أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين نور - في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب المرأة في المجتمع العربي -الجزء الثاني-















المزيد.....

في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب المرأة في المجتمع العربي -الجزء الثاني-


أمين نور

الحوار المتمدن-العدد: 4922 - 2015 / 9 / 11 - 01:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن مكانة الدين الإسلامي بالذات في الثقافة العربية مكانة كبيرة واضحة لا تستطيع الثقافة العربية الاستغناء عنها. و إن الاعتماد على عمود وحيد في حمل الأعباء الفكرية, سيودي بالحامل و المحمول للانهيار. و أضيف أنه يمكنني وصف الإسلام بأنه ثورة بالنسبة للعرب, إذ نقلهم من حالة البداوة العشائرية , إلى حالة الدولة, و خطى بهم خطوة أو أكثر إلى الأمام على طريق التحضر و التمدن. إلا أنه كان الثورة الوحيدة الناجحة في تاريخهم, و لم ينجح لهم بعدها ثورة جامعة أبداً, و لأنها ثورتهم الناجحة الوحيدة, كانوا يعودون في كل مرة إليها عند الثورات, و يحاولون استهداف حالتها الأصلية الأساسية المجردة من كلشيء لإعادة الإحياء,و شرعنة تأويلاتهم بما يتوافق مع تلك الحالة الأولى, و بما في ذلك تأصيل السياسة لتلك الحقبة, متجاهلين أن الزمن يفرض نفسه, و أن الوقت دائماً يمشي إلى الأمام, و الحالة المدنية تحتاج للمضي قدماً لا الرجوع إلى الخلف. و عند فشل تلك الثورة الأصولية, ترى هؤلاء يلومون إما نفسهم لفسقهم, أو الثورة لعدم اتسامها بمبادئ الإسلام الأصلي ذاك, أو مؤامرة خارجية تهدف للنيل منهم.
و لعل جميع المجتمعات المتطرفة (كالدينية و القومية) التي خسرت سباق الحضارات اليوم, تراها بيئة خصبة أكثر لقبول نظريات المؤامرة مهما كانت ساذجة أو حمقاء لا تدخل لعقل عاقل. دون إغفال الحالة العامة بين البشر اليوم أصلاً ألا و هي تقبل نظريات المؤامرة بشكل عام.
أضف إلى ميزة خاصة بالمجتمعات المتدينة, و هي عقدة لوم الذات, بسبب تقصير ديني قد يكون حقيقي أو غير حقيقي. إذ يسود على المجتمع حالة احباط بعد المصائب, ليست سببها المصيبة نفسها فقط, بل بسبب لوم الناس لنفسهم لتقصيرهم في دينهم, و أن سبب المصيبة هو كونها عقوبة إلهية لهم لأنهم تركوا الدين الصحيح, و اتجهوا إلى الرغد في الحياة الدنيا. و لأن العرب طول القرن الماضي كانوا على صف الخاسرين دائماً, ارتفع الاحباط هذا بشكل كبير, و كبرت معه العقدة, مثيرة عقدة أخرى, و هي عقدة التدين الهيستيري, الذي يحاول فيه الفرد درئ فوهات التقصير الديني بالتطرف الزائد, خوفاً من تلك المصائب و العقوبات, خوفاً من زيادة ذلك الاحباط.
و بعد أن استعرضت في الجزء الأول الانحطاط العربي باستخدام الأمثلة العربية السائدة كأداة في ذلك الاستعراض و كيف سوقت لذاك الانحطاط, فهنا سأستعرض في جزئي الثاني التسويق الديني له, أو كيفية استخدام الدين في التسامح مع حالة الانحطاط العربي, لا باستهداف الدين عن حقد, بل بلفت النظر إلى ممارساته كما سيتبين. و هنا سأتوقف قليلاً عند صراع جديد دخل المجتمع العربي بقوة مع قدوم الربيع العربي, ألا و هو الصراع الحاد بين الملحدين و المتدينيين, أو الدين و الإلحاد. و الذي لفت النظر إلى سأمٍ جديد في الشباب العربي. كيف؟ و ما هو هذا السأم؟ تاريخياً, كل المشاكل الدينية التي كان على المسلمين التعامل معها , كانت مشاكل بين بعضهم, و لا تخرج عن دائرة الدين مهما حصل, أي تتعلق باختلاف وجهة النظر في تفسير الآيات أو الأحاديث, أو قبولها أو ردها. و في حال وجد السائل العادي جواباً لمسألته, تنتهي المشكلة, و لربما ينضم بعدها إلى طائفة جديدة رائدة بطريقة تفسيرها خصوصاً إن استجابت لمشكلاته بشكل أقوى. و لكن, آنذاك, لم يكن في الحقيقة خيار الانسحاب من الصراع الديني معروفاً, و بعد حوالي الأربعة عشر قرناً على الرسالة المحمدية, بدا أن كثرة الاختلاف في التفسير, و تكدس الطوائف و الانشقاقات الدينية, قد أدى إلى انفجار طائفي فكري, و وجِدَت طائفة من الناس اختارت عدم الدخول في مرحلة إعادة التفسير أو غربلة الدين لاجتثاث الجواب الشافي أبداً, بل آثرت هذه الطائفة من الناس أن تترك الدين في الخلف و ترفضه كمجيب عن أسئلتها. و سأمت من كثرة الخلافات و الاختلافات التي تحدث ضمن الأديان عند طرح المشاكل, و شكلت تياراً لادينياً خاصاً بها, خصوصاً أن لهذا التيار إغواءاً قوياً, و هو إغواء "حرية البحث" التي لا يرونها في الدين و التي تطلق حرياتهم الفكرية بشكل أكثر وضوحاً و قوةً, و التي لا تحتاج إلى العودة لشيخ الطائفة في كل مرة يحتاج فيها المرء إلى تفسير ديني ما لمشكلة يومية ما. بل أعطت المرء أيضاً هوية شخصية في تفكيره بالحلول التي تعترضه.
و هنا سأبدأ بالمشكلة الأولى, ألا و هي مشكلة تفسير الدين. إن عملية تفسير الكتاب السماوي و أحاديث الأنبياء و قصص اللاحقين عملية مسرفة للطاقة بشكل كبير, و أقصد بالطاقة (رأس المال الفكري) للأمة, و هي ممارسة لم تستقر المجتمعات العربية فيها قط, و كلنا كعرب نعلم كم انشقت طوائف و مذاهب عن بعضها و كم اتهمت بعضها البعض بالكفر و الزندقة و الهرطقة. و لا بد أن كانت كل طائفة تمارس التفسير على كيفها, و تريد التفسير كما هي ترى و تستفيد, أو بالأحرى كما مشائخها يرون. فكانت النتيجة بعد إهدار الجهد الفكري في توليد التفسير, صراع مع باقي الطوائف من أجل الإبقاء على هذا التفسير. و هنا تدخل لعبة التحيزات السياسية, فالإنسان يدخل بطبيعته في تحالف سياسي مع من يدعمه أو يدعم فكره.
لا بد أن المسيحيين في لبنان, كانوا في حالة فكرية حرجة و متطرفة ليسمحوا لأنفسهم بالتحالف مع إسرائيل لقتل أبناء بلدهم اللبنانيين المسلمين أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. و بالرغم من قباحة هذا المشهد, الذي جعل العدو الطبيعي للمسيحيين اليمنيين آنذاك هم المسلمين اليساريين, و الذي جعل حليف المسيحيين هو إسرائيل! يصبح الوضع أكثر غرابة عندما ينقلب المسيحيون على بعضهم ليتحول الاقتتال إلى مسيحي-مسيحي من أجل الهيمنة على السلطة.
و أيضاً في الحرب الأهلية اللبنانية, عندما تقاتل تنظيما أمل الشيعي الموالِ لسوريا, مع حزب الله الشيعي الموالِ لإيران, حيث سميت حربهم بحرب "الأشقاء". و الإسم يوفي المضمون.
و لا بد أن أبناء الدولة الإسلامية اليوم, في حالة فكرية حرجة و متطرفة, ليسمحوا لأنفسهم بذبح مدنيين شيعة و علويين دون أن ترف لهم عين. و بالرغم من لاإنسانية هذا المشهد, الذي جعل الطوائف الغير سنية ضحية لاعتداءات وحشية من قبل تنظيم الدولة! يصبح الوضع أكثر غرابة عندما يتحول التنظيم إلى قتال جبهة النصرة القاعدية أيضاً, ثم ذبح المدنيين السنّة علناً كما يدرك المطلعون على الوضع السوري و آخرها وقع في تدمر. و دائماً ما أحب أن أستخدم الأمثلة في أكثر حالاتها تطرفاً, لترك قياس الحالات الأقل تطرفاً للقارئ. و كل من الأمثلة السابقة المسيحية و السنية و الشيعية, عمل وفق تأويله الخاص للنص الديني, و تفسيره لما يراه من مصلحته. و باستخلاصه لهذا التأويل, فهو يرى نفسه يستخلص الشرعية أيضاً للقيام بهذه الأعمال الغريبة. و قد يصف رجال الدين هذه التفسيرات الدينية المتحيزة بالخاطئة, و يزدرونها, و قد يسخرون منها حتى, كما يفعل الأزهر بفتاوى جهاديي التنظيم, إلا أنها المحرك الذي يحرك المقاتل على الأرض و يقتل الناس, و لطالما هذا المقاتل يظن أنه يقوم بأفعاله القتالية لأنه يحقق كلمة الله على الأرض, فلا تظن أبداً أن هناك ما سيجعله يتوقف عن قتاله و أفعاله مهما سخرت منه. فمن يقف بينه و بين فعله المشين, كمن يقف بينه و بين الله حسب تأويله. و موالاة حزب الله لإيران حالة دينية مقدسة و كلمة من عند الله لدى الشيعي الحزباللهوي, لتدفعه دون أي مشكلة لديه لأن يقاتل من يعتدون على كلمة الله مهما كانوا, حتى ولو كانوا جيران المنزل بل و حتى إن كانوا الشقيق في العائلة من حركة أمل الشيعية الموالية لسوريا. و الأمثلة عن التحيزات السياسية التي سببها الدين كثيرة في التاريخ, لن أدخل بها, و سأكتفي بالأمثلة الثلاث السابقة.
و لا يجب الإنكار, أن هذه التحزبات السياسية التي كان سببها"تأويل الدين كما أريد", هو إحدى العوامل الكبرى التي ساهمت بالانحطاط. و أقول مستطرداً, هو السبب الأكبر في ظهور موجة الإلحاد أيضاً, إذ فقد الملحدون الأمل من تفسير ثابت مستقر للنص الديني لا يجعله سوقاً مجانيةً يشتري منها رجال الدين تأويلاتهم المتحيزة.
و لا أكتفي عند التحزبات الدينية للساسة المتقاتلين, بل إن الدين لعب دوراً كبيراً في توطيد الحكومات الديكتاتورية للساسة الحاكمين, تلك الحكومات التي لا تسمع لدعاوي الإصلاح و تستبد على ظهور الشعوب, أيضاً مرة أخرى تحت طائلة التأويلات الدينية و تطبيق كلمة الله على الأرض. و أضرب بعضاً من الأمثلة, حيث يشتم الثوار السوريون المتدينون منهم و الغير متدينيين الشيخ البوطي الراحل, إذ كان الغطاء الديني للنظام السوري.
و الخليج بالذات, أرضية خصبة لعلماء السلطان الذي يؤولون النص الديني لا لشرعنة الأنظمة الحاكمة فقط, بل أيضاً, لشرعنة عدم الاستجابة للمطالب, و منع التظاهر, و فرض القوانين الغريبة الحمقاء, و قانون منع قيادة المرأة للسيارة معروف... أي باختصار, شرعنة الاستبداد و الانحطاط, و الدفاع عن الكرسي. فغدى التأويل الديني هو المدافع و المشرعن الأول عن الاستبداد و الانحطاط.
هذا الاستهتار في الرأسمال الفكري للأمة العربية, و توظيف أكثره من أجل التفسيرات الدينية أو دراسة الدين سامحاً المجال للتحيزات بالتغلغل في كل صغيرة أو كبيرة, أودى بالعقل العربي إلى ألف داهية. فبالرغم من معاناته في صرف الطاقة الفكرية الهائلة, أو كما يقال بالعامية "جاب شغلو و كبر بعرق جبينو", إلا أنه بعد كل هذا التعب, يهدر الطاقة الفكرية كلها من أجل ماذا؟ من أجل أن يحظى بالانحطاط مع الأسف.
و سأستمر في طرح مخاطبة الدين في دعمه للانحطاط خلال الجزء الثالث و الأخير, بعد أن استعرضت هنا, غيضاً من فيضٍ عن مساهمة التحيز الديني, مضافاً إليه التحيز السياسي, بإضناء العقل العربي, و السير به إلى الانحطاط. و في هذا القسم تحدثت عن المحركات الدينية الخارجية للفرد, أي التي يتلقاها من المؤسسة الدينية. و لكن في الجزء التالي, سأناقش المحركات الدينية الداخلية التي تصدر عن الفرد المتدين نفسه في تقبل الانحطاط و تسامحه معه.



#أمين_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- عن -تأملات في الثورة الفاضلة- كتابٌ قصير لشاب صغير


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين نور - في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب المرأة في المجتمع العربي -الجزء الثاني-