أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الخولي - الصعلوك














المزيد.....

الصعلوك


طارق الخولي

الحوار المتمدن-العدد: 4909 - 2015 / 8 / 29 - 00:44
المحور: الادب والفن
    


انا من طبقه ادني من المتوسطه،امشي في بعض الشوارع بعتبروني غنيا ومثيرا،وامشي في شوارع اخري يعتبرونني صعلوكا،احيانا اكون بملابس متسخه وذات بقع ملونه من اثار العمل،منها البقع الصفراء والحمراء وغيرها الكثير من الالوان المتجانسه التي اختلطت ببعضها فعندها يصعب عليك معرفه اللون وتحديده،فيحملق في شاب عاطل.. او عاجز ..او لانه تاه في مستنقع المخدرات فيحقد علي..لا يهمني حقده كثيرا فليس لدي ما اخسره ،او أُحسدعليه،هناك الكثير من الحمقي حقيقة....
لا اخفي عليك ان من يعمل في مصر من امثالي من الطبقه العامله ،هم حقا صعاليك ،ليس لهم حاضرولا مستقبل ،يذهب كل يوم الي عمل شاق ربما فاق طاقته بكثير والاجر ربما كان ادني مما يستحق بكثير،هناك خلل في المعادله ،وفجوه واسعه..ان زمن الراسماليه والاقطاع يعيد نفسه ،ولكن بشكل اخر..شكل اذكي وذو طابع جميل ،مقبول يقبله الصعاليك ..ومن هم ادني منهم ،او اعلي قليلا،اتعجب ممن سارعو بعد الثوره الي عمل اضرابات من اصحاب الوظائف الحكوميه،واتعجب اكثر للدوله التي لبت لهم مطالبهم فسارعت هي الاخري برفع الرواتب الي اضعاف ،ان امثالي خارج خريطتهم..
خارج الزمن..
كنت صغيرا ذو العشرة اعوام..منذ ان دخلت تلك الدوامه ،وقفزت بثقلي في علب الالوان وجرادل البويه،لم اجد غير عم اسماعيل اعتمد عليه في كل شئ،لم اكن اعلم ما سالاقيه ..
حينها كان شعره لا يخلو من شعره بيضاء،كان ذي الخمسين عاما،يكاد يكون فكه خال من الاسنان،مما جعل شدقيه مطبقان الي الداخل قليلا،مع حدبه اعلي ظهره تجعله يمشي مائلا الي الامام،كان دائم الصراخ والزعيق،عصبي جدا،من اول يوم وصلنا ذاك الموقع الواسع ذو الابنيه العاليه المتلاصقه ..مازال الموقع تحت الانشاء..بعد ان قطعنا مسافه كبيره في سياره ركاب ..كانت لا تزال الساعه التاسعه صباحا..والشمس تلفح الوجوه ..تتوهج في صفحة السماء ،كنيران غاضبه وترسل لهيبها الي كل كائنات الارض ..وكانها تعاقبهم علي شئ فعلوه سابقا..انزلنا امتعتنا امام ذلك المبني المكون من الطوابق السته،رايت مايقرب من مئه جردل مملوءه بالبويه،مرصوصه بجانب حائط المبني،وهو يخطو عتبة المبني وراءه ثلاثه في الثلاثون من العمر..التفت الي وقال محملقا في عيني واصبعه نحو رصة الجرادل:
-شيل الجرادل دي كلها طلعها فوق في الدور السادس
وصعدوا الاربعه ..و ظللت افكر في المائة جردل،ماذا افعل؟ حتما سيقتلعون قلبي الي ان احملهم علي كتفي وارسو بهم الي الطابق العلوي،فكرت في ان ارجع الي المنزل وترك العمل،ولكن اين اذهب من أبي،سيظل يوبخني ويشتمني كالعاده..بل قد لا يكتفي بالسباب..قد يلجأ لاشياء اخري..ان يضربني مثلا بعصا غليظه..او خرطوم.. او كابل ..او شئ يترك اثرا علي وجهي او جسدي..لا زالت اثار ضرب علي وجهي منذ ان كنت ذي الخمس سنين ..
