أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - واقع ليبيا وسيناريوهات المستقبل















المزيد.....


واقع ليبيا وسيناريوهات المستقبل


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 4920 - 2015 / 9 / 9 - 17:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


واقع ليبيا وسيناريوهات المستقبل (*)
تعيش ليبياعلى وقع أزمات عديدة في ظل عدم وجود سلطة موحِّدة للدولة، وعدم قدرة المؤسسات الحالية على إدارة شؤون البلاد بأسلوب رشيد، يمكن أن ينهي المرحلة الانتقالية المتعثرة حالياً، مما يمكن أن يحوّل ليبيا إلى صومال جديد، نتيجة التناحر القبلي والجهوي، وظهور الاتجاهات الانفصالية، والإرهاب والتهريب والسلاح، وهي كلها مؤشرات على خطورة الأوضاع وتعدد جوانب الأزمة. والمشكلة تبقى في الداخل الليبي المترامي الأطراف (مليون و800 الف كيلومتر مربع) بحدود برية مع ست دول وبشواطىء طويلة على البحر المتوسط تبلغ 1955 كيلومتراً.
وتزداد وضعية الإرهاب في ليبيا تعقيداً ومأسويةً إذا ما أخذنا في الاعتبار عناصر بنيوية أربعة مهمة:
(1) - أنّ ليبيا اليوم هي أكثر بلدان العالم علاقة بالسلاح، حيث توجد ملايين قطع السلاح تتراوح بين 30 و40 مليون قطعة، ولكن دون أن تتوفر في مقابل ذلك آلية ناجحة لمراقبتها وإخضاعها للسلطة المركزية. ولهذا فهي تتدفق في غياب الرقابة الأمنية والعسكرية باتجاه 14 بلداً أفريقياً وآسيوياً.
(2) - تتوزع المليشيات الليبية التي يفوق تعدادها 350 ألف عنصر إلى أصناف ثلاثة:
أ ـ المليشيات العقائدية والأيديولوجية المتشددة.
ب ـ المليشيات الإجرامية والمافيوية التي تتاجر في السلاح والمخدرات والعملات وحتى البشر.
ج. المليشيات المناطقية والمحلية والتي تذود عن حياض المناطق والبلدات.
(3) - تستمد الميليشيات المسلحة قوتها من سيطرتها على حقول النفط الليبية بالتعاون مع القبائل.
(4) - استقرار تنظيم " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " بشكل واضح في الجنوب الليبي الذي تحوّل إلى مخبأ، يؤويها ويؤوي سلاحها ويسمح لها بالتحرك باتجاه مصر والجزائر ومالي وتونس. والآن فإنّ تنظيم " داعش " يحاول التواجد هناك وتجنيد المتشددين.
وقد واجه المؤتمر الوطني، والحكومة المؤقتة المنبثقة عنه، جملة تحديات، جعلت الأزمة تأخذ طابعاً بنيوياً، تمثلت في عدم وجود دولة ومؤسسات، وغياب أي شكل من الحياة السياسية، وعدم امتلاك رؤية لإدارة المرحلة الانتقالية، وفشل محاولات إنشاء جيش وطني جامع، ودمج المليشيات ونزع السلاح، وزيادة معدلات الفساد. وقد مثَّل عام 2014 بداية الاستقطاب السياسي الجاري في ليبيا وما استتبع ذلك من صراع ممتد في كافة أقاليم الدولة على من يستحوذ على مقدِّرات الدولة، ليس فقط مكوِّنات السلطة وإنما أيضاً الموارد النفطية والمصرف المركزى، مع بروز تقديرات أنّ تعقَّد الصراع الدائر في ليبيا هو نتيجة تضافر عوامل قبلية وجهوية مع صور تنافس - ظل كامناً لعقود - على الموارد الاقتصادية، مع عدم إغفال حالة التهميش الاقتصادي الذي تعرضت له مناطق الشرق التي يتواجد بها الشق الأكبر من المصادر النفطية.
