أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقي سالم جابر - بعد وفاة الحاج ياسين, الدكان باعها وَشتر















المزيد.....

بعد وفاة الحاج ياسين, الدكان باعها وَشتر


شوقي سالم جابر

الحوار المتمدن-العدد: 4920 - 2015 / 9 / 9 - 22:40
المحور: الادب والفن
    


الحاج ياسين كان مؤيداً للاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة, فكان من الطبيعي أن يتخذ أبو العبد موقفاً مغايراً, فأظهر تأييده للمعسكر الغربي عِنوة, فكان يمتدح قوة الولايات المتحدة, نكاية في الحاج ياسين, وليس عن قناعة.
تناهى لمسمع أبو العبد من أحد أحفاده: أن روسيا صنعت مسدساً متطوراً, بحيث أذا أراد الضابط الروسي, أن يغتال شخصاً ما, فما عليه إلا أن يستحضر صورة الشخص المراد قتله, يستحضر صورته بعقله, ومن ثم يطلق الرصاصة فتسافر الرصاصة للشخص المقصود, حتى لو كان في دولةٍ أخرى.
وزاد الحفيد: "الرصاصة تسيرُ بين الأشخاص, تتلوى في السوق المزدحمة لاصطياد هدفها, دونما تخدش ثوب أحد آخر, من المتسوقين, لتستقر في قلب المطلوب".
أبو العبد ربت على كتف حفيده:" فعلاً هي تصيب قلبه ولا تصيب رأسه" في إشارة إلى أن كلمات الطفل أصابت قلب جده.
- هل تعلمتم ذلك في المدرسة يا ولد؟
"لا يا جدو, الشباب يقولون: أن الحاج ياسين سمع الخبر من مذياعه الأحمر"
ولا أعرف إن كان الحاج ياسين قال ذلك, أم أن الشُبان نَسبوا هذا الكلام له, من باب الممازحة فيما بينهم –كعادتهم- فكثيراً ما كانوا يكذبون على لسان كبار السن, كذباً من نسج الخيال.
حتى أن شاباً اسمه ربيع شطح به الخيال, وادّعى على أبو العبد, أنه كان يضع ألواح الصبّار, في طريق العصابات الصهيونية, حتى يمنعها من التقدم لقريتهم, ونام أهل القرية في أمان, لكن أبا العبد وجد نفسه وأهل قريته ومنهم الحاج ياسين, بعد يومين في غزة, يحملون مفاتيح بيوتهم, والشباب يُصدقون ربيع, ويُقهقهون من تفكير أجدادهم البسيط.
سمع الكلام محمد ابن العاشرة, وتَحين فرصة تسنح, ليسأل أبا العبد عن قصة الصبّار, فاحمر وجه أبي العبد غيظاً وأجاب: "صحيح, لكن ليس أنا من وضع الصبار, إنما البطل جدك محمد هو الذي كان يفعل".
الطفل صَدّق ولم يعلم أن أبا العبد يسخر منه ومن جده, وتمنى محمد الحفيد "لو أن محمد الجد لم يمت, ليعرف منه ماذا فعل الصبار بالغزاة؟".
أبو العبد يغلي غضباً بعدما سمع من حفيده, أن الحاج ياسين هو مصدر المعلومة, عن الإنجاز المُخابراتي الروسي الذي أعجب الأطفال, وقرر أن ينسب إنجازاً للعلماء الأمريكان.
وصار يُفكر باحثاً, في خياله عن إنجاز يوازي في عظمته وربما يتفوق, على الإنجاز الروسي المزعوم.
أم العبد باتت تلاحظ أن أبا العبد أصبح كثير شرود الذهن, فكانت عيناه تنظر لشيء ما مُستقر للأعلى قليلا, وهو يضغط على شفته السفلى, بلثته خالية الأسنان, ثم يهزُّ رأسه كأنه يستمع لأحد, خاشيةً أن يكون أبو العبد يُخطط للزواج بأخرى, أو أنه رأى في المنام, أن أحد الأموات جاء وأخذهُ, أو أخذها, أو أخذ أحداً من أحبابهم معه, فهذا يعني أن المأخوذ دنا أجلُه, وعليه أن يتجهز لِيُحمل على أكتاف الرجال.
حاولت أم العبد, أن تَجُس نبض زوجها لكن دون جدوى, فظلّ مُحتفظاً بسبب شروده الذهني لنفسه, حتى لا يسخر منه أحد, وهي تتوجس من شروده خيفة.
حتى جاءته الفكرة تجري مُبتسمة, تكادُ أن تنفجر بالضحك, وكانت نتيجة عقدة لديه من جهله للقراءة والكتابة -التي كان يحسُد الناس عليها- فهو يعاني الأمية كمعظم أبناء جيله.
وفي عصر اليوم التالي, ذهب ليجلس في بقالة الحاج ياسين, ويستغل تواجد أربعة شُبان جاءوا يشربوا البيبسى كعادتهم, ليُفجر أبو العبد قنبلته.
