أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم الخياط - رجوع متأخر















المزيد.....

رجوع متأخر


سالم الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 4912 - 2015 / 9 / 1 - 19:17
المحور: الادب والفن
    


رجوع متأخر
قصة قصيرة
سالم الخياط
هل عدت حقا إلى أهلي..!!
الوجوه التي تركتها منذ زمن بعيد لما تزل كما عهدتها، تلك الطيبة التي ترسم تقاسيمها..كم تمنيت أن أراها وأنا في الغربة.. أن اجلس تحت ظلال نخلة وارفة أو أتسلق جذعها السامق وسعفها الذي يناطح السماء.
كيف اجتزت من العمر أعواما من الحنين للوطن!!..وطن نراه في بطاقات السفر. نراه في الوجوه المتعبة للمهاجرين. وطن تخلى عنا لكنه يبقى الرحم الأول. نعود إليه كما نعود إلى حضن أمهاتنا ...
حين رجعت كنت أذوب شغفا وحنينا إلى مدينتي وذكرياتها التي كنت احلم بها واعتقدت أنني سأراها بأبهى حلتها.. لكن..آهٍ..!
رأيت مدينتي التي أحببتها قد استحالت إلى خرائب. المعالم التي تركتها غمرها الإهمال وأصبحت أطلال، حتى الوجوه، وجوه الناس كانت مرهقة ويعلوها الغبار..
بعد العودة أيقنت مدى الخراب الذي استوطن روحي .. ثم أدخلت نفسي وأرغمتها لمرافقتي في رحلة لمدينتي وانا انظر إليها بعمق.. وكيف دب الخراب اليها بعد رؤيتي لأهلي وتذكرت العائلة التي تركتها ..
كنت أتساءل وأنا احتضن الصباح وامشي،كان نهاري طويلا ومشمسا وأنا أسير بجانب الشارع الفرعي للسوق القديم. ونفسي مثقلة بالذكريات لاشيء غير المكان والزمان حتى لو انفصلا عن بعض يبقى عبق المكان الأصيل وتاريخه الذي لن ينسى حيث يستمر التغيير في معالم الأرض باستمرار الحقيقة وجمال المكان المفقود والزمان العائد إلى الذاكرة .
بدأت خطواتي تتباطأ وأنا أبحث عن مكان يسمى وطن وكأن شيئا في هذا المكان يجذبني ..
وأتساءل:هل يموت الماضي مثلنا ويدفن!!
رأيت كيف الشوارع تنسى أسماءها..وتضيع الخطوات دروبها..
ربما أعتقدت أنها تغيرت بعد غيابي عنها ؟
جلست وحدي في مقهى صغير شبه مهجور على مقعد خشبي..نادل المقهى أحضر لي قدحا من الشاي وأنا أتذكر الأمكنة وثرثرة الناس في, وزخات المطر الناعمة تتساقط على الهياكل الشناشيل القديمة وأخذت أشم رائحة الصندل العتيق بنفس عميق كي ارجع العقل إلى الذكريات القديمة كما إن الوعي والإدراك كان يرحلان بعيدا تذكرت طفولتي.. الان يخيل لي أنني أرى زمناً قرمزيا !!
نظرت إلى نافذة الذكريات تفطر قلبي ألما وحزنا وسقطت دموع اليأس والأسف فارتفع الصدى داخل روحي ماذا فعلت وبدأت أبحث عن وجهي الحقيقي !!
أي فتى لا يذكر أيام الصبا بحلاوتها ومرارتها وانفعالاتها اللذيذة ..
كانت هدى تسكن في نفس الزقاق تجلس عند الغروب تطل من شباك غرفتها الذي يطل جزء قليل منه على المقهى هي تنظر لي خلسة من النافذة وأراها ويتدفق خفقان قلبي بنظرتها لي..
كنت انتظر الغروب ليفتح شباكها ورفعت هدى رأسها ونظرت نحوي حينها سمعت الحب يهمس قلبي بعلاقة عاطفية ، دخلت هدى قلبي وأنا بربيع حياتي ..
تطور الحب واخذ منحى أخر بيننا، كانت إنسانة حرة تحب الحياة نقية السريرة أحببتها كثيرا, وبدأنا نلتقي بمكان منفردين بالسر وزحف شيً في جسدي واستباحت شهوتي لجسدها وبعد إشباع رغباتي تركتها فاستباحتها الرياح والذئاب أخذت تنهش بجسدها .. وتركت طريق الوفاء والحب ، لم أكن عاطفيا حينها وتركت ما تبقى في القلب، الان لم يكن رحيلي كافيا فيخرج شبحي مني هنا الحقيقة.. لنعرف كم من الأخطاء ارتكبنا ونبدأ الإصلاح بأنفسنا عندما ينضج المرء ليس من السهل أن يعود للطفولة ..
وفي هذا اللحظة نظرت أمامي إلى فتى عمره لا يتعدى الخامسة عشرة عاما وهو يرمقني بنظرة خاطفة كأنه يريد أن يضربني أخذت اصرخ بوجهه، هيا اذهب من هنا لماذا تنظر الي هكذا !
