أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين نور - في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب المرأة في المجتمع العربي -الجزء الأول-















المزيد.....

في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب المرأة في المجتمع العربي -الجزء الأول-


أمين نور

الحوار المتمدن-العدد: 4920 - 2015 / 9 / 9 - 19:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يحظ المجتمع العربي بانتفاضة فكرية حقيقية طوعية منذ وجوده ,باستثناء ثورته الوحيدة ألا و هي الدينية الإسلامية. و عندما وجد نفسه مجبراً على الانتفاض في منتصف القرن الماضي, ضاع بين رحى التطرف اليميني, أو هشيم نار الدين, أو تضارب اليسار الأعمى, رافضاً أن يولد أو يعدل الأيديولوجيات أو حتى يناقشها بشكل واقعي قابل للتطبيق في المجتمع العربي الجديد, و هذا ما اصطلح عليه الدكتور برهان غليون بالـ "السكولستيكية". و اكتفى الفكر العربي بنسخ الأيديولوجيات في كل مرة نسخاً و لصقاً على نمط (كوبي-بيست), و هي مشكلته التي سيحملها تاريخياً ألا و هي "القياس", أي العودة في كل مرة إلى الأصل. و في كل محاولة لتوليدٍ أو تعديلٍ لهذه الأيديولوجيا, تجد أن هذه العملية تأخذ منحى الفشل لأسباب عدة منها السياسية و منها الاجتماعية. ولا شك أن المجتمع العربي تَعَوَّدَ على فرض الأيديولوجيا عليه, لا اختيارها طوعياً أو ذاتياً. و لا يملك الثقافة و الجرأة الفكرية الكافية للانكفاء عن ثورته الأولى-الدينية- و تجاوزها لثورة ثانية-أكثر مدنية- يستطيع اختيارها طوعاً, إذ في حال استطاع بمعجزة من المعجزات اختيار شكل الحكم الذي يريده اليوم, تراه يختار شكلاً دينياً أو طائفياً ما, و يحاول أن يرجع بنفسه إلى الخلف إلى تلك الثورة الأولى, ثورته المحققة الوحيدة التي يثق بأنها حققت نجاحاً ما في وقت ما. و من المعلوم أنه في كل مرة يرجع إلى الأصولية الإسلامية, يتحرك شعور الطائفية و رد الفعل في الطوائف الأخرى بشكل طبيعي, و يتفتئ الصراع الطائفي الأعمى, لا القائم على الحق أو فرض الصحيح أو نصرة قضية تساهم في بناء المجتمع, و إنما على إثبات الأنا و الهوية و الوجود.
لا يمكن فصل الرابطة بين العروبة و الإسلام, كلاهما يشترك بكثير من الخواص اليوم, منها, السكولستيكية, و التعصب للهوية, و القياس, و بالتأكيد البنية الإجتماعية الضائعة.
على كلٍ, لا بد أني استطردت أكثر من اللازم في مقدمتي, فموضوعي اليوم يتعلق بالمشكلة الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العربي. و في مقال لاحق, سأتناول مخاطبة الدين في استخدامه لإحباط المجتمع و تغييب أفراده.
و في مخاطبة المشكلة الاجتماعية, فإني أعرج على مشكلة سارية في المجتمع, ألا و هي تأثير الأمثال العربية السائدة عليه, و بالطبع, يمكن اعتبار الأمثال انعكاساً لثقافة المجتمع. و سأبدأ بطرح المثل واحداً تلو الآخر لنقده و شرح تأثيراته.
1. "الحيط الحيط و يا ربي السترة": لا بد أن هذا من أسوء الأمثلة الاجتماعية السائدة في الوطن العربي, التي تساهم في انزواء الفرد, و ضغطه و كبسه, و عزله, و جعله ضعيفاً جباناً بلا شخصية, أو معنى. خاشياً للاحتكاك مع من يأكل حقه. و خصوصاً عند الحديث عن الحكومة, تراه يستخدم هذا المثل, ليرفض و يتجنب تصحيح الحكومة. و بانتشاره ليصبح ظاهرة اجتماعية, فإنه بهذا يساهم بجعل المجتمع مجتمعاً أبكم, لا ينطق, و بجعل الحكومة حكومة صمّاء لا تسمع, أي حكومة دكتاتورية لا تعكس حاجات الشعب.
