جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4902 - 2015 / 8 / 20 - 15:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما لم يكن مطلوبا من لجنة الزاملي الخاصة بالبحث عن الأشخاص الذين تسببوا بالهزيمة أن تدخل في مساحة السياسة لكي تشخص لنا الأسباب السياسية والأخلاقية للهزيمة لأن المسألة حينها كانت ستلزمها بالخوض في وحل النظام ومرتكزاته البائدة والمتعفنة, وهو امر كان سيطال حتما جميع المشاركين في ما يسمى بالعملية السياسية على الرغم من إتفاقنا مع اللجنة على أن المالكي هو الذي يتحمل المسؤولية الرئيسة بحكم كونه المسؤول التنفيذي الأول والقائد العام للقوات المسلحة.
إن تحديد مسؤولية اللجنة, كونها ذات وظيفة فنية بحتة, جعلها تبحث عن أشخاص وليس عن اسباب, عن نواقص حرفية وليس عن نواقص سياسية, عن مخالفات قانونية وليس عن مخالفات أخلاقية.
لكن تقدير عدم مسؤولية اللجنة عن البحث في مساحة هي غير مساحة التقصير الشخصي الوظيفي لا يجعلنا, إن وافقنا على طبيعة عملها هذا, نتنازل عن حقنا في تشخيص ان عوز التقرير للبحث في السبب السياسي والأخلاقي الذي يقف خلف الهزيمة يشكل نقصا جوهريا في عمل اللجنة وفي متانة تقريرها, فالهزيمة كان وراءها نظام سياسي ليس فيه من النظام سوى إسمه, وهي هزيمة أخلاقية بالدرجة الأولى لأنها تستند على نقص خطير في الوطنية التي يجب أن لا تفرق بين قدسية محافظة وأخرى من واقع صلتها بشرف الوطنية العراقية التي تتعامل مع قضية الأرض الوطنية بمستوى واحد من القداسة.
ودون التوقف اللازم والمتأني والدقيق عن البحث في أزمة الموصل كإنعكاس لأزمة المالكي وكإحدى تداعيات أزمته السياسية والأخلاقية الوطنية فإن الحصول على التفسير الحقيقي يبقى صعبا, فضياع الموصل هو في جانب كبير منه ماركة مسجلة بإسم المالكي نفسه, ويوم نجعل الهزيمة ذات علاقة بالبنية السياسية والأخلاقية للنظام فإن ذلك لن يلغي حقيقة أن المالكي قام بالدور الأبرز للتعبير عن تلك البنية ثم اضاف عليها من عنده ما له صلة بكراهيته الطائفية والعنصرية وما له صلة ايضا بروحية الإنتقام من مناطق رفضت النزول عند إرادته, إضافة إلى خضوعه لإرادة إقليمية فتحت الجغرافية العراقية لتداعيات الصراع الإقليمي غير مكترثة مطلقا بخصوصياتها الوطنية التي يجب ترتيبها بالمقام الأول.
إن اللجنة وهي تتصدى للبحث عن الأسباب الفنية للهزيمة, ورغم أنها توقفت أمام المسؤولية الشخصية للمالكي عنها, إلا أنها مع ذلك حاولت أن تمنحه مخرجا قانونيا للتنصل من الذنب حينما أشارت إلى أن القيادات المجيطة بالمالكي هي التي خدعته وضللته يوم لم تُغْنِه بالمعلومات الحقيقية عن الأوضاع في نينوى وحجبت عنه حقيقة سير المعارك. إن ذلك دون أدنى شك يحمل تناقضا أكيدا في سياقات التقرير وترابطه ويكشف عن ضعف في وحدة تركيبته وتناغمه, وليس لنا من طريقة لتفسير ذلك غير ان نعتقد أن الزج بهذه الإشارات قد جاء لغرض ترضية جماعة المالكي في اللجنة التي تحاول تبرئة صاحبها عن طريق إلقاء أسباب الهزيمة على القيادات الميدانية والنجيفي وعلى الإختراع الجديد قنصل تركيا في الموصل وعلى حمولة الدشاديش التي وزعها الأكراد على الجند المنسحبين.
ولسنا نشك ولو للحظة في عن وجود خلل حقيقي في هذه المنظومة الأخيرة وعن دور أكيد لها في رصف طريق الهزيمة, لكن ذلك لن يجعلنا نغفل عن حقيقة أن جيشا جرارا قد إنهزم هزيمة ماحقة أمام عدد من الداعشين الذين لم يكن عددهم قد تجاوز الألفين, وان الهزيمة الحقة لم تكن نتاجا لمعركة عسكرية كانت دارت فعلا بين ذلك الجيش الجرار والألفي إرهابي وإنما هي نتجت عن (إنسحاب) كبير وغير منظم لجيش ثبت أنه لم يشترك في معركة مع العدو. فاين كان القائد العام عن كل ذلك, وهل رأيناه غادر منطقته الخضراء ليشرف على الأقل على ذلك الإنسحاب الكارثي بعد ان غاب كليا عن ساحة المعركة المفترضة مع داعش, أم أنه كان منشغلا تماما بالإعداد لولايته الثالثة ورواية القصص التي تدور حول بطولات إبنه أحمد الخرافية.
