أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عماد صلاح الدين - الدعوات المجردة إلى التدين والتمسك بالهوية















المزيد.....

الدعوات المجردة إلى التدين والتمسك بالهوية


عماد صلاح الدين

الحوار المتمدن-العدد: 4905 - 2015 / 8 / 23 - 16:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدعوات المجردة إلى التدين والتمسك بالهوية
عماد صلاح الدين

منذ سنوات إدراكي الأولى كطفل، وأنا ادعى وغيري، إلى ضرورة أداء الشعائر الدينية، والاستزادة من سننها ونوافلها.

كبرنا ونحن نؤديها، ومشاكلنا في الصحة والاجتماع والفقر تكبر هي الأخرى معنا، بل وتتفاقم.
كنا - على الدوام- نذكر بواجب التدين في المدرسة، والجامعة، وحتى في الشارع، والعمل.
كانت استجابتنا سريعة وصادقة - على الأقل- على صعيد الشخصي.
كان الداعي - في الغالب- قويا وممكنا اجتماعيا، بحكم انتمائه إلى طبقة وسطى قادرة، وكان المدعوون فقراء ومساكين ومرضى.

كان الداعي والمدعو إلى التدين، يجمعهما رابط الأمل؛ بمزيد من التوفيق للأول، وبمزيد من الانتظار كي تتحقق المعجزة، بحل المشكلة بالنسبة للثاني.

كانت مشاكل الضعفاء المدعوين للتمسك بالشعائر الدينية تتفاقم وتتفاقم إلى درجة المزمنة ومن ثم التيه، وكان الداعي الديني والاجتماعي التقليدي يحث هذا المعاني على مزيد الصبر والصبر.

وصل المدعو إلى حافة القبر فكفر، قابله الداعي بالنفور والاستغراب على ما بدا منه وفرط.

الداعي لم يصل إلى تفهم لماذا كفر المدعو وهجر، فهو لا يزال في نظره قد كفر، ولم يصبر حتى يجازى الجزاء الأوفى، المدعو صار يدرك أن شيئا في الدنيا اسمه الحقائق، وضغط الماديات، وحضور الواقع بكل ما حضر، لكنه بسبب ضعفه وفقره ومرضه غير واثق، وتائه هنا وهناك، وهناك وهنا، وهكذا.

لكنه لا مجال أمامه في حضرة الآلام إلا العودة قليلا ثم الهجران بعض كثير، ثم وثم.....وهو يستمع من جديد لنصيحة الداعي لأنه يحبه ويثق فيه، والداعي صادق في النوايا والخلجات، لكن وعاء المدعو مهترىء من تكاثر الأزمات وتسلسل النكبات التي لا تتوقف؛ فالقوة تجلب لها القوة، والضعف يورث مزيد ضعف، والداعي رغم صدقه، إلا أن المنهج في الدعوة والإصلاح الذي يسير عليه، أثبتت الأيام عدم سلامته.

الداعي يستزيد من تلك الشعائر مستمرا في قالب من التدين الشعبي، وهو يظن نجاحه واستمراره بسبب ما توفره حالة التدين الشعبي من توفيق من رب العالمين، وقد نسي غصبا عنه بسبب غياب الرؤية العقلية والسلامة المنطقية والعاطفية الدينية في مجتمع كمجتمعنا وعموم مجتمعات المنطقة العربية، انه ينتمي إلى بيئة خاصة وحاضنة موفرة لشيء معتبر من النجاح والتوفيق والاستمرار، بالقياس إلى العموم القائم، من فقر وجهل ومرض وانحطاط.

والمدعو، وعن حق، صار يرى كل شيء عبئا، بما فيه هذا التدين الشعبي المغلوط، من ناحية القصد والنتيجة المطلوبة، في الدنيا والآخرة.

ومن فرط التيه وغياب المنهج الصحيح في الرؤية الحضارية الإسلامية وممارستها، صارت الشعوذة واستخدام آي القرآن الكريم وقراءة الأوردة والتعويذات والرقى هي العلاج الشافي لأمراض الناس الجسدية والنفسية.

وغاب العقل والمنطق بأنواعه، والناس فعلا يحيون في غيبوبة اجتماعية شاملة؛ فصار من كانت أوضاعه غاية في السوء، وهو بحاجة إلى فترة معتبرة ليرد لنفسه قوامها واتجاهها، بما يناسب الخاص والعام فيها، ينطلق على ثقة الله وبركته غدا وسريعا ليتداخل مع حياة لم يملك بعد بعضا من ممكناتها، حتى يستطيع أن يسير ويستمر ايجابيا، وصار من كانت أوضاعه متواضعة وربما جدا في السوء على العموم يلزمه مزيد تريث، وربما قبل طارئ السوء القليل هذا هو قائم على الإيجاب في سيره واستمراره؛ إن كان بمحض مصادفة أو طبقة لا يقاس عليهما أبدا.

ولأنه ينظر دائما إلى التدين بالشكل الذي تحدثنا عنه آنفا، على انه طريق النجاح والتوفيق وحل المشاكل والمسائل كلها، يتم الكفر بها خطأ وغلطا، حين ينظر إلى قيمتها من داخلها وليس من خارجها، في سياق المنهج العملي، في الرؤية الثقافية والأخلاق العملية.

ويدفع المدعو المعاني في المجتمعات العربية على النحو التالي:

1- يضطر هذا المدعو إلى الكفر بالشعائر الدينية وبعموم مسالة التدين الشعبي حين يجد أنها لا علاقة لها بحل مشاكله، وان كل ما في الأمر هو مجرد تخدير وإرجاء وانتظار دون جدوى.
2- يتهم هذا المدعو بالكفر والجحود، مع انه في خلواته عيناه تفيضان بالدموع مناجيا ربه.
3- تحدث حالة من التيه العام لديه فلا هو يمارس الشعائر الدينية في سياق قيمتها الموضوعية والعملية كأخلاق وممارسة عملية، ولا هو قادر على إتباع طريقة منهجية علمية وعملية في حل معضلاته
4- يتم رفض هذا المدعو اجتماعيا، بسبب مشاكله ومعاناته الواقعية، ويستخدم الدين هنا كغطاء لهذا الرفض.

ومن الغريب في مجتمعنا الذي يحول هذه الشعائر عن هدفها وغرضها الأخلاقي والاجتماعي إلى ممارسة طقسية مجردة، انه يقبل اجتماعيا أولئك الذين يرفضهم نظريا لأنهم يشربون الخمر وربما يزنون، لكنهم أقوياء بالمعنى المادي والاجتماعي للكلمة، وهم يستطيعون التأقلم ومواكبة الساري النافذ من مقبول الناس اجتماعيا، وان كان سلبيا بالمعنى الموضوعي والثقافي الحضاري.

والمعنى، أن الفيصل في العلاقات الاجتماعية، في غياب المعيار الأخلاقي والممارسة العملية له، هو القوة والمكانة الاجتماعية، لا اقل من ذلك ولا أكثر.

واليوم، هناك دعوات لتصويب مسالة النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، من ناحية استنهاض الهوية الوطنية الجامعة، واستدعاء ما هو إيجاب من التراث وتفعيله، في سياق من النظرة والرؤية الإنسانية القائمة على أبعاد حضارية وأخلاقية، يعاد من خلالها تحديد السياسة العليا للنضال الفلسطيني سواء على صعيد مفهوم التحرر الوطني أو مفهوم تقرير المصير، بحيث تكون في النهاية كيانية سياسية اجتماعية ديمقراطية تستوعب حقوق الشعب الفلسطيني وتتعاطى ايجابيا مع ما هو قائم من حقائق إنسانية؛ منذ ما قبل احتلال فلسطين عام 1948 وحتى تحقق مشروع التحرر وتقرير المصير، شاملا ذلك الإسرائيلي أو اليهودي العادي (جيل الصابرا الذين ولدوا في فلسطين ).

يتم الحديث والكتابة والمحاورة وعقد اللقاءات وربما الندوات والمؤتمرات حول الرؤى والإستراتيجية الموسعة والجديدة، من قبل نخب فلسطينية وربما عربية واعدة، حول تحديث وتعقيل وتطوير مسالة النضال الفلسطيني وأدواته وأهدافه، وعن مكافحة الاستهلاكية، ومدافعة اليأس عند قطاعات الناس، وغير ذلك.