علي ان اختار الان بين الجرادل وبين لسان ابي،لا اعرف كيف امتدت يدي علي اول جردل ورفعته علي كتفي ورحت اصعد السلم درجه بعد اخري ،واجد صعوبه في التنفس،واجذب الهواء الي رئتي بصعوبه ،الان كدت ان اصل ..لم اعد اشعر بقدماي..كتفي يؤلمني ..جسدي كله يؤلمني...
وصلت الطابق السادس اجرجر قدماي.. رميت ما احمله فسقط الجردل علي البلاط فانسكب ما بداخله..لم اري غير الظلام..ونجوم تدور وسط الظلام امام عيني،لقد كان كف عم اسماعيل اثقل من ان يتحملها وجهي النحيل..انكفأت علي وجهي،ملأالتراب فمي..صرخت..صرخت في صمت..بداخلي فقط..اكتفت عيني بذرف بضعة دموع...,
وصرخ ثانية ولكن بصوت غاضب..بعد ان اقتضب وجهه وعقد حاجبيه:
-اياك توقع جردل تاني ..ولا تختار تروح عند ابوك؟
نعم انه صديق ابي منذ زمن،يعرف عنا كل شئ،وهوقريب الطباع من ابي..كأنما ولدوا توأما.. حتي انه يشبهه كثيرا في تقاسيم وجهه..غير البنيه الجسديه،فان ابي عريض المنكبين،طويل القامه..كث الشعر،عيناه ثاقبتان،ذو بشره اقرب للسمره..
نزلت مره ثانيه افكر..كيف اصعد بجردل اخر بينما الاول سقط من يدي..
انه حقا امر شاق علي طفل لازال في العاشره من عمره..
حملت اخر..قلبي يئن،ينفطر..اريد الانفجار...
صعدت برجل هامدة..غائبة عن الوعي..غائبه عني انا..جسدي خاصمني..نفر مني.....
جلست استريح بعدما صعدت طابقا،التقط رجلاي..الملم حواسي..
لا اعلم ان كان هذا العجوز الخرف يراقبني،لقد شعرت بخطوات قريبه تدب علي درجات السلم..انتفضت واقفا..انه هو،العجوز..
-قوم ياحيوان،قاعد ليه..مش عاوزاشوفك قاعد مرة تانيه..قوم.....
اااه..يالك من صعلوك كبير
ركلني بشده..حملت الجردل..واصلت الصعود،كل ما كان يجول في راسي ان اجد مكان مستتر اختبئ فيه واستريح ..بعد صعودي طابق اخر،لا زلت اسمع سبابه ولعناته..وكيف انه اتي بي الي هنا متغصباً،ليرضي ابي فقط..
نعم سمعته،وهويقول لشخص ممن يعملون معه،ان اباه قال لي اضربه واقسي عليه ،لكي يكون رجلا..وعلمه صنعة ..
لا اعتقد ان تربية انسان تكون هكذا،لابد ان هناك فرق بين ان تربي حيوانا وان تربي انساناً..بل اننا امرنا بالرفق بالحيوان...
صعدت ثانية..غصبا ،بعد ان غاب عني ذلك العجوز..انزلقت قدماي علي حافه من درجات السلم..لقد تحطم الجردل..وملاالسائل الدرج..اصبح مطليا باللون الابيض..مثل وجهي تماما..يبدوا انه كان يوم وجهي العسير.....
انتصبت واقفا بسرعه ..يداي ترتجفان..خلعت قميصي المهترئ..ذو الرقع الكثيره التي قامت امي بترقيعها..وسريعا..مسحت السائل تماما،لم يعد له اثر،ولكن ماذا عن ملابسي التي اصبحت بيضاء؟
لقد غسلتها..ولبستها في نفس اللحظه..واخفيت ما تبقي من حطام في الرمل..الان اصبحت بريئا...
ادركت منذ اللحظه التي ركلني فيها ذلك العجوز انني صعلوك.....



#طارق_الخولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوله من ورق...
- بقايا رجل


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الخولي - الصعلوك