أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضوى الأسود - حينما تصبح الكتابة فعل تعر داخلى















المزيد.....

حينما تصبح الكتابة فعل تعر داخلى


رضوى الأسود

الحوار المتمدن-العدد: 4931 - 2015 / 9 / 20 - 12:34
المحور: الادب والفن
    


حينما نتكلم عن سهام مرضى وتحديداً فى روايتها "حين رَحلت"، فنحن أمام نقلة نوعية على مستوى الخطاب والجرأة والنقد المجتمعى والدينى لمجتمع مثل السعودية، "مازال مجلس الشورى يناقش حصة الرياضة فى مدارس البنات، هل يوافقون عليها أم لا؟!".
الرواية عبارة عن رسائل من ريم لحبيبها عبد الله الصحفى الليبرالى الذى سافر لأوروبا وهناك إختفى، وتفشل كل مساعيها فى التوصل إليه، فتقرر نشر رسائلها إليه - التى كانت تكتبها ولا ترسلها - فى هيئة كتاب، عله يصل ليديه يوماً، فيتلاقا ثانية.
القصة مكررة، والأسلوب "أحلامى"، لكن يكمن الفرق فى الجرأة المفرطة، إنها الجرأة التى جعلت الكاتبة تقول فى حوار لها رداً على تصنيف الرواية من الزاوية الجنسية: "من أراد أن ينزع الجنس من جسد الرواية، فعليه أن يبحث عن مكتبه فى كوكب آخر".
فى الروايات السعودية نلاحظ سيطرة العالم الإفتراضى (من خلال النت) على كتاباتهم وإستغراقهم فيه بشكل كبير، لكنه دلالة واضحة على إنغلاق المجتمع الذى لا يسمح بالعلاقات الطبيعية السوية. تقول عن ذلك المجتمع المزيف باسمائه ووجوهه المستعارة: "إعتدنا على سرقة كل شىء وإختلاس كل متعة، فإحترفنا هذا النوع من الحياة واصبحت لا تغرينا الحقيقة".
الرواية صرخة نقدية بإمتياز تجاه الأحوال الإقتصادية والسياسة والإجتماعية: "الفقر بات مخيفاً .. الطبقة المتوسطة تعرضت لزلزال هزها .. الأغنياء تضخموا .. البطالة سمة الأغلبية من الخريجين .. لعنة الإقتصاد الجديد"، وتجاه للدين تارة أخرى: "الفطرة تقول بأننا نحب الغناء، والدين يحرمه، الفطرة تقول بأن التزين والمبالغة فيه طبيعى، والدين يحيله إلى تقليد الغرب، الفطرة تقدس الجمال وتميل إليه، والدين يحفه بالفتنة وأنواع التأنيب والقمع، الفطرة تميل إلى تصوير ونحت وتمثيل ما يعتمل فى داخلنا وما نحبه من أشياء، والدين يحرمها بتاتاً، الفطرة تكره العنف والقتل والكذب والسرقة والفساد وتقديس الذات ونبذ وتحقير الآخر، والدين يشك بنصيبنا من تلك الكراهية، فيعلمنا إياها بالعصا ويستطيع رجاله تفسير اى خلل من منظور شرعى".
ولأن "الخضوع للتخلف والجمود مشاركة بائسة فيه"، فقد قررت الكاتبة فضح رجال الدين الذين "يعتقدون أننا الأفضل ويبررون كل تأخر على أنه إبتلاء، ويربطون كل فشل بحسنة، ويلوون أعناق النصوص لتعضد أفكارهم، ويعدوننا كل يوم بنصر، فلا نرى سوى فشلاً مبيناً"، أولئك الذين "نسبح بحمدهم ليل نهار، هم وحدهم من يملكون حق التحدث باسم الله وتوضيح ماذا كان يريد أن يقول لنا"، هؤلاء الذين يمكنهم "أسلمة كل شىء بقدرة عجيبة" بإستخدام "الخرافة التى يعضدها الإيمان".
أيضاً تعج بالأسئلة الوجودية والمتمثلة فى تساؤلات صديقها الملحد، ثم تساؤلها لنفسها عن حالة معاذ المٌقعد: "المظلومين بوجودهم، بهيأتهم الأولى، من هو المسئول عن ظلمهم، من ياومون تحديداً؟".