ولا ينعكس تأثير هذا المثل على الدائرة المجتمعية أو العلاقة المجتمعية-السياسية فقط, بل على العائلة أيضاً, أعني بالذات تقديس العرف المجتمعي اتجاه العائلة, و الالتزام بإملاءات المجتمع على العائلة مهما كانت مستهجنة أو خاطئة أو مرفوضة أو يترتب عليها انكار للذات و منافقة اجتماعية. مثل العائلة التي ترفض لبس الحجاب, لكنها مضطرة للبسه أمام الناس, و عندما تسأل الإبنة أبيها, لماذا؟ "الحيط الحيط و يا ربي السترة يا بنتي, السمعة إلا السمعة". أو العائلة المسيحية أو الشيعية التي تعيش في حي مسلم سنّي, و تحاول أن تخفي وجودها أو تتماهى مع محيطها خوفاً من ردود فعل طائفية اتجاههم, و عندما يسأل الطفل أبيه, لماذا؟ "الحيط الحيط , و يا ربي السترة يا إبني". فتتعزز المنافقة الاجتماعية, انكار الذات, الجبن, و الأخطر, إما ضياع الهوية, أو تطرف الهوية.
2. "نساؤنا ملكات", أو توصيف المرأة بأنها "ملكة" بشكل عام, ليس فقط من قبل الرجال على نسائهم, بل النساء على نفسهم أيضاً, "أنا ملكة" , أو في حالة الأرملة التي تزجر أيتامها الذين أضنوها العيش "أنا لولاكن بكون ملكة".
على مجتمعنا أن يستحقر العطالة و الخمول و الكسل, و أن يدرك تماماً طبيعة العالم الذي نعيش به, و أن يتعامل معه بواقعيه. لا أفهم تماماً لماذا "وظيفة" ملكة هي وظيفة محببة للناس. الملكة إنسان جاهل بالواقع و الحياة, لا تفهم منها شيئاً, ولدت و تربت منذ ولادتها هذه في قصرها, لا تستطيع أن تتكلم أو تصاحب من تريد, عاطلة عن العمل, لا تعرف معنى الكدح و العرق و متعتيهما, متعة الأكل الشريف المستحق, و لذلك حياتها بلا معنى و بلا هدف. و لعل المجتمع الضائع يشترك بهذه الخاصية مع الملكة, أن كلاهما يكون بلا هدف. و هذا ما قد يساهم في فقدان الانسان لإنسانيته. هي مقيدة بكل شيء, لا تساهم في بناء شيء, لا وظيفة لها في هذا العالم اليوم, فقط تتأمر و تتأمر, لا تعرف معنى المغامرة, لا تعرف من معنى الصداقة الحقيقية, سوى المتملقين و شراء الأصدقاء بالمال. لم تختبر شيئاً حقيقياً واحداً في حياتها, لم تبنِ شيئاً واحداً لنفسها, و إنما كل شيء أتاها جاهزاً, هي كائن يمكن الاستغناء عنه, هي كائن لم يساهم في شيء في بناء هذه الأرض, و أراها شخصياً إهانة و شتيمة, و فصلاً للأنثى عن المساهمة في المجتمع. و عدم استحقاقها لإنسانيتها, و لذلك, ما أتعس الملكة!
لهذا, فأرى أن مجتمعنا بترغيبه لمفهوم الملكة فهو بذلك يعزز الخمول و اللامعنى, و اللاهدف, و اللامسؤولية, و الانفصال عن الواقع. و لا أرى فائدة من مجتمعٍ نساؤه على هذه الحال. لا بل على نسائنا مواجهة هذه الألقاب لهن, و تعزيز مبدأ المرأة الهادفة, المسؤولة, ذات المعنى, و المشارِكَة في بناء المجتمع, و بناء الذات.
3. "اللحم إلكن, و العضام إلنا": و هو تتويج للتهرب من المسؤولية, إذ تكون المسؤولية بيد A ثم تتحول إلى B بتسليم كافة الصلاحيات لـB بعد الإذعان بهذا المثال. أذكر تكرر هذا المثل كثيراً عندما كنت طفلاً من قبل أهالي الطلاب إلى مدير المدرسة, و كانت نتائجه زيادة عنف المدرسين في التعامل مع طلابهم. إلا أن الأمر لم يقتصر على حقود طفولية سابقة, بل, عاد هاجس هذا المثل عندما قالها والد أحد المعتقلين لرئيس فرع الأمن العسكري "اللحم إلكن و العضم إلنا يا سيدي, ربّيه, و رجعلي ياه", الأمن العسكري في سوريا المعروف بموت معتقليه تحت التعذيب. لا بد أن في المجتمع خلل ما, خطأ جذري ما, يجعل الأب يقول لأكثر الناس وحشية على الإطلاق أن "يربّي" إبنه عنه, و يسلم بمسؤوليته الطبيعية لهم!. و قد اتخذت من هذه الحالة مثالاً متطرفاً بعض الشيء لأبين للقارئ هذا الخلل في مجتمعنا, الذي يجعل الأب يتخلى عن إبنه, و يتهرب من مسؤوليته في تربيته و الحفاظ عليه و يسلمها لأكثر الأطراف وحشية, ليستطيع القارئ بعدها قياس هذه الحالة المتطرفة على حالاتٍ أخرى أقل تطرفاً و يرى كم مجتمعنا مجتمع غير مسؤول. و يتحمل هذا كون المجتمع أيضاً متعطشاً على ممارسة العنف. لعل السبب الأول الذي علينا حلّه هو الجهل معنى المسؤولية, سواءاً كان ضمن العائلة و أدوارها أو المجتمع و كياناته المختلفة. فالأب لا يعرف مسؤوليته العائلية سوى مسؤوليته القمعية, و الأم تريد أن تكون "ملكة", و مدير المدرسة يريد أن يخرس طلابه الأطفال بأي طريقة ممكنة حتى لو سبب ذلك حملهم لتعقيدات نفسية دائمة, و رئيس فرع المخابرات يريد أن يدخل موسوعة غينيس في قتل الناس تعنيفاً, و في هذا الوسط من الجهل بالمسؤولية -أي المجتمع الحالي- يكبر الفرد, و معه أبناء جيله, أي المجتمع المستقبلي, مجتمع المسؤولية الضائعة المجهولة.
4. "زت الولاد عالشارع, و الشارع بربيون": و هو المثل الذي يتردد كثيراً في الأحياء الشعبية و الفقيرة, و يتردد بشكل أقل في الأحياء الأغنى, و بالرغم من أنه يتحمل معنىً إيجابياً – أن على الطفل أن يعرف الواقع- , إلا أن المعنى السلبي هو الذي طغى عليه, ألا و هو, تشريد الأولاد في الشارع, تركهم, غض النظر عن ضرورة تربيتهم المنزلية, و جعل الأولوية لتربية و تقويم الشارع لهم. و يحمل في طياته معنيين حزينيين إثنين, أولهما كما في الحالة السابقة, و هي التجرد عن المسؤولية, و الثاني, مرتبط به, هو فقدان الأهل الأمل من التربية المنزلية, فقدانهم السيطرة على توجيه الإبن, و ضبط بيئته, و الاستسلام للمؤثرات الخارجية سيئة أم جيدة كانت. و لعل مشجعاً كبيراً على هذا التحرر من المسؤولية يقع خصيصاً في مجتمعات العالم الثالث, حيث عادة ما يكون الأب لوحده هو المعيل لعائلة كبيرة, و مع صعوبة العيش و الحياة, تتراكم المسؤوليات فوق الأب, و يحتاج عندها إلى التحرر من بعضها على حساب الآخر. أما إبنه فلربما إن فكر في الأمر قليلاً, سيشعر بالإحباط عندما يدرك بحقيقة أن أباه تخلى عن تربيته.
و تربية الشارع مخاطرة كبيرة, قد ينتهي بها الفرد مدمناً على المخدرات, أو حرفياً بارعاً, أو لاعب كرة قدم. إلا أنها لن توصل الفرد أعلى من ذلك, و ستحافظ على جهل الفرد, و هي بهذا تحبط خامات الإبداع في المجتمع, التي قد تكون آينشتايناً مستقبلياً, إلا اللهم ربي إن كان الولد ذكياً كفاية ليرشد نفسه لوحده إلى طريق التعلم المدرسي و الجامعي, و أقول لكم, جامعاتنا و مدارسنا لا تشجع أبداً لهذا الولد أن يختار هذا الطريق.

و سأختم بالتعبير عن عجبي من تقبل الفرد لهذه المُثل, و تعميمها على تجاربه اليومية, و استخدامها كقوانين مُرشِدة للإنسان و تصرفاته, فيتقبلها المرء ذاتياً فتغدو جزءاً من تفكيره, لا بل منه. و أما السائدة منها(كما التي تناولناها), فتتجاوز الفرد لتصبح قوانين مجتمعية, تحرك المجتمع و تصبغه بلونها!.
و لعل تجاوز هذه المثل, رفضها, و حذفها من ذاكرتنا و تاريخنا, قد يكون أسهل خطوة للبدء بإصلاح المجتمع, و بناء وعيه الذاتي و الخاص, و في النهاية –و لربما في البداية- انتفاضته الذاتية الحقة.و من السهل رؤية كيفية تسويق الحكومات الديكتاتورية التي تريد تغيب أبناءها لأمثال مثل "الحيط الحيط و يا ربي السترة", التي تعزز رفض التغيير و الإصلاح. و في النهاية, الانحطاط.



#أمين_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن -تأملات في الثورة الفاضلة- كتابٌ قصير لشاب صغير


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين نور - في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب المرأة في المجتمع العربي -الجزء الأول-