لكن المشكلة تظهر لي على الأقل ككاتب وباحث سياسي واجتماعي من جديد من الدعوة المجردة في السياق، كما هي الدعوة المجردة أو التجريدية في البعد الديني الشعائري سابقا، ولعقود خلت من أدبيات ونشاط الحركات الإسلامية (فيما عدا البعد المقاوم) فلسطينيا وعربيا.

لا نريد أن نبقى في نفس الحلقة المفرقة والسيناريو المكرر، ولكن هذه المرة بثوب الهوية والمفاهيم والأبعاد الجديدة، ما دام انه من الناحية المنهجية والعملية لم نعمل صياغة الإنسان وتأهيله، ضمن مشروع وطني كامل وعربي إسلامي واسع من عدة نواح:

1- من الناحية الصحية شاملا ذلك الأبعاد الجسمية والعقلية والنفسية وضمن قاعدة تربوية متينة.
2- تعليميا، بحيث يعمل جهاز التعليم على المساهمة في تكوين الشخصية الإنسانية القادرة والمستقلة الواثقة في المبادرة والتوليد والإبداع.
3- إنسانيا، لابد أن يتكون هناك وبشكل منهجي شخصية مدركة للماهية الإنسانية وعلائقها بمستوياتها وأنواعها المختلفة، في الحرب والسلام، ومع العدو والصديق، وأن معيار الضبط الإنساني هو أخلاقي قيمي؛ خصوصيا محليا كان، أو تشاركيا إنسانيا، وما يندرج في الممارسة من النظر إلى الحق والباطل والعدل والظلم وهكذا.
4- وان علاقاتنا لا يمكن أن تخضع بينيا أو خارجيا لمفاهيم الإيمان والكفر ، فتلك مسائل هي لله وحده دنيا وآخرة.

لذلك سيكون مصيبة كبرى، أن ننتقل من كفر إلى كفر، ومن إحباط إلى إحباط؛ من دعوة التدين الشكلي مجردا من الجوهر الأخلاقي والعملي، إلى دعوة الهوية الوطنية والرومانسية الفكرية، دون تجليات عملية في الجوهر الإنساني، في الصحة والتربية والتعليم والاجتماع.

يجب أن يكون قالب الإنسان الفلسطيني مستعدا لتدين والتزام شعائري؛ مذكر بحقائق الإيمان والدين، وداع إلى الالتزام والانضباط والتفاني والعطاء، ومتقبلا ومتفاعلا من الجهة الأخرى، في إحياء الهوية الوطنية والعروبية، ومتمسكا بأهداب الثقافة العربية الإسلامية، على طريق التحرر، و تحقق عموم وخصوص تقرير المصير، ومن ثم تحقق النهضة الحضارية الشاملة.



#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يقولون عن الثورة مؤامرة وعن المقاومة إرهاب
- مشكلة النضال النخبوي الفلسطيني
- البنى التحتية للحب
- لماذا يفشل الفلسطينيون؟
- خطورة الانقسام الفلسطيني
- لماذا نفشل في العالم العربي؟
- ديباج الامتياز عند الشعوب المتخلفة
- النموذج الإرهابي الأسوأ
- التحرك الدبلوماسي والحقوقي الفلسطيني
- القيم النسبية والحلولية الشاملة
- القيم النسبية والقيم السيولية الشاملة
- القيم النسبية والحلولية الجزئية
- القيم المطلقة والعلمانية الجزئية
- القيم النسبية والعلمانية الجزئية
- القيم النسبية والعلمانية الشاملة
- القيم المطلقة والقيم النسبية
- التعقيد في القيمومة الحضارية المعاصرة
- الخلط ما بين منظومة القيم وبين التجريب الإنساني في النسق الق ...
- متى يحضر الاستبداد؟
- غياب ملكة العقلانية لدى الشعوب المتخلفة


المزيد.....




- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عماد صلاح الدين - الدعوات المجردة إلى التدين والتمسك بالهوية