أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بانتظار مامو. . . البطلة التي أخرجت 100 طفل من السجون النيبالية















المزيد.....

بانتظار مامو. . . البطلة التي أخرجت 100 طفل من السجون النيبالية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4913 - 2015 / 9 / 2 - 16:57
المحور: الادب والفن
    


يكمن نجاح بعض الأفلام الوثائقية في اختيار القصة السينمائية المُعبّرة التي تلامس وجدان المتلقي وتحرّك مشاعره الإنسانية المرهفة. وفيلم "بانتظار مامو" لا يخرج عن هذا الإطار، خصوصًا إذا عرفنا أن كاتب قصة هذا الفيلم المؤثر جدًا هو توماس مورغان، وهو نفسه الذي ساهم في إخراج هذا الفيلم مع زميليه فرانسوا كيّو ودان تشين وبدعم وتشجيع من الممثلة الأميركية المتألقة سوزان سراندون الحائزة على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن دورها في فيلم "رجل ميت يمشي" للمخرج الأميركي تيم روبنز.
أشرنا غير مرّة إلى أن الإبداع هو لمسة فنية في صياغة الفكرة وتقديمها إلى المتلقي سواء أكان متعلمًا أم من عامة الناس. فالغاية من الفيلم، أيًا كان نوعه وثائقيًا أم روائيًا، هو المتعة والفائدة، وفيلم "بانتظار مامو" يوفر الاثنين معًا، وأكثر من ذلك فهو يهيمن على المُشاهد، ويهزّ مشاعره، ويأخذ بتلابيبه في كثير من اللقطات والمشاهِد المؤثرة. تُرى، ما قصة هذا الفيلم؟ ولماذا حصل على هذا الشيوع والشهرة بحيث أن بطلته بامتياز بوشبا باسنيت المُلقبة بـ "مامو" قد فازت بجائزة بطلة السي أن أن لعام 2012 وذلك لدورها المتميز في إخراج 100 طفل من السجون النيبالية وتأمين الرعاية والحماية والتعليم لهم في مركزها المختص بتنمية الطفولة المبكرة في العاصمة كاتماندو، آخذين بنظر الاعتبار أن قيمة الجائزة هي 300.000 دولار أميركي وهو مبلغ كبير جدًا في بلد مثل النيبال.
ثمة مقولة شائعة في النيبال جرت مجرى الأمثال مفادها "أن الجريمة لا يدفع ثمنها المجرم فقط، وإنما يتحملها إثنان أو أكثر في بعض الحالات" والمقصود بذلك الأطفال القُصّر الذين لا يجدون من يرعاهم بعد دخول آبائهم إلى السجن الأمر الذي يدفع بالسلطات المختصة إلى زجّهم في السجون لمدد زمنية طويلة تصل إلى خمس عشرة سنة ثم يُخلى سبيلهم من دون أن يكتسبوا أي تعليم أو مهارات تُعينهم على تحصيل الرزق الحلال.
لقد ارتكب بعض الآباء والأمهات جرائم وجُنح ومخالفات يحاسب عليها القانون النيبالي ويزج بمرتكبيها في السجون والمعتقلات لمدد قد يصل بعضها إلى عشرين عامًا. تُرى، أين يذهب الأطفال الذين لا مُعين لهم، ولا أهل يحدبون عليهم؟ خصوصًا وأن الجريمة متفشية في كل مكان من النيبال، وأن احتمال سرقتهم والمتاجرة بهم أمر وارد ومحتمل الوقوع! لذلك لم تجد السلطات المعنيّة بُدًا من زجّهم مع ذويهم في السجون والمعتقلات النيبالية التي رأينا بعضها في العاصمة كاتماندو، وهي سجون مزرية لا تتوفر على أبسط الخدمات الإنسانية فكيف يتحملها الأطفال الذين لم يألفوا هذا النمط من الأسْر ومُصادرة الحريات الشخصية؟
كانت الطالبة بوشبا باسنيت ""Pushpa Basnet تدرس في جامعة سانت إكزافييه كي تصبح موظفة اجتماعية، وهو تخصص جامعي لا يحتاج إلى جهد كبير كما يراه عامة الناس. وكجزء من مشروعها الدراسي زارت باسنيت "مامو" سجن النساء وقد شعرت بالهلع حينما رأت الأطفال الصغار المسجونين مع آبائهم خلف القضبان. وصادف أن تسحب طفلة مُحتجزة طرف ثوبها وحينما التفت إلى الوراء اصطدمت بالابتسامة الجميلة لهذه الطفلة وكأن لسان حالها يقول لـ "مامو" أخرجيني من العتمة وحرّريني من هذا الأسر. فبأي جريرة وُضِعت هذه الطفلة خلف القضبان؟ وكم سيمضي على وجودها في هذا المكان الموبوء؟
شرعت بوشبا باسنيت "مامو" بإخراج الأطفال من السجون منذ سن الحادية والعشرين وفي عام 2007 أخرجت مامو نحو 100 طفل من السجون النيبالية المظلمة وأمنّت لهم المأكل والمشرب والمأوى وحمتهم من أشرار المجتمع المُعدم ومجرميه الذين لا يعرفون الرحمة ولا يجدون حرجًا في المتاجرة بأبنائهم وأبناء أقاربهم قبل أن يتاجروا بأبناء الآخرين!
مَنْ يتمعن في شخصية مامو منذ مُستهل الفيلم القصير الذي لم تزِد مدته عن 40 دقيقة لكنه قال أشياء كثيرة سيكتشف من دون عناء أن مامو إنسانة محبوبة ولديها مواصفات كارزماتية تسمح لها بالدخول إلى قلوب المشاهدين وتأسرهم. ففي معالمها الخارجية ثمة قدر كبير من المحبة والرأفة والحنان قد لا نجده عند نساء كثيرات. فالمُشاهد يثق بها في الحال ولا يراوده الشك بأن هذه المرأة يمكن أن تؤذي واحدًا من هؤلاء الأطفال الذين فرّقت الظروف بينهم وبين أهلهم وذويهم.