والسؤال هو: كيف وصلت ليبيا إلى هذه الحالة ؟ وهل هناك أية بوادر لتحقيق الاستقرار أو حتى السلام ؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لمستقبل ليبيا ؟
أهم استعصاءات وتداعيات الأزمة الليبية
بداية لا بد من الإشارة إلى استعصاءات وتداعيات الأزمة الليبية التي تحول دون الاتفاق على مساومة سياسية حول نظام حكم يتيح إدارة البلاد بصورة طبيعية، ومن أهمها:
1- الانفلات الأمني وتعدد الجماعات المسلحة، فقد تحولت ليبيا إلى فضاء واسع من الفوضى وغياب القانون، تخترقه جزر أمنية لا تنسيق بين بعضها بعضاً، وكل منها يهتم بناحيته ويحتفظ بأولويات محلية، وقد ساهم هذا الحال في تدفق طالبي الهجرة إلى أوروبا من أنحاء العالم كافة، وبخاصة من أفريقيا، ونشوء عصابات تهريب من كل صنف ومافيات تستغل ضعف المهاجرين وترسلهم إلى أوروبا بشروط تفتقر إلى أبسط العناصر الإنسانية الأولية.
وفي الواقع تنتشر عشرات الجماعات المقاتلة في ليبيا، وهي من أكبر التحديات للحكومات المتعاقبة منذ سقوط نظام القذافي، وتشكل بالنسبة لأية سلطة في المستقبل عائقاً كبيراً أمام ممارسة مهام الحكم على وجهها الحقيقي. فقد خلقت هذه الجماعات مصالح مادية وتحالفات سياسية - خلال السنوات الأربع من وجودها - تجذرت في المجتمع وداخل المؤسسات وصارت تملي الأوامر وتطاع. وبالمقابل أنقصت كثيراً من هيبة مؤسسات الدولة الناشئة وقللت من قيمتها أمام الليبيين والعالم وحوّلتها إلى مجرد هياكل بلا قدرة .
ويمكن القول إنّ الجماعات المسلحة في ليبيا أربعة أنواع: أولها، جماعات محلية ضيقة الانتشار ترتبط بالقبائل، وهي تضمن أمن أهاليها من هجمات محتملة من أطراف مناوئة، وهي منتشرة في كامل ربوع ليبيا. وثانيها، جماعات تابعة لأشخاص نافذين من الضباط أو نواب في " المؤتمر الوطني " أو أثرياء تابعة لجماعات سياسية أو قبلية وهي بالمئات وتنتشر أيضاً في كل البلاد وتعكس مصالح هذه الشخصيات والتنظيمات. وهي مجموعات للدفاع عن المصالح وكسب المنافع في ظل غياب شبه تام لهيبة الدولة، وتستخدم للضغط أيضاً.
وثالثها، جماعات عقائدية وأهمها " أنصار الشريعة " و" مجلس شورى ثوار بنغازي " و" فجر ليبيا "، وهي ميليشيات إسلامية عالية التدريب ومسلحة بأسلحة ثقيلة وخفيفة. نظامها مركزي تخضع لدرجة عالية من الانضباط الداخلي، أسسها مقاتلون شاركوا في الثورة على نظام القذافي وتجمعوا للدفاع عن أنفسهم وفرض نظام مبني على الشريعة الإسلامية. ورابعها، " داعش " وهو تنظيم دخيل وعابر للحدود، وهو مرشح لابتلاع بقية المجموعات الإسلامية وضمها أو قتالها. ويسيطر على عدد من المدن وينشط في عدد كبير من المناطق وهو في تمدد مستمر، مستفيداً من الصدى الإعلامي الذي يحظى به إقليمياً ودولياً، خاصة ما تعلق بتغطية نشاطه في العراق والشام. ويشكل " داعش " أكبر تحدٍّ ليس للسلطات الهشة في ليبيا فحسب بل ولدول المنطقة والعالم.
وهكذا، تحولت ليبيا إلى ميدان لكل عمل ميليشياوي أو خارج عن القانون. إذ يتحرك فيها مقاتلو " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " بحرية ويتزودون بالسلاح. كما يتدرب الآلاف من منتسبي " أنصار الشريعة " التونسيين والجزائريين وبعض الأوروبيين قبل الرحيل إلى مصر، خصوصاً إلى سورية عن طريق تركيا أو شمال لبنان، حيث ينخرطون في صفوف " جبهة النصرة " أو " داعش ". ويعود بعضهم إلى تونس والجزائر لشن عمليات ضد أجهزة الأمن والقوات المسلحة.
إنّ تنظيم " داعش " يمثل قنبلة موقوتة في ليبيا، بل إنه بمثابة تهديد حقيقي لوحدة الأراضي الليبية، من حيث كونه أحد العوامل الرئيسية التي يمكن أن تدفع إلى تقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات. ولعل طلب ليبيا الانضمام إلى الائتلاف الدولي لمحاربة " داعش " سيجعل من هذا البلد إحدى أهم الساحات المقبلة للحرب بين التنظيمات التكفيرية والحلف الدولي ضد الإرهاب.
إنّ نمط الحياة الذي يراد فرضه في مساحات استحواذ التنظيمات الإرهابية على السلطة والثروة، لا يبعث على القلق فقط، ولكنه يحيل ما تبقى من السكان غير النازحين إلى رهائن تتحكم في رقابهم وحرياتهم طقوس موغلة في التخلف والتمييز وهدر كرامة الإنسان.
2 – الصراع على السلطة وغياب طبقة سياسية فاعلة، الصراع على السلطة، وعجز النخب السياسية في البلاد عن إدارة المرحلة الانتقالية، للوصول إلى مرحلة مستقرة، يتم فيها التداول السلمي على الحكم بكيفية ديمقراطية. ولعل التبكير بايجاد هذه الصراعات في المشهد الليبي، هو ما أدى إلى استقطابات، أفضت - مع الوقت - إلى صراعات عسكرية في مناطق ليبية عدة، باتت أرضاً خصبة لما يعرف بـ " الثورة المضادة "، بعد دخول مؤيدي النظام السابق على الخط، وقيامهم بهجمات نوعية في بعض المناطق، وحملات تحريضية، اعتمدوا فيها على ما سموها الخلايا النائمة. فضلاً عن محاولات قوى إقليمية تغذية الصراع وتأجيجه، بدعم مجموعات ليبية ضد أخرى.
وفي المقابل لم يتمكن الليبيون من إنتاج طبقة سياسية جديدة تستطيع أن تعيد بناء الدولة الليبية على أسس جديدة، تتجاوز كافة السلبيات التي تعرضت لها هذه الدولة، في سياق حكم استمر لما يزيد على أربعين عاماً. ولعل أسباب عدم القدرة على إنجاز تلك المهمة، كثيرة ومتعددة، من بينها التدخلات الخارجية، والهجرة المستمرة للكفاءات، واستهداف المثقفين والمتعلمين وأصحاب الخبرات بحملات قاسية لإقصائهم، وصلت إلى حد التصفية الجسدية لبعضهم .
3 – النزعات الجهوية الانفصالية، حيث عادت إلى الواجهة الأفكار الخاصة بإنشاء ثلاثة أقاليم فيدرالية، في الشرق والغرب والوسط، وهو ما ينبئ عن اتجاهات تستهدف تقسيم الدولة الليبية، أو على الأقل تمزيق النسيج الاجتماعي الليبي بشكل يؤدي إلى تقوية النفوذ القبلي والجهوي، واستقلال الكتل الاجتماعية بالإقليم التي تعيش على أرضه. ويظهر من خلال الخريطة أنّ ليبيا باتت مقسمة جغرافياً إلى أقاليم عدة ويبدو أنّ الحدود السابقة للأقاليم الثلاثة القديمة عادت للحياة مرة أخرى. لا سيما أنّ بعض القبائل بدأت ترسم حدود هذه الدويلات، واللافت أنّ المعطى القبلي يتداخل في هذا الصراع ويعد جزءاً لا يتجزأ من الانقسام السياسي. إذ تنقسم القبائل الليبية بين مؤيد لبرلمان حكومة طبرق وجيشها وبين مؤيد لحكومة طرابلس ومؤسساتها.
4 - الاحتكاك مع استراتيجيات الدول الكبرى، إذ دخلت الأزمة الليبية فعلياً على خطوط التماس لاستراتيجيات الدول الكبرى الخاصة بهذه المنطقة من العالم. فمن جهة الشمال، تبدو الأمور مقلقة، فالشاطئ الليبي يمتد على حوالي ألفي كيلومتر في مقابل الدول الأوروبية، وليس هناك مثلاً أكثر من مسافة 300 كيلومتر تفصل بين ليبيا والشاطئ الإيطالي، ومع توسع سيطرة تنظيم " داعش " تتزايد المخاوف من أن ما يسمى " قوارب الموت "، التي تحمل اللاجئين من الشاطئ الليبي إلى جزيرة " لامبيدوزا " الإيطالية وغيرها، قد تحمل الانتحاريين لزرع الموت في الشوارع الأوروبية.
