أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الفساد والحوكمة والتنمية















المزيد.....

الفساد والحوكمة والتنمية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4908 - 2015 / 8 / 26 - 11:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفساد والحوكمة والتنمية
عبد الحسين شعبان
منذ احتلال العراق في العام 2003 وقضايا الفساد والحوكمة والتنمية تطرح على بساط البحث على نحو شديد نظراً لحساسيتها وتأثيراتها في موضوعات الإرهاب والعنف والطائفية، إضافة على تفكك الدولة وتراجع هيبتها على نحو مريع، وكان لاحتلال "داعش" للموصل وتمدّدها لتشمل محافظات صلاح الدين والأنبار وأجزاء من كركوك وديالى والتي تصل إلى نحو ثلث الأراضي العراقية، قد أثار شجوناً قديمة تتعلق بهذه المسائل الثلاث، أي الفساد والحوكمة والتنمية، سواء في المؤسسة العسكرية والأمنية أو في مفاصل الدولة الأخرى.
يرتبط الفساد بغياب ما يسمى «بالحكم الصالح» أو «الحوكمة»، وهذان الأمران يرتبطان على نحو وثيق سلباً أو إيجاباً بمسألة التنمية، خصوصاً وأن تقليص دائرة الفساد المالي والإداري، فضلاً عن اعتماد مبادئ الحوكمة، ستكون ضامناً لتحويل النمو الاقتصادي ليصبح تنمية إنسانية شاملة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتربوية والصحية والبيئية وغيرها.
ويبقى مفهوم التنمية بأبعادها الدولية بحاجة إلى تأصيل وتبيئة، وخصوصاً في العالم العربي، الذي يتسم بضعف المشاركة ومركزية الدولة والدور المحدود للقطاع الخاص ولهيئات الحكم المحلي، إضافة إلى غياب أو ضعف هيئات الرقابة والمساءلة ومحاولات تسييس القضاء والتأثير في نزاهته واستقلاله، إضافة إلى ضعف مؤسسات المجتمع المدني أو اقتصار دورها على الاحتجاج في حين يفترض مشاركتها باتخاذ القرار والتحوّل إلى قوة الاقتراح مع استمرار دورها الرصدي والرقابي.
وقد كشفت أحداث الربيع العربي بغض النظر عن «خيباته» وعدم تمكنه من تحقيق أهدافه حجم الفساد المستشري في الطبقات العليا للدولة العربية، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة، لاسيّما وقد أصبحت المسألة اضطراراً، بل إنها حاجة ماسّة ولا غنى عنها، وهي لا تتعلق بالإصلاح الإداري ومحاربة الفساد فحسب، بل للمضي في طريق التنمية الإنسانية الشاملة والمنشودة، لاسيّما باعتماد مبادئ الحوكمة.
مرّ مفهوم التنمية عالمياً بأربعة مراحل: المرحلة الأولى حيث كان التركيز على النمو الاقتصادي، وفي المرحلة الثانية أصبح التركيز على التنمية البشرية وفي المرحلة الثالثة على التنمية البشرية المستدامة، وفي المرحلة الرابعة على التنمية الإنسانية بمعناها الشامل، وبذلك تم الانتقال من الرأسمال البشري، إلى الرأسمال الاجتماعي، أي الترابط بكل مستويات النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والقانوني والتربوي والصحي والبيئي وغير ذلك، استناداً إلى مبدأ المشاركة والتخطيط الطويل الأمد في الحقول المختلفة بتوخّي قدراً من العدالة والشرعية والتمثيل الاجتماعي مع وجود عنصر المساءلة.
واقترنت المرحلة الرابعة للتنمية بإدخال مفهوم الحكم الصالح «الحوكمة»، ولاسيّما في أدبيات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولعلّ السبب في أن بعض البلدان حققت نموّاً اقتصادياً، لكنها لم تستطع أن تحقّق تحسّناً في مستوى معيشة أغلبية السكان، وهكذا فإن تحسّن الدخل القومي لا يعني تلقائياً تحسّن نوعية حياة الناس وطريقة عيشهم.
مفهومان للتنمية أحدهما ضيق، والمقصود به النمو الاقتصادي، والآخر واسع، وهو ما قصدناه التنمية الإنسانية الشاملة، كما أن فكرة الحوكمة أو الحكم الصالح تستخدم على نحو ضيق وواسع أيضاً، فالمفهوم الأول الذي كان يذهب إليه البنك الدولي في أدبياته، يقصد به الإدارة الرشيدة أو الجيدة بدلالة النمو الاقتصادي، أما المفهوم الواسع فهو يصدر بدلالة معالجة مسألة الحكم والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والإدارة والفرد، من خلال الشرعية والمشاركة والتمثيل والمساءلة وقضايا الحريات واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون واستقلال القضاء، إضافة إلى مبادئ الإدارة العامة الرشيدة، بهدف « توسيع خيارات الناس».
وهكذا يتّسع مفهوم التنمية لمبدأ المساواة والحرية وحق اكتساب المعرفة وحق التمتع بالجمال واحترام الكرامة الإنسانية والمشترك الإنساني، وهو بهذا المعنى لا يقتصر على الوفرة المادية، بل يشمل القدرات البشرية المطلوبة وتوظيفها العقلاني في مجالات النشاط الإنساني المتنوّع والإنتاج والسياسة والمجتمع المدني، لتحقيق الرفاه، كما يشمل مفهوم التنمية أيضاً، الحريات المدنية والسياسية.
وركّزت تقارير البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة منذ العام 1990 على مفهوم نوعية الحياة وعلى محورية الإنسان في عملية التنمية، مثلما أصبح النمو الاقتصادي ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق التنمية، ومن واجب الحكم الصالح أن يتأكد من تحقيق المؤشرات النوعية لتحسين حياة الناس، وهذه المؤشرات تتعدّى الجوانب المادية ليندرج فيها العلم والصحة والثقافة والكرامة الإنسانية والمشاركة.
وترتبط مسألة الفساد والحوكمة بقضية التنمية من خلال ثلاثة أطر هي:
1- الإطار الوطني، ويشمل مشاركة الحضر والريف وجميع الطبقات والفئات الاجتماعية في عملية التنمية، ولاسيّما مشاركة المرأة.
2- الإطار الدولي، تقويم مدى التوزيع العادل للثروة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، ومدى الاحترام في نطاق العلاقات الدولية للدول كبيرها وصغيرها وقانونية وشرعية العلاقات التي تحكمها، وذلك من خلال المشترك الإنساني.
3- الإطار الزمني، مراعاة الأجيال الحالية والأجيال اللاحقة، وفي إطار ذلك يمكن قراءة الأبعاد السياسية للحوكمة كنظام للقيم والسياسات والمؤسسات التي يدير المجتمع من خلالها شؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما تتحدّد أبعاد الحوكمة ومؤشراتها في مدى استخدام المفهوم لإعطاء حكم قيمي على ممارسة السلطة لإدارة شؤون المجتمع لتحقيق التقدم والتنمية وذلك بأبعادها الأربعة:
البعد الأول- السياسي الذي يتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها، وأساليب اتخاذ القرارات ودرجة تعبيرها عن قطاعات المجتمع.
البعد الثاني- التقني، المتعلّق بعمل الإدارة العامة وفاعلياتها ودرجة كفاءتها.
البعد الثالث- الاقتصااجتماعي المتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية في توزيع الثروة والدخل والفقر والأمية ودور المرأة وقضايا المعرفة وغيرها.
البعد الرابع- يتعلق بدور المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة وقدرته في أن يكون قوة رصد واقتراح وشراكة في اتخاذ القرار.
وقد ذهب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 4 كانون الأول (ديسمبر) العام 2000 (الجلسة )81 والموسوم: حول تعزيز مبادئ الديمقراطية إلى الإشارة الصريحة للحكم الصالح (الحوكمة) كما ورد ذكره في إعلان ألفية الأمم المتحدة (الدورة الخامسة والخمسين) باعتباره من العوامل التي لا غنى عنها لبناء وتعزيز مجتمعات يعمّها السلام والرخاء والديمقراطية.
وأكّد القرار على تعزيز الديمقراطية بواسطة الحكم الصالح من خلال تحسين شفافية المؤسسات العامة؛ واتخاذ تدابير قانونية وإدارية وسياسية لمكافحة الفساد؛ وتقريب الحكومة من الشعب باستخدام مستويات التفويض المناسبة؛ وتعزيز إمكانية حصول الجمهور، بأكبر قدر ممكن، على المعلومات المتعلقة بأنشطة السلطات الوطنية والمحلية؛ والتشجيع على تحقيق مستويات رفيعة من الكفاءة وحسن السلوك والاقتدار المهني داخل الخدمة المدنية.
ومن أهم مؤشرات الحوكمة في أي بلد تفترض الاقتراب أو الابتعاد من اعتماد المعايير التي سبق ذكرها من خلال هيئات ومؤسسات تتمثل في تحقيق التنمية ومكافحة الفساد وإعمال حكم القانون، وقد ابتلى العراق منذ احتلاله في العام 2003 بالفساد المالي والإداري لدرجة فاق بها كل اعتبار، كما تذكر منظمة الشفافية العالمية، التي وضعته لسنوات في أسفل السلّم العالمي، ومع أن هناك توجهات للرقابة والمساءلة، لكن الفساد لا يزال مستشرياً، باستمرار وجود 20% من السكان دون خط الفقر، وإن البطالة تزيد على الرقم، مثلما أن الأمية تزيد عليه كذلك، علماً بأن موارد العراق خلال السنوات من العام 2003 ولغاية الآن بلغت ما يزيد على 700 مليار دولار حسب بعض التقديرات.
لعلّ مناسبة الحديث هذا هو ما قامت به الأمم المتحدة وبرنامجها الإنمائي في إطار مشروع تقديم المساعدة الفنية لمكاتب المفتشين العامين ووزاراتهم، وهو المشروع الذي استفاد منه نحو 40 مفتشاً عاماً وقاضياً، وبتنفيذ من المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة، الذي ضم فريق عمله عدداً من الخبراء الدوليين، حيث تم اعتماد وثيقة إرشادية بعد سلسلة من الدراسات والتقارير التقويمية فيما يتعلق بالأداء المؤسسي لهيئات القطاع العام وأدوات قياس الإدارات العامة وأطر وتطبيقات الحوكمة «الإدارة الرشيدة» وصولاً إلى وضع مبادئ ومؤشرات الحوكمة للإصلاح المؤسسي وتعزيز القدرات والمعارف ووضع خطط عمل لتطوير مكاتب المفتشين بالتعاون مع هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية.
وفي إطار التقويم تم التوصل إلى قناعة عامة تقوم على أنه لا يمكن تحقيق الإصلاح المؤسسي دون تعاون هيئة النزاهة مع ديوان الرقابة المالية ومكتب المفتش العام في كل وزارة سواءً في العراق، أو في نظيراتها من هيئات حسب تجربة كل بلد، وأولاً وقبل كل شيء لا بدّ من توفّر إرادة سياسية عابرة للمحاصصات والتقسيمات الطائفية والإثنية، بحيث يمكنها اتباع قواعد الشفافية والمساءلة، لوضع حد لظاهرة الفساد، وبالطبع لن يكون ذلك ممكناً دون سلام مجتمعي واستقرار أهلي وأمن وأمان وإعادة مؤسسات الدولة العراقية وهيبتها وسمعتها، تلك التي تصدّعت على نحو شديد خلال العقد ونيّف الماضي، سواءً بفعل الاحتلال أو بسبب المحاصصة، وأخيراً بعد وقوع مناطق واسعة بيد «داعش». وكان ذلك سبباً أساسياً في اندلاع حركة الاحتجاج العارمة التي يشهدها العراق منذ أسابيع والتي من أهم مطالبها محاسبة المفسدين ومساءلة المقصرين ، لاسيّما في القطاعات الخدمية التي تمسّ حياة الناس كالكهرباء والماء والتعليم والصحة والعمل.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تظاهرات العراق: من أين لك هذا؟
- فن الضحك والسخرية في أدب أبو كَاطع
- رصاصة الفراشة وصورة «إسرائيل»
- الديموغرافيا والجيوبوليتكا.. «المعجزة اليهودية الثانية»
- موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟
- قانون التمييز والكراهية.. رسائل إلى العالم
- قتل المسلمين.. مسألة فيها نظر
- ماذا بعد ال«لا» اليونانية؟
- «النووي الإيراني».. هزيمة أم انتصار؟
- الثقافة واليسار والتبديد
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 16
- السياسة .. الوجه الآخر للحرب
- داعش وخطر تفكيك العراق
- سوراقيا مشروع خلاص مشرقي – فكر
- داعش وواشنطن وليل الرمادي الطويل !!
- متى يُهزم داعش وكيف؟
- قالوا.. نظام إقليمي عربي
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى-ح 15
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى-ح 14
- هلوسات ما بعد الموت الأول


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الفساد والحوكمة والتنمية