أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح محمد عبدالحليم - لمسات















المزيد.....

لمسات


سماح محمد عبدالحليم

الحوار المتمدن-العدد: 4910 - 2015 / 8 / 29 - 00:44
المحور: الادب والفن
    


لم تُزحْ عينيها عن الباب المغلق منذ ساعتين في تلك الردهة البيضاء الهادئة إلا من دقات ساعة الحائط التي امتزجت بنيضات قلبها القلقة والمتسارعة.
عشراتٌ من المشاهدِ تداخلتْ في رأسها وتنازعتها مئاتٌ من الأفكار، ولكن صوت الباب الذي فُتِحَ فجأة انتشلها من معارك أفكارها ومشاهدها.
قفزت عيناها بلهفةٍ تتفحصُ ذلك الجسد المسجي على منضدة العمليات وتدفعة الأيدي إلى حجرة الإفاقة والعناية المركزة.هرولت قدماها خلفهم ثم وقفت تتامل ذلك الوجه المغطى بالعصابات الطبية وهي تتساءل بقلق عن نجاح العملية، فما لبثت أن سمعتِ الإجابةَ تأتيها من الطبيب الذي دلف إلى الغرفة مبتسمًا لها. تقبلي تهانئي سبدتي فلقد كُتِبَ لزوجك أن يرى الدنيا لأولِ مرة.
أشرق وجهُها بابتسامةٍ ابتلعت تفاصيله وهي تجلس بجوار زوجها وتلتقط كفه بين أحضانها وتضمه بحنانٍ بينما دموعها تغسل الحزن والقلق من عينيها.
انصرف الطبيب وطاقم التمريض بعد تهيئة المريض وتعليق المحاليل اللازمة.
ساد الهدوء المكان ظاهريًا بينما انبعثت ضوضاء شديدة من أفكارها وهي تتأمل العُصابة التي تحيط عينيه وتتساءل في قرارة نفسها عن ردة فعله عندما يتم إزالتها، وعندما يفتح عينيه لينظر إليها ويراها للمرة الأولى!! ، كيف سيَرى الحياة بعيونه هو وليس من خلال عينيها ؟!! ، انتقلت ببصرها إلى كفِّه التي لم تكن تفارقها من قبل أثناء سيرهما وكيف كان يقبضُ عليها ويتشبث بها كطفلٍ يخافُ الضَّياعَ من أُمه. وكيف كان يفضل يدها على عكازه الذي كان يستخدمه مُكرهًا عندما كانت تتركه لتلبية متطلبات الحياة. نظرت لأصابعه وتذكرت لمساتَها ِ الإستكشافية وهي تتجول على تفاصيلها وتتعرف على جسدها وكيف كانت تذوب مع كل لمسةٍ منهم، تسلَّلت الإبتسامة إلى شفتيها وهي تتذكر لياليهما الشتوية وهما يتقاسمان الفراش بينما تتولى هي القراءة في إحدى الكُتب أو إلقاء قصيدة عليه بصوتها وتراقب ملامح الإعجاب والرضى على وجهه فتزداد حماسةً وعطاءً، ولم تنس لحظاتهما وهي تناقشه في إحدى مؤلفاتها وكيف كانا يفكران معا في إعادة صياغتها بطريقةٍ مُرضيَة للطرفين. عادت فجأة من عالم ذكرياتها عندما جذبتها همهمة صادرة من شفتي زوجها تنبأها بقرب استفاقته من التخدير، ازداد تشبثها بكفه بين أصابعها وعقلها يترقب عودته إليها من عالمه المُظلِم.
مرَّتِ الأيام وكل منهما يحمل أطنانًا من التساؤلات والأفكار التي تعصف بعقله وقلبه، وحانت أخيرًا لحظة الحسم. جاء الطبيب مُعلنًا عزمه رفع العصابة نهائيًا عن عيني الزوج. أُظلِمَتْ الحجرة ولم يُسمَح إلا بضوءٍ خفيف يتسلل ليتيح الرؤية بالكاد، وبرغم الإضاءة الضعيفة استطاعت الزوجة رؤية ارتجافة جسد زوجها بينما يدا الطبيب تُزيح الشاش والقطن عن عينيه. استعار جسدها ارتجافة زوجها بدوره وكلاهما ينتظر تلك اللحظة المصيرية التي ستقلب حياتهما ثم تعيد ترتيب الأحداث مرة أُخرى .
" افتح عينيك ببطءٍ وصف لي ماتشاهده" هكذا قال الطبيب بعد إزالة العصابة. أسرعت بالجلوس في مواجهة زوجها وأمسكت بكفه برفق لتشجيعه بينما هي بحاجة لألف كفٍ تُربِّت على قلبها الذي يكاد يقفز من بين ضلوعها. مرَّت اللحظات كالدهرِ بالنسبة لكل من بالحجرة حتى حزم الزوج أمره وبدأ في رفع جفنيه لأعلى ببطءٍ شديد ولكنهما ارتدا بسرعة وأغمض عينيه بشدة وهو يرتجف فزعًا، قال الطبيب بهدوء وثقة العارف بهذة المواقف: "لاتخف مما ترى فذاكرة العين عندك لازالت بحاجة للتدريب حتى تستطيع تمييز الاشكال، أعد فتح عينيك فترة أطول وركز على شئ واحد فقط حتى لا تجهد عضلة العين."
التفت الزوج بوجهة صوب زوجته وبدأ بفتح عينيه وأمعن النظر في ملامحها لتكونَ أوَّلَ شخصٍ يراه في الدنيا وليجيب على عشرات التساؤلات التي كانت تجتاحه عندما عَلِمَ بإمكانية نجاح العملية ورؤية زوجته.
كان الضوء خافتًا فلم يتسنى له سوى رؤية استدارة وجهها واتساع عينيها ولكن بلا ألوان أو تفاصيل دقيقة. ابتسم لها برقة ابتسامة شاحبة تدلُّ على عدم رضاه الكامل عن المحصلة النهائية ولكن صوت الطبيب وضَّح له أن الأمور ستتحسن مع الوقت وأن الإضاءة سيتم زيادتها تدريجيًا مصحوبةً بتمرينات الرؤية التي ستمكنه أخيرًا من التأقلم مع وضعه الجديد والتعامل الطبيعي مع مكونات الحياة.
وكما وعده الطبيب تم الوصول للنتيجة المرجوة خلال أيامٍ قليلة، ولأولِ مرةٍ اختبرَ القيامَ من سريره بدون رفقةٍ وبحثَ عن حِذائِه وارتداه بنفسِه.
حان موعد الرجوع للمنزل. بدأ بمساعدة زوجته في حزم أغراضه بل وحمل عنها الحقائب ووقف ممشوقًا يلتقط أنفاسًا عميقة وكأنه سيغوص في محيطٍ لا نهائي.
لأولِ مرة يترك كفها وينزل درجات السلم بلا مساعدة أو قلق، يسير بمحاذاتها وعيناه تتجول في العمائر والسيارات والسماء، يقف مشدوهًا أمام واجهات المحلات التي تكتظ بالمعروضات، يجاهد لكبح دموع تقاتل لتتحرَّر من أسرها. يتأمل الألوان التي لم يكن يعرف منها سوى اللون الأسود طوال حياته. لم ينطق بكلمةٍ خلال رحلة عودته داخل سيارة الأجرة فلم تكن هناك كلماتٍ تُقال، فقط تعابير وجهه وهو يتأمل الحياة من حولة كانت تفي بالغرض. كان دخوله بيته للمرة الأولى وهو مبصرُ تجربةٌ أُخرى شديدة الوقع على نفسه. فكم تساءل عن لون الجدران ونقوش السجاجيد وشكل سرير نومه، وكيف يبدو المشهد من نوافذ البيت؟! .
تفاصيل لا يلتفت إليها أغلب المبصرون لاعتيادهم الأمر، ولكنها تمثل عالمًا من الفضولِ يعيش بداخله الشخص الضرير.
لم تحاول هي قطع حواره الداخلي مع نفسه بل تركته منغمسًا في رحلته الإستكشافية داخل منزلهما وتشاغلت بتفريغ الحقائب وتوزيع محتوياتها في أماكنها الطبيعية ومكتفية بمراقبة تعبيرات وجهه بشغفٍ وترقب. لحق بها في حجرة النوم وتأمل محتوياتها بفضولٍ وسعادةٍ تنمُّ عن رضاه عمَّا رأى. ولكن مالبث أن عبسَ وجهُه عندما وقعت عيناه على العُكاز الذي كان يستعين به على السيَّرِ فأسرعت هي بدفع العكاز أسفل السرير لإخفائه عن ناظريه، ولكنه قال بغضبٍ لا أريد رؤيةَ هذا الشئ في منزلي مرةً أُخرى، سارعتْ بتهدئته قائلة: لا تهتمّ لأمرِه فلن تحتاجه مرةً أُخرى بمشيئة الله تلك أيام ولت ولن تعود.
تنهد بضيقٍ ثم استأنفتْ عيناه جولتها الإستكشافية، وفجأة التفت إليها ثم حملها بين ذراعية بحركةٍ مباغتة جعلتها تطلق صرخات الدهشة والمرح. قال مصطنعًا البجدية: والاّن حان وقت استكشاف زوجتي للتحقق من جوانب الغش ورصد العيوب التي كانت مختفية عن العيون. قطَّبتْ جبينها بقلقٍ مصطنع أيضًا وهي تقول: ياويلتاه الاّن حصحص الحق لقد افتضح أمرى ولم يعد هناك مهرب، سامحني يازوجي الكريم فلقد أخفيت عنك عيوبًا جِسام. أجابها بثقةٍ: دعي أمر استكشاف العيوب لي وبعدها سنناقش الأمر فيما بيننا، ثم وضعها على السرير برفق وحنان وجلس قبالتها يتأمل ملامحها الرقيقة. تراقص قلبها شوقًا وطربًا فلقد مرَّت أسابيعٌ طوال على آخر لقاء حميمي بينهما، وغاصت في عينيه السوداوين، بينما تسللت يداه إليها بثقة وهي تعرف اهدافها هذة المرة.



#سماح_محمد_عبدالحليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح محمد عبدالحليم - لمسات