العقيدة الجديدة للبحرية الحربية الروسية: المحاصرة الكاملة لاميركا والتدمير الشامل لجميع أعداء روسيا

جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4900 - 2015 / 8 / 18 - 18:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اعلن نائب رئيس الوزراء ورئيس المجمع الصناعي الحربي الروسي، دميتريي روغوزين، ان الرئيس فلاديمير بوتين قد صادق على العقيدة الحربية البحرية الجديدة لروسيا، حسبما جاء في وكالة ريا ـ نوفوستي. وقال روغوزين "ان أسباب تبني العقيدة الجديدة هو التغيرات الحاصلة في الوضعية السياسية الدولية والترسيخ الموضوعي لمكانة روسيا بوصفها دولة بحرية عظمى. وبموجب العقيدة البحرية الحربية المجددة فإن البنية التحتية لاسطول البحر الأسود في شبه جزيرة القرم، جنبا الى جنب الاسطول الشمالي، هي ذات أهمية من الدرجة الأولى لضمان امن الفيديرالية الروسية على امتداد كافة المحيطات والبحار". واضاف "وتذكر الوثيقة أيضا ان السياسة الرئيسية لروسيا في البحر الاسود ستكون الانهاض والتعزيز المتسارع للمواقع الستراتيجية لروسيا، وكذلك دعم السلم والاستقرار في هذا الإقليم".
روسيا تمسك الزمام في البحار المتجمدة والدافئة
"وفي العقيدة المجددة هناك اهتمام خاص أيضا بالحضور البحري الحربي لروسيا في المحيط الأطلسي والمحيط المتجمد الشمالي. ومن المثير للاهتمام، انه لاجل حل هذه القضايا يتوقع اشراك الاسطول الشمالي أيضا، الذي توضع امامه مهمة تنفيذ عدة قضايا فريدة وذات أهمية استثنائية في المحيط الأطلسي أيضا. واحد الجوانب المفصلية في العقيدة الحربية الجديدة للبحرية الروسية هو تأمين الاستقلالية التكنولوجية ـ التسليحية للبحرية الروسية، وهي قضية مطروحة بوصفها شرطا ضروريا لتنفيذ المهمات الموضوعة في العقيدة".
روسيا تزداد قوة
بعد اكثر من سنة على شروع اميركا وحلفائها في تطبيق العقوبات ضد روسيا، فإن روسيا اتجهت نحو توسيع دائرة اصدقائها، وهي تتعامل مع الغرب من موقع زيادة قوتها والمواجهة الحاسمة لكل من يقف بوجهها. وهذه هي الرسالة الأساسية التي يوجهها بوتين الى الشعب الروسي والعالم. وضمن هذا السياق جاء الإعلان عن العقيدة الحربية البحرية الجديدة في 26 تموز الماضي، التي تهدف الى مواجهة الحلف الاطلسي في جميع مناحي نشاطه. وتهدف العقيدة الجديدة الى تجديد وتحديث الاسطول الحربي الروسي وتأمين حضور عسكري بحري فعال في المحيط المتجمد الشمالي وفي المحيط الأطلسي، بشكل خاص.
ويقول بعض الخبراء ان الستراتيجية الأساسية لكل من اميركا وروسيا تنطلق من الطبيعة الجغرافية للخصم. فبالنسبة لروسيا فهي ذات امتداد جغرافي واسع وكثافة سكانية قليلة، وهي "محمية" بالتصاقها الجغرافي بكل من أوروبا والشرق الاسيوي، ويمكن مهاجمتها من بعض النقاط البحرية، ولكن يتعذر تماما محاصرتها بحريا. ولذلك تعتمد اميركا بشكل رئيسي على بناء الطائرات الحربية الستراتيجية بعيدة المدى وحاملات الطائرات وقوات الانزال الجوية والبحرية وما يسمى "المارينز" (مشاة البحرية). كما تمتلك منظومة صاروخية في اقصى الشمال، في الاسكا، وهي اقرب نقطة جغرافية الى الأراضي الروسية في الشرق الأقصى.
ولكنه يتعذر محاصرة روسيا بحريا نظرا لاتساع رقعتها وامتدادها البري الأوروبي وخصوصا الاسيوي، فالحصار البحري لروسيا لا يمكن ان يتم الا بالحصار البحري لاوروبا واسيا معا.
