أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - عن النظرية والنقد الذاتي















المزيد.....

عن النظرية والنقد الذاتي


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 4907 - 2015 / 8 / 25 - 08:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الجذر اللاتيني للكلمة هو Theo ومعناها إله ومنها جاءت كلمة theology أي علم الإلهيات ( اللاهوت ) وكذلك مصطلح Theophany ومعناه تجلي الإله للإنسان ، وهذا التجلي هو ما يكسب المرء معرفة شاملة وكاملة ومتسقة بكل ما في الوجود . ومثال ذلك : تجلي الرب للنبي موسى على جبل الطور هو ما أنتج الشريعة .
بيد أن مصطلح " النظرية " ما لبث حتى استقل بذاته مع اكتمال تصنيفات العلوم الإنسانية في القرن الثامن عشر ، وبذلك توقف تعبيره عن المعنى الديني ، ليغدو مصطلحا ً علميا ً وعلمانيا ً ( = دنيويا ً ) كامل الأوصاف .
أما في لغتنا العربية فكلمة نظرية هي مصدر صناعي مشتق من كلمة " نظر " أي رأى وتأمل ، ومنها " المنظرة " بمعنى المراقبة : أي المكان الذي يتجسس منه العسسيّ على من يعارضون الحاكم خليفة كان أم أميراً ! وربما كان تطور المعنى الأخير إلى معنى المراقبة العقلية لمهاد الأفكار وتوجهاتها هو ما حدا باللغويين العرب المحدثين إلى بناء المصدر الصناعي ( النظرية ) على أساسه ، فالمراقبة الدقيقة تسعى إلى رصد كل مظاهر المشهد بتجلياته المختلفة ، إضافة إلى البحث عن منابعه ، والالتفات إلى مصباته ، وبهذا الفعل العقلي يقترب معنى المراقبة في اللغة العربية – أو يكاد – من حدود المصطلح المعاصر لكلمة نظرية باعتبارها أعلى مستويات المعرفة ، ومن حيث كونها بناء ً عقليا ً مؤلفا ً من مفاهيم أو تصورات منسجمة تؤدي إلى ربط المقدمات بالنتائج .
ولعلنا لا نجاوز القصد إن نحن أشرنا إلى الاتجاه الوظيفاني العائد إلى مدرسة الوظيفانية -function-alism وتحديدا ً إلى رائدها الأشهر روبرت ميرتون الذي اقترح استعمال كلمة نظرية بمعني " التنظير " وذلك بابتكار نماذج تمثيلية للواقع الاجتماعي مثل علاقات القرابة والمصاهرة والتحريم الجنسي بين أنساق معينة من ذوي القربى دون غيرهم ، حيث يستحيل فهم أسباب نشوئها واستمرارها من دون فهم وظائف تلك العلاقات في حماية التجمعات البشرية ، تحقيقا ً للمنافع ودرء ً للأضرار والمفاسد .
وبالمثل أصبح لكل فرع من فروع العلوم الإنسانية ، وأيضا العلوم الطبيعية نظريته ، بل نظرياته التي تهديه سواء السبيل . وحتى الثورات صارت لها نظرياتها إلى درجة القول بأنه لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية .


وفي هذا السياق تتبدى نظريات علم الفيزياء وتتبدل بدء من اسحق نيوتن وحتى بول ديراك وستيفن هوكنج مروراً بماكس بلانك وألبرت آينشتين. وما يهمنا هنا أن ثمة اتجاهاً قوياً في الفيزياء المعاصرة يقول إن كوننا واحد مبتداه العدمNonentity وهو اتجاه يذكرنا من الناحية الفلسفية بقبول أفلوطين لفكرة العدم ولو ضمنياً ، من حيث رفضه للقول بأن الواحد هو مبدأ الوجود لأن ذلك – حسب رأي أفلوطين – سيضع الوجود مقابل عدم الوجود مما يقلل من كماله !