ويبدو أنّ ثمة سياسات متعارضة لكبرى دول الاتحاد الأوروبي بليبيا، وهي سياسات جزئية متعارضة فيما بينها، تستخدم فيها كل دولة قدرتها لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة. ولكن ستظل ليبيا المجال الحيوي لصراع الدول الأوروبية الكبرى الأربع (إيطاليا، بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا). في حين أنّ الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية يتراوح بين التردد واللامبالاة.
5 - التداعيات على دول الجوار (مصر وتونس والجزائر)، لا سيما على حدود تلك الدول، حيث يجد الإسلاميون المتشددون أرضية خصبة لتنقل السلاح وربما تصدير الدمار والعنف والفوضى إلى هذه البلدان العربية. وقد استفاقت هذه الدول على كابوس ليبيا الفاشلة والمنهارة، التي قد تتحول إلى " إمارة إسلامية "، باعتبارها الأنموذج التي تريد تنظيمات " القاعدة " و " داعش " وأخواتها من جماعات " أنصار الشريعة " تعميمه على كل دول المنطقة. ولا تستطيع هذه الدول أن تقف ساكنة أمام هذه التداعيات، فمصر على سبيل المثال تتعرض لمخاطر تهريب السلاح وتسلل الإرهابيين من حدودها مع ليبيا فضلاً عن المخاطر التي يتعرض لها المصريون العاملون هناك، بما في ذلك أعضاء البعثات الدبلوماسية المصرية والضرر البالغ الذي لحق بمصالح مصر الاقتصادية. والجزائر بدورها تتحسب لاحتمالات تسرب الإرهاب إليها عبر المسار الليبي، ولتونس أيضاً هواجسها، فقد تعرضت لعدة أزمات بسبب التطورات الليبية سواء عندما حدثت اشتباكات بين القوى المتناحرة في ليبيا من أجل السيطرة على المعابر الحدودية بين البلدين، أو عندما تدفق الآف المصريين عبر الحدود الليبية - التونسية طلباً للنجاة.
وتكشف جولات الحوار المتعددة بين مختلف الأطراف الليبية المتصارعة عن مدى حدة التنافس بين دول شمال أفريقيا ودول الجوار الإقليمي من أجل التأثير في المشهد الليبي، فقد استضافت كل من مصر والجزائر والمغرب وتونس جولات حوار متعددة جمعت أطرافاً مختلفة من مكوّنات المجتمع الليبي المنقسم ما بين حكومتي طرابلس وطبرق.
ويُخشى أن يؤدي هذا الاستقطاب الحاد بين هذه الدول إلى تبديد الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى صيغة توافق قابلة للتنفيذ من طرف مختلف الأطراف. ولا شك أنّ توحيد الجهود ما بين الدول الراعية للحوار الليبي من شأنه أن يسهم في التأثير بطريقة إيجابية في مختلف الأطراف المؤمنة بأهمية الحوار من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع حول السلطة.
لذلك كله، فإنّ ما يجري في ليبيا لا يمكن أن يكون معزولاً عن السياق الإقليمي، فضلاً عن أنّ مكانة ليبيا في إنتاج النفط وتصديره تجعل الأحداث التي تجري فيها بالضرورة موضع اهتمام دولي.
السيناريوهات المحتملة لتطور الأزمة الليبية
يمكن أن تتطور الأزمة الراهنة في ليبيا وفق أحد السيناريوهات التالية: التسوية السلمية، أو الحرب الأهلية الشاملة، أو التدخل الخارجي:
1. التسوية السلمية
يتوقف نجاح الحوار الوطني على قدرته في إحداث قطيعة مع المناخ الذي ساهم في تنامي بذور الأزمة، بحيث يكون دور الحوار الوطني تأسيسياً لمرحلة دائمة، ومتجاوزاً كل الأخطاء التي سادت المرحلة السابقة. وربما يكون في مقدمتها الشروع في مرحلة وفاقية جديدة من خلال انتخاب برلمان دائم.
ويبدو أنّ هذا الخيار هو الأقل حظاً، ذلك أنّ نجاح الحوارات، التي نظمتها الأمم المتحدة في الجزائر والمغرب، يحتاج إلى معجزة حقيقية. إذ تعترضها معوِّقات يمكن أن تؤدي إلى انهيارها، وفي هذه الحال، لن يكون هناك من سبيل إلا النموذج الصومالي، وتداعياته المأساوية على ليبيا، وعلى منطقة شمال أفريقيا بكاملها. ولعل الأمر الواجب التأكيد عليه، هنا، أنّ عملية الحوار الليبي تقف، فيما يبدو، أمام مفترق طرق: فهي إما أن تنجح، عبر توافق الأطراف الليبية على الخروج من الأزمة، وإما الفشل الذريع، ووضع مستقبل البلاد، التي تتمتع بميزات استراتيجية وجيوسياسية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط وفي منطقة شمال أفريقيا، في مهب رياح مصالح " أمراء الحرب " من الداخل الليبي، كما من الخارج أيضاً .
وتنبثق معوِّقات الحوار الوطني من تعدد الانقسام بين الأطراف السياسية والعسكرية، واختلاف موقفها من سير جلسات الحوار، فبعد أن كانت الخلافات بين طرفين رئيسيين مجلس النواب والمؤتمر الوطني، زاد عدد الأطراف من دون وضوح رؤية لاستيعاب تطلعات ومطالب كل منها.
ولعل تشكيل السلطة التنفيذية يعد أهم المعضلات التي يواجه ترتيبات الفترة الانتقالية المقبلة، فبالنظر إلى معايير اختيار أعضاء الحكومة، لا يبدو أنّ هناك معايير مجردة وقابلة للقياس، خصوصاً ما يتعلق بقبولها من جميع الليبيين، فيما أنّ اختيارهم يقتصر على المشاركين في الحوار الوطني، ويتوقف على هذه الجزئية نجاح المرحلة الانتقالية، فغموض المعايير وسيولتها سوف يؤديان إلى عدم التعريف الدقيق للمستقلين، ما يسمح بدخول الحزبيين والمسلحين للحكومة تحت مسميات مختلفة.
2. الحرب الأهلية الشاملة
هذا السيناريو ضعيف، لكنه وارد أيضاً في ظل حالة الاحتقان المسيطرة على الوضع في ليبيا، خصوصاً بعد أكثر من أربع سنوات من العنف والعمليات الثأرية. فمع بروز الميليشيات، والمجموعات المسلحة في المشهد الليبي، ووقوفها خلف عدد من القرارات السياسية، وتمكُّنها من السيطرة على بعض الموارد الاقتصادية، بدأت الأزمة الليبية تتجه نحو الاحتراب الداخلي، بعد أن اتخذ كل فريق- سياسي أو قبلي أو جهوي - المجموعات المسلحة ظهيراً له .
وهكذا فإنّ استمرار تصاعد الأوضاع في ليبيا وانسداد أفق الحل السياسي يقود ليبيا إلى حرب أهلية شاملة، خاصة إذا ما استمرت جماعات الإسلام المتطرف في محاولات فرض هيمنتها على بعض المدن الرئيسية وبسط نفوذها بقوة السلاح على الشعب والدولة الليبية، وفي غضون ذلك يتزايد القلق من أن تنقسم ليبيا تحت وقع الاقتتال بين الميليشيات الإسلامية والقبائل وتفتت الوضع الأمني.
3. التدخل الخارجي
هذا السيناريو ضعيف، لكنه يبقى ممكناً، كأن تتدخل قوى إقليمية ودولية مشتركة. وإن حدث هذا السيناريو، سيزداد الوضع تعقيداً، مع احتمال انتقال العنف إلى دول الجوار. ونرى ملامحه من خلال تحرك أوروبي مكثف بحجة التصدي للهجرة غير الشرعية ووضع حد لهذا التدفق على الأراضي الليبية نفسها، والحؤول دون تسرُّب إرهابيين عبر هذا البلد، فضلاً عن توفير الشروط الآمنة لتدفق النفط الليبي إلى الأسواق الأوروبية. ونرى ملامحه في احتمال تشكيل تحالف إقليمي عربي - أورومتوسطي لشن عملية عسكرية واسعة، ترتكز على القوات الجوية فقط، ضد تنظيم " داعش "، وأن يكون عملها مدعوماً بغطاء دولي بموجب قرار أو تأييد من مجلس الأمن الدولي.