يقوم قسم كبير من الفيلم على لقاء بين المخرج ومامو ومن خلاله نتعرف على العديد من شخصيات الفيلم من بينهم بيراج وبراشنا ولاكسيمي وأمه ونيها وهسنيا ومانجو ومينا وغيرهم من الشخصيات المفجوعة بهذه المصائر التي لا يُحسدون عليها. لقد منحتهم مامو الأمن والأمان، والحب والأمل، وفتحت لهم العديد من النوافذ. وربما يكون التعليم هو الخطوة الأولى صوب حياة آمنة ومضمونة ومن دون التعليم يتحول المجتمع إلى غابة يأكل فيها القويُ الضعيف.
يسلِّط هذا الفيلم الضوءَ على بضعة عوائل نيبالية محدودة لكنها تشكِّل في واقع الحال نماذج أساسية لشريحة اجتماعية واسعة ينخر في جسدها الفقر المدقع، ويهدد أمنها التفكك الاجتماعي الذي يُفضي إلى التشرذم العائلي وضياع الأبناء الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة ظروف قاهرة أكبر من طاقتهم بمئات المرات. فما الذي يفعله طفل قاصر إزاء أبٍ يمتهن التهريب، ويتعاطى المخدرات أو يتاجر بها؟
لا شك في أن مُخرجي الفيلم الثلاثة يدينون ضمنيًا الحكومة النيبالية "الديمقراطية" الفتية التي لم توفر العيش الكريم لأبنائها وتضطرهم لأن يخرقوا القانون وينتهكوه كل يوم تقريبًا. كما أنهم يؤكدون على أهمية التعليم الذي يوفر لاحقًا فرص العمل على الرغم من ندرتها، ويؤمِّن لهم الحماية القانونية التي تمنعهم من السقوط في مصائد المغفلين وفخاخهم المنصوبة في الممرات المُفضية إلى سوق العمل وفرصه القليلة التي تنحسر يومًا بعد يوم.
ينبّه مخرجوا الفيلم على أهمية حقوق الطفل أولاً، ثم حقوق المرأة والإنسان بصورة عامة. فغالبية السجناء، إن لم نقل كلهم، لا يعرفون حقوقهم ولا يدركون جيدًا الواجبات المُلقاة على عواتقهم فلاغرابة أن يقعوا فريسة للأخطاء الجسيمة التي تدمّر حياتهم وحياة أبنائهم وذويهم.
لابد من الإشارة إلى النهاية الناجحة لهذا الفيلم الذي أُختتمت قصته الذكية التي تُفتِّح الأذهان بتتويج بوشبا باسنيت بلقب بطلة السي أن أن الذي تستحقة عن جدارة حيث غمرتها دموع الفرح وهي تحتضن جائزتها وسط موجات التصفيق التي كانت تتعالى في أرجاء القاعة المكتظة بالجمهور النوعي الذي حضر خصيصًا لهذه المناسبة الثقافية التي تُكرَّم فيها امرأة نيبالية شجاعة نجحت حتى الآن في إخراج 100 طفل من عتمة السجون الموحشة إلى الحياة الحرّة الكريمة لتُعيدهم إلى أمكنتهم الطبيعية على مقاعد الدرس، ومراكز الحماية الاجتماعية التي تقيهم من شرور الجهل واليأس والتخلّف والانحراف.
لعبت الفنانة الأميركية سوزان سراندون دورًا مهمًا في الترويج لهذا الفيلم وأتاحت له فرصة نادرة حينما مهرجان مدينة ترافيرس السينمائي حيث تُوج بجائزة الجمهور. ولا ننسى في هذا السياق دور المخرج الوثائقي مورغان سبيرلوك الذي تبنى مع سراندون إنتاج الفيلم والترويج له في المحافل السينمائية المهمة في أميركا وغيرها من بلدان العالم التي تحتفي بهذا النمط من الأفلام التنويرية التي تراهن على أهمية الخطاب البصري ودوره في تغيير المواقف والأذواق الإنسانية على حدٍ سواء.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخرج جوناثان هالبرين وموت عقد الستينات
- محاكمة الفكرة المستحيلة في ليلة الهدهد
- ومضات من السيرة الحياتية والشعرية لديلِن توماس في شريط سينما ...
- رسائل حُبٍّ للرجال العظماء
- الليالي العربية في الخطاب البصري الغربي
- الفن الفقير
- ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية
- أفلام الطبيعة
- هل الفنان الغرافيتي مُشوّه للجمال؟
- موت السلطة اللاهوتية في العقل الجمعي العراقي
- معاناة المسلمين الأيغور
- فيلم امرأة من ذهب لسايمون كيرتس
- الخامسة علاوي ومقترح الأدب الجغرافي
- -الولد الشقيّ- الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
- الولد الشقيّ الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
- انهيار الجلاد وانتصار الضحية في ثاني أفلام المخرجة أنجلينا ج ...
- تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد
- فنّ الشارع بين الدعاية والتحريض
- الرحيل تحت جنح الظلام 1
- حُب وعنف في المتاهة الملحيّة


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بانتظار مامو. . . البطلة التي أخرجت 100 طفل من السجون النيبالية