أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ورطة العبادي















المزيد.....

ورطة العبادي


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4927 - 2015 / 9 / 16 - 18:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



يبدو أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في ورطة حقيقية، وهذه الورطة لم تكن ناجمة عن الحراك الشعبي الواسع وحركة الاحتجاج العارمة، بل هي جزء من الأزمة المستفحلة التي يعيشها العراق منذ احتلاله في العام 2003، فضلاً عن مخرجاته، بما فيها نظام المحاصصة الطائفية والإثنية واستشراء الفساد المالي والإداري، وتفشي العنف وشيوع ظاهرة الإرهاب المنفلت من عقاله.
وقد أسهمت تلك العوامل والمتغيرات في إضعاف مبادئ المواطنة والهوّية الموحّدة، وعززت الشعور بالتمييز وعدم المساواة لدى فئات واسعة من السكان، في ظل انعدام الأمن والأمان، وتصدّع وحدة الدولة العراقية أو ما تبقّى منها، بعد أن حلّ الحاكم المدني الأمريكي، بول بريمر الجيش العراقي.
العبادي الذي أعلن عن رغبة في الإصلاح الفوري، وباشر بتحديد إطاره العام، لم يكتف بذلك، بل أكدّ أنه سيضرب بيد من حديد جميع الفاسدين حتى إنْ كانوا من حزبه أو كتلته. ولكن هل يكفي ذلك لإنجاح عملية الإصلاح؟ أم أنه بحاجة إلى مستلزمات ضرورية لابدّ من توفّرها لنجاحه؟ فالإعلان وحده ليس كافياً لتحقيق الإصلاح، أو وضع حدّ للفساد كغول جبّار، الذي يمثّل الوجه الآخر للإرهاب والعنف.
الإصلاح يحتاج بعد توفّر الإرادة السياسية، إلى دراسات معمّقة لجوانب الحياة كافة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وقانونياً وتربوياً، ووضع الخطط والبرامج العلمية والعملية لمعالجتها، بحيث تعكس حاجات المجتمع وتطلّعاته من دون إهمال أي منها، بما فيها مشاركة المجتمع المدني، الذي يتطلّب منه أيضاً عدم الاكتفاء بدوره كقوة احتجاج أساسية في الدعوة للإصلاح وفي حركة التظاهر والاعتراض، بل التحوّل إلى قوة اقتراح للقوانين والأنظمة، في اتخاذ القرار، بما يعزّز وحدة الإرادة والعمل.
الإصلاح يحتاج أيضاً إلى كفاءات، ومعرفة بمتطلّبات التغيير وأجهزة الدولة ومكامن الفساد التي استحكمت فيها، مثلما يحتاج إلى قضاء مستقل ونزيه (وشجاع في هذه المرحلة بالذات) لملاحقة الفاسدين والمفسدين، وتمكين العدالة من قول كلمتها، بغضّ النظر عن مجاملة هذه الكتلة أو تلك، أو هذا الحزب أو ذاك، أو هذا المسؤول أو ذاك.
وإذا أراد العبادي فتح ملفّات الفساد كما قال، فسيواجه طابوراً طويلاً وطاقماً عريضاً من الذين ستطالهم المحاسبة منذ احتلال العراق وحتى الآن، بمن فيهم رؤساء وزارات، ووزراء ومسؤولون كبار، وبالطبع فإن الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية أساسية في ما وصلت إليه البلاد، وكانت وراء الفساد الذي أخذ يتغلغل في مفاصل الدولة العراقية المتفكّكة، ويعشش في جوانبها وثناياها المختلفة، عبر تعيين فاسدين والتواطؤ معهم أو غضّ النظر عن فسادهم، لاعتبارات سياسية أو مصلحية، ابتداءً من مجلس الحكم الانتقالي وما بعده. فهل يستطيع العبادي بإمكاناته المحدودة ومن دون حلفاء يُذكرون أن يحقق ذلك؟
لقد بدّد بول بريمر وحده ثمانية مليارات و800 مليون دولار، وسارت على منواله الحكومتان اللتان تلته، بحيث ضاع أكثر من 20 مليار دولار من دون أي إنجاز يُذكر. والكارثة الأكبر بذهاب أكثر من 700 مليار دولار وهي واردات النفط خلال سنوات ما بعد الاحتلال، هباءً منثوراً، سواء بسرقات أو عقود وهمية أو امتيازات أو عدم شعور بالمسؤولية إزاء المال العام، حتى إنه تم صرف عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الكهرباء طيلة الثلاثة عشر عاماً المنصرمة من دون أي تحسّن حقيقي، وكذا الحال بالنسبة للخدمات الأخرى، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، إضافة إلى البطالة التي تزيد على 20% حسب تقديرات الأمم المتحدة، في حين أنها أكثر بكثير من ذلك إذا احتسبنا البطالة المقنّعة، والأمية التي ارتفعت ما يزيد على نسبة البطالة، وبالطبع فإن ذلك كلّه يشكّل بيئة خصبة للإرهاب وحاضنة للعنف.
لا يخفى إن حركة الاحتجاج الأخيرة عجّلت إعلان العبادي عن توجهاته لتحقيق الإصلاح، وزاده الأمر تشجيعاً إعلان مجموعة رجال الدين المتنفذة في النجف، وفي مقدمتهم السيستاني عن تأييده لتوجّهه، خصوصاً بعد أن أصبح مستقبل السلطة السياسية في العراق على كفّ عفريت، ولاسيّما مع استمرار احتلال «داعش» للموصل والعديد من المدن العراقية، وبقاء الخلافات مع إقليم كردستان، على الرغم من محاولات تطويقها، وكذلك الانتقادات والاتهامات لاحقاً ضد الحشد الشعبي، إضافة إلى تخفيض ميزانية الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط.
وإذا كان «الجميع» قد أعلن تأييده للإصلاح، ولو على مضض، لاسيّما بعد أن زكمت رائحة الفساد الأنوف «طلعت ريحتهم» على الطريقة اللبنانية، فإن الخوف من الاتهام بالفساد كان وراء هذا «التأييد»، ولكن أغلبية الأطراف أبدت تحفّظات غير معلنة على توجّه العبادي، تارة بحجة عدم استشارتها أو من دون علمها، وتارة أخرى بزعم إن هذه الإجراءات تحتاج إلى وقت وليست المهمة ذات طابع آني.
نقول إن العبادي في ورطة، لماذا؟ لأن الإعلان عن تبنّي نهج الإصلاح يحتاج إلى أدوات مناسبة قد لا تكون متوفرة وجاهزة في ظل صخرة الواقع الصلد، خصوصاً أن لدى الفاسدين خطوط دفاع كثيرة، وجدراناً سميكة يصعب اختراقها، فهل يمكن الاعتماد على من شارك أو تواطأ أو سكت على الفساد طيلة السنوات الماضية؟ كما لا تكفي الشعارات ذات الطبيعة التعبوية لتحقيق الإصلاح، الذي هو مسار طويل الأمد، وقد يكون متعرّجاً، ولذلك يحتاج إلى صبر طويل وإصرار على مواصلته.
يُذكر إن جميع الكتل والأحزاب والقوى من دون استثناء متورّطة في الفساد بدرجة أو أخرى، كبيرة كانت أم صغيرة، وجميعها سكتت عن عمليات النهب للمال العام والفساد والرشا والتزوير، وتواطأت مع الفاسدين من منتسبيها، وكذلك مع الذين تم توظيفهم لحساب جهات خارجية، سواء قبل الاحتلال أو بعده، حتى إن حملوا أسماء للمجتمع المدني أو مراكز أبحاث أو غيرها.
إن التركة التي خلّفتها الحكومات السابقة للعبادي ثقيلة جداً، خصوصاً إنه جاء عقب فترة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي دامت ثماني سنوات، ولم تحقّق أية إنجازات على الصعيد العملي، خصوصاً في ميدان الخدمات والكهرباء والماء والصحة والتربية والتعليم والثقافة والعمل وغيرها، وارتفعت خلالها وتيرة الانقسام المذهبي والإثني وزاد الطين بلّة احتلال «داعش» للموصل وتهديده بالتمدّد نحو بغداد.
ولذلك فإن تجاوز الآثار الضارة والخطرة ستكون عملية صعبة وقاسية ومعقّدة ولن تكون من دون خسائر، ولا يُستبعد أن تطيح العبادي ذاته إنْ لم تتوفّر عوامل موضوعية وذاتية تمكّنه من الاستمرار في نهجه من دون توقّف أو تراخ أو تراجع، وقد يحتاج الأمر منه لمواصلة نهج الإصلاح اتخاذ خطوات حازمة وجريئة، مثل إعلان حالة الطوارئ وحلّ البرلمان وتشكيل وزارة جديدة خارج إطار المحاصصة، لأن أي نكوص عمّا هو معلن سيوقعه صريعاً، خصوصاً وهو يقف ضد الطاقم السياسي الحاكم برمته.
لقد حاول الزعيم السوفييتي خروتشوف في العام 1956 والذي أعقب الزعيم الكاريزمي ستالين، إجراء إصلاحات، خصوصاً بعد أن كشف في تقرير قدّمه للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لكنه لم يستطع تحقيق نجاحات تُذكر، وظلّت الإصلاحات التي دعا إليها فوقية، خصوصاً إن طاقم ستالين وموظفيه ظلّ متربصاً، وهكذا أزيح خروتشوف، وعادت الستالينية التي لم تبارح موقعها أصلاً إلى الظهور بثوب بريجينيفي جديد.
كما حاول غورباتشوف منذ تولّيه الحكم في العام 1985 الدعوة إلى حزمة إصلاحات عميقة تتعلق بإعادة البناء والشفافية والتي عُرفت باسم (البريسترويكا والغلاسنوست) لكن خططه للدمقرطة ومواجهة البيروقراطية والترهل الإداري والفساد الحزبي والحكومي، لم يُكتب لها النجاح، لأنها كانت مستعجلة وغير مدروسة في بعض جوانبها، وفي جوانب أخرى غير تدرّجية، فضلاً عن وجود عوائق كبيرة أمامها، ولهذه الأسباب لم يطح بغورباتشوف فحسب، بل أطيح بالمنظومة الاشتراكية بكاملها، وبالاتحاد السوفييتي آخر قلاعها وأهمها، فهل سيطاح بالعبادي وحده إنْ فشلت خططه للإصلاح، أم يطاح بما تبقّى من العراق؟
ولكي يتجنّب العبادي مصير خروتشوف وغورباتشوف مع الفارق في التشبيه، فعليه مواصلة نهجه خارج منظومة الطاقم الحاكم، وبناء تحالفات جديدة، واتخاذ إجراءات فعّالة من دون تردّد أو انتظار، وإلاّ فإنه سينتحر أو يُنحر، وفي كل الأحوال فإن ذلك خسارة حقيقية للإصلاح ودعاته وللعراق ومستقبله، وتلك هي ورطة العبادي.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الباردة الجديدة
- بصمة حقوق الإنسان
- الفساد والحوكمة والتنمية
- تظاهرات العراق: من أين لك هذا؟
- فن الضحك والسخرية في أدب أبو كَاطع
- رصاصة الفراشة وصورة «إسرائيل»
- الديموغرافيا والجيوبوليتكا.. «المعجزة اليهودية الثانية»
- موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟
- قانون التمييز والكراهية.. رسائل إلى العالم
- قتل المسلمين.. مسألة فيها نظر
- ماذا بعد ال«لا» اليونانية؟
- «النووي الإيراني».. هزيمة أم انتصار؟
- الثقافة واليسار والتبديد
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 16
- السياسة .. الوجه الآخر للحرب
- داعش وخطر تفكيك العراق
- سوراقيا مشروع خلاص مشرقي – فكر
- داعش وواشنطن وليل الرمادي الطويل !!
- متى يُهزم داعش وكيف؟
- قالوا.. نظام إقليمي عربي


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ورطة العبادي