من شأنها أن تلغي مثل هذا الانطباع. وللأمانة فإن رأيه كما قال لي لم يكن منسجماً مع هذا التوّجه.
وعلى الرغم من استغرابي من مثل هذا الاستنتاج، فإنني قرّرت نشر المقالة في مكان آخر، خصوصاً وإنها كُتبت بالأساس ضد «إسرائيل» والصهيونية، فاضحاً إياهما قانونياً في إطار محاججة فقهية وعلى أساس القانون الدولي، ومطالباً «إسرائيل» بالتعويض، فضلاً عن مطالبة المجتمع الدولي بإدانتها على عدوانها. ومع ذلك لم تنس المقالة نقد الحكم في العراق وتحميله المسؤولية عن عدم حماية هذه الثروة الوطنية التي لا تخصّ الحكم وحده، بل العراق ومستقبله والتوازن العسكري لعموم دول المنطقة. اكتفيت بمعالجة الأمر بهدوء ولكن ليس بمعزل عن تعليق ساخر من قبيل «يبدو أن العراق قصف نفسه».
الوجه الآخر لهذه المفارقة حين طلب مني مركز الإنماء القومي في بيروت مقالة إلى مجلته، فأعطيتهم هذه المقالة الجاهزة، وبعد انتظار أكثر من شهرين وصدور عددين، وإذا برئيس التحرير مطاع الصفدي يعتذر مني على عدم تمكّنه من نشر المقالة رغم عمقها ونفسها العروبي على حد تعبيره، فإنها تحمّل الحكم في العراق جزءاً من المسؤولية، ومثل هذا الرأي ليس مكانه، واقترح لنشرها حذف فقرتين وردتا في سياق التحليل.
المفارقة الثالثة هي الموقف من الحكم من جانب المعارضة في السابق والحاضر، فالبعض ممن يعارضون حكومة ما، لا يتورّعون للقيام بكل ما يضعف البلد، وتراهم يذهبون إلى أبعد من ذلك حين ينظرون إلى الضحايا بدم بارد، سواء أيام الحصار الدولي الذي استمر نحو 13 عاماً أو بعد الاحتلال، فبعضهم لا تهزّه مشاهد التفجيرات وأعمال القتل والعنف والإرهاب، طالما هي تضعف الحكم، العدو أو الخصم الأساسي للمشروع السياسي الذي يمثّله.
كم كان مُحزناً حين طالب نائب بريطاني (ليس الوحيد بالطبع) رئيس الوزراء حينها توني بلير (العمّالي) بضرورة رفع الحصار اللاّإنساني بحق العراق، فكان أن أجابه بلير: هم الذين يدعونني (المقصود بعض المعارضين ورسائل وقّع عليها بعض المثقفين) إلى مواصلة فرض الحصار، بل يقولون لي: اقصفوا.. اقصفوا!
خدر الضمير لدى بعض المعارضين في السابق ينتقل إلى بعضهم حالياً، لاسيّما إزاء الضحايا، فيتعاطون ببرود مع ما فعلته "داعش" بالموصل وعموم المناطق التي احتلّتها، طالما هي ضد الحكومة التي يعارضونها. ذكّرني هذا الخدر اللاّإنساني للضمير إزاء ضحايا الحصار الذي قالت عنه مادلين أولبرايت وهي تردّ على محاورتها في برنامج 60 دقيقة حول موت 650 ألفاً من العراقيين: أيستحقون ذلك، قالت بكل استهتار.. نعم إنهم يستحقون ذلك.
المسألة ليست قسوة رجل شرير أو مشروعاً سياسياً أو مذهبياً أو مصالح غربية وأهدافاً «إسرائيلية»، إنها جزء من ظاهرة العنف اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ونفسياً بحاجة إلى دراسة واتساق، ما بين الأخلاقي والسياسي، وما بين السياسي والأكاديمي، فالقسوة لا تعني إلحاق الأذى الجسدي والنفسي بالضحايا، وتحطيم معنوياتهم فحسب، بل تعني محاولة سلخ إنسانيتهم ونزع شعورهم الإنساني والتلقائي بالانتماء إلى بني البشر.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورطة العبادي
- الحرب الباردة الجديدة
- بصمة حقوق الإنسان
- الفساد والحوكمة والتنمية
- تظاهرات العراق: من أين لك هذا؟
- فن الضحك والسخرية في أدب أبو كَاطع
- رصاصة الفراشة وصورة «إسرائيل»
- الديموغرافيا والجيوبوليتكا.. «المعجزة اليهودية الثانية»
- موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟
- قانون التمييز والكراهية.. رسائل إلى العالم
- قتل المسلمين.. مسألة فيها نظر
- ماذا بعد ال«لا» اليونانية؟
- «النووي الإيراني».. هزيمة أم انتصار؟
- الثقافة واليسار والتبديد
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 16
- السياسة .. الوجه الآخر للحرب
- داعش وخطر تفكيك العراق
- سوراقيا مشروع خلاص مشرقي – فكر
- داعش وواشنطن وليل الرمادي الطويل !!
- متى يُهزم داعش وكيف؟


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - مفارقات السياسي والأكاديمي