أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام ابراهيم عطوف كبة - الشعب العراقي في بحر من الغضب















المزيد.....


الشعب العراقي في بحر من الغضب


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 1355 - 2005 / 10 / 22 - 10:30
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تلعب الدساتير الدور الحاسم في تأسيس وتوحيد الدولة الجديدة أَو تجديد الدولة؛ و العراق ليس إستثناء، من ذلك. وتلعب صياغة الدستور الدور الرئيسي في إعادة توحيد وتقوِية الوعي الوطني للبلاد.الدستور هو محصلة وتوافق المصالح ويمثل شئنا ام ابينا رأي الاغلبية الفائزة . في الواقع، إن الدستور العراقي الجديد توافقي بين مكونات تتباين فيما بينها في الرؤى والمذاهب والأهداف والوسائل التي يتبعوها لتحقيق رغباتهم كما نعرف، لذا فإنه دستورا لا يحقق كامل الرغبات لأي طرف من الأطراف، ولكن على الأقل يقر بأن هناك ثوابت لا ينبغي لأي طرف من الأطراف أن يعترض عليها .... ، الثوابت ... ! وهذا بالطبع رأس البلاء الذي يعيد انتاج ثقافة القطيع اي الثقافة التوتاليتارية الذي تبشرنا به النخبة الطائفية الحاكمة في عراق اليوم... الدين للجميع والوطن لزعران المرجعيات الطائفية ! بدل الدين لله والوطن للجميع .
كان مشروع "حل الجمعية الوطنية وانتخاب حكومة جديدة " احسن بكثير من مشروع فرض مسودة دستور طائفي يؤسس لنظام مذهبي يتنكر لحقوق نصف المجتمع ويرسم آفاقا مبهمة لمستقبل العراق اللاحق ، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن !. الدستور الطائفي سيؤدي الى تعثر انجاز العملية السياسية التي لم تنته رغم مرور ما يقرب من ثلاث سنوات في العراق تحت ظل الاحتلال ولم يحصل العراق الا على الاف القتلى بمختلف الاساليب الوحشية ، والمختطفين وحكومات انتقالية طائفية هدفها الوحيد تحقيق تقسيم العراق ونهب ثرواته، عن طريق وضع كل طاقاتها في خدمة قوات الاحتلال واهدافها ومنها مكافحة الشيوعية ونشر السلفية والتخلف الاجتماعي. الدستور الطائفي يشرعن كل تلك الاهداف التي لا تخدم سوى استمرار الاحتلال واستعباد شعبنا.ان مواد الدستور مصاغة عن عمد بلغة ملتبسة تعبر عن الاستقطابات الطائفية والقومية والمناطقية اكثر مما تعبر عن الارادة الحرة للعراقيين ،وقد كتبت بآيديولوجية الفقه الطائفي التي تمجد المراجع الدينية واعلاء شأنها وتلزم المشرعين بعدم جواز سن القوانين التي تستجيب لحركة تطور المجتمع وحقوق المواطنة باعتبارها تعارض ثوابت الاسلام .... وبذلك تصادر مواد الدستور الحقوق الاساسية للشعب العراقي وتصهرها في بوتقة التشريع الاسلامي باعتبار الاسلام وحده اساس التشريع. يؤسس الدستور لنظام ديني يقوده المعممون ممن تربوا في أوكار الحوزات الدينية في ايران وتشربوا بالافكار الطائفية والتعصب الاعمى لولاية الفقيه في ايران ، المعممون الذين يعرفون مدى الهيمنة الإيرانية على جنوب العراق، وذلك برغم تكذيب التنظيمات الشيعية الحاكمة، وحتى لو رددت التكذيب ألف مرة في اليوم الواحد! ... وهو ما يقود عمليا الى فصل جنوب العراق ووسطه من خلال الدعوات المشبوهة لما يسمى بالفيدراليات العشائرية- الطائفية وبفيدرالية الجنوب التي تعني في مضامينها النهائية اقامة كيانات طائفية هزيلة تكون معبرا للتوسع الايراني وتسويق سياساته المعادية للشعب العراقي . النفس الطائفي الذي طغى على المسودة والافراط في الخصوصية الدينية سيكونا مدخلا لنشوء النزاعات الطائفية والمذهبية والقومية ... وبات في حكم المؤكد إذا عاد الإسلاميون الشيعة (إن كل محاولة لادعاء احتكار تمثيل الطوائف من سنية وشيعية في العراق لا تقوم على أي أساس؛ فلا هيئة علماء المسلمين أو مجموعة المطلق، ولا الأحزاب الشيعية، أو رجال الدين، ولا هذا الفريق أو ذاك من المثقفين، يحق لهم ادعاء هذا الاحتكار)إلى الحكم بعد الانتخابات المقبلة فإن الصراع الطائفي سيزداد عمقا في البلاد ، وان ذلك سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها...
