|
قريتنا المنسية
حمزة الكرعاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4926 - 2015 / 9 / 15 - 19:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نسمع من أتباع الاحزاب والحكومات التي تعاقبت على حكم العراق مديحا وتطبيلا لانجازاتهم وأن أنظمتهم وحكوماتهم وأحزابهم ، أفضل من الحكومة التي سبقتهم ، ويرد الاخر على الاول أنهم هم الافضل ، وهذا يكشف فساد ذاك ، وتهم ومتبادلة في مشهد طويل مخزي بين أتباع ذاك النظام ونظام المحاصصة الديني الطائفي ، وكأننا نعيش فقط في مسلسل المقارنة بين السيئ والأسوأ ، طبعا لايتختلف هذا التشاحن والتفاضل عن معركة المذاهب الدينية التي كل منها ينادي نحن الفرقة الناجية وماعدانا في نار جهنم . لم يقدم ذاك النظام ولا هؤلاء شيئا للعراقيين يرتقي ببلدهم على الاقل الى مستوى الاعمار في دول الخليج العربي ، لكن القوى الدولية تريد منا وتخييرنا بين القبول بذاك النظام والفوضى التي جلبتها أحزاب الدين . قريتنا المنسية هي تلك القرية الفلاحية في ناحية السدير قرب قرية شعلان حمادي تدعى قرية ال بريس ، عاشت أزمنة التهميش منذ زمن حكم حزب البعث ، وزمن حكم الاسلام السياسي . كنت صغيرا وأمشي الى المدرسة على الاقدام وبعض الاحيان على دراجتي الهوائية ، ومعي عشرات الطلاب ، يستخدم الاهالي وسائل متعددة لايصال ابناءهم الى مدرسة حمورابي التي تبعد بضعة كيلومترات من القرية ، منها سياراتهم والخيول والدراجات الهوائية ، ومن لايملك وسيلة نقل من هذه الوسائل او كان مشغولا ، يسير ابنه أو ابنته على الاقدام مسافات طويلة الى المدرسة ، ويحمدون الله على هذا الحال صيفا ، لكن المصيبة في الشتاء ، لايستطيع الطالب نقل قدمه التي تدخل في الطين . بدأ وجهاء قرية آل بريس يطالبون بخدمات من قبيل ( الكهرباء ومياه صالحة للشرب وتعبيد الطريق وبناء مدرسة ) ، وكان ذلك عام 1978م ، وإصدمت معاملاتهم بالروتين اليومي للحكومة ، ومعاملة بعد معاملة ، وتختفي كل معاملة تقدم للجهات المعنية ، ومن وزارة الى أخرى يضيع وجهاء القرية ، ويتعبون ويصيبهم اليأس ، ويعودون الى ديارهم وزراعة أراضيهم ، وفي نفس الوقت تتجول سرايا رفاق حزب البعث بواسطة سيارات اللاندكروزر التي ترعب الناس ، يتحدثون عن إنجازات الحزب وأنه لايماثله حزب لا من الاولين ولا من الاخرين . بقيت المعاملات تشق طريقها الى دوائر الدولة بدون فائدة ولا إستجابة ، ومن الاعذار التي تقدم أن الوزارة الفلانية تعرقل عمل الوزارة الاخرى ، ولاتجيز لها ان تمنح قطعة أرض لبناء مدرسة ، لكن قطعة الارض أو المزرعة التي يعجب المسؤول في الحزب او الحكومة ، لاتمر بنفس الاجراءات والروتين ، ويحصل السمؤول عليها بأسرع وقت ، لانه أفضل من أطفال العراق . على أية حال رحل النظام السابق عن الدنيا ، وجاء بعده نظام العمائم ، وبدأت نفس القصة والروتين ، فلم تتحرك معاملة تعبيد طريق للقرية ، ولا معاملة بناء مدرسة لاطفال القرية ، وضاع وجهاء القرية بين دوائر الدولة ووزاراتها ، وهذا يرمي الكرة في ملعب ذاك ، ولم ينتبه أهالي القرية الى مايريد ( المؤمنون ) في حكومة الاسلام السياسي ، وهي الرشوة كي تنفد مطالبهم وتقدم الخدمات ، أظن لان فطرتهم سليمة ولايعرفون كيف يتلوثون بإعطاء رشوة أو فساد ، والا كيف تنام معاملة مدرسة منذ 1978 م حتى اللحظة ، بين زمنين زمن البعث وزمن الاسلام ؟. وصل ملف طلب بناء مدرسة وتعبيد طريق الى كل الوزارات المعنية وغير المعنية ، حتى وصل عن طريق الخطأ الى إقليم كردستان ، وكأنه لوحة سيارة غير موجودة عند حكومة الاسلام السياسي . وزارة الزراعة ترفض تسليم وزارة