المحاصرة البحرية النووية الكاملة لاميركا
اما بالنسبة لاميركا الشمالية فهي، مع امتدادها الكندي والاسكا، تمثل شبه جزيرة كبرى يحيطها المحيط الأطلسي من جهة الشرق والمحيط الهادي من الغرب والمحيط المتجمد الشمالي من اقصى الشمال. وبالإضافة الى الطيران الستراتيجي بعيد المدى، والصواريخ الباليستية عابرة القارات، ذات القواعد البرية، الثابتة والمتحركة، انتهجت روسيا، منذ العهد السوفياتي، ستراتيجية تطوير سلاح الغواصات، المسلحة خصوصا بالطوربيدات والطوربيدات الصاروخية والصواريخ والصواريخ المجنحة، النووية، لمحاصرة شبه الجزيرة القارية الأميركية الشمالية من المحيطات الأطلسي والهادي والمتجمد الشمالي.
وتضع العقيدة البحرية الحربية الروسية الجديدة مهمة انجاز المحاصرة البحرية الكاملة لاميركا، بالغواصات الستراتيجية النووية، من المحيطات الثلاثة: المتجمد الشمالي والأطلسي والهادئ، لاجل التدمير الكامل للاساطيل الأميركية في تلك المحيطات، ولاميركا الشمالية بأكملها، حتى بدون تدخل الأسلحة الستراتيجية الروسية الاخرى.
لا شيء يحمي اميركا من خطة التدمير الكامل
ويضيف هؤلاء الخبراء ان غواصتين فقط مزودتين بالصواريخ النووية المخصوصة، من جانب المحيط الأطلسي، واخريين من جانب المحيط الهادي، مزودتين أيضا "بما يلزم"، هي كافية لقلب اميركا رأسا على عقب وتدميرها تدميرا كاملا. ولا يوجد أي درع صاروخية واي أسلحة مضادة للطيران يمكن ان تعترض الصواريخ التي تحملها الغواصات الروسية المخصصة لاميركا. ومهمة بقية اسطول الغواصات الروسية، وسفن التجسس الحديثة الضخمة والسفن الحربية الروسية السطح ـ مائية هي تحطيم الاسطول الحربي الأميركي وخرق حقول الرادارات الأميركية وتسهيل تحقيق المهمة الرئيسية: مهمة التدمير الكامل لاميركا.
ويضيف الخبراء انه اذا كان هناك صعوبة في التحطيم التام للاساطيل الأميركية، بواسطة الطوربيدات والطوربيدات الصاروخية، النووية، فإن الغواصات الروسية تمتلك القدرات التكنولوجية لاصطناع موجات بحرية هائلة تغرق كل السفن التي تعترضها، وتجعل الأراضي الأميركية قاعا صفصفا.
التوسع الروسي في المحيط والقطب الشماليين المتجمدين
ولاستكمال تطويق اميركا تعمل روسيا على التطوير الأقصى لاسطول الشمال، خصوصا فيما يخص الغواصات الخارقة للجليد وكاسحات الجليد السطح ـ مائية، للامساك تماما بالقطب المتجمد الشمالي. كما تعمل لتوسيع الرقعة الجغرافية التي تضع يدها عليها في القطب المتجمد الشمالي باعتباره يمثل امتدادا للأراضي الروسية والحدود الروسية المعترف بها دوليا.
جيش روسي خاص للاقاليم المتجمدة
وانطلاقا من قاعدة ان السلاح البحري هو المحور الرئيسي لكل الأسلحة (الجيوش) الروسية الأخرى: الجوية، والبرية، والمدفعية، والمدرعة والصاروخية، تعمل وزارة الدفاع الروسية، بالتعاون مع هيئات اركان جميع أنواع الأسلحة (الجيوش) الروسية وجيش كامل من الخبراء العسكريين والعلماء والتكنولوجيين، والمجمع الصناعي الحربي، ونخب من خيرة الضباط والجنود ذوي التدريب واللياقة العاليين، لخلق جيش روسي خاص للمنطقة القطبية الجليدية، مستقل ذاتيا، ويمتلك كل أنواع الأسلحة البحرية والبرية والجوية والفضائية والتجسسية العلمية. وهذا الجيش هو مؤهل، بمقاتليه وآلياته، للقتال في ادنى درجات الحرارة، واقسى الظروف الطبيعية، وفي الليل القطبي الطويل، ومواجهة وتطويق وسحق أي عدو محتمل، في الظروف الخاصة بالمحيط المتجمد الشمالي والقطب المتجمد الشمالي.