وتبعا لنظرية الكوانتم فإن هذا اللاوجود كان محتوما ً تعرّضُه لتقلبات كمية ٍ تؤدي لانبثاق ما أسمته العلوم ُ الرياضية ُ الحديثة بــ "المفردة" Singularity ( لاحظ المعنى ) وهي كرة مفترَضة ٌ بلا قطر ولا مكان لها أو زمان، ومع ذلك هي جمـّاع كل الطاقة السالبة ونقيضها الموجب المحسوب "رياضيا ً" لرقم الصفر، فما كان عجيبا ً أن يحل بها الانفجارُ العظيم Big Bang لتولد منه قوى الجاذبية والمغناطيسية والحرارة فالسُدُم والنجوم والكواكب ، ومن بين الأخيرة انبرى كوكبنا الأرضي يتشكل في وحدة جغرافية هي القارات والمحيطات ، وفي الماء ُخلقت الحياة وانتقلت إلى اليابسة حاملة معها وحدتها البيولوجية (توليفات الكربون) وعلى سلم الأحياء تربع الإنسانُ القمة َ مؤطرَّا ً بوحدة فسيولوجية مشهودة، وهي حقيقة ٌ تقتضي النظر إلى التاريخ البشري – الممثل للكون الواحد – بحسبانه هو أيضا ً وحدة واحدة لا يعكر عليها اختلاف لون أو تمايز شكل، والدليل أن جميع البشر يصلحون للتزاوج فيما بينهم، وأما التعدد الظاهر لديهم فليس أكثر من تعدد للحوادث لا للأنماط المحدِدة لمسيرة بدأت بالعبودية ولا بد أن تصل إلى غايتها : الحرية لكل إنسان .
وبهذا الوعي " العقلاني" ذي الوحدة المعرفية نكون قد أقمنا علاقة زمالة مع وحدة التاريخ . وفي تقديري أن النظرية الأقرب إلى تمثيل المفهوم " العقلاني" المشار إليه آنفا ً هي ما يمكن أن نطلق عليه مؤقتاً اسم " ما بعد المادية التاريخية" "Historical Materialism/ ( سوف نعرض لها في الفصل الرابع ) إذ تتيح للمؤرخ تسجيل الحوادث الكبرى واستخلاص مغزاها، برؤية صافية مصدرها الواقع " المادي" الذي يتحرك فيه الناس وينتجون، يتعاونون فيه أو يستغل بعضهم بعضا ً من خلال العلاقات المتغيرة تبعا ً لتغير مواقع القوة، وهي مواقع ظلت ُتكتسب بفعل الحروب أو السلب والنهب أو حيازة واحتكار وسائل الإنتاج كالأرض والمناجم والآلات علاوة على قوة العمل البشري ذاته سواء جاءت من عبد أو قنٍ أو أجير .
وتبين تلك النظرية بجلاءٍ كيف تتفاعل ( ولا نقول تنعكس على ) حركة الواقع المادي مع عقول الناس – سواء كان العقل واعياً أم غير واع - فتنشأ عن هذا التفاعل المعارفُ والقيم والمفاهيم، وُيتفق على الأعراف والعادات والتقاليد والأخلاق التي هي بذور الديانات الأولى والعقائد والفلسفات، وأخيرا ً تظهر الدولة ُ مثل كائن علوي Transcendental كامل الأوصاف، حتى ليحتار الناسُ متسائلين : من صنعه؟
المؤرخون الجدد ينبغي عليهم معرفة من هو صانع تلك الدولة ؟ إنه الطبقة المنتصرة اجتماعيا ً حيث تقدمها للمحكومين بوصفها كياناً محايدا ً مهمته إقرار النظام ومحو الفوضى وحماية حقوق الضعفاء ! بيد أن المؤرخ الجديد لابد يعرف أن ذلك وَهم ٌ لا تلغيه بعض الاستثناءات، إنما القاعدة أن الدولة مجرد جهاز توظفه الطبقة المالكة لمصلحتها ، فهي تعمد إلى استخدام قوته الخشنة : الجيش والشرطة والبيروقراطية لحماية أمنها هي بالدرجة الأولى، وتلجأ لاستخدام قوته الناعمة : القوانين ، السياسة، وسائر العناصر الأيديولوجية بما فيها الأديان والفلسفات لضمان سكوت المحكومين وقبولهم بالحرمان من الحقوق المثبتة للطبقات مالكة وسائل الإنتاج.