معلناً أن العلماء الأمريكان صَنعوا قلماً متطوراً جداً, يُمكن للكفيف والأمي من الكتابة به, فهلل الشبان الأربعة لأبي العبد.
والحاج ياسين يحاول أن يتجاهل ما يسمع, وأردف أبو العبد بعد أن تنحنح, وهو ينظر للحاج ياسين, وكأنهُ يُريد أن يُسمِعَه جبراً ما لا يرغب بسماعة : "فما على الأمي أو الكفيف إلا أن يُمسك القلم ويستحضر أي نص يريد كتابته في عقله, ليجري القلم على الورقة كاتباً النص".
الشبان مذهولون, حملوا أبا العبد, وساروا به في الزقاق, يهتفون.
النساء خَرجن من بيوتهن, وقد غطين رؤوسهن على عجل, يستوضحن عن سبب هذا الهُتاف, وكانت من بين النساء أم العبد, التي تذكرت أبو العبد يوم زفافة, الحاج ياسين حَمد الله أن زوجته قد تُوفيت, قبل أن ترى هذا الذي يجري أمام ناظريه.
وبعد أن أنزل الشبان أبا العبد أمام باب بيته, أخذ يوضح لهم فوائد الاختراع الأمريكي, وذكر أن القلم لن تمانع المخابرات الأمريكية ببيعة, لدول العالم الثالث –ونحن منها- لأنه لن يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي, فهو لا يَعدو كونهُ قلم.
وزاد أن الاختراع الروسي, لن تبيعه روسيا لأحد, خشية أن يستخدمه البعض, في قتل مواطنين روس, أو أن تتسرب تقنيته للمعسكر الغربي, أليس كذلك يا شباب؟ سأل أبو العبد. والشبان يُصفقون ويهتفون مرةً أخرى, ويتغامزون, ويتهامسون, أن المقلب قد نجح على الختيرية.
أحد الشبان وهو ربيع, اقترح: "أن يُخبر أبو العبد, أن الحاج ياسين يدّعي, أن هذا القلم قد صنعه الألمان, خلال الحرب العالمية الثانية, بأوامر من الزعيم النازي هتلر" لكن الشبان رفضوا الفكرة, حتى لا تحدث مشكلة كبيره بين الصديقين.
هؤلاء الشبان, يأتون للصلاة في المسجد, وأحياناً يستغلون وجودهم, لنشر الابتسامة على وُجوه المُصلين, فتراهم يُخبئون حذاء الحاج ياسين تارة, وحذاء أبو العبد تارةً أخرى, وأحياناً يُخبئون فردة حذاء واحدة, وبعد وقت قليل يُساعدون في البحث عنه, ولمّا يجدوه ويُسلموه لصاحبه, تسمعهم يُؤمِّنون على دعاء صاحب الحذاء لهم, وهم يتغامزون بينهم.
مما اضطر الحاج ياسين, لاصطحاب حذائه في كيس بلاستيكي, ووضعه تحت كرسي الصلاة, ومثلهُ فعل أبو العبد, وآخرون.
أبو العبد والحاج ياسين كانا يتوجهان بعد صلاة الفجر, للجلوس في بيوت العزاء إن وُجدت, ويُشاركان أصحاب العزاء, الجلوس حول النار, وشرب الحليب في الصباح.
كانا يأكلان كل شيء من الكوارع, والسمك, والبيض صفاره , وبياضه, والسلطة الحارة بالثوم والريحان, ويشربان الحليب كامل الدسم.
ولا يلتزمان بنصائح الأطباء, معللين بأن "الأعمار مكتوبة سَلفا, والحذر لا يمنع القدر", وكانا يتناولان زيت الزيتون الفلسطيني يومياً لفوائده الصحية, وربما لأنه لذيذ, ويطيب به الطعام, وكذلك السمن البلدي.
الحاج ياسين يعرف تفاصيل الموت وحساب القبر, وعندما يتحدث عن الآخرة والبعث, تشعر بأن الرجل قد مات وانبعث في السابق, ويعرف قصص الأنبياء وكأنه عايشهم, وركب السفينة مع من ركب, واغترف غرفةً بيده من النهر, وهاجر للحبشة, ومرة تشعر أنه كان من الأنصار, ويتهم حواء بأنها وراء مأساة آدم, مع أنني متأكد أنه لم يرَ أحداً منهم قط, ويتحدث للمُجالسين عن أهل الكهف وكلبهم, وأجمل الأنبياء, وأصبر الأنبياء, ويستخدم يديه عندما يتحدث عن صُواع الملك, والفضل لمذياعه الأحمر, الذي كان ينقل لأذنيه الكبيرتين صوت العلماء, والمشايخ في بقالته الصغيرة, فيُنصت محباً للعلم, ولحديث الشيخ/ محمد متولي شعراوي, إلى أن صارت معلوماته الدينية, تفوق معلومات كثير من طلاب الجامعات, التي تُرغم الطلبة فيها على دراسة مساقات دينية كمتطلبات.
ذكر لي وَشتر: "أن ابنة أبو العبد الجامعية ساره جاءت تشتري من البقالة يوماً فحيّت الحاج ياسين: (هاي عمو) فلعن أبوها وأبو الجامعة الّي بتدرس فيها, وصرخ في وجهها: مش عارفه تقولي السلام عليكم رُوحي انصرفي.
ومن يومها حرّمت سارة على نفسها أن تدخل بقالة الحاج ياسين", والكلام لوَشتر .
أبو العبد أصابته جلطة دماغية, ألزمته البيت بعد المستشفى, وتركته يُعاني الشلل النصفي, وكان يزوره الجيران ومنهم, الحاج ياسين والشبان الأربعة, على سرير المرض, وكان الحاج ياسين يقرأ على رأسه القرآن, ويدعو له بالشفاء, وأبو العبد يُجاهد ويتصبب عرقاً, ويُتعتع, حين يُريد أن يتكلم جملة واحدة, أو يرد السلام على أحدهم.
والحاج ياسين يُذكره: "بأجر الصبر على البلاء, وقصة مرض -أيوب عليه السلام-" ويشدد الحاج ياسين لأبناء أبا العبد: "المؤمنون أشد بلاء". وعبد العظيم في قرارة نفسه يعتبر أن الحاج ياسين أكثر إيماناً وتقوى من أبيه, وتلقى المريض من طبيبه جدول أغذية, ولم يلتزم به, وفقط التزم بالتدليك والعلاج الطبيعي, وأدوية منع التخثر, وإدرار البول, وضغط الدم المرتفع.
ليرحل أبو العبد في بداية الشهر السادس لمرضه, فأتى الحاج ياسين يقول: "الحمد لله الذي اختار أبيكم, من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه", ودخل عند نسائهم يُعزيهن ويُصبّرهن ويدعو لهن, وعبد العظيم على يقين أن الحاج ياسين يحب لقاء الله أكثر من أبيه.
حزن الحاج ياسين على فراق صديقه, وكأنه شعر بدنو أجله هو الأخر, أو جاءه أبو العبد في المنام ليأخذه ليبعده عن مذياعه الناشينوال.
وما هي إلا أربعة أشهر, حتى أُصيب هو الآخر بجلطة دماغية, فعلت به فعلها مع أبو العبد, وكان يزوره الجيران والشبان الأربعة, وعبد العظيم يتذكر الكلمات التي كان يواسي الحاج ياسين بهن أبيهم في مرضه, وما كان يُواسيهم به بعد موته, ويتذكر بلاء الحاج ياسين, في فقدانه لولده الوحيد أبا وَشتر في ظروف مأساوية, وبعد تعاطي العلاج الطبيعي, ونفس الدواء, لحق الحاج ياسين بعد شهرين من جلطته بصديقه, وجاره, وابن بلدته, أبو العبد, تُوفيا في منتصف العقد الثامن لكلٍ منهما حدث هذا في انتفاضة الأقصى عام 2006م.
-رحمهما الله- كانا يختلفان على كل شيء في السياسة, إلا على حُبهما لأبي عمار, الذي كان يُقبّل جراح جرحى الانتفاضة, ويُغدق على ذوي الشهداء.
جميع من في الحي حزنوا, على فراق الرجلين, حتى سارة التي نَهرها الحاج ياسين, بكت عليه, بحرارة بكائها على أبيها, حتى ظننتُ أن وَشتر كَذَبَني القول عنها.
وجلس وَشتر يبيع في البقالة, لكنه لا ولن يملأ المكان, الذي تركه جده, وغيَر معالم البقالة, حتى صارت غيرها في عيون الزبائن.
ضعفت حركة البيع والشراء رويداً رويدا, لتفلس البقالة ويبيعها وَشتر.
تحياتي, شوقي جابر,, https://www.facebook.com/shawqij77



#شوقي_سالم_جابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا سمّاه أبوهُ -وَّشْتَر-؟ ولماذا دمعت صفيه؟
- الحاج ياسين وجاره أبو العبد
- الأرض
- حبيبتي
- ختان العقول
- الفُنون, وقراءة ما بين السُطور
- مُحاكمةِ الحاكم
- حب وتِيه
- فخ المحكمة الجنائية
- ثغرها
- لوعة
- الفكرة
- عن القهوة
- الرئيس السابق, أمّا بعد,,
- دمعة
- الهجرة لأمريكا
- عن اقتصاد أمريكيا
- عن أمريكيا
- فلسطين
- البنفسج


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقي سالم جابر - بعد وفاة الحاج ياسين, الدكان باعها وَشتر