أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - وظيفة دين النبوات في عصرنا















المزيد.....

وظيفة دين النبوات في عصرنا


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 4900 - 2015 / 8 / 18 - 12:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



تسأل الفيزياء الحديثة : هل هذا الكون الذي نعرفه هو الكون ( بألف ولام العهد ) أم هو أحد الأكوان المحجوبة عنا ؟ سؤال لاشك في أهميته المعرفية ، لكن القليلين من يربطونه بأسئلة قد تبدو أكثر عملية وأكثر إلحاحاً مثل : كيف السبيل لإيجاد حلول لمشكلاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة ؟ وما هي طبيعة تلك المشاكل ؟ وما ضرورة أن نتفهم كيف نشأت وتفاقمت ؟ وهل ثمة أمل في حلول ناجزة لها ؟
صفقة الأسئلة هذه قد تدعونا – قبل أن نتوجه لزيارة بيت التاريخ – أن نعرج على " نادي" الفلسفة المعاصرة نتناول فيه "قهوة العقل" لنتيقن إن كان كوْنُنا واحداً مبتداه العدمNonentity أم أكواناً متعددة لا يُعرف لها أولٌ ولا آخر ؟ وتبعا لفلسفة الكوانتم فإن هذا العدم ( اللاوجود) كان محتوما ً تعرّضُه لتقلبات كميةٍ تؤدي لانبثاق ما أسمته العلومُ الرياضيةُ الحديثة بــ "المفردة" Singularity ( لاحظ المعنى ) وهي كرة مفترَضة ٌ بلا قطر ولا مكان أو زمان لها، ومع ذلك هي جُمـّاع كل "الطاقة" ( سنحاول سبر غورها فيما بعد ) السالبة ونقيضها الموجب المحسوب رياضيا ً لرقم الصفر، فما كان عجيبا ً أن يحل بها الانفجارُ العظيم Big Bang لتولد منه قوى الجاذبية والمغناطيسية والحرارة فالسدم والنجوم والكواكب ، ومن بين الأخيرة انبرى كوكبنا الأرضي يتشكل في وحدة جغرافية هي القارات والمحيطات ، وفي الماء خُلقت الحياة وانتقلت إلى اليابسة حاملة معها وحدتها البيولوجية (توليفات الكربون) وعلى سلم الأحياء اعتلى الإنسانُ القمةَ مؤطرَّاً بوحدة فسيولوجية لا غش فيها، وهي حقيقة ٌ تقتضي النظر إلى التاريخ البشري – الممثل للكون الواحد – بحسبانه هو أيضا ً وحدة واحدة لا يعكر عليها اختلاف لون أو تمايز شكل، والدليل أن جميع البشر يصلحون للتزاوج فيما بينهم، وأما التعدد الظاهر لديهم فليس أكثر من تعدد للحوادث وليس للأنماط المحددة لمسيرة بدأت بالعبودية ولا بد أن تصل إلى غايتها : الحرية لكل إنسان . وبهذا الوعي "العقلاني" ذي الوحدة المعرفية نكون قد أقمنا علاقة زمالة مع وحدة التاريخ الذي يلعب فيه الدين دورا ً غاية في الأهمية، جنباً إلى جنب العلم والفلسفة. وزمالة هذه الوحدة مع التاريخ تقتضي منا أن نحاول توسيع عدسة الرؤية بقدر ما هو متاح للعقل والقلب البشريين.
[ في هذا السياق يرى ابن عربي أن الحقيقة، أو الماهية موجودة في الطبيعة . فكأنه بذلك يعيد للطبيعة جلالها القديم، مؤكَّدا على أنها تحوز من القدرات الخلاقة ما يمكِّنها من تشكيل الصور الجديدة التي لا تتكرر. ولهذا فالوجود طازج، يانع، فتيٌّ، على نحو دائم. ولأن العالم "يتغير مع الأنفاس" فإنه يبتكر دوماً صورًا جديدة تشبه الصور القديمة، ولكنها لا تطابقها تبعاً للآية القرآنية الكريمة "بل هم في لَبْسٍ من خلق جديد" .
ذلك هو الوعي بالتطور الذي يقول به ابن عربي في مواضع كثيرة من كُتبه، ولاسيما حين يقول بأن النخلة هي آخر أفق النبات وأول أفق الحيوان، ولهذا فقد جعلها أخت آدم، أو أخت الإنسان.
وواضح هنا التشابهُ بين مذهب ابن عربي ، وبين فلسفة اسبينوزا – التي تمجد الطبيعة إلى درجة إحلال الإله فيها - وإن يكن ثمة فارق بين فلسفة ابن عربي العضوية الحية التي ( ترى الله في الطبيعة وفوقها في نفس الوقت ) وبين فلسفة اسبينوزا ذات البنية المتصلِّبة. فلا يصح القول بعدُ بأن مقولة "الحق" عند ابن عربي هي مقولة "الجوهر" عند اسبينوزا؛ بل ولا مقولة "المطلق" عند شلِّنغ وهيغل ، لأن ابن عربي يرى أن الوجود الإلهيّ غير مقيد حتى بالمطلق ذاته كما سنرى.
البشر ليسوا آلات حاسوبية
فماذا يحدث لو أن الدين والفلسفة والفيزياء الحديثة تداخلت حقائقـُها ؟ إذن لصارت جديلة واحدة لا سبيل إلى تفكيكها . حينئذ تفقد مصداقيتـَها الاتجاهاتُ "العلماوية" Scientology التي تزعم أن "الفكر" محض انقداح عصبويات مصدره الطاقة المستخلصة من الطعام والشراب والأوكسجين!
تقول فلسفة العقل - سيما عند جون سيريل - أن الدلالة الرقمية للمُدخلات يوجد بينها وبين المخرجات الشعورية فجوةٌ Chasm محال اجتيازها. ولهذا فـإن " سيريل " لا يعتبر بما تقوله الفيزياء الكمية Quantum Physics من أن سلوك الجسيمات دون مستوى الذرة لا يتبع الحتمية لأنه – حسب فهمه - يرى في ذلك السلوك محض عشوائية لا علاقة لها بحرية الإرادة ، وبمقتضى ذلك تظل الفجوة – من وجهة نظره - قائمةً بين البدن وبين ما تفترضه الذائقة العامة Common Sense عند الناس من وجود روح يمكنها أن تستقل عن ذلك البدن .
غير أنني معارضا ً سيريل أتصور أن اجتياز الفجوة ممكن، فقط بتوصيل من كائن أعلى هو وحده المؤلف والمترجم . وآية ذلك أن الحياة لو كانت مجرد تطور " مادي " للطبيعة للزم أن نكون كائنات " ماتركسية " Matrix لا تشعر ولا تفكر . ولو قيل : بل الطبيعة أرادتنا مفكرين وشعراء ، لقلنا : إذن فالطبيعة كائن حي قيوم بذاته . ولكن بما أن الطبيعة مادةٌ خالصة – حسب كلام الماديين - فلماذا نعزو لها صفاتٍ متعاليةً transcendental لا ُتثبت إلا للإله ؟
للموت أن يستصفي الجسد َ الذي هو من تراب ليعيده إلى موطنه " التراب" ولا تثريب عليه إذ يفعل . تلك تجربة الجسد مع أمه الطبيعة ، وهي تجربة متسقة مع جبلّتها . أما الروح التي تحب وتعشق وتكابد الشوق ، الروح التي تراها في لمعة العين حين تتذكر وحين تهفو ، الروح التي سُمـًيَ بها عيسى وجبريل وبها أيضاً سُمِّىَ القرآن ، فلا مندوحة من أن نسأل عنها خارج أنساق الذرات والإلكترونات والفوتونوات والكوارك ( وهذه في التحليل النهائي محض تصورات ذهنية ) وحين يصل سؤالنا إلى نهاية رحلته ؛ نجد الجواب حاضرا ً مهيمنا ً معبرا ً أجمل وأحكم تعبير : قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
سل الحاسوب السوبر أن يترجم إلى اللغة الألمانية قصيدة أمل دنقل عن الزهور التي تتمنى له العمر وهي تجود بأنفاسها الآخرة ، وسيترجمها بدقة لو ُأعطى شفرة اللغتين العربية والألمانية ، ولكنّ المحال هو أن يشعر الحاسوبُ بمعانيها أو يرق لها أو تدمع أمامها عيناه .
فما هو منبع هذا الشعور المنبثق من التجربة الروحية العابرة للفجوة .. والتي تشيح ببصيرتها عن الموت ؟ يقول يسوع : إن الخالق ليس إلهَ موتى ، بل هو إلهُ أحياء . وهو ما يعني أننا ما دمنا قد مُنحنا نعمة الحياة مرةً فلا شك في أن المعطي كان كريما ً كرما ً مطلقا ً، ومن كانت هذه صفته فلا ُيتصور أن يضع لكرمه حدوداً ، خاصةً مع مخلوقاته المحبة له والمعترفة بفضله ، وما دام هو قد متع تلك المخلوقات مرة بهذه النعمة ، بل وأضاف إليها نعمة "الأمل" في ألا تفنى ؛ فلماذا نسمح لأنفسنا بأن تتشكك في أنه سوف يواصل نعماءه للأبد دون انقطاع ؟!
لو كنت أنا مجرد حاسوب مبرمج فيزيقياً وبيولوجياً مزوداً بنظام نيرولوجي فائق القدرة مما يسمح لي أن أفكر بهذا النحو؛ إذن لشكرتُ المبرمج على ما أوصلني إليه أيما شكر، ممتناً سعيداً . بيد أن كلاماً عن حاسوب له هذه المشاعر الفياضة لا ريب يكشف عن تناقضات أقلها أنه هو نفسه لا يشعر بأنه حاسوب ، بل إنسان يعي ويدرك ويألم ويحب ويعرف أن الاشتراكية هي أفضل الفلسفات الاجتماعية لحل التناقض بين رأس المال والعمل المأجور وإن احتاجت إلى جدلها – بسكون الدال - بغايات دين النبوة ( وليس دين الدولة ) فأين يمكن العثور على دين النبوة هذا الذي تحتاجه البشرية اليوم ؟ نعثر عليه في مجابهتنا للرأسمالية القائمة على فتشية السلع .
[ فتشية السلعةFetishism مصطلح توصّل إليه كارل ماركس ، وهو مصطلح ظهر قياساً على فتشية الطبيعة، أي الأرواحية، وهي إسقاط الروح على أشياء حرّكت مشاعر الانسان القديم كالأشجار والجبال والحجارة ، ما أدى إلى عبادة الأوثان، فجاء دين النبوات كلها لأجل حذف وإلغاء هذه العبادة بوصفها عبادة للطبيعة المخلوقة بديلاً عن عبادة الإله الخالق. وفي العصر الحديث ومنذ بداية افتراق الإنسان عن الطبيعة وظهور صناعات تكرّر المنتج مطابقاً للشكل والنوع، انتقل مصطلح الفتشية ليشمل السلع المصنّعة بطريقة يغيب فيها إدراك المستهلك للكيفية التي صنعت بها، حتى ليخيل إليه أنها وجدت من ذاتها بشكل مستقلّ عن النشاط البشري.]
وعليه يكون جوهر دين النبوات – في عصرنا – معارضاً لعبادة السلع وما يشبهها . ومعلوم أن من يعبدون ما صنعت أيديهم حتى ليقتلون في سبيلها بعضهم البعض ، هم أنفسهم ذلك الوثني القديم الذي كان يصنع تمثالاً من " العجوة " ليصلي له حتى إذا جاع أكله !
وظيفة دين النبوات إذن تخليص العقل البشري من الأغاليط والأوهام ، وتربيته على العفة والقناعة والزهد في كل ما من شأنه استثارة الشهوات الدنيئة ، مما يرتب خضوعاً مشيناً للغرائز وسجوداً لما هو غير ضروري في الحياة ، الحياة التي كرمها الله لتبقى لا لتُسفك دماؤها في الحروب والصراعات التي تستهدف الإكثار من الممتلكات المادية ولو على حساب تعاسة أخوتهم من البشر المقهورين .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن أضاليل الرأسمالية وتعثر الاشتراكية
- العلم والدين على خلفية النسبية والكوانتم
- الملحدون والمؤمنون وفلسفة النسبية والكوانتم - مصححاً
- الملحدون والمؤمنون وفلسفة النسبية والكوانتم
- عن الإلحاد والعلم وسيد القمني
- عن الإلحاد والحرية وما وراء العلم
- حرية الإلحاد محض عبودية
- قصتنا مع أثيوبيا عبر التاريخ
- أنطولوجيا القصيدة الشومانية
- إستدراج مصر للحرب في أفريقيا
- قصيدة : لإيلافكم رحلةَ الوجود والعدم
- موت سهيلة بين الدنيوي والمقدس
- يناير ويونيو .. ثوار ولا ثورة
- إسرائيل تستدرجنا للحرب في أفريقيا
- مغزى قطع رأس طه حسين
- جيش مصر يكبح جماح العثمانيين الجدد
- المهام العاجلة لمؤرخينا الجدد
- الإخوان مشكلة إستراتيجية لأمريكا
- هل تصبح مصر حصان طروادة لأمريكا ؟
- السلفية المصرية ولاهوت التحرير


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - وظيفة دين النبوات في عصرنا