أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رستم أوسي - الغريق (قصة قصيرة)














المزيد.....

الغريق (قصة قصيرة)


رستم أوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 22:37
المحور: الادب والفن
    


كان جالساً في الحانة مع صديقته الألمانية حين صوّت جوّاله منبِّهاً إلى وصول رسالة جديدة. أغرق يده في جيب بنطاله بهدوء و هو يتبسّم لرفيقته ، و تمهّل في إخراج الجوال مراعاةً لأهمية حديثها. و بينما كانت الفتاة في طريقها إلى الحمام انحنى نضال على الجوّال بفضول يعاين الرسالة ؛ كانت صورةً واردة عبر "الواتس آب" من عبد الوهاب ، صديقه في أدرنة بتركيا و الذي يتحضر للقدوم إلى أوروبا عن طريق البحر ، تبعها عبارة ؛ ( هل تعرف أحداً في هذه الصورة؟ ). تداخلت الشخوص أمام بصره بادئ الأمر ، و كأنها صور لذات الشخص في وضعيات مختلفة ، لكن سرعان ما شدّ عينيه المنظرُ المفزع للطفل الغريق في الأسفل. تأمّل مليّاً الصبي الذي ينقلب على بطنه على الشاطئ تاركاً الموج يلعق جبينه. كبّر صورته عازلاً إياه و مقصياً الهيئات المتفرقة التي جمِعت مع لقطة الطفل في ذات الصورة. عرف تلك اللقطة ؛ كانت صورة لطفل سوري غريق غزت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأخيرة. حاذت خيالَ الولد صورتان متفرقتان لطفلين آخرين كانا قد قضيا غرقاً أيضاً على سواحل تركيا البارحة. في الوسط كتِبت عبارة تقول شيئاً ما عن تجار البشر ، و يقصد بهم سماسرة القوارب المتجهة إلى أوروبا الذين تسببوا بمقتل الكثيرين دون محاسبة تذكر ، علتها ثلاث صور لثلاثة شبّان في مقتبل العمر. فكّر نضال مليّاً في الغاية من سؤال عبد الوهاب فراح يكبر الصورة و يزيحها يميناً و شمالاً ، أعلى و أسفل ، متفرساً أوجه الشبان الثلاث. لم ينصرف عن الأمر حتى بعد تعرّفه إلى أحدهم ، و كأنه معنيّ بمعرفة الجميع.
لم يعرْها بالاً و هي تترنح بجانبه معاودة الجلوس على الكرسي العالي قبالة النادل. كان كاسف الوجه ذابل السحنة ، يتأمّل بمرارة صورة الشاب في الثياب الأنيقة و الذي بدا في أواخر العشرينات من عمره. نبرت الفتاة مستفهمة ، فرمقها بشكل خاطف ثم نظر إلى الكأس أمامه. عبّ ما فيها و طلب كأساً جديدة. أمسك بالجوال بكلتا يديه و شرع يكتب بأصابع مرتعشة ؛ ( قصي مات؟ غرق! عبد الوهاب أجبني! أين أنت؟). لم يجب الأخير. وضع الهاتف جانباً. و التفت إلى الفتاة ؛ ((صديقي. زميلي في الجامعة ، مات غرقاً البارحة.))
((ماذا! اهدأ قليلاً. أنا آسفة! اهدأ. كيف حصل هذا!))
((كان يحاول المجيء إلى أوروبا. لم أسمع عنه شيئاً منذ ثلاث سنوات باستثناء أنه كان يقيم في تركيا و يعمل هناك. و اليوم رأيت صورته بين الضحايا. غرق يا رباه! غرَق! لو أنه قضى برصاصة في سورية لقلنا أنه مات مثل الكثيرين بسبب الحرب. لكن أن يموت في عرض البحر! لا أصدق.)) اختنق نضال بصوته.
كأس مثلثة الشكل من الويسكي و الكولا انزلقت على الطاولة لتركن أمامه ، وسط جو محمّل بانفعالات من الدهشة و الحزن. التفت إليها في انكسار و في تلك اللحظة خطفت يدَه بكلتا يديها محاولةً تخفيف لوعته. راحت تحدثه عمّا قرأته في الصحف اليوم و تفاءلت بأن العالم سيتحرك لفعل شيء ما من أجل السوريين بعد الحوادث الأخيرة. ضحكة غريبة أطلّت من عينيه القاتمتين ، كما لو أنّ به مساً ، و سرعان ما اضمحلت. بدا مضطرباً و هو يريها الصورة. ((الأطفال يا الله! الأطفال! انظري. هنا ، هذه الطفلة. بطنها منتفخة!.. هذا هو صديقي. شاركني السكن في المدينة الجامعية لسنة كاملة. ربما التقِطت هذه الصورة قبل موته بأيام قليلة. انظري. عيناه. و كأنهما تنشدان الوداع. يا إلهي!.))
((يجب أن تتحلى بالأمل. اهدأ يا حبيبي. كل شيء سيصبح أفضل.))
تفوه بشيء غير مفهوم ، و حين سألته عمّا قال أجاب بأنه يفضل الصمت مبرراً بأنّ ما تعلّمه إلى الآن من مفردات اللغة الألمانية غيرُ كافٍ للبوح بكل ما بداخله.
و بغتةً ، بعد أن بدأت سمات نضال تميل إلى الهدوء ، صرّ الهاتف على الطاولة الخشب المستطيلة الشكل ، ليسارع نضال إلى قراءة الرسالة التي تقول : (لا ، للأسف هو مايزال حياً يرزق).
عاد بسرعة إلى الصورة و قرأ ، بعناية ، العبارة التي كتبت تحت صورة قصي ، شريكه السابق في السكن ، فوجدها كالآتي : (نعم لفضح تجار البشر المجرمين.).
صعِق نضال. لفحت الحرارة رأسه. يتأمل عيني قصي مرةً أخيرة قبل أن يحذف الصورة و يدسّ الجهاز في جيبه. اشتفّ قليلاً من الكأس ثم أخذ يتلفّت فيما حوله في برود. وجد المكان مزدحماً ، خافت الإضاءة و أصغر من ذي قبل ، و شعر بالموسيقا أكثر صخباً و أفقر معنىً. عندها التفت إلى صديقته ، التي بدت عليها علامات الاستغراب ، و قال لها ((لا شيء. دعينا نخرج من هنا و حسب.)).


ألمانيا 2015.



#رستم_أوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهديّة (قصة قصيرة)
- الصاروخ
- الوطن عزيز
- القربان
- البرّاد
- مُجاهِد
- عدلة
- الجوع أفضل
- الى صديقتي في الجبهة
- الحب في زمن البراميل
- شهاب في عنتاب
- فتى المعبر


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رستم أوسي - الغريق (قصة قصيرة)