الراوية/الروائية التى تؤمن بأن "الكتابة فعل تعر داخلى"، وبأن "عليك أن تكون شجاعاً بشكل بالغ الجسارة لتتمكن من توليد نفسك بنفسك من رحم ميت".، تقرر تعرية مجتمعها المزيف: "كئيب هو الوطن الذى لا طعم للحقيقة فيه"، المريض: "الناس هنا مولعون بتقديس جلاديهم .. شعب مازوخى بالكامل"، الإستهلاكى، المنافق: "السيارة من لوثة الحداثة، نكاح طفلة من مظاهر المروءة وتنفيس الكرب"، "لم نعد نركب جمالاً، لكن ما زلنا بعقلية ذلك البدوى الأول"، "يمكن لشخص ما أن يتحدث لثلاث ساعات عن سيارته الجديدة، عن مسلسل درامى، عن أى شىء سوى الحقيقة". ولذلك تُبرز أهمية الكتابة فى تغيير المجتمعات: "نكتب لأنه لا بد يوماً ما أن تتحول كلماتنا وكتاباتنا إلى حقيقة"، "بالكتابة نمهد للتغيير".
لريم طاقتا نور مشعتان أو فلنقل حلمين أساسيين تمثلا فى ريما (لاحظ مقاربة اسمها مع اسم البطلة)، المذيعة المتحررة التى ترفض السطوة الدينية وتعتبر أن كل خراب العالم سببه الإسلاميين. ومعاذ، الشاب المعاق، التى تصفه قائلة: "معاذ حلمى الصغير الذى خلقته بنفسى .. الرجل البكر الذى يقدس الأنثى ويراها رحم الحياة وسواها الموت".
لكن تُجهض الأحلام ولا يتبقى سوى الإنتظار، فريما تتعرض لمحاولة إغتيال من قبل الإسلاميين الذين لا تتوانى عن فضحهم بقسوة من خلال برنامجها التليفزيونى، والذين حققوا ثروات طائلة من تضليل أجيال كاملة، يكرهونهم على كراهية الحياة وإنتظار الآخرة، فى حين أنهم ينهلون من الحياة ويتشبثون بها، فى هيئة أرصدة بنكية، والزواج من قاصرات، .. الخ. أيضاً نلاحظ هنا إعاقة معاذ، الذى يعجز عن تحقيق الحد الأدنى من أبسط الأشياء لنفسه.
إنتابنى الكثير من الشك فى وجود هذا المعشوق، الذى أرى أنه مرسوم بشكل غامض، فمعالمه غير واضحة بالمرة على الرغم من عبارات الهيام والجوى المنتفخة بها الرواية، حتى أنها تقول عنه: "كلما تراءيت لى ظننتك ماء، وحين آتى لا اجدك سوى بقايا ذكريات، أعيدها كل يوم علّها تبقى .. فمن المتعب أن ارجوك، أتوسل إليك حتى فى خيالى .. أن تبقى فى خيالى". وقبل أن نصل إلى حقيقة بشعة وهى تبخر كل الآمال فى رواية تلبس السوداوية رداءاً حتى أنها كتبت فى الإهداء: "الخيبات لا تُهدى"، نجد الراوية/ البطلة تقول: "أنا متأكدة أن مُعاذ حلمى الصغير سيكبر، يوماً ما سيكبر، يوماً ما لن يصبح سجنهم يتسع له، يوماً ما سيحطم غضبه، سجنه، وسينتصر".
هناك نماذج عدة أرى أنه كان يمكن التركيز عليها بشكل أكبر كحسين الصديق الشيعى، وسالم الصديق الإسماعيلى الذى يدعى أنه الله، وموضى الفتاة الشاذة جنسياً، لكن كان التركيز ربما الوحيد على خلود، الجارة العاهرة التى كانت تضاجع كل يوم رجلاً ثم لا تجد غضاضة فى توسط إبنتيها لتلقى على مسامعهم دروس التقوى والصلاح، وتذهب لأمها لتصطحبها إلى الحرم! هذا التركيز سببه هو مشابهة تلك الشيزوفرينية لمجتمعها الذى تصفه البطلة قائلة: "عرفت كيف تحتال المدينة على كبتها وأجهزة الرقابة فيها، ومثاليتها المدعاة، أيقنت تماماً بأنها مجرد عاهرة ترتدى عباءة على الرأس وقفازين، وتصلى وهى على جنابة".
ضبطت البطلة متلبسة مرة بالعنصرية حينما تكلمت عن "الأجانب العرب القادمين من الشام"، الذين "اخذوا منا جزءاً من وطننا" ! ومرة أخرى بالتناقض حينما لم تجد غضاضة فى تحرشات الرجال بـ ريما وعرضهم عليها المال مقابل الجنس: "لن استغرب تحرشاتهم .. الآخرين لا يستطيعون أن يكونوا ملائكة"، فما كان من صديقتها إلا أن اتهمتها بالوهابية.