لا بأس فالاندفاع نحو الرموز الدينية ماهو الا ردة فعل طبيعية لسنين من الكبت الديني والاضطهاد العقائدي ... ومتى ما سمحنا لممثلي هؤلاء المكبوتين من الوصول الى سدة الحكم حتى اذا بحالة الكبت تنتهي ويكتشف الجمهور بعد ذلك ضحالة الطروحات العمائمية . فحكومة الجعفري خسرت الكثير من المريدين والاتباع منذ توليها الحكم ولغاية الان وهذا ما يراه كل عراقي بجلاء ووضوح .... بينما بقيت التيارات الاسلامية الشيعية الاخرى تحظى بالاعجاب والتهليل والتصفيق من قبل الكثير من جموع الشباب في العراق لانها مازالت الى الان تردد الشعارات دون ان يراها المواطن في سدة الحكم ليختبرها هناك !. ان السماح لباقي التيارات الاسلامية بالولوج الى الساحة الديمقراطية يعود بالنفع من ناحية سحبها الى ساحة المواجهة السياسية بدلا من تركها مسلحة في الشارع تذبح وتقتل كيفما تشاء فولوج زعماء هذه التيارات الى العمل السياسي الديموقراطي ومشاركتهم في الحكم ستحتم عليهم ان يمنعوا انصارهم من ممارسة اعمال العنف والقاء السلاح ، وسيكشف ذلك افلاس هذه التيارات للناخبين وضعفها حيث لا تستطيع رؤاها الضيقة واهدافها ذات الاتجاه الواحد من ان تلبي مطاليب انصارها فضلا عن مطاليب باقي التيارات الاخرى ... ان إعطاء المرجعيات الدينية دور الحكم الفصل في تحديد معنى الإسلام يمكن أن يفتح الباب لإخضاع مؤسسة التشريع (البرلمان) لهيمنة رجال الدين- الطائفة إذا ما نجحت الجهود الجارية لتسريب أصحاب العمائم إلى المحكمة الدستورية، أعلى هيئة للبت في دستورية القوانين، وبناء نظام سياسي للملالي أقرب إلى النظام الإيراني وأكثر التصاقا به. ويزيد من هذا الاحتمال أن الدستور ينص على أن تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون... ان ما يمكن ملاحظته بشكل جلي عِبر مواد الدستور هو زج الدين بالسياسة باتجاه تغليف السياسة بغطاء الدين، أي تبعية السياسة للدين- الطائفة، وحشر أمور السياسة الدنيوية بكل عناصرها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية- ذات الطبيعة المتغيرة والمتطورة- في زاوية مضغوطة لصالح العناصر الدينية ذات الطبيعة الثابتة/ الجامدة... أي أن الوعاء الحضاري سيكون هو الدين- الطائفة حيث ستخضع كافة عناصر الحياة الدنيوية لهذا الوعاء الذي سيحد من نموها وتطورها كما حصلت في الحضارات العراقية القديمة التي انتهت في كل مرة إلى التراجع والزوال وانتظار قرون طويلة للبدء بالنهوض والحركة ومن ثم السقوط في ظروف جمود القيم الدينية التي تمنع عادة تطور عناصر الحياة الدنيوية المادية المتطورة. ان تدخل المرجعيات الدينية في القرارات السياسية يجعل الافراد يفقدون ثقتهم باحزابهم وبمرجعياتهم حين تتقاطع الرؤى السياسية ، ويسمح تدخل المرجعية الدينية الشيعية في الشؤون السياسية ، شاء البعض أم أبى ، امتلاك رجال الدين الآخرين من أتباع الأديان والمذاهب الأخرى ومن مختلف الجماعات حق التدخل في الشؤون السياسية وبالتالي يكون الحصاد للجميع سيئا وعقيما ، وتفقد الدولة موقفها الحيادي من كل الأديان والمذاهب وتتحول إلى دولة دينية ومذهبية سياسية غير مناسبة للعراق. وتصف المجموعة الدولية لمواجهة الأزمات وهي مركز بارز للأبحاث الدستور بأنه وثيقة ضعيفة لا تحظى بالإجماع ، وستؤدي إلى تعميق الخلافات العرقية والطائفية ويرجح ان تزيد حدة العنف وتعجل بتفكيك البلاد.. وتقول المجموعة ان الدستور العراقي مبهم وفضفاض فيما يتعلق بعدم المركزية وسلطة فرض الضرائب ويترك مسائل عديدة لتشريعات تسن في المستقبل في برلمانات يرجح ان تكون للشيعة فيها اليد العليا.
لا تعني الاستفتاءات والانتخابات في ظل الاحتلال الاميركي سوى المجيء بحكومات منفذة لأِهداف المحتل والاقرار بدساتير وقوانين لا تعبر عن إرادة الشعب العراقي ناهيك عن ضرورات الأمن وضمان حياة المواطنين. أدى الاحتلال إلى تمزيق الوحدة الوطنية نتيجة ممارسة المحاصصة الطائفية في المؤسسات التي أقامها، وهو ما يتنافي والحقوق المتساوية في مجال الترشيح والاقتراع ، بمعنى أن هذه الاستفتاءات والانتخابات لن تكون قادرة على أداء وظيفتها في الانفتاح على جميع المواطنين وحق المواطن المتساوي في الترشيح والاقتراع في ظل الاحتلال...لهذا ينبغي ان تتواصل الجهود لمواجهة الاقرار " الاعمى " للدستور بالرفض والادانة لوضع حد نهائي للمرض السياسي والخلل الفكري الذي تعانيه الجماعات الطائفية والذي سيؤدي الى تحطيم كل ماهو تقدمي ووطني حققه العراقيون بدمائهم الزكية. ان استشراء الفساد الاداري والمالي والرشوة والمحسوبية والتمييز على الاسس المذهبية والعقيدة والاعتداء على المواطنين من قبل ميليشيات الحكومة صفة مميزة لحكومة الجعفري التي فشلت في توفير ابسط اوليات المستلزمات المعيشية للمواطن العراقي . سيخلق الحكم الديني في العراق للبلاد مشاكل لا نهاية لها، وأن تلك المشاكل لن تقف عند حدود العراق بل ستنتشر وتعم المعارك والحركات السرية والفوضى المنطقة كلها. واذا لم تتحرك الحكومة والحركات السياسية العراقية وكل الحريصين على العراق بإتجاه ردم هذا المطب فإن البلاد ستواجه نكبة أشد وطأة من نكبة انقلاب شباط الاسود في عام 1963 وسيمتد مسلسل الدمار الى كل شعوب المنطقة.
تتجلى سلوكيات حكومة الجعفري في عقدة الأنا الكبيرة الفاضحة وشيوع ثقافة الموروث الالغائي التخويني التكفيري المستمدة من نظام يعود بجذوره الى قرون طويلة من القمع والإجرام وتدمير المجتمعات التي أظلها بظله الكالح السواد ، فدخلت ثقافته الى النخاع وامتزجت بالمقدس لتصبح كل موبقاته مقدسات بمرور الأيام ...انها ثقافة عقدة الفرقة الناجية وتقسيم الجنة والنار والكفر والإيمان.. ثقافة عناكب الشك والحذر وقيم النفاق والغدر والأنانية ولوائح تطول وتطول من الحلال والحرام.. ثقافة الانتقام و القمع ! . الحكم الاسلامي الشيعي القائم يرفض الديمقراطية أو يعتمدها في أفضل الاحوال لغايات تكتيكية، فالاشكالية التي تطرحها حركات الاسلام السياسي عموما هو التمسك بشعار الاسلام كحل في مقابل الحلول الاخرى التي تصبح بالنسبة لها معادية للاسلام بمجرد امتناعها عن أخذ البعد الاسلامي أساسا لها.على الصعيد السياسي يؤدي ذلك الى استحالة تحقيق اجماع وطني حول التغيير الضروري للدولة وتحديد طبيعتها ودورها في المجتمع ، وتقوض كل محاولة لتشكيل كتلة تاريخية حول المشروع البديل. لم يصب اداء حكومة الجعفري في تعزيز الحوار بين العراقيين وشد لحمتهم وتكريس الهوية العراقية وكبح جماح الارهاب والتطرف والعنف، بل خدم اهدافا حزبية ضيقة واستجاب عمليا لرغبات من يريد الشر للعراقيين، بل وصب الماء في طاحونة فلول صدام واجهزته القائمة لحد الآن ومهد الطريق لتسلطهم من جديد على رقاب العراقيين مع حلفائهم الجدد من التكفيريين الذين اقاموا لهم "امارات" دموية في بعض اراضي بلادنا والرامية الى هدم البلاد وتدمير كل امكانياتها وثروتها واثارة حرب طائفية. ان اهم سبب في الاخفاق والذي كان باديا حتى قبل الانتخابات وتشكيل الحكومة هو ان غالبية اقطاب التيار الديني السياسي الشيعي، شاؤا ام ابوا، والذين خاضوا صراعا مريرا ضد المنحى الطائفي المتطرف العنفي المشين للعهد السابق، سرعان ما رضخوا لمنحى طائفي متطرف مقابل يتعارض بل و يضر بالمسعى النبيل لتكريس الهوية العراقية وطرد ثقافة التطرف والعنف والغلو والتعطش للدم من حياة المجتمع، وهو مأزق سياسي وقعت فيه كل الاحزاب الطائفية من كل لون. هذا المنحى هو الذي سعى ويسعى الآن الى نقل الصراع السياسي الاجتماعي والاقتصادي والحزبي من اطاره المعروف الى صراع طائفي يغطي على الاسباب الحقيقة للصراع السياسي. اضافة الى انه يكرس عقلية وثقافة الطائفة والعشيرة في بناء الدولة والحركات السياسية في الوقت الذي يحتاج العراقيون فيه الى ازالة هذه الثقافة التي اعتمدتها الحكومات السابقة وبعض الحركات السياسية الموالية لها في عهود الظلم والى بناء دولة عراقية وليس دولة طوائف تتناقض مع بناء الدولة الحديثة التي ينشدها العراقيون. ان سلوك هذه التيارات سارت على نهج تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والعنف وممارسة المراسيم الدينية بشكل عنفي ونزف الدماء في الشوارع وشحن مشاعر العنف والانتقام بحيث تحولت حتى مناسبة الاحتفال بميلاد الامام المهدي الى مناسبة لطم وتطبير. ان عددا من الاحزاب الدينية وانصارها وضعوا انفسهم بمقام رب العالمين في تطبيق شريعة الله والقصاص ولا يخضعون لقانون الا قانونهم وشريعة الغاب. وبهذا فهم ينافسون القاعدة والتكفيرين و "امراء الاغتصاب وقطع الاعناق والسرقة" في سلوكهم. لقطعان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اسماء والقاب كثيرة،فمن رجال الحسبة و المطاوعة الى الحرس الثوري وجيش المهدي الى شرطة الاداب .ومهما اختلفت اسماءها وتعددت يبقى مجال عملها واحد ،هو مراقبة الناس والحد من حريتهم والانتقاص من اخلاقهم والاعتداء على اعراضهم . سيكف الناس في العراق عن القول رمضان كريم، ففي رمضان تنزل مليشيات الله افواجا ليعيثوا بالارض رعبا وارهابا وفسادا. لم تفارق الشعب العراقي الحزن والالم والمرض لانه ُصدم بسياسة المحاصصة الطائفية التي انتجتها الانتخابات السابقة والتي جاءت كرد فعل طائفي وقومي على سياسة النظام الدكتاتوري المقبور ، وليس على اساس برامج سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية طرحتها قوائم الاحزاب الفائزة .لذلك لم تكن الحكومة الجديدة المنتخبة حكومة اجماع وطني تمثل مصدر قوة ومنعة يعتمد عليها في انجاز متطلبات المرحلة من القضايا الوطنية وايقاف الارهاب وشل حركته ودمويته ، بل تشكلت على اساس القوائم الفائزة ( حكومة فائزين) وعلينا احترام المبدأ الديمقراطي وصناديق الاقتراع – ولكن يبقى تشكيل الحكومة الجديدة على اساس المحاصصة الطائفية احد اسباب ضعفها .
إن الثقافة الإنسانية تتعرض اليوم في العراق إلى الكثير من التغييب والتشويه وإلى انتشار ثقافة صفراء جامدة ومتخلفة ومرضية في أغلبها ، تدفع بالشعب إلى مهاوي التخلف والفاقة الفكرية والجدب الفكري الإنساني. إن السياسات الطائفية السياسية والتمييز الديني والطائفي إزاء أتباع الأديان والمذاهب غير الشيعية هي المهيمنة وهي القاتلة لكل سلوك وسياسة ديمقراطية في البلاد ، وهي التي تعيق بدورها كسب أناس جدد للعمل السياسي الديمقراطي. يدفع الفكر الغيبي الذي تنشره القوى الدينية بالشباب من النساء والرجال بعيدا عن إدراك حاجاته الأساسية الفكرية والسياسية الفعلية ، إذ أن نشاط الجماعات الإسلامية موجه ضد الفكر الديمقراطي وضد العلمانية ومبادئ الحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
الديموقراطية لا تمنح من قبل محتل أو حاكم ، مهما كانت مسوغات ادعاءاته ، كما لا يمكن أن تفرضها ، أو تحققها ، قوى خارجية مهما كانت قدرتها وقوة باسها ، إنما ، الحرية ، والمساواة ، بين المواطنين ، ومساواة المرأة بالرجل ، وعموم الحقوق الديموقراطية ، يتم انتزاعها عبر النضال السياسي والمطلبي الدؤوب . ليست الحرية هبة وهدية تهبط من الاعلى بضربة ساحر او مائدة تهبط من السماء على طالبيها . انها فعل انساني تتأسس فيه شرائع العدالة والحقوق . والحرية تحاصر فساد القدوة السيئة التي يضربها الحكام ، واهتزاز نظم القيم ، ونقص مستويات الوعي والمعرفة ، والفقر والحاجة ، والجشع والجهل الى جانب فساد الانظمة وقصورها وتخلفها وعدم وضوحها …! فعلى الرغم من أن قانون إدارة الدولة ، كان قد شرع لفرقة طائفية وعنصرية ، ينتهي مفعولها بانتهاء مفعوله في إقرار دستور جديد بعد حكم انتقالي قصير ومؤقت ، فإن الدستور الجديد ، المصاغ وفق المخطط والفهم الأمريكي لمصالحه ، قد كرس الطائفية والعنصرية بشكل دائم وهذا بعيد كل البعد عن الديموقراطية ومفاهيمها ، وشرع الأساس لاضطهاد طائفي مقبل في الكثير من أبوابه ومواده ، ويحقق الديكتاتورية للولي الفقيه ، ويرسم المستقبل لقيام دويلات هزيلة عنصرية وطائفية متناحرة ، تسهل المهمة على المحتل ، الأمريكي ، لأن ينفرد بفرض تواجده في مناطق وأزمان هو يختارها ولعشرات من السنين القادمة ، ستؤثر على عموم منطقة الشرق الأوسط ، تحقق له الهدف والغاية التي جاء من أجلها .!
تشترط العملية الديمقراطية التزام الجميع بقبول النتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع ، لكن هذا لا يعني تجميد الصراع السياسي الاجتماعي بين القوى السياسية المتنافسة بل يعني تحريم أساليب الاقصاء والاحتكار والتهميش لتحل بدلا عنها قواعد التنافس السلمي لكسب الشرعية. ان وصول أحزاب الاسلام السياسي الى السلطة عبر الاقتراع ليس نهاية التاريخ لانه يحصل في ظرف غير مناسب واستثنائي وغير طبيعي ، فالناخبين في العراق لا يصوتوا على أساس مصالحهم الاجتماعية وعلى أساس الموقف من البرنامج السياسي ،انما يصوتوا كرد فعل على الاوضاع غير الطبيعية التي تسود العراق من تمييز طائفي واضطهاد قومي وقمع سياسي مرافق لها ، والتي عملت بشكل منظم على تزييف الوعي الانساني العراقي واعاقة قدرته على الاختيار الحر الواعي. ان شعار( الحل الاسلامي ) الذي ترفعه أحزاب الاسلام السياسي لا يمكن أن يلبي مصالح وتطلعات وطموحات الجماهير.... لانه ينبثق عن مصدر واحد الا وهو المشروع الكومبرادوري في المناطق المهمشة للمنظومة العالمية الراهنة... وبالتالي فأن الصراع بين أصحاب الحل الاسلامي وبين غيرهم من ممثلي الطبقات الكومبرادورية الحاكمة لا يخرج عن اطار الصراع داخل نفس هذه الطبقة الكومبرادورية من أجل احتكار السلطة ، وليس ناتج انقسام آيديولوجي بين أنصار الحكم الديني وانصار العلمانية كما تزعم الحركات الاسلامية . فأنقسام الطبقة الكومبرادورية على بعضها هو ناتج عجز الخيارات الكومبرادورية عن تقديم حلول مقبولة للمشاكل الاجتماعية.
شكل النفط في العراق المعاصر رمزا أصيلا من رموز نضال شعبه ومعلما ساطعا من معالم وحدته الوطنية.. وبعد أن أخذ المحتل بتمزيق الوحدة الوطنية العراقي من خلال المحاصصة الطائفية وبناء الكانتونات تحت مزاعم الفيدرالية والديمقراطية بغية تسهيل السيطرة على العراق ونهب ثراوته، لجأ إلى نفس الأسلوب بتقطيع قطاع النفط وضرب رمز آخر من رموز الوحدة العراقية.. بما في ذلك أيضا فتح الباب أمام توجيه الإيرادات النفطية نحو الاستهلاك على حساب إعادة البناء ومسيرة التنمية في العراق.