أهم الاستنتاجات
• ليس في وسع أي من الأطراف في ليبيا تحقيق انتصار بقوة السلاح، وقد بدأت دول العالم تعترف بهذه الحقيقة، وكذلك العاقلون من بين صنَّاع القرار في دول الجوار. هؤلاء يمكنهم مد المقاتلين بالسلاح، لكنهم يخشون التورط في هذه الحرب مباشرة. فإما أن يستمر تعطيل الدولة في ليبيا، ما يعني حرباً أهلية مستمرة بوتيرة منخفضة لن تلبث أن تتحول إلى حرب شاملة في لحظة ما يصعب تحديدها، أو يتم التوصل إلى تسوية.
• ليست اللحظة هذه مناسبة لحلول جذرية للمشكلات، ولا حتى لحظة بناء أمة من الأفراد المندمجين، بل هي لحظة اتخاذ قرار صعب بتقديم تنازلات تمكِّن الناس من التعايش منعاً للتدمير الذاتي، وتمهيداً، ربما، لبناء الثقة بين الأطراف المتنافسة. وتكون التسوية أفضل، كلما أرسيت على أسس أكثر متانة من العجز عن الانتصار في حرب أهلية، وفي حالة القوى المتصارعة في ليبيا، أساسها المتين وحدة ليبيا، واعتبار أهداف ثورة 17 فيفري مصدراً للشرعية.
• المهم، حالياً، تأسيس نظام يمنع عودة الاستبداد، ويضمن حقوق المواطن والحريات والتعددية السياسية، ويحارب القوى المتطرفة التي ترفض الاعتراف بها. ويخطط لانتخابات قادمة، شرط أن تقام على أساس الوحدة الوطنية الراسخة، إذ لا يجوز أن تقود الانتخابات إلى الانقسام.
• ليبيا بحاجة إلى ظهور إرادة وطنية حقيقية لا تنطلق من مسلَّمة منتصر ومهزوم، بل من منطق الشراكة في بناء الوطن للجميع وبالجميع، وبتأسيس خطوات فعلية في الإنصاف والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، ومحاسبة كل من أخطأ وأجرم، ولا تكون ثمة حصانة لأحد تحت أي مبرر.
• إنّ الدعم الدولي والإقليمي لأطراف النزاع في ليبيا سوف يلعب دوراً كبيراً في حسم الصراع لمصلحة الدولة الليبية، أو في تعميم الفوضى.

تونس في 3/6/2015
الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية

(*) – مقاربة قُدمت في إطار ندوة أقامتها " جمعية البحوث والدراسات لاتحاد المغرب العربي " بدعم من مؤسسة " هانس صيدال " الألمانية في تونس خلال يومي 3 و 4 يونيو/حزيران 2015، تحت عنوان " ليبيا بعد أربع سنوات من الثورة: الحصيلة، المآلات، وسبل الخروج من الأزمة ".



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ينجح ديمستورا في تغيير قواعد الحل السياسي في سوريا ؟
- حول المعطيات المستجدة لفوضى الحالة السورية
- الاستبداد في مواجهة الثورة السورية
- أي آفاق للثورة السورية ؟
- سورية مقبلة على التغيير .. ما مضمونه ؟
- جردة حساب للثورة السورية وآفاقها
- توصيف أولي لسلطة آل الأسد وتفاعلاتها
- خيار سلطة آل الأسد أم خيار الشعب السوري ؟
- سلطة آل الأسد تهرب إلى الأمام
- جذور الاتحاد المغاربي ومعوقاته وآفاقه
- هل تعيد الحالة الإسلامية تعريف دورها في مصر ؟
- ضوء على كونية وشمولية حقوق الإنسان
- رجال دولة أم عصابة سلطة في سورية ؟
- بشأن إشكالية العلاقة بين الدين والدولة
- ارتباك أداء قيادة المجلس حتّم إعادة هيكلته
- الأخضر الإبراهيمي أمام الامتحان الأصعب
- أية عدالة انتقالية بعد التغيير في سورية ؟
- عندما يحاول عنان - قضم - الثورة السورية
- إشكالية الدولة السورية وأهم أسئلتها
- هل ستدفع روسيا ثمن خطأ خيارها في سورية ؟


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - واقع ليبيا وسيناريوهات المستقبل