رد نادل المقهى: ما بك أيها الرجل المحترم ..
قلت انظر الى هذا الولد الشقي يريد أن يضربني بالحجر ويشتمني ..
صمت النادل وهو يرمقني بنظرة استغراب وحيرة !
أشعلت سجارتي وبدأت أدخن وعاد الولد مرة أخرى وهو يمسك حجرا بيديه وضربني. نهضت غاضبا عابساً وبدون شعور ركضت خلفه دخل في زقاق ضيق. نظرت اليه يدخل في بيت من الشناشيل القديمة. حين وصلت إلى الدار رأيت الباب مفتوحا لم أتمالك نفسي فدخلت عنوة إلى البيت بدأ الولد يصرخ وينادي أبيه خرج رجل كبير يعتمر كوفية بيضاء ويكسي الشيب لحيته تكلم الرجل بوقار وهو ينظر لي: ماهذا كيف تهاجم فتى صغير..
نظرت بتمعن إليه ..
_لماذا أنت مندهش ! لماذا تطارد الصغير !ماذا فعل بك ..
_ لقد شتمني وضربني بالحجارة انه ولد وقح ومشاكس..
سامحني أن كنت أسأت يا سيدي ودخلت البيت بدون استإذان ..
وبينما أتحدث مع الرجل وبكل الم تهبط الأم في باحة البيت تقف بقوامها الفارع وثيابها السود. ولم تجب ظلت ساكنه ترتعش كانت المرأة شاحبة، ثم تفاجئني بصوت قاسي وهي تنظر لي ماذا تفعل هنا أيها الولد الأحمق لم تدرك كيف مضيت وحيدا مع غربتك وضياعك في الحياة اخرج فأنت خرجت من حياتنا من زمان،وكان كلامها بغضب شديد وتشنجت أصابعها وعروق رقبتها وهي ترتجف ..
حاولت أن أتكلم واشرح لها لكن صوتي اختنق فترقرقت الدموع في عيني وخرجت خجلا مطأطئ الرأس وأنا أحس بالألم وصرت أشد حزنا منذ قبل ..
قام الرجل الكبير برفقتي مع الفتى: اعذرها يا ولدي فابنها لم يزرها من سنين طويلة وهي غاضبه عليه أرادت أن تراه قبل موتها ولكن نسيها ونسي وطنه !
وأخذت أحدثه عن حلم العودة للوطن وكيف كان قلبي محاصر كطائر في قفص .. هنالك في بلاد الغربة كان يسكن جسدي لكن روحي تحلق بذكرياتها لوطني ؟ عشت سنين اجلس على عتبات الشحاذين .. تعبت من السفر والغربة ، والعمر أخذ يتبخر .. كنت اتمنى ان يتسع الكلام اكثر ..
ثم حدثني ونحن نسير في السوق هل تعرف هذا السوق.. كان مزدحما بالناس المتسوقين ..
في هذه الأثناء جاءني متسول يطلب العون مني نفرت بوجهه بصوت مرتفع اذهب الله يعطيك رحل المسكين ..
ونظرت الى الرجل الذي يرافقني يحدق بعيني نظرات غريبة ..
وقال يا ولدي إن الكرم شجاعة لا توصف ولم يلبسها المتبجح ثم أضاف أن النفس العليا في الإنسان وغرائزها وحبها باكتناز الأموال شعور عميق غير متناه وان الغني البخيل يجمع المال ويكنزه فحسبك يا ولدي أحذر البخل واقتله بداخلك !!
انظر هذا الخان إلى حجي حسين العطار التاجر الذي كثرت الأقاويل عنه بمساعدة الناس المتعففين بالمال والمواقف الحسنة وهذه هي الشجاعة والعطاء والكرم يا ولدي ..
ثم أخذ يشرح لي هذه المكتبة تعود إلى شبيل بائع الكتب والمجلات ويرتاده المثقفين والكتاب ...
واخذ يذكرني بكل معالم المكان وقال لي يا بني أنا سأذهب للبيت وخذ الفتى الذي سيدلك على كل شي في مخيلتك فانحنيت شاكرا كمايجب على الابن احترام أبيه وذهبنا إنا والولد نتجول في السوق وهو يشرح لي أشياء يتراءى لي أني اعرفها منذ زمان كأني مررت بها من قبل ..
حدثني الفتى عن أبوه قال أن أبي محملا بالمتاعب ويصارع الحياة لكسب الرغيف أينما وجد انه رجل عصامي وطيب القلب.. ومشينا كثيراحتى وصلنا إلى سقيفة السوق العالية المتهالكة نادى عليه صديقه وكان اسمه ماجد قال الفتى سوف اذهب إنا وصديقي نلعب فوق السقيفة وأنا انظر إليهم وهما يتمازحان فوقها ناديت عليهم خوفا أن يسقط احدهم فلم يسمعا , اخذا يتمازحان أكثر بينهما بعد لحظات تحول المشهد ، تشاجر الصديقان وقام الفتى بدفع ماجد من فوق السقيفة لم يكن يدرك ماذا فعل تجمع الناس وحاولوا إنقاذه لكنه فارق الحياة وتهم الفتى بدفع صديقه ونكر الولد انه دفعه قال كنا نلعب وتعثر وسقط !!
وسألته لماذا قمت بدفع صديقك الان أنت أصبحت قاتل وأنت صغير لم يبالي بكلامي واخذ يمازحني ..
قلت أنت لم تعترف بدفع صديقك انا لم اقصد ذلك وهو تعثر وسقط ثم ابتسم لي وقال سوف تعرف من أنا هذه لعبة الموت البريئة !!
آذن لماذا حاولت أن تضربني ؟
قال مندهش الم تعرف انك سرقتني .. وكيف أنا سرقتك ؟ سرقت حياتي،، ابتسم مرة أخرى باستخفاف وقال تمعن بي أكثر من أنا !!
نظرت بوجهه اندهشت من هذه الصورة المرعبة لهذا الولد المشاكس إنني دفنت هذا السر بكل سنين العمر وهذا الفتى قد مات منذ زمان بداخلي أنا لا اعرفه وأريد نسيانه للأبد وهذه الحكاية والضحية قد طويته من حياتي..
وهربت منه ورجعت إلى نفس المقهى جلست وأنا ارتجف وأتلفت يمينا ويسارا..
وناديت نادل المقهى إني أسف قد رحلت ولم أنقدك ثمن الشاي..
ابتسم وقال مابك مشوش الفكر أنت لم تبرح مكانك منذ ساعة تقريبا تحدق في الشناشيل وتسرح بعيدا ..
نفضت راسي ودعكت عيني: ما هذا هل كنت أهلوس ..!!
هل هو شبح الماضي الذي يلاحقني!!
هذا الفتى الشرير الذي يشبهني منذ كنت صبيا .. يا الله ماذا حل في الذاكرة ,,هل هرمت تساءلت ونهضت مهموما مهزوما من ذلك السرالخفي الذي يربط روحي بهذا الفتى وأخذت اجر أذيال الخيبة وتناقضاتها ...
ثم ذهبت أسير فيي الشارع. أتخبط بأحزاني وذكريات الماضي حتى وصلت إلى صديقي الخياط جلست في المحل وبدأنا نتحدث عن مدينتي التي سادها الإهمال ودفنت حلاوة الأيام الجميلة وفقدت مذاقها..
حتى جاء المساء وبدأت أحتسي كأسا من الخمر لتلملم شتاتي وضياعي في بلدي وفي غربتي ..
وبدأ صديقي يسألني عن أحوالي وكيف قضيت سنين الغربة العجاف وهو ينظر في وجهي ماذا بك يا أخي أراك حزيناً ..
نعم تذكرت والدي اللذان ماتا ولم احضر جنازتهما ورحلوا من الدنيا وهم غير راضين عني بسبب رحيلي خارج البلد لم يفهموا لماذا انهزمت وتركت بلدي وهربت من قمع النظام الذي أراد اعتقالي ..
قال لي الخياط أنت لست هنا ،،أجبت نعم تحاصرني ذكرياتي أينما رحلت ،، ونحن نحتسي الخمر .. قلت في صدري سرا وأريد أن أبوح به ألان وسوف أخبرك بسري الخطير الذي لم افشيه لأحد قبلك حتى ألان لأزيح هذا الهم عني وسردت قصة الفتى الذي سقط من السقيفة ثم تطرقت.. وقلت ، بنظرك هل أنا قاتل ؟ وكيف أحاكم نفسي بفعلتي هذه وأجهشت بالبكاء .. قال صديقي قد تغيرت يا صاحبي بسنين الغربة الطويلة فالحياة مكان للنسيان وإصلاح الذات ؟؟
وأضاف : حاول أن تنسى الماضي وتعيش الحاضر ؟
ابتسمت وقلت انظر هشاشة الوضع نحن نبكي ماضينا أكثر من حاضرنا لم يبقى لنا شي غير الحلم في الماضي..
كم تمنيت إن يعود الوطن وطنا.. كما كنّا تجمعنا المحبة والصدق والتواضع وحب الوطن !.
ثم حدثني صديقي الخياط عن هجرة الشباب وعوائلهم خارج البلد ؟
وعن الفتن والجشع والأحقاد عن كذبة اسمها ثورة وقادة الأحزاب الفاشلين وإنا انظر هشاشة العملية السياسية .. وكيف يتاجرون بالوطن..؟
خرجت ثملا اجر بأرجلي خيبة الرجوع وقلت سوف اقضي باقي عمري غريبا في وطني وفي غربتي ..
أنا الذي حفرت خارطة الوطن وشما على جسدي وبقيت ألان بلا وطن وسأبحث عن وطن حقيقي يؤويني .. كانت الشوارع خالية إلا من العسكرفهمست مهموما .أية أوطان هذه .. وأي سياسيين..وأية.. أحزاب ..وأي .. حاضر حزين .. وأي..........................



#سالم_الخياط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دخان
- رحلة بعمق المتاهة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم الخياط - رجوع متأخر