لن يمثل الدستور العراقي سوى مصالح النخبة الحاكمة في عراق اليوم... فالنخبة الحاكمة في البلاد عملت كل ما بوسعها من اجل التصويت الإيجابي على المسودة التي قدموها للشعب، ومن الواضح ان خطواتهم في اغلبها كانت قانونية واعتمدت في جانب كبير منها على الحوار السياسي بما في ذلك صفقات توزيع المناصب المستقبلية. ويستهدف المحتل وفي مجالات متعددة من هذا الدستور الذي يحتوى على القنابل الموقوتة والمفخخات تدمير العراق ووحدته الوطنية، تثبيت أسلوبه في تحويل الصراع بين قوى الاحتلال وبين القوى الوطنية المطالبة بالاستقلال بخلق صراعات بين القوى العراقية ذاتها، وضرب عناصر الوحدة الوطنية وإنهاء دور القوى الوطنية الرافضة للاحتلال. قبل يوم من بدء عملية الاستفتاء على الدستور العراقي تعهد الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن تبقى القوات الأمريكية في العراق إلى أن يتم إحراز النصر الكامل هناك. وبرغم نتائج استطلاعات الرأي الداعية لسحب القوات الأمريكية والانتقادات الموجهة لسياسات إدارته في العراق فان الرئيس الأمريكي رفض مجددا وضع جدول زمني لانسحاب القوات. الحقيقةَ الأكثر أهميةً أن المسودة لم تذكر الإحتلال الأمريكي حتى، ولا التصديق ولا الرفض منه سيؤديان إلى الإنتقال نحو نهاية الإحتلالِ. ولا حقوقِ الإنسان الواسعة في المسودة تتضمن أي نداء لإلغاء القوانينِ الحالية التي فَرضت أولا من قبل بول بريمر. من ناحية الأفضلية فان إدارة بوشِ، فضلت التصويت ب"نعم" مهما كانت بسيطة وهزيلة وناقضة للشرعية، لتصديق ودعم الإدعاء بأن الإحتلال يؤسس لمرحلةَ "دمقرطة " في العراق؛ هذاُ يتبين من خلال الإستثمار الضخم للمالِ، و النفوذ السياسي، والتدخل الشخصي / تدخل السفيرِ زلماي خليل زادة في عملية الصياغة.
سيدفع الدستور العراقي مزيد من الناس للتذمر من الواقع الجديد وسيسهم في دفعهم للوقوف إلى جانب فلول صدام حسين والقوى الأخرى التي تزيد في الطين بلة أو تأييدهم أو حتى المشاركة معهم في أعمالهم الإجرامية، وهو ما لا يساعد على إيقاف الإرهاب الدموي ودفع العملية السياسية نحو الأمام. لا ينبغي لاحد ان يستكثر على العراقيين إبداء رأيهم بحرية سواء بالرفض او بالقبول، كما لا يحق لاحد التأثير فيهم عاطفيا او دينيا او بالتهويل وبالمبالغة الإعلامية في امور ليس من اختصاصهم كالكثير من بنود الدستور. فالاستفتاء وقبله الانتخابات وما تلا وسيتلو ذلك من ممارسات، ليست سوى تجربة على الجميع التعلم والخروج منها ايضا باقل الخسائر واعظم الفوائد. العراقيون تنوء بهم الايام من شكليات السياسة، ومصابون بالكدر ويعانون من سقم اليأس في حلهم وترحالهم، لكنهم كباقي خلق الكون، ملمون بواقعهم وكما في الريف والمدن، يتداولون السياسة مع الشاي والخبز، لذلك فان مسألة مهمة كالدستور لابد ان تهمهم، وكذلك الممارسة الدستورية كالاستفتاء وإبداء الرأي، الذي يعد الآن واحدا من اهم سمات الحالة السياسية في العراق، لان الذين يهددون ويتوعدون الآن، ما كانوا يفعلون واحدا من المليون مما يفعلونه الآن، عندما كان يجرهم «الرئيس القائد» لشوارع المبايعة من آذانهم ليبصموا على اوراق مبايعاته المطبوعة بـالـ «نعم» الوحيدة! (لا) كبيرة لزج المرجعيات الدينية في القضايا السياسية.و(نعم) لارادة الشعب حتى ولو صوت بـ (لا). و(نعم) لارادة الشعب في مواجهة الاقرار " الاعمى " للدستور بالرفض والادانة !