وكما جاء على لسان البطلة حينما إنتقدت مجتمعها:"نملك فكر المرأة ولا فكر آخر"، وفى موضع آخر تقول: "الناس مرتابون من المرأة أكثر من سلاح نووى"، فقد أُطّرَت الرواية بفكرة الصراع/السجال بين الرجل والمرأة لتصل بنا إلى هذه النتيجة: "كلما أحكم عليها الخناق بقوانينه، زادته إختناقاً بفتنتها"، مع الأخذ فى الإعتبار أنها طوال الوقت تلصق السبق للرجل فى جسام الأحداث: "الرجل هو الذى جاء بالأديان، وهو الذى وضع قانون الأخلاق، وهو الذى وضع قانون التفكير، الرجل هو الذى صنع اللغة لأن آدم هو من علم المرأة والأحياء اسمائها". فهل هو إنتقاص لاواعى من قدر المرأة بحصر جل قوتها فى إغرائها الأنثوى، أم أنه الحط من قدر الرجل الذى توصل لأرقى وأهم الأشياء حينما تضحده القوة الناعمة للمرأة، فيقف مستسلماً لها، ناسياً كل شىء ؟؟
مشهدان أعتبرهما عبقريين فى الرواية ككل، حوار الداعية الشاب الذى أحب ريما والذى كشف فيه عن المافيا الدينية: " وجدتنى مربوطاً بهذا الدرب من عنقى، التيار بات أقوى منى وأنا فرد واحد، لم يعد فى إمكانى التراجع، سيبيحون دمى، أنا كالعبيد، لا أقول إلا ما يقولونه، ولاأفتى دون الرجوع إليهم، استعبدت نفسى بنفسى، فوجدتهم أول من يورطنى فى الشبهات"، وحوار خلود مع ريم حينما بررت لها سلوكها الفصامى، فتتحدث عن نفسها بأنها عوملت كـ "كائن مجرم يقاس بما بين فخذيه" فقط لأنها حدث أن ولدت أنثى: "الرجال يوقعون ورقة ومبلغاً زهيداً من المال ويضمرون فى انفسهم نية الطلاق، يحصلون على متعة جديدة لمدة أسبوع، ثم ينتهى أجل الورقة، ويمضون ينفضون الغبار عن ضميرهم، ليس هناك فرق بين استمتاعى واستمتاعهم سوى ورقة خرقاء واحدة، أن يكون الفرق بين طهرهم وفجورى هو مجرد ورقة، فأنا أفضل ممارسة ذاتى بلا إثباتات"، لتكتشف أنهم مجبرون لا مخيرون. هو، يجبره الآخرون بإرهابه، وهى تجبرها عقدها، ثم تأتى البطلة لتؤكد وجهة النظر تلك: "يا للبائس حين يجالس بائساً مثلة .. كلنا مقعدون .. كلنا اختيرت لنا حياتنا مسبقاً".
وعلى الرغم من أن خلود هى النموذج المغاير لهذا الشيخ، فهو عبد لما فٌرض عليه، أما هى فأبت إلا أن تكسر قيود مجتمعها، لكن كانت أدواتها الخيانات المتكررة، هى فى واقع الحال لم تُعتق .. على العكس .. ظلت عبدة .. عبدة للنزوة .. لعقدها المجتمعية والنفسية، والدليل أنها لم تحظ بالسعادة .. لم تهنأ .. لا تزال مرارات الكون تسكنها .. لأنها ظلت فى قرارة نفسها تحتقر وتنتقم من الرجال بأن تُخضعهم كما يخضعونها بقوانينهم ونظرتهم الدونية لها كامرأة.
هناك من عاش الموت، من رضخ لمر الإنتظار مُمَنياً نفسه كما قالوا له بأن كل شىء مؤجل سيأتى فى الحياة الآخرة، وبما أن الصمت والإنتظار نوعان من أنواع الموت، فهناك، كما الراوية، من إختارالثورة على هذا الإنتظار، من رفض أن يطول مقام جثته على الأرض وهى عاجزة عن الموت، فإختار المواجهة كى لا يصبح كائناً مؤجلاً يعيش الوهم.



#رضوى_الأسود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفغانستان .. هل ستشرق شمسك يوماً ؟!
- عدّاء الطائرة الورقية .. مرثية وطن كان يوماً
- تراجيم العشق
- شوق الدرويش .. الهوس الدينى مقابل الهوس بالمحبوب
- منافى الرب .. حينما يحتفى الموت بالحياة
- إن كانت ثورات -الربيع العربى- صنيعة صهيوأمريكية .. فماذا نحن ...
- عن الإخوان والإعلام وحماس ومصير الثورة
- دستور غير دستوري


المزيد.....




- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضوى الأسود - حينما تصبح الكتابة فعل تعر داخلى