أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين عناية - حكاية الثورة التونسية بعيون إيطالية















المزيد.....

حكاية الثورة التونسية بعيون إيطالية


عزالدين عناية

الحوار المتمدن-العدد: 4897 - 2015 / 8 / 15 - 17:54
المحور: الادب والفن
    


رواية "على قرن وحيد القرن"
حكاية الثورة التونسية بعيون إيطالية
عزالدين عناية
تتوزع أحداث رواية الكاتبة الإيطالية فرانشيسكا بِللينو "على قرن وحيد القرن"، الصادرة عن دار نشر "لازينو دورو" بروما 2015، بين القيروان وروما. حيث تستعيد الكاتبة وقائع الثورة التونسية وأبعادها العميقة عبر نسيج حكائي مثقل بعبق التاريخ وتوهج الحاضر المنبعث من ربوع القيروان. كما يتخلل الرواية غوص في غور الشخصية التونسية لتقصّي الحوافز الحقيقية التي قادت إلى تلك الهبة العاتية التي لفتت أنظار العالم.
تنطلق الرواية بحديث عن حيثيات العلاقة التي ربطت مريم التونسية المهاجرة بماريا الإيطالية، صداقة عميقة تمتنت عراها منذ أن تقاسمتا "الماء والملح" كما تقول الكاتبة، ومنذ أن آواهما سقف واحد في أحياء روما الشعبية، واكتشفت كل منهما عالم الأخرى. فمريم تختزل أحلام كثيرين ممن هاجروا إلى الغرب بحثا عن غد أفضل، واصطدموا بواقع أخرس، تتقاذفهم فيه رياح الحياة يمنة ويسرة. ولكن مريم التي هجرت وكْرها في القيروان، بقيَ حيّا نابضا في داخلها يلازمها كظلها، لذلك تبدو أحيانا في روما ولكن الروح في ربوع القيروان. رحلت مريم من تونس صوب روما يدفعها حبّ جارف، بعد أن بلغت القلوب الحناجر في بلد انسدّت فيه الآفاق بفعل استشراء الفساد الاجتماعي. فتنغمس في أوروبا بحثا عن خلاص لا يأتي، تصطدم بواقع فجّ، رغم توهمها أنها حققت خلاصها عبر الجنس والشغل والتنورة القصيرة، فتقفل راجعة إلى أرض القيروان حيث يتوفاها الأجل. ما كانت لمريم الأدوات الكافية لفهم الغرب سوى ذكائها الفطري، أدركت إدراك اليقين أن السراب الذي تعلقت به حين هاجرت لم تجده شيئا، "كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه"، ذلك هو الغرب الذي ينشد الغافلون الخلاص فيه، قد بات مشغولا بهمومه، ولا يعنيه كثيرا شأن الآخرين.
ومن جانب آخر ثمة عفوية لدى ماريا الإيطالية، الفتاة الدارسة والمتمردة، حين تزمع اللحاق بموكب جنازة صديقتها مريم في ربوع القيروان، بعد أن بلغها خبر وفاتها على إثر عودتها، وهي لا تصدق أنها ماتت. فقد اختارت مريم العودة إلى تونس لتواجه قدرها في بلدها، متحدية وحيد القرن (زوج والدتها الثاني بعد موت والدها) الذي حوّل الأسرة إلى قطيع مسلوب الإرادة. تجد ماريا نفسها، وهي في طريقها إلى القيروان لتقفّي أخبار صديقتها، في معمعان هرج ومرج، في يوم عسير طويل، حيث تباغتها الثورة من حيث لا تحتسب، كما باغتت العالم. ترصد في عيون الناس أحلامَهم المتطلعة إلى غد أفضل، ورعبَهم من وحش الطغيان واستشراء الفساد، المنبعث من غبار وحيد القرن الأكبر (الرئيس الفار) الذي جاس خلال الديار فحولها إلى خراب، لكن آمال الناس وأشواقهم للانعتاق والتحرر أكبر وأرحب.
ماريا الإيطالية وهي تلاحق طيف صديقتها، في ذلك اليوم العسير من أيام الثورة، تكتشف أن تونس كانت ملجأ في سابق عهدها لمهجَّرين وحالمين إيطاليين، استجاروا بها بحثا عن مأمن وغد أفضل، وتكتشف أن غاريبالدي زعيم إيطاليا التاريخي قد احتضنته تونس بعد أن ضاقت به السبل. يتبين لماريا أن تونس المتطلعة إلى معانقة العصر لا تخشى الذوبان في الآخر، ففيها من العمق الروحي ما يجهله كثيرون، تكتشفه في بسطاء الناس وفي توهج أشواقهم. ثمة قوة خفية في الموروث الاجتماعي التونسي غفل عنه كثيرون مع أنه يمثل النواة الصلبة لشخصية عريقة جابهت شتى المحن بصبر وعزم وأناة.
تعيدنا الرواية إلى ذلك البحث الحالم عن النجاة حين يصطدم المرء بالخيبة، حين يتطلع إلى الغرب فتنكشف له سلبيته ولا مبالاته وزيفه. فالغرب قد بات لا يؤمّن الحضن الدافئ والعيش الكريم إلى أهله، فكيف يؤمّنه للغرباء. في الرواية إعلان صارخ عن محنة الغرب، وعن أزمة نظام اجتماعي برمته.
لكن الثورة التي اندلعت في تونس ليست حلما فحسب، بل هي فعلٌ يصنعه الناس، وقدرٌ يسطره المصابرون، لذلك كان نجاح الثورة في تونس بعد أن نزعت ثوب الأوهام سريعا وبادرت بترتيب بيتها، فالتونسي واقعي أو لا يكون. ثمة قوة متدفقة عبر الرواية لدى المرأة التونسية، في حضورها الأبيّ، ولعل تلك الميزة هي صمّام الأمان في نجاح مسار ذلك التحول الفريد، وهو ما افتقدته بلدان عربية أخرى حاولت أن تقلّد تونس فاختلطت عليها الثنايا.
صورة وحيد القرن، البشع، هي صورة النظام البطرياركي الجاثم على صدر تونس وهي تحاول التملّص من براثنه، وهي صورة الطاغية الفار، الذي مرّ عابرا ولم يفهم روح شعب طافحة بالحب والفن والجمال، بعد أن حوّل البيت إلى متحف لصوره البائسة. كما تحاول الكاتبة فرانشيسكا بللينو الحفر في الشخصية التونسية، تلك الشخصية المفعمة بالحلم، يدفعها شوق دفين للعلى، نحو الجميل والأصيل بعقل مشرع على كافة الرياح، شرقا وغربا. وفي الرواية إلحاح على ضرورة التماسك بين ضفتي المتوسط، بين تونس وإيطاليا بوعي وإدراك، وهو أمرٌ ليس بعزيز على شعبين عريقين. فحين تغامر ماريا الرومية لالتحاق بمريم القيروانية، كأنها على عهد معها في السراء والضراء، في الحياة والممات، يدفعها عشق صوفي لترسيخ عرى الحهبة رغم شتى التباينات. وفي رحلة ماريا للوصول إلى القيروان تكتشف توهّج المرأة التونسية المكافحة في منزل دار بلواعر وقريميط وكُنْدار وأولاد عامر والبشاشمة وأولاد العابد، تلك البلدات الرابضة على أطراف مدينة النفضية، فترصد أيام الثورة التونسية وما اختزنته من أحلام لدى البسطاء، وما رافقها من تساؤلات عن المستقبل الخفي وما يخبئه من أسرار. وهي في طريقها إلى القيروان تبدو مهووسة بأخبار مريم، أحيّة أم ميتة؟ مريم التي هي بالحقيقة تونس، المنبعثة في آخر الرواية كالعنقاء، والساعية نحو غد أفضل جميل تنتفي فيه الحدود ويبقى فيه المصير الإنساني الواحد الباحث عن التحقق. لعلها أولى الروايات الغربية التي تُكتب بقلم كاتبة قديرة، وتؤرخ روائيا لحلم كبير راود العرب من قرطاج إلى تدمر، بحثا عن الانعتاق من ربقة الطغاة. فالثورة التونسية هذه اللحظة الفريدة التي نعتت بثورة الياسمين هي ثورة حبّ وسلام، وهل ثمة شيء في الكون أقدس من التآخي بين البشر؟
نبذة عن الكاتبة: فرانشيسكا بللينو روائية وشاعرة إيطالية، تتمحور كتاباتها حول أدب الرحلة، من أعمالها المنشورة "نظرة بعيدة هناك"، "لازال حيّا" و"لن تكون مغامرة". ترجمت أعمالها إلى عدة لغات وحصلت على عدة جوائز.



#عزالدين_عناية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسيحية في المغرب العربي
- تجلّيات مقام الشكر في الأديان الإبراهيمية
- رسالة إلى أخي المسيحي
- البلدان العربية مصابة بمرض فقدان المناعة الاجتماعية لغياب ال ...
- علاقة الدين بالسياسة في الفكر اليهودي
- زيتوني يشرف على ترجمة التلمود إلى العربية
- الدراسات العربية في إيطاليا
- عزالدين عناية في حوار مع الصحفية عبير يونس
- الظّواهر الدّينية المعاصرة من منظور علم الاجتماع
- زمن ما بعد المسيحية
- يوميات دبلوماسي بندقي في إسطنبول
- سفينة النجاة للإسلام السياسي من الانتحار الذاتي هي التمسك بح ...
- الفاتيكانيستا
- الأديان الإبراهيمية: قضايا الراهن
- الرقابة والترجمة
- البابا فرانشيسكو ولاهوت التحرّر: عفا الله عما سلف
- عزالدين عناية في حوار بشأن الحوار الإسلامي المسيحي
- شخصية التونسي الدينية من خلال أمثاله
- المسيحية في بلاد العرب وعلامات الزمن الجديد
- مجلة -أديان- في عدد خاص عن البيئة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين عناية - حكاية الثورة التونسية بعيