أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - ياسر العدل - !!.. للشهامة ضوء أحمر














المزيد.....

!!.. للشهامة ضوء أحمر


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1354 - 2005 / 10 / 21 - 07:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


حين أنهيت بعضا من مهام وظيفتى بالدرجة التى ترمد بها عيون رؤسائى وتتوقف عن التلصص والمحاسبة على تأدية عملى، قررت مغادرة المدينة هاربا من الشغل ومشاكل الترقيات ووجع الدماغ، وحين رأيت أن الشمس أصبحت شمس عصارى هادئة تسمح بركوب طريق السفر، درت حول سيارتى ألقى نظرات على إطاراتها وأستعرض بعض وجوه المحيطين من الطلبة والزملاء، وبروح غندرة شبابية ربت على ظهر السيارة ودخلتها ملقيا جسدى على مقعد القيادة متحسسا أجهزة الانطلاق، أرسل من خلف الزجاج نظرات ساهمة وألقى للوجوه بعلامات ابتسام وعبوس وغزل وتعال تكفى كل البشر، أفتح جهاز التسجيل على أغنيات ذات إيقاع راقص وأضبط جهاز التكييف عند منطقة النشاط ، وحين أحصيت فى الوجوه عدداً مناسبا من التحيّات والابتسامات وعلامات الوداع أدرت محرك السيارة وانبريت أقودها متباطئا ومناورا ومتسابقا أشق طريقى بين الجموع، ممنيا نفسى بإجازة رائعة لنهاية الأسبوع اقضيها مع الزوجة والأولاد فى مدينتى البعيدة.
كان طريق الإسفلت ناعما والسيارة مطيعة واخضرار الحقول يجذب زرقة السماء الى اتساع الأفق، وأشجار الكافور تلقى بظلالها على الطريق فاتحة كوات من شمس خريف حانية، وبدأت تطوف برأسى أخيلة منتقاة من زمن جميل، وحين باغتتنى ابتسامه رقيقة لفتاة جميلة رأيتها تودعنى بين الجموع، أيقنت أن تلك الجميلة تصلح زوجة لابنى الأكبر فلذة كبدى الذى يمشى على الأرض، ولأن الجميلات كائنات نادرة تأسر العاشقين، والاستئثار بهن يفتح آلاف الطرق للاستمتاع بالحياة، تركت ابنى يواجه قدره ويحصل على جميلته كيف يشاء، وقررت أن أتزوج بتلك الجميلة ضاما كل الجميلات إلى قبيلتى من الزوجات والجوارى.
مرت بجوارى سيارات وطيور وظلال، وحين تابعت سيارة تمشى الهوينا تقودها جميلة شابة، يشاكس شعرها الهفهاف نسيم الكون المفتوح على الإسفلت، رأيتنى فى زمن شبابى القديم أعانق النسيم على شاطئ النيل، يربت ساعدى على كتف زوجتى، تسرق أصابعى لمسات لشعرها الطويل وتدفع يدها لكزات حانية فى جانبى، ونعاود الإمساك بحبات الترمس والفول النابت تنساب إلى أفواهنا ونلقى القشور لماء النيل يحملها بعيدا، وتشهد شمس العصارى وقائع شوق ونصب نزرعها فى شريط حبنا الطويل، وظلت الموسيقى تنساب حولى.
فجأة لمحت خلفى سيارة مسرعة نحونا، فارهة باهرة الأضواء تأكل الإسفلت برعونة، كان الفارق كبيرا بين سرعة سيارتى الحالمة وسرعة السيارة الرعناء، فهربت من رأسى كل الأخيلة، وطوحت بسيرة كل الجميلات لأحفظ جسدى وأحلامى وسيارتى المتواضعة، شقت الرعناء ريحها مارقة بجوارى ومن خلفها سيارة أخرى تشاكس الطريق وتحاول اللحاق بها، تابعت مناورات الرعناء فى تخطى سيارة أخرى أمامها، وتخطتها بالفعل وتخطت سيارة ثالثة وناورت سيارة نقل بطيئة واختفت لبرهة، وعاودت الظهور مطلقة هالة من أنوارها الحمراء، وانحرفت الرعناء فجأة إلى أقصى اليمين ودخلت جرفاً هاريا إلى حقل ملاصق للطريق، وحين وصلت سيارتى للمكان كانت الرعناء انقلبت مرتين واستقرت على ظهرها، وأخذت عجلاتها تدور فى الهواء، وتوقفت بعض السيارات على جانبى الطريق تخرج ركابها المفزوعين، وبدأت النار تشتعل فى الرعناء المقلوبة، ووجدتنى أبطئ من سرعة سيارتى أستكمل رؤية المنظر، وحين فكرت فى التوقف وتقديم يد المساعدة تذكرت أشياء وأشياء، كراهيتى لضابط شرطة أجبرنى على تغيير طفاية حريق لسيارتى رغم صلاحيتها، واحتقارى لمحامى يتاجر فى ملفات حوادث الطرق، وحنقى على مسئول تحرش بأستاذ جامعى حاول إبداء رأى سياسى مخالف، وحلمى بتنفيذ وعد بالزواج من فتاة تصغرنى بثلاثين عاما، واعتقادى بأن من يملكون سيارات فارهة أثرياء ذوى سلطة قادرون على تكاليف العلاج من أية حوادث، يدفعون من خزائنهم وتدفع لهم الدولة من خزائنها أيضا، ومعرفتى بقصور أجهزتنا الحكومية فى إدارة الكوارث، وان الكوارث فى بلادنا تتكالب فقط على رؤوس المجهدين والغلابة، وايمانى بأن تبرعى للشهادة القضائية على ما يحدث فى الطرق ودواوين الحكومة، سيدخلنى فى دوائر سلطة ترانى مدينا طوال الوقت وتحاكمنى على اعتبار أننى القاتل الوحيد لكل صنوف الحياة على الأرض.
أسرعت فى تنفيذ قرارى بالابتعاد والهروب عن موقع حادثة انقلاب السيارة، وتسرب معى خلق كثير يكزّون شفاههم ويلوون أعناقهم ويواصلون الابتعاد بسياراتهم يتركون على الطريق بعض الأدعية والرجاء والاستعاذة والتشفى وإخراج الغيبة.
من وقتها تعلق سؤال فى ذهنى، لم أعرف له إجابة صريحة، كيف لشهم ومواطن مثلى فى هذه البلاد يعيش بين هؤلاء البشر، أن يرى سيارة يصيبها حادث مفجع ويتركها تتلوى فى انتظار المساعدة؟
د0 ياسر العدل



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موت إبن الملك
- موت ابن الملك
- !!صاحب الهوى.. الديمقراطى
- !!دراساتنا العليا.. بلا وكسة
- !! .. موائد اللئام
- !!التلوث .. بالصمت والأمونيا
- !! فسادنا .. ثقافة فقر
- !!.. عملية إختيار مدير عام
- !! التسعة جنيهات.. ياخرابى
- !! .. حرب المعيز
- !! .. شحّاتين الّطرب
- مطرب .. بالصدفة!!
- !!.. ورم تلفزبونى خفبف
- الموت .. فى عبوات مزركشه
- حظك00 يا برج الحمار


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - ياسر العدل - !!.. للشهامة ضوء أحمر