ومع ذلك فالدولة – شأن كل جهاز – ليست حكرا ً أبدياً على طبقة بعينها حتى ولو كانت مالكة ، فالنضال الذي يسعى به الشعب ليشارك في الحكم؛ يمكن أن يُخضع الدولة لإرادته جزئيا ً، فتقر مبدأ الضرائب المتصاعدة مع وضع حد أدنى وحد أقصى للمرتبات والأجور، وتلتزم الحياد التام بين أصحاب الأديان والعقائد، وتقنن الحقوق المدنية كالإضراب والتظاهر وحق الطبقات الشعبية في تكوين المنظمات والنقابات والأحزاب دون وصاية خارجية، كما تدعم التعليم والصحة بل والترفيه...الخ وتلك هي غاية اللبرالية السياسية، لكن اللبرالية السياسية لا تمثل نهاية المطاف بل هي تمهد لما بعدها ، أعني خضوع الدولة التام للشعب (= الديمقراطية الحقة ) الذي يطالب بالعدل الكامل في توزيع ناتج الثروة القومية ومَحْقِ كل أشكال الاستغلال الطبقي، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بانتصار الاشتراكية ، وهي بالقطع ليست السوفيتية الروسية أو النازية الألمانية أو الناصرية العربية، وإنما هي بناء ُيشيد على غير نموذج سابق التجهيز، وربما تشارك في تصميمه اليوم الثورة ُ العالمية التي أضحت ملامحها تلمع في الآفاق، مقابل أفول نجم الرأسمالية تحت وطأة أزماتها المتلاحقة والتي يعود أساسها إلى تعميم عبادة السلع بديلا عن عبادة الإله .
[ وعبادة السلع أو فتيشية السلعة Fetish مصطلح نشأ قياسا إلى فتشية الطبيعة الذي معناه إسقاط الروح على أشياء حرّكت مشاعر الانسان القديم كالأشجار والجبال والحجارة … وفي العصر الحديث ومنذ بداية افتراق الإنسان المدني عن الطبيعة وظهور صناعةٍ تكرّر المنتج بشكل مطابق في الهيئة والنوع، انتقل مصطلح الفتيشية ليشمل السلعة المصنّعة بما يغيب فيه إدراك المستهلك للكيفية التي صنعت بها، حتى يحسبها قد وجدت من ذاتها بطريقة مستقلّة عن النشاط البشري ]
فإذا تدبر المجددون لدينا – مؤرخين كانوا أو مفكرين - مبدأ وحدة التاريخ البشري ، فما من شك أنهم سيحتاجون إلى تعديلات في صلب المفاهيم التي درجنا عليها، وهي في الحقيقة مفاهيمُ تسللت إلينا نتيجة لوجودنا في واقع سيطرت عليه ماديا ً وثقافيا ً تيارات ُ القومية البورجوازية .
أولها قبول بعضنا لنظرية المركزية الأوربية بحسبانها الطريق الوحيد لتحديث واقعنا اقتصادا ً إنتاجيا ً وسياسة ً لبرالية وثقافة ً علمانية ، دون التفات لكونها نظرية تؤبد تبعيتنا للغرب ، وترجح عوامل التقليد على حساب الابتكار والإبداع.
وثاني تلك المفاهيم : الاحتجاج بخصوصيتنا كمجتمع إسلامي لا حاجة به للتأثر بالعالم الغربي، غير مدركين أنه مفهوم يحرمنا من التفاعل مع معطيات الحضارة الإنسانية، بينما الغرب نفسه لم يتحرج من التأثر بنا يوم كنا متقدمين عنه ! ولا يخرج من هذا السياق ضرورة التفرقة بين دين الدولة الذي يستثمر عقائد الناس ومخاوفهم من المجهول لصالح الطبقات الحاكمة ، وبين دين النبوة الرامي لإحياء المثل العليا للبشرية وإشباع الحاجات الروحية المتأصلة فيها على خلاف ما تقول به المادية التاريخية الكلاسيكية من أن تلك الحاجات الروحية هي مجرد انعكاس للمطالب المادية .
ويتجسد ثالث المفاهيم المطلوب تغييرها في قبول بعضنا لتنظيرة النمط الآسيوي Asiatic Mode Of Production التي تعزو جمود مجتمعاتنا وعجزها عن التطور إلى مورفولوجية بيئية نهرية تخلق وترسخ دولة الطغيان "الشرقي" وكان أولى بنا الاستماع لــ "سمير أمين" الذي رأى بحق أن التاريخ ليس لصيقاً طول الوقت بالجغرافيا الطبيعية ، ومن ثم فقد صك مصطلحه المائز " النمط الخراجي"Mode Tribute المؤسس على الاقتصاد الريعي، يغطي به دولا ً عديدة في الغرب[ كما في الشرق ] طالما تأخرت عن اللحاق بقطار الرأسمالية الحديثة، وبذا يكون النمط ُ الخراجي - كصنيعةٍ للبشر وليس الطبيعة - هو المسئول عن ترسيخ بنية الطغيان والاستبداد، بوصفه العنصر المشكـّل لتاريخ العالم في المناطق التي تعيش عصر ما قبل الحداثة Pre-modernism لا بوصفه هوية لازمة بل حالة مؤقتة، وهو ما يتفق مع رؤية أندريه جوندر فرانك صاحب كتاب " الشرق يصعد ثانية".
إذن على مثقفينا الجدد ألا يعتبروا الحداثة " أقنوما ً" مستقلا بذاته تختص به أوربا ، فالحداثة Modernity حين ينظر المرءُ إليها باعتبارها نزعة ً عقلية، وليست محض مذهب أوربي Modernism لا غرو سيراها تتجلى في المشترك الإنساني لدى جميع الأمم والشعوب في الماضي أو في الحاضر. وما من شك في أن مبدأ المراجعة والنقد الذاتي ليعد جزءً لا يتجزأ من هذه النزعة العقلية الجديدة .
وهنا ينبغي التوقف قليلاً حول ما يمكن تسميته بالنقد الذاتي . فالنقد الذاتي ليس هو – يقينا ً - تلك الاتهامات التي نتوجه بها إلي أنفسنا في ساعات الهزائم , أو فترات الإحباط , مثل القول بأننا مقصرون, فاشلون, سلبيون كسالي, عبـّاد ملوك ومنافقو رؤساء... إلي آخر هذه القائمة المنبثقة عن حالة سيكوباتية مازوكية ، يلذ بتردادها العامة و الكتـّابُ السطحيون.
النقد الذاتي مسألة مختلفة بالجوهر والعرض . فهو عملية Process ذات منطلقات تعرف إلي أين تتوجه ، تبدأ بالحفر حتى الجذور، مستخدمةً منهجاً " علميا ً" مرناً ، يقطع مع أية "علماوية " Scientism تدّعي الحياد ، بينما هي تبرر للسائد المستقر بحجة التوصيف الموضوعي ، زاعمة ً أن القوانين التي يسنها البشر إنما هي ذاتها قوانين الطبيعة ، ومن ثم تكرس لما يسمي بالحق الطبيعي( للطبقات المهيمنة دون غيرها طبعا ً ) بينما منهجية النقد الذاتي تتلون بلون الحقل الذي تعمل فيه ، كل بما هو عليه من محددات عملية قابلة بدورها للمراجعة وللتخطئة وللتجاوز. ومثال ذلك أن المنهجية العلمية المرنة في تفهمها لإعادة تشكيل الجغرافيا البشرية بالهجرة (من/ إلي) أو بالغزو الخارجي المؤقت أو المنتهي بالاحتلال الاستيطاني , فإنها لا بد تعتمد علي التحليل العلمي الصارم وليس على خرافة المؤامرة التاريخية ( ضدنا بالذات ؟! ) أما حين تنتقل إلي محاولة رصد التاريخ السياسي والاقتصادي و الاجتماعي للعالم , أو لأمة بعينها ؛ فإنها لا مشاحة سوف تغير الكثير من أدواتها وآلياتها حيث تلتقي الأفعال َ الإنسانيةَ بتعقيداتها التي يشتبك فيها ما هو موضوعي بما هو ذاتي ، و التي تختلط فيها الحقائق بالخرافات، ويتصارع علي ساحتها العقل مع الأيديولوجيا ، ويمضي في دروبها المتعرجة النضالُ من أجل التحرر جنباً إلي جنب دواعي الاستكانة ، وتتمايز عندها المقاومة الناضجة عن مجرد الصراخ والأفعال غير المحسوبة . وهنا تغدو ثقافة النقد الذاتي تحديدا ً بمثابة البوصلة التي تحدد للسفينة التائهة ميناء الوصول الآمن .
النقد الذاتي إذن هو أرقى أدوات النموذج المعرفي الحداثي، وأساسه أن الإنسان هو صانع مصيره وليس لعبة في يد الغيب، ومن ثم فلا مجال للوم الأقدار ، وإنما المجال متاح للتغيير بنقد السلبيات الذاتية ، توطئة ً لمحوها . أما أعمدة هذا النموذج فنتائج العلوم الإنسانية ، وقوانينها المغايرة لقوانين الطبيعة وشرائع الغاب، وأما سقف النموذج فملكوت الحرية، إن كان للحرية سقف.
ويبقى بعد ذلك القولُ بأن التجديد في شتى مناحيه ينبغي بالضرورة ألا يقطع مع التفسيرات الميتافيزيقية إلا حين يكون الحديث عن التفاعلات السياسية المحدودة في الزمان والمكان تلك التي انتهت في عصرنا إلى التسليم بأن الشعوب هي مرجعية كل حكم ، ومصدر الشرعية لكل إدارة .. أما حين يراد للوعي العام أن يرصد حركة التاريخ الإنساني في مجمله ويدفعها للأمام ، فللعقل البشري أن يستعين بكل البراهين الممكنة أياً كانت مصادرها ( أساطير ، فنون ، عقائد شعبية ...الخ) ففي هذا إثراء للتجربة البشرية أي إثراء .
إن المعنى المشار إليه في ختام الفقرة السابقة هو ما حاول كاتب هذه الصفحات أن يستبينه في غضون هذا الكتاب جميعاً بارتكازه على حقيقة يشعر بها كل امرئ في داخله ترفض فكرة الفناء للشخصية الفردية .. حقيقةٍ ينبغي العض عليها بالنواجذ كنبع صافٍ ومنهلٍ إنساني لا يعكر عليه تجاهل فلسفي philosophical disregard سواء جاء هذا التجاهل في هيئة التذاذٍ بالموت أبيقوريٍّ ، أو توافقات معه أرسططاليةٍ أو تجاهلاتٍ له ماركسية . فتلك جميعاً محاولات تستهدف "عقلنة الموت" بزعم أن قيمة المرء تنحصر في ما يتركه خلفه بعد رحيله وكفى . فمن الواضح أن منطق تلك المحاولات لا يشبع الروح ، لأن النفس وهي تجلٍ من تجليات الذات العليا، إن هي أقرت بفنائها بات سيان عندها أن تترك أو لا تترك شيئاً في عالم مصيره الفناء مثلها ، ولو أن " النفس " قبلت بهذا المنطق العقلاني البارد ، لباخ حماسها وقل إبداعها وانتقلت إلى حالة تشبه جزءً أو أداة Gadget من خردة الحاسوب ران عليها الصدأ.
قد يكتفي الناس – بتأثير النزعة المادية – بترديد العبارة الجوفاء القائلة بأن أحداً ممن رحلوا عن عالمنا لم يعد ليحدثنا عما رآه " هناك " ، غير أن التأمل العميق في ظاهرتين من ظواهر النفس يمكنه أن يبرهن على عكس ذلك . الظاهرة الأولى هي الإيمان الديني الفطري بوجود إله للكون ظاهره وباطنه ، هو الضامن لوجود ما " هناك " ، ويكون الوحي هو الرسالة التي نتلقاها من " هناك " . والظاهرة الثانية هي عالم النوم الذي هو صورة مصغرة من الموت حيث يغيب الإدراك بالزمان والمكان والسببية ، وينفتح العقل على خرائط مجرات الأحلام التي تتقابل فيها الأرواح حرة . وهذا نتاج علم النفس التحليلي تجاوز به كارل يونج التفسيرات المادية لأستاذه سيجمند فرويد ..



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيزياء الحديثة وتجديد الخطاب الديني
- وظيفة دين النبوات في عصرنا
- عن أضاليل الرأسمالية وتعثر الاشتراكية
- العلم والدين على خلفية النسبية والكوانتم
- الملحدون والمؤمنون وفلسفة النسبية والكوانتم - مصححاً
- الملحدون والمؤمنون وفلسفة النسبية والكوانتم
- عن الإلحاد والعلم وسيد القمني
- عن الإلحاد والحرية وما وراء العلم
- حرية الإلحاد محض عبودية
- قصتنا مع أثيوبيا عبر التاريخ
- أنطولوجيا القصيدة الشومانية
- إستدراج مصر للحرب في أفريقيا
- قصيدة : لإيلافكم رحلةَ الوجود والعدم
- موت سهيلة بين الدنيوي والمقدس
- يناير ويونيو .. ثوار ولا ثورة
- إسرائيل تستدرجنا للحرب في أفريقيا
- مغزى قطع رأس طه حسين
- جيش مصر يكبح جماح العثمانيين الجدد
- المهام العاجلة لمؤرخينا الجدد
- الإخوان مشكلة إستراتيجية لأمريكا


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - عن النظرية والنقد الذاتي