أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - القاص مهدي جبر ـ وداعا طائر التم















المزيد.....

القاص مهدي جبر ـ وداعا طائر التم


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 363 - 2003 / 1 / 9 - 03:51
المحور: الادب والفن
    


 

                         خاص: الحوار المتمدن

  *الاهداء: الى الشاعر عبد العظيم فنجان في السليمانية : لا ترتكب غلطة مهدي!

 

  هذا القاص قتله المطر!

نعم قتله المطر حقا.

قبل أن يموت مهدي جبر بتلك الطريقة المربكة والفاجعة والعاجلة، كان مهدي قد جهز نفسه للموت واحتفل بكل طقوس جنازته وهيأ حتى التابوت ونوعه وزار شوارع كثيرة، ومر على من يحب، وعلى الاماكن الاليفة، وحين صار جاهزا تماما لحفلة الموت، قفز من الباب السري الأزرق الى العدم وتلاشى في ضجة صمت الموتى.  الشيء الوحيد الذي لم يعرفه مهدي جبر وهو يجهز نفسه لحفلة الموت بفرح غريب كطفل فقير عثر على لقية ثمينة في نهار عيد، هو ان المطر سيقتله.لذلك حين جاء الموت، وحدق في عيني قاتله فرحا، بوغت بالمطر وهو يرفع له يده، ويوميء له برفع المرساة.ولم يتأخر مهدي جبر لحظة واحدة، رغم الدهشة، ففتح الباب السري للنهايات، كما تفتح ارض خصبة ثقوبها لسنبلة أو وردة أو كائن حي، وقفز الى الأزرق المعتم، والبعيد، والنائي، وضاع منا جميعا مهدي جبر..ضاع كما ضاع غيره.كما سيضيع كثيرون يتهيأون الان لحفلة موت آخر وسنذكرهم عندما يقفزون الى الازرق المعتم الابدي بفرح الاطفال الكبار.


  ترك مهدي جبر خلفه مجموعة قصصية وحيدة" قلوب على الزجاج"  طبعت عام 97 قبل أن يهرب من الحياة وينجو بنفسه تاركا الاخرين يعانون من هذه الوحشة، وتركهم ايضا، بما فيهم انا، غاضبين على مهدي جبر لأنه خرق العهد في أن لا ينجو احد منا لوحده ويترك صاحبه حاملا تابوته على الرصيف.  هذه هي خيانة مهدي جبر الوحيدة والنبيلة والطفولية.   وهي مغفورة.لأن الطفولة تبهر.   كان مهدي جبر  عائدا من بغداد الى البصرة التي لا يستطيع مغادرتها ابدا. وكان من المفروض ان يعود معه في نفس السيارة القاص والروائي المبدع محمد خضير، توأمه في عشق البصرة، والاديب العراقي الذي وضع القصة القصيرة  في مستوى القصة العالمية وافضل في نماذج كثيرة، لكن خضير أجل عودته وأجل موته، وعاد مهدي
وحده، وفي الطريق  سقط رذاذ من المطر على الطريق العام، ذلك الطريق المدهش والجميل والأخضر حيث الخيول العراقية والعجول والطيور والاشجار والانهار والغيوم تسكر من الازرق السماوي، ومن العطر، ومن شذى الازهار.
فرح مهدي بالمطر، وحاول ان يمد يده لالتقاط حباته، لكن السيارة انقلبت، وانقلبت، وقفز مهدي بعد ان فتح الباب السري للموت الى الهاوية ونجا، مدهوشا.قتله المطر!أما محمد خضير فظل يعاني من لوعة هذا الغياب ومن موته المؤجل.   في مجموعته الرائعة" قلوب على الزجاج" توجد القصة النبوءة التي  أبّن مهدي نفسه فيها، وجهز نفسه للموت قبل الأوان وظل ينتظر القاتل ليرفع ستارة المشهد الاخير وترحل الجنازة.

القصة اسمها" وداعا طائر التم"..

يقول مهدي جبر في بدايتها:


    (  ربما هي الساعة الاخيرة لي في هذا العالم. لاشيء يغريني بالحياة. كل شيء يقودني الى الموت. كل يوم، كل لحظة تقربني اليه. لا أعتقد انك ستلحق بي. ربما ستجدني في عنبر الموت. فقد حلمت البارحة اني مت موتا سعيدا. منذ اسبوع
قررت أن أختار موتي. أن أموت وحيدا. شعرت بسعادة غامرة وانا أصبو الى الموت. فكرت أن أخرج الى الحديقة لأرى النور والسماء والاشجار وارى الحياة، أشم عبيرها ولونها وارى الناس والبيوت وارى الشوارع والازقة وأرى المرأة. علمت بأن أبي لم يغادر فهو ينتظر موتي لينقذني من ثلاجة الموتى.....)
كان مهدي ينتظر الموت السعيد المنقذ لينجو من هذه الحياة التي صارت عبأ ثقيلا، لكنه لم يكن يتوقع ان قاتله هو المطر.

