أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جواد كاظم غلوم - القراءة وعناؤها














المزيد.....

القراءة وعناؤها


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 4899 - 2015 / 8 / 17 - 16:48
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


القراءة وعناؤها


كعادتي مساء كل يوم ، وقبيل موعد النوم ألوذ بكتاب انتقيه جيدا مسبقاً لأقرأ بعض فصول منه فقد ذهبت قدرتي على التهام الكتب بسبب تعب العيون وارتخاء رصد الكلمات كما كنت من قبل ؛ فان كان رفيقي خفيف الظل ومرح القراءة فيحلو لي ان ترافقه موسيقى خفيفة وهادئة هي الاخرى تؤنسني في وحدتي ، تعلمت ان اصغي للموسيقى واستمع لاغانٍ ناعمة الجرس وعيني على سطور الكتاب لأنهل من هذا وذاك عسى ان احقق شيئا من الهارمونية بين القراءة والصوت الممتع ؛ اما لو كان محتوى الكتاب دسم المعنى عاتي الفكر فألجأ الى اطفاء صوت الموسيقى او الغناء للولوج في ثنايا سطوره الوعرة المسلك منتظرا سطوة النعاس ريثما يأذن لي سلطان النوم ويربت على رأسي خفيضا مشيرا الى وسادتي لأسند رأسي عليها حتى أغفو
غير ان الامر جرى في تلك الليلة التي عطفت عقلي وعكّرت صفو عادتي اذ حدث ما لم يكن في الحسبان وجرت الامور على عكس ما تشتهي رغباتي في ان احضن كتابا وأتوغل في سطوره ، ودون سابق انذار داهمتني غشاوة لم اعتد عليها من قبل بحيث صرت ارى الصفحة البيضاء رمادية مائلة للسواد وتداخلت الكلمات مع بعضها البعض وقد صعب عليّ مواصلة القراءة وكم كان هلعي شديدا حينما بتّ محروما من طقوسي وعاداتي المألوفة بالقراءة هذه الليلة اكثر مما هلعت عن مصير عينيّ ومااصابهما من وهنٍ وعارض خطير منعني من تكملة مااريد ، تلك القراءة الليلية هي شغفي الدائم وحسائي الفكري الذي لم انقطع عنه مهما حدث لي
لم أشأ ان اوقظ احدا من اسرتي فقد غطوا في نوم عميق اسرعت الى قنينة مرمية في البرّاد منذ شهور تحتوي محلولا سائلا لتنظيف العيون ، غمستُ عينيّ في هذا السائل لأجل تطهيرها وإزالة ماعلق بها من وعث تراب او شوائب عالقة كما حسبتُ وعدت للقراءة بعد ان انتهيت من غسلها تماما بالمحلول المطهر عسى ان اكمل مابدأت
لم يتغير شيء بل ازداد الامر سوءا فصرت ارى غشاوة سوداء تحجب صفحات الكتاب عني ؛ ولأن الساعة قد قاربت الثانية بعد منتصف الليل فقد تحرّجتُ من الاتصال بأحد معارفي المختصين بطب العيون لكن الامر ازداد سوءا ولم اعد ابصر اي ملمح سوى خيوط سود تهيم هنا وهناك مع ان الاضاءة كانت على اشدّها في غرفتي
تجرّأت قليلا وبصعوبة بالغة عثرت على رقم طبيبي في الهاتف ؛ اتصلت بالطبيب ونصحني بترك كل شيء والاستسلام للنوم على ان القاه غدا صباحا في المشفى الخاص الذي يعمل فيه وكم كانت ليلتي نابغية بطيئة الكواكب مثقلة بالوساوس والقلاقل لكني ارغمتُ نفسي والتففتُ ببعضي متوقعا اسوأ النتائج
اصبح الصبح ونظرت حواليّ بإمعانٍ ، مازالت عيناي متعبتين مع وجود تحسّن بطيء نسبيا بعد ان اخذتُ قسطا كافيا من النوم على شدّة القلق والوساوس التي ظلّت تساورني ؛ لكني قدرت ان استدل على الطريق نحو الحمام وتغيير ملابسي استعدادا لمواجهة الطبيب
وصلت اليه الضحى صائما ، تفحص نظري وزرق سائلا في حدقتيّ مقرّبا مجهره من عدسة العين ثم اشار لي بالذهاب الى المختبر لفحص الدم ، قلت له : وماعلاقة الدم في وضعي ؟! سخر مني قليلا وعنّفني بشدة لاني لم اراقب نسبة السكري في الدم ولم أعبأ بالنحول الذي أنهكني دون ان التزم بوصايا الطبيب في تقدير الطعام واختيار الانسب مثلما يفعل المرضى المصابون بهذا الداء العضال
في غرفة المختبر اجري لي تحليل دمي فظهرت نسبة السكّري عالية ومخيفة جدا الى حدّ ان اخذت تؤثر على ناظريّ ، بطل العجب بعد ان عرفت السبب
عدت ادراجي الى البيت مهموما شارد الذهن وانا محمّل بعقارات وأدوية وسكّرين ونصائح جمّة تعينني على تحمّل هذا الداء الذي لم اكن اعلم انه مقيم بداخلي ساكنا وديعا ودون ان يتحرك قيد أنملة ليشعرني بما انا فيه ، قرّ في دمي ردحا من الزمن غير قصير وها هو يبلغني بمكوثه بعد ان استفحل ونشبت اظفاره وبانت نواذجه في اضعف وارقّ عضو في جسدي وهي العيون
استجمعت بقية شجاعة في حشاشة اعماقي ورحت ادندن في ابيات احفظها منذ فتوتي وأغيّر في بعض مفرداتها وألاعبها على هواي حذفا وإضافةً كما لو كنتُ أطبّب وجعا وأخفف من عبئه :
سبحان من قسم العيونَ فلا اعتراض ولا ملامةْ
اعـمى واعشى ثـم ذو بصـرٍ فـزرقاء اليـمـامـة
والسعـد مثل الطيف او كالضيف ليس له اقامة
والعشْوُ حتـمٌ ثـم بعـد العـميِّ اهــوال الـقـيامـة
فالعـيش في الدنـيا سوادٌ غـيرُ مرجـوِّ الادامـة
رحت اساءل نفسي كيف لي ان اتملّى الجمال واقف شاردا ساهما امام لوحة باهرة المرأى او ارى سماء ساطعة بالنجوم او مشهدا ساحرا او اقرأ شعرا وأبصر كلمات مؤثرة وانا في هذه الحال المزرية وحاولت اقنع نفسي بان بصيرتي مازالت متوقدة حتى لو ضعف البصر ، لكن هيهات ان اقنع هذه النفس التواقة الى ملمح الجمال والتحديق به وجها لوجه وأنشدت في سرّي ساخرا من خديعة التعويل على مانسميه البصيرة :
فـما لـي للـبصـيـرةِ مـن مــرادٍ --------- اذا قحلتْ عيوني من جـمالِ
وهل تقوى البصيرةُ ان تُباري -------- سباق العين في لمْــسِ الخيالِ
لم يجانب ابو العلاء المعريّ الصواب حين رفع يده للسماء حزينا عاتبا على حالته حرمانه من البصر يوم سمع قربَهُ مواءَ قطّة وقال عبارته التي تتفجّر ألما وحسرة :
" سبحانك ربّي ، انت توهب هذه القطة الشاردة السائبة الضالّة عينين ساحرتين زرقاوين وتحرمهما عليّ ، هل ضاقت بك عدالتك على رحبها وسعتها ان تكرمني ببصَرٍ يكشف لي مسالك ومضائق طريقي لأفسح في مباهجها وأطير في فضائها "
كم من النفائس التي نحلم بها والأماني التي نتطلع اليها في هذه الدنيا البذيئة وأقولها بملء فمي انها لاتساوي ضرقة عصفور امام نظر ثاقب ورؤية حادة فتبيّنوا ياأولي الابصار

جواد غلوم
[email protected]



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العسيرُ والاكثرُ عسراً وما بينهما
- في مطبخ اللحمة الوطنيّة
- أدباؤنا الأسلاف وسخريتهم من اللحى العريضة الكثّة
- مذكرات في خريف باريسيّ
- معزوفةٌ شعرية لغاليتي البعيدة
- قصيدة - جائلٌ في سوق الصفّارين -
- قصيدة بعنوان - كلّنا عقلٌ تهاوى -
- لماذا تصوّبُ السهامُ على اليمَن غير السعيد ؟
- ثاني أوكسيد الداء في ضيافتي
- هدأةٌ مشتعلة
- ألوان الحب كما رسمتْها امرأة للثامن من آذار
- اختناقٌ وموتٌ على صهوة جواد
- والشعراء والمثقفون والصحفيون يتّبعهم السارقون
- هل تعيدُ الصناعة العراقيّة نهوضها ؟؟
- علامَ الخوفُ من الاخلاقِ العلمانيّة
- عواصفٌ وأعاصير
- وثنية المال في النظام الكولونيالي
- إعمار الأرض أم تخريبُها ؟؟
- التسفير القسري للعراقيين والتهجير من أرض الأجداد
- طوافٌ حول تضاريس الشعر


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جواد كاظم غلوم - القراءة وعناؤها