المالية قطعة أرض لبناء مدرسة ، ووزارة المالية ترفض صرف الاموال لبناء مدرسة وتعبيد طريق ، وان دل هذا على شيء أن كل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق من 1968 حتى اللحظة ، في حالة عداء مع الناس ، وعداء مع اي مشروع إعمار ، ومايقدم من مشاريع ماهي الا لتلميع صورة الحكومة والحزب أمام العالم . ولاتختلف هذه القرية ( ال بريس ) عن باقي مدن العراق ، حيث ترك الحجي خضير الخزاعي خلفه في أهوار العمارة هياكل حديدة شاخصة ، كأنها من اثار السومريين ، وتحدث عن تحديثه للعقل العراقي ، وترك صدام حسين خلفه المدارس الطينية في مسقط راسه تكريت وتحدث عن إنجازات البعث . في الوقت الذي مضى على تعطيل وعرقلة معاملة لبناء مدرسة وتعبيد طريق في قرية ، مايقارب اكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، تتعطل القوانين التي تفرض كعقبة أمام بناء مدرسة للاطفال ، وتسهل كل الاجراءات لاجل منح مسؤول قطعة أرض أو مزرعة ليتصرف بها مايشاء ، وتتحرك العمائم للتكالب على سلب الارض من أهلها ، ويحرم الاطفال من بناء مدرسة ، وفي النجف تمنح الاراضي مجانا وبدون الرجوع الى الوزارات ، من قبل عدنان الزرفي الى صديقته التي هي عضو في مجلس محافظة النجف ، ليبني عليها زوجها وحدات سكنية ويتقاسم الارباح مع المحافظ ، وهذا معمول به في كل مدن العراق ، لكن بناء مدرسة لاطفال يصطدم بالاسلام وهو من المحرمات . عندما تحدث الشيخ خالد العطية عن منحه مبالغ طائلة لاصلاح مؤخرته وبواسيره ، قال : من حق أي مواطن أن يحصل على هذه الاموال كما حصلت أنا عليها ... ونسي أن مدرسة تبعد عشرين كم عن قريته لم يتنجز منذ 1978م . أهم شيء عند الاسلام السياسي هو صحة الشيخ والمسؤول ، واصلاح بواسيره افضل من بناء مدرسة ، وبناء تمثال للقائد الضرورة أهم من تعبيد طريق لقرية . كل حكومات العالم التي تحترم نفسها ، تستمع لصوت المواطن وماذا يريد الا في العراق ، وقد وصف حالنا الجواهري : من الظلم أن تأتي قصيدةُ شاعر لتُصلِحَ حالاً أو مقالةُ كاتب فما دامَ حُكمٌ للتجاريب راهن فليس لنا غيرُ انتظارِ العواقب ولكنَّ دأبَ الشاعِرينَ تحرُّشٌ ومن عادةٍ الكُتابِ خلقُ المتاعبّ
#حمزة_الكرعاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إصلاحات حيدر العبادي
-
أغاني الناس وأغاني العمائم
-
الدولة المدنية
-
فساد رجال الدين
-
مرجعية الوطن ومرجعية الغريب
-
العراقي برميل نفط
-
بإسم الدين باكونا الحرامية
-
إحذركم من الاسلام والمسلمين
-
( داعش ) تحطم إصول القرآن في الموصل
-
حكومة أبو إجخيل
-
مآساة الطب في العراق
-
اللعب على المشكوف
-
داعش ... خنزير طروادة الامريكي
-
النفوذ الايراني في العراق
-
دستور الاحتلال الملغوم
-
لاجهاد تحت راية ضلال
-
الاسلام في خدمة الشيطان
-
( الولاية الثالثة ) للمختار
-
ثورات النعال في العراق
-
الجلاد المقدس
المزيد.....
-
ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع
...
-
هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
-
كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
-
مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق
...
-
بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا
...
-
الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
-
-وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم
...
-
بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا
...
-
عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر
...
-
خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|