بعضهم قال ان قاتل مهدي جبر هو الليل.
اخر قال: انها الطريق.
ثالث قال: انها السيارة.

رابع قال: لكن زرقة المساء بهرته.
واخرون قالوا: قاتل مهدي جبر هو العتمة، الضباب، الريح، النهار، الفقر، الحب، الأمل، وربما غسق عراقي خرج له من جانب الطريق العام بين بغداد والبصرة وغرق مهدي في انبهار النور وكان ذلك من الفخاخ التي ينصبها الموت للاطفال
الكبار وللخيول والغزلان والنوق.

صحيح ان مهدي جبر قتله المطر أو الطريق أو الغسق، لكن المسدس في يد أخرى غير مرئية، والقاتل الحقيقي هو الذي جعل هذه الفراشات تتوق الى الاحتراق هربا من هذا الجحيم الارضي.ويقول مهدي جبر في طائر تمه:( سألت  المعين ونحن ندخل المستشفى. ماذا تعني لك الحياة؟ ببساطة أجاب: لاشيء.
وجدت المضمد يبحث عني في ثلاجة الموتى. كنت قريبا منها وشممت رائحة كريهة..... سمعت ابي يصلي. كان يبكي. قال وهو يحتضن سلة الورد: سآخذك يابني لن اتركك وحيدا. لقد إستأجرنا لك سيارة. وجلبنا لك تابوتا من الساج. سنذهب بك الى
الجامع. ونغسلك ونطهر جسدك. ونضع الورد على نعشك ثم نصلي عليك. ونضعك في القبر. ونواريك التراب ونصلي عليك ثانية. وسوف نبني لك ضريحا عاليا من المرمر. ونوزع راتبك على الفقراء. بعدها اعود وحيدا الى البيت. أعود بصورتك ووردة من ورودك.

وهل هذا كل شيء؟ سألته وأنا أغمض عيني.نعم يابني، سمعته يتمتم: هذا كل شيء. هذا كل شيء!.  )  بعد سنتين من موت مهدي جبر وقفت في حديقة حيوانات الدار البيضاء في المغرب  امام طائر التم وتلك كانت المرة الاولى التي آراه فيها .

  وانتصب أمامي مشهد موت المتماوت مهدي جبر، أو مدعي الموت، ورحت أكلم الطائر بطريقة أدهشت صديقي الذي باغتني سؤاله:

  ـ سي حمزة مع من تهذر ـ تتكلم؟!

فأجأني السؤال. أجبته مرتبكا:
ـ لا .ابدا. كنت اتحدث مع طائر التم.
ـ فيه مشكلة سيدي؟!


خرجت من  الحديقة في المساء وكان مطر الدار البيضاء قد بدأ ينثال رذاذا ناعما، و جلست بعيدا عن صديقي تحت شجرة  صنوبر  لا تفضح سر من ينوح تحتها، ورحت اردد مقاطع من قصيدة طويلة للشاعر المغربي المناضل عبد اللطيف اللعبي صاحب رواية" تجاعيد الاسد" والذي كان خارجا توا من سجنه المرير وهي قصيدة" شجون الدار البيضاء":   "  كفى دموعا!
     على أية حال

      لا دموع هنالك
     ولا ضحكات ايضا.

      بإمكانك الان
     أن تقول وداعا"

ــــــــــــــــ
قلوب من زجاج/ بغداد/ 97.

 




#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائي نوري المرادي ـ خضرمة ـ الموسم الخامس.
- إحتفالية بالروائي عبد الخالق الركابي ـ سابع ايام الخلق
- الروائي مهدي عيسى الصقر..و.. ـ أشواق طائر الليل
- الروائي الطاهر بن جلون و ـ تلك العتمة الباهرة
- الروائي المغربي محمد شكري و ـ زمن الاخطاء
- عبد الله القصيمي، المتمرد القادم من الصحراء
- الشاعر أمين جياد و ـ لمن أقول وداعا؟
- الشاعر حسين عبد اللطيف في- نار القطرب-
- احتفالية بالشاعر رعد عبد القادر و- دع البلبل يتعجب
- احتجاجات المثقف والارهاب وغياب تقاليد التضامن - التضامن مع ا ...
- نقد المثلث الأسود / رجل واحد شجاع يشكل أغلبية !
- وثيقة التوجهات السرية!
- صرخة تضامن مع مروان البرغوثي


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - القاص مهدي جبر ـ وداعا طائر التم