ما العمل من اجل انجاز المهمات الامنية واعادة الطمأنينة للشعب العراقي ؟ أبرز الإجراءات هي أن تقرر الجمعية الوطنية والحكومة ومن ورائها كل القوى السياسية العراقية مسائل جوهرية في مقدمتها العمل من أجل أن تلعب الأمم المتحدة دوراً قياديا ومركزيا في دعم جهود الشعب العراقي لإعادة الأمن والاستقرار بدلا من القوات الأمريكية والبريطانية التي كانت وستبقى تعتبر قوات احتلال من قبل الغالبية العظمى من الشعب العراقي إن لم نقل كل الشعب... والحاجة إلى الموقف الموحد إزاء الإرهاب الذي سوف لن ينقطع لا بسبب الوضع الداخلي أو بسبب وجود قوات أمريكية وبريطانية أو أجنبية عموما في العراق فحسب ، بل بسبب الجيران والقوى الخارجية التي ترى فيه إرهاقا للولايات المتحدة والتدليل على فشل سياستها في العراق وفي المنطقة ، وهي بمثابة دفاع ذاتي عن النفس في مواجهة احتمال حرب إستباقية تعتمدها الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية. الاخطر في الموضوع أن إيران هي التي تقف وراء تمويل وتوجيه التنظيمات والميليشيات والمجموعات التي تبيح لنفسها الخطف، والقتل، والهجوم على الجامعة، وكل الجرائم الأخرى.وهذه الميليشيات والتنظيمات تتدخل بشكل سافر في الانتخابات والاستفتاءات ، سواء بالتخويف أو الإغراء، أو بفتاوى وخطب رجال الدين في الجوامع والحسينيات التي تحرم التصويت لغير قائمة الإئتلاف. وسيبقى التحالف الإيراني – السوري الإرهابي البلية الاكبر في تولي عتاة اللصوص مسؤولية مواقع اتخاذ القرار في العراق !
العراق في وضعه الحالي يحتاج الى التنسيق والى التعاون والتناغم الفعلي بين الشعب والحكام اولا وبين كل مكونات السلطة ثانيا والا كل سيغني على ليلاه !



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تشفع العلاقات الطائفية والعشائرية والمناطقية الشللية لجرذ ...
- الإرهاب الحكومي والإرهاب غيرالحكومي
- الوقفة الشامخة في محاكم الجلادين
- العراق لا يقبل ان يعلمه روزخون حرامي او ما شاكل يلطم بالساطو ...
- اداء القوات المسلحة العراقية لا ينال رضا شعبنا العراقي
- الدجيلي في وجدان الشعب العراقي
- اكتوبر والحروب العادلة والشيوعية
- معركة الكهرباء مع الارهاب والفساد والفرهود والميكافيلية في ا ...
- علوية الدستور الشهرستاني والغاء الاعتراف بالشرعية الدولية لح ...
- يوم السلام العالمي
- دفاع سلام ابراهيم كبة امام الحنقبازيات الطائفية الشيعية
- الدولة التسلطية والاقتصاديات الشيعية
- تسويق بضاعة الطائفية في العراق
- لا تقسروا اولادكم على آدابكم فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم
- الشيعية الطائفية وشفافية الديكور المقنع في العراق-الجعفري نم ...
- الارهاب الفكري والفساد في الجمعية الوطنية
- الجمعية الوطنية والجمعية اللاوطنية
- الاصولية الشيعية في العراق والأحتضار السياسي
- هذه فيدراليتك الشيعية يا عبد العزيز... الحكيم
- فوضى الكهرباء البناءة في العراق


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام ابراهيم عطوف كبة - الشعب العراقي في بحر من الغضب