أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - المخرج جوناثان هالبرين وموت عقد الستينات















المزيد.....

المخرج جوناثان هالبرين وموت عقد الستينات


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4908 - 2015 / 8 / 26 - 10:20
المحور: الادب والفن
    


تُوصف ستينات القرن الماضي بأنها حقبة السلام والعدالة والديمقراطية ويذهب البعض أبعدَ من ذلك حينما يصفون جيل الستينات الأميركي بأنه الجيل المتلهف لمعرفة الحقيقة. ثمة وقائع كثيرة حدثت في عقد الستينات من بينها حركة وِذرْمين المناهضة للحرب، وهي منظمة يسارية أميركية متطرفة انبثقت في ساحات جامعة مشيغان عام 1969، وكان أعضاؤها يطالبون بالمجتمع الديمقراطي، ويهدفون إلى إسقاط الإدارة الأميركية.
ورثَ الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون الحربَ الفيتنامية عن سلفهِ الديمقراطي ليندون جونسون لكنه لم يبذل جهدًا كبيرًا لإنهائها. وعلى الرغم من الإنجازات المتعددة التي حققها على أكثر من صعيد من بينها مكافحة التمييز العنصري، وحماية البيئة، وترسيخ السلطة اللامركزية، ومقاومة المدّ الشيوعي وما إلى ذلك إلاّ أنه ارتكب أخطاءً فادحة بإطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها حينما وافق على مهاجمة كمبوديا الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف إلى هزيمة القوات الأميركية وانتصار الفيتناميين.
استهل المخرج جوناثان هالبرين فيلمه الوثائقي المعنون "اليوم الذي مات فيه عقد الستينات" بمقتطف من خطاب الرئيس نيكسون الذي تمحور حول الحرب الفيتنامية التي سببت انقسامًا حادًا بين صفوف الشعب الأميركي وشرائحه المتعددة وهو يعزو أسباب هذا الانقسام العميق إلى أن عددًا كبيرًا من المواطنين الأميركيين قد فقدوا ثقتهم بسياسة حكومتهم. ولعل أهم ما في هذا المقتطف هو السؤال المهم الذي صاغه الرئيس بالشكل التالي: ما هي الوسيلة لإنهاء الحرب التي نعيش في خضّمها الآن؟ تُرى، هل كان نيكسون يريد إنهاء الحرب فعلاً أم أنه كان يسعى لتوسيعها وإطالة أمدها؟ فبعض المحللين لم يجد حرجًا في القول "بأن الرئيس نيكسون يكذب" وقد صعق غالبية الأميركيين حينما أعلن في 30 أبريل 1970 عن غزو القوات الأميركية لكمبوديا بحجة دكّ معاقل الشيوعيين الذين يريدون الهيمنة على مختلف أرجاء العالم كما يعتقد نيكسون الأمر الذي دفع بالطلاب الأميركيين أن ينزلوا إلى الشوارع محتجين على الحرب الفيتنامية واجتياح كمبوديا.
بعد أربعة أيام بالتحديد، أي في الرابع من أيار 1970أطلق جنود الحرس الوطني النار على المتظاهرين في جامعة كينت حيث سقط في الحال أربعة قتلى (وهم جيفري ميلر، أليسون كراوس، ساندرا شوير ووليم شرودر) وأُصيب تسعة طلاب بجروح مختلفة بثت الرعب في قلوب المتظاهرين وأفزعت غالبية الشعب الأميركي الذي لم يألف دوّامة العنف والقتل والترويع في عقد الستينات الذهبي الذي كان يُعّد بحق عقد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد وُصفت عملية القتل ذلك اليوم باللحظة الحاسمة في تاريخ الشعب الأميركي الذي لم يمر بمثل هذه الفوضى منذ الحرب الأهلية (1861-1865( حتى أوائل السبعينات. وبحسب توطئة محطة الشبكة التلفزيونية الأميركية PBS التي وصفت فيه الفوضى العارمة خلال تلك التظاهرات وأعمال العنف والتخريب التي حدثت لاحقًا "بأن أميركا تُحارب نفسها، وأن الشباب يقفون ضد الطاعنين في السن، وأن المحافظين يقفون ضد المتطرفين، وأن المتطرفين يقفون ضد أنفسهم، وأن الحكومة تقف ضد المواطنين، وأن المواطنين يقفون في مواجهة الحكومة".
ساهم المخرج هالبرين مع آنا باورز في كتابة سيناريو الفيلم وبغية تحقيق التوازن المنطقي لثيمة الفيلم وفكرته الرئيسة فقد استدعى المخرج عددًا كبيرًا من الشخصيات المهمة التي تجمع بين أعضاء في الإدارة الأميركية، وجنود من المحاربين القدماء الذين اشتركوا في الحرب الفيتنامية، وطلاب في جامعة كينت، وكلية جاكسون ستيت، وبعض الفنانين والمؤرخين والقادة السياسيين المناهضين للحرب، وعدد من كتاب الأعمدة في أبرز الصحف الأميركية مثل النيويورك تايمز وغيرها. إضافة إلى بعض المواطنين الذين عبّروا عن آرائهم في حادثة القتل المروعة التي هزّت الأميركيين وجعلتهم يقلقون على حياة أبنائهم ومستقبل بلادهم.
نعتَ الرئيسُ نيكسون الطلابَ المتظاهرين بكلمة "تافهين" أو "متسكعين" فسارع المستشارون إلى تصحيح المعنى وتوضيح التباس القصد، فالمستشارون يصححون في الأعم الأغلب أخطاء الرؤساء وهناتهم اللغوية والفكرية إذا ما ارتجلوا الكلام. غير أن هذه الأخطاء أو الكلمات النابية التي تصدر عن شخص مثل نيكسون ستكون مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام التي تعتاش على هذه الأخطاء "المقصودة" أو زلّات اللسان قبل أن يطمرها خطأ آخر لا يقل فداحة عن سابقه.
لا شك في أن بناء الفيلم قائم على مقتل الطلاب الأربعة والتسعة الآخرين الذين أصيبوا إصابات طفيفة باستثناء أحدهم الذي ظل يعاني من شلل مزمن لكن الآراء ووجهات النظر تجاوزت حدود الموت المروع لهؤلاء الشباب والخشية على الديمقراطية، والحريات الفردية والعامة للمواطنين الأميركيين، وذهبت إلى البحث في عقلية الرئيس المُنتخَب، وكيف يفكّر؟ وهل سيقود البلاد والعباد إلى ما لا تُحمد عقباه خصوصًا وأن فضيحة ووترغيت قد قطعت الشك باليقين وأثبتت تجسسه على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس. كما أثبت الحلقة الضيقة المقرّبة منه أنه كان وشك استعمال أسلحة محرمة دوليًا ضد فيتنام. لابد للشعب الأميركي أن يخشى من شخصية تمتلك مثل هذه المواصفات المُقلقة لأنه يضع مستقبل الشعب برمته على كف عفريت.
لقد أوضح بات بيوكانِن، مستشار الرئيس وكاتب خُطبهِ الرسمية، جانبًا من مخاوفه من شخصية نيكسون حينما سأله عن المدة القصيرة التي سيستغرقها قصف الطائرات الأميركية لكمبوديا؟ فأجاب: كلا، سنقصفهم بشكل دائم! الأمر الذي يكشف عن نزعته الحقيقية لتوسيع الحرب وإطالة أمدها على الرغم من أنها كلفت الشعب الأميركي في خاتمة المطاف 58.000 قتيل،و 150.000 جريح بينهم أكثر من عشرين ألفًا معاق إعاقة دائمة.
يبدو أن المستشار بيوكانن لم يصْدق هو الآخر حينما قال: "إن الذي يريده نيكسون هو تخليصنا من الحرب" فهذا الرئيس لم يأبه بحجم الخسائر التي مُني بها الشعب الأميركي الذي كان يمرّ بظرف عصيب ومضطرب وإنما كان يخوض مغامرات خاسرة يدفع الأميركيون البسطاء أثمانها الباهضة الأمر الذي أفضى إلى غليان شعبي وصل إلى حدّ المطالبة بإسقاط إدارته ويكفي أن نشير هنا إلى مارك رود، أحد مؤسسي حركة وذرمان وأبرز أعضائها الذين قالوا بأن الثورة قادمة وأن التغيير سوف يحدث لا مُحالة.
كان غالبية الشعب الأميركي يعتقد أن إرسال قوات عسكرية إلى فيتنام هو خطأ فادح ولكن بالمقابل هناك العديد من المواطنين الذين كانوا ينتقدون حركة الطلاب المناهضة للحرب، بل ويذهب البعض أبعدَ من ذلك حينما كان يروّج بأن جهات خارجية كانت تقف وراء اندلاع المظاهرات، وإشعال الحرائق، وإراقة الدماء البريئة.
ساهم نيكسون في تعميق الهوّة حتى بين شرائح الطلبة الذين قسّمهم إلى قسمين، قسم ملتزم، وطني، يؤدي واجباته على أكمل وجه، وقسم آخر تافه، ومتسكع، ومُحرض على العنف. لقد نسي الرئيس بأن التظاهر هو حق يكفله الدستور فلاغرابة أن يخرج بعد حادثة قتل الطلاب الأربعة نحو أربعة ملايين طالب في عموم الولايات المتحدة يمارسون حقهم الدستوري في التظاهر والاحتجاج على قتل المواطنين بدم بارد.
كانت الماكنة الإعلامية الأميركية ترسّخ فكرة الموت اليومي، فلورا ديفز التي كانت طالبة في جامعة كينت قبل 45 سنة تستذكر وجع السنوات الماضية فبينما كانت العوائل الأميركية تتناول وجبة عشاءها كانت نشرات الأخبار تعلن أعداد الضحايا الذين يزدادون يومًا إثر يوم حتى أصبح الموت تجربة يومية للمواطن الأميركي الذي سُلبت إرادته لبعض الوقت.
لم يقف الطلبة مكتوفي الأيدي حيث حطموا زجاج النوافذ، وأحرقوا الكتب، وأضرموا النار في مركز تدريب الضباط الاحتياط في كينت حتى أن بعضهم شبهها بالحرائق التي اندلعت في بغداد عام 2003 إثر قصف قوات التحالف الأنكلو-أميركي.
المؤازرون للرئيس نيكسون أخرجوا مظاهرات مؤيدة له الأمر الذي زاد الأمور تعقيدًا لأن هذه المظاهرات باتت تؤجج الروح العدائية، وتفاقم الكراهية بين المواطنين. فالانقسام لم يقتصر على أعضاء مجلس النواب وإنما امتدّ إلى المواطن الأميركي الذي يجد نفسه إلى جانب المتظاهرين تارة، بينما يقف الآخر ضدهم تارة أخرى حينما يشاهد الحرائق تلتهم البنايات الحكومية والدوائر الرسمية.
حينما امتدت التظاهرات إلى نيويورك وواشنطن تحديدًا إضافة إلى اندلاعها في ولايات أميركية أخرى أعلن نيكسون في أواخر حزيران 1970 عن سحب كل القطعات الأميركية التي اجتاحت كمبوديا مدعيًا بأن العملية قد حققت نجاحًا عسكريًا سريعًا. كما صرّح غير مرة "بأنه يريد إنهاء الحرب بشرف"!
أثارت التظاهرات الكبيرة التي أحاطت بالبيت الأبيض مخاوف الجهات الأمنية فدججوه بالعناصر الأمنية والحواجز والسيارات التي شكلّت سدًّا منيعًا يحول دون وصول المتظاهرين إلى القصر لكن الشيئ الأكثر إثارة هو حصار الصحفيين للرئيس جونسون وهم يمطرونه بعشرات الأسئلة وحسنًا فعل المخرج حينما جعل الرئيس صامتًا وهو يتلقى سيلاً من الأسئلة التي توحي بأن الرئيس لا يمتلك أجوبة منطقية تشفي غليل السائلين الأمر الذي يدعوه للانسحاب إلى مكتبه الشخصي كي يلتقط أنفاسه بينما كان بعض المتظاهرين المحيطين بالقصر يلقون بأنواطهم وميدالياتهم ونياشينهم في صناديق القمامة.
ليس من المستغرب أن يفوز نيكسون في انتخابات عام 1972ضد منافسه المناوئ للحرب جورج ماكغفرن فلقد بدأ بسحب القوات الأميركية من فيتنام تدريجيًا كما واصل تنفيذ برامجه التي وعد بها الشعب الأميركي لكن فضيحة ووترغيت كانت له بالمرصاد حيث تمّ سحب الثقة منه فقدم استقالته في 9 أغسطس 1974 لتبدأ أميركا عهدًا جديدًا يدشنة الرئيس جيرالد فورد.
بلغ رصيد هالبرين عشرين فيلمًا من بينها "الوعد الأميركي"، "أيام غريبة على كوكب الأرض"، "الطبيعة غير المروّضة" و "تايتانك: الكلمة الأخيرة مع جيمس كاميرون".



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة الفكرة المستحيلة في ليلة الهدهد
- ومضات من السيرة الحياتية والشعرية لديلِن توماس في شريط سينما ...
- رسائل حُبٍّ للرجال العظماء
- الليالي العربية في الخطاب البصري الغربي
- الفن الفقير
- ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية
- أفلام الطبيعة
- هل الفنان الغرافيتي مُشوّه للجمال؟
- موت السلطة اللاهوتية في العقل الجمعي العراقي
- معاناة المسلمين الأيغور
- فيلم امرأة من ذهب لسايمون كيرتس
- الخامسة علاوي ومقترح الأدب الجغرافي
- -الولد الشقيّ- الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
- الولد الشقيّ الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
- انهيار الجلاد وانتصار الضحية في ثاني أفلام المخرجة أنجلينا ج ...
- تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد
- فنّ الشارع بين الدعاية والتحريض
- الرحيل تحت جنح الظلام 1
- حُب وعنف في المتاهة الملحيّة
- بناء القصة السينمائية


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - المخرج جوناثان هالبرين وموت عقد الستينات