وقلنا أن اللجنة كانت قد توقفت بشكل كبير أمام مسؤولية الأشخاص عن تلك الهزيمة لا أمام اسبابها, وربما لم يكن من واجبها البحث عن خلفية تلك الهزيمة وعن حقيقة أنها لم تكن بنت يومها, ولذلك رأينا كيف أن التقرير لم يخرج من مساحة ما هو قانوني إلى ما هو سياسي واخلاقي لكي يستعرض لنا جملة الوقائع التي تراكمت طيلة فترة بقاء الموصل تحت حراسة القادة العسكريين من المجموعة الذهبية للمالكي نفسه وبرعاية جيش تحكمه عقيدة الطائفي المنتصر وتتغلب على سلوكه نزعة الإرتزاق.
ويوم تقف مجموعة المالكي مؤكدة على أن الحاضنة الموصلية كانت بدورها حاضنة رافضة فهي تظن أنها بذلك قد إمتلكت اسرار الحكمة ملقية بوزر الهزيمة على أهل الموصل المعادين للجيش. إن هذه المجموعة , ومن خلال ديباجتها الدفاعية هذه إنما تقدم, دون أن تدري ودون أن تقصد, تفسيرا صادقا للخلفية السياسية والأخلاقية للهزيمة. لقد فاتها في حمأة البحث عن الضحية أن تقدم لنفسها تفسيرا مقنعا لمعنى أن يرفض شعب ثاني أكبر محافظة عراقية وجود جيش جاء لكي يحميه من الإرهابيين !.
ولأن الأسئلة الدقيقة هي التي تقود إلى الأجوبة الدقيقة, فقد كان أوفق للجنة لو أنها تساءلت (لماذا) رفضت الحاضنة الموصلية وجود الجيش هناك, ولوجدت بالتالي ألف من يشرح لها كيف أن هذا الجيش كان حمل معه كل أمراض النظام الكامن في المنطقة الخضراء, وكيف أن قواده كانوا من أولئك الذين إستهلكهم الفساد تماما وصاروا أساتذة للنفاق والكذب والرياء, وكيف أن جنده كانوا فاقدين لعقيدة عسكرية وطنية بوسعها أن تحبب لهم القتال من أجل الوطن, وكيف كانت نقاط التفتيش تباع حسب قيمتها الجبائية, وكيف راحت هذه النقاط تنافس داعش تجميع رزقها من باعة نينوى وتجارها, وكيف أن البعض منهم كان يفتش عن قاتل الحسين في وجوه الموصليين, وكيف وكيف, وألف كيف مثلها, كانت جميعا قد جعلت من الموصل حاضنة رافضة وجعلت أهاليها غير مستعدين للوقوف مع عدو ذاهب ضد عدو آيب, مثلما جعلت الجند وقادتهم على إستعداد لإنسحاب من أرض المعركة في اللحظة الأولى, فكيف إذا كان أمر الإنسحاب قد صدر من المختار الذي يترأس لجنة البحث عن يزيد بن معاوية.
إن الوقائع تؤكد على أن الموصل لم تسقط في ذلك اليوم الحزيراني المشؤوم بل قبله بكثير وإن ما حدث بعد ذلك هو عبارة عن إنزال الستارة على المشهد الأخير, وهو مشهد لا أظن أن من المكن حسابه على غفلة المالكي اوعلى حجة إستغفاله, وإنما هو يحسب على تمثيله لدور المغفل لأجل تحقيق غايات ليس بعيدا عنها حقده على مدن عراقية رفضت ان ترفع صورته وصورة الولي الفقيه ورفضت أن تبايعه على ولاية ثالثة.
إن الوقوف عند المسؤولية الفنية والوظيفية للمالكي وإهمال البحث عن الأسباب السياسية و الأخلاقية والوطنية التي تقف خلف الهزيمة يشكل نقصا جوهريا في تقرير اللجنة, على الرغم من أن ما ورد في التقرير بهذا الإتجاه يعني بدرجة أولى أن المالكي كان غير مؤهل لقيادة فصيل عسكري فكيف به وهو يترأس القيادة العامة للقوات المسلحة مثلما يعني انه غير مؤهل لقيادة وحدة إدارية متواضعة فكيف به وهو يقود دولة كالعراق.
من الناحية الفنية البحتة تحلت اللجنة بكثير من المصداقية والشجاعة حينما ألفت بوزر الهزيمة - حرفيا - برأس المالكي يوم جعلته المسؤول الأول عنها. لكننا نحن الذين نتطلع لعراق موحد عزيز معافى يهمنا بالدرجة الأولى أن نتعرف على الأسباب السياسية والأخلاقية للهزيمة, لأن ذلك في الحقيقة ما سيجعلنا قادرين على إعادة أراضينا المحتلة وعلى حماية كامل التراب الوطني.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