التوسع البحري الروسي يرعب الغرب
ويقول مدير تحرير مجلة Russia in Global Affairs التي تصدر في روسيا، فيودور لوكيانوف، والذي هو على صلة وثيقة بالمراكز الإعلامية والبحثية الغربية، انه من بين جميع المبادرات الروسية، فإن العواصم الغربية تعير الاهتمام الأكبر لسياسة التوسع البحري الروسي، والذي هو جزء من برنامج ضخم لاعادة التسلح، يبدو انه محصن تجاه التخفيضات في الميزانية.
نماذج من الأسلحة الحربية البحرية الروسية
وفيما يلي قليل من كثير من عشرات النماذج التي يمتلكها الاسطول الحربي الروسي، وكل نموذج يختلف عن الاخر وله مهماته الخاصة، ولكنها كلها تكمل بعضها بعضا:
1 ـ السفينة التجسسية الجديدة الحديثة جدا المسماة "يوري ايفانوف" والتي سلمت الى الاسطول في الوقت ذاته مع اعلان المصادقة على العقيدة البحرية الحربية الجديدة، كما ذكرت الجريدة الالمانية Bild. والمهمة الأولى لهذه السفينة هي كشف وتعقب السفن الأميركية الخاصة بنظام الدرع الصاروخية. وقد جرى تسليم هذه السفينة خلال استعراض بحري كبير جرى في مقاطعة كالينينغراد، حضره الرئيس بوتين. وتضيف Bild انه في حال وقوع حرب، فإن مهمة هذه السفينة ستكون فتح ثغرات في نظام الدرع الصاروخية الأميركية وتمكين السفن الروسية من استغلال هذه الثغرات لضرب السفن والأنظمة الأميركية. وحتى سنة 2020 سيصبح في حوزة البحرية الروسية 4 سفن من هذا الطراز الحديث جدا.

2 ـ غواصة "بوراي" ذات المهمات الستراتيجية: السعة المائية 24000 طن، السرعة تحت الماء 29 عقدة، العمق الأقصى للغطس 480 مترا، مدة الاكتفاء الذاتي 90 يوما، وهي مزودة بـ: 12 صاروخا طوربيديا قابلة للزيادة، و16 صاروخا باليستيا من طراز "بولافا" (كل صاروخ يحمل 10 رؤوس نووية يتوجه كل منها الى هدف مختلف).
وهذا النموذج هو من الجيل الرابع، ولا مثيل له في العالم حتى اليوم. ويوجد منه في الخدمة الان ثلاث غواصات، ويجري بناء ثلاث أخرى.
وبالإضافة الى مميزات عديدة، يمتاز هذا الطراز بأنه خافت الصوت.
3 ـ غواصة "ياسن" النووية الخاصة بالصواريخ المجنحة: السعة المائية 13800 طن، السرعة 31 عقدة، العمق الاقصى للغطس 600 متر، مدة الاكتفاء الذاتي 100 يوم، تحمل 30 طوربيدا صاروخيا و32 صاروخا مجنحا نوويا.
وهذه الغواصة النووية هي متعددة المهمات، وقريبا ستصبح هي الطراز الرئيسي المعتمد في اسطول الغواصات.
4 ـ الغواصة الصاروخية الثقيلة ذات المهمات الستراتيجية من طراز "اكولا" (القرش): السعة المائية 48000 طن، السرعة 25 عقدة، الغطس الأقصى 500 متر، الاكتفاء الذاتي 180 يوما، تحمل 22 طوربيدا صاروخيا، و20 صاروخا باليستيا من طراز R-30 بولافا.

خلافا لاميركا: الأولوية للغواصات
ولا تعير روسيا اهتماما كبيرا لبناء حاملات الطائرات، كما تفعل اميركا. وحاملة الطائرات الوحيدة التي تملكها بلغ عمرها 30 سنة، ويتوقع ان تنزل الى الماء حاملة طائرات جديدة في حوالى سنة 2030. ولكن روسيا كانت دائما مشهورة ببناء الغواصات المذهلة خافتة الصوت. ويبدو انها حلت الصعوبات التي كانت تعترض بناء النماذج الجديدة من الغواصات التقليدية والنووية. وقد انزلت مؤخرا ثلاثة أنواع من الغواصات النووية في أعماق المحيطات، وهي بصدد انجاز سبعة أنواع أخرى.
روسيا تواجه بنجاح كل دول الناتو
وبالرغم من ان الاسطول الأميركي يبلغ 300 سفينة حربية من مختلف الأنواع والاحجام، فإن روسيا تبذل مجهودات جدية لاستيعاب الوضع القائم. وحسبما يقول بيتر روبرتس، المحلل في مؤسسة بنك الادمغة اللندني، التابعة للقوات المسلحة البريطانية (RUSI)، فإن روسيا، طبقا للعقيدة البحرية الحربية الجديدة، ستكون في وقت قريب قادرة على مواجهة جميع السفن الحربية الناتوية والغربية أينما وجدت، حتى بدون اصطدام حربي مباشر.
الاخلال بصفقة ميسترال سينقلب وبالا على الغرب
ولا بد ان نذكر هنا ان صفقة حاملتي الهليكوبتر (من طراز ميسترال) اللتين كانت روسيا قد كلفت فرنسا ببنائهما، ودفعت لها الأموال مقدما، كانتا ستبنيان بموجب التصاميم الروسية، وبمعدات روسية. وقد أوصت روسيا عليهما لدى فرنسا لاجل كسب الوقت لا اكثر. وفي الوقت ذاته كانت روسيا تبني طائرات الهيليكوبتر الخاصة بهاتين الحاملتين. والحاملتان وطائرات الهيليكوبتر الخاصة بها، هي تابعة لاسطول الغواصات بعيدة المدى الروسية، ومهمتها هي تبديل الطواقم البشرية للغواصات، وتزويدها بالغذاء والماء والذخيرة والأسلحة وتأمين المعالجة الطبية، بدون ان تحتاج الغواصات لترك مواقعها واللجوء الى القواعد البحرية الساحلية، وكي تبقى في المناوبة القتالية بشكل مفتوح. وبعد اخلال فرنسا بالصفقة، اتفقت الدولتان مؤخرا على ان تعيد فرنسا الأموال التي دفعتها لها روسيا مقدما والمعدات التي قدمتها لها كإعارة، مقابل تنازل روسيا عن تقديم شكوى امام المحاكم الدولية والمطالبة بتنفيذ البند الجزائي. وقد ردت روسيا على اخلال فرنسا بالصفقة بالتأكيد انها ستمتنع من الان فصاعدا عن ان تشتري او تصنع في الدول الخارجية أيا كانت، أي شيء ذي أهمية، له علاقة بالصناعة الحربية. وقال بوتين حرفيا، في لقاء له مع علماء وكوادر احد مصانع الغواصات "اننا سنصنع كل شيء عسكريا بأنفسنا. وروسيا قادرة على صناعة كل شيء".
ولا شك ان فضيحة صفقة الميسترال قد اخرت قليلا قسما من البرنامج العسكري البحري لروسيا، بسبب هزال الحكم الفرنسي وخضوعه للاملاءات الأميركية، ضد مصلحة فرنسا وهيبتها بالذات. ولكن روسيا ستصنع حتما افضل من الميسترال، وستعمل على تحويل البحرية الحربية الروسية الى كابوس حقيقي للغرب برمته، والى صخرة صماء تتحطم عليها قرون جميع تيوس الناتو والبنتاغون والبيت الأبيض، الذين لن يكون مصيرهم في نهاية المطاف افضل من مصير مملكة اليهود الخزر والصليبيين الشماليين والمغول والتتار والشركس والعثمانيين ونابوليون وهتلر، الذين سحقهم الشعب الروسي المسيحي الشرقي العظيم، وارسلهم الى مزبلة التاريخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

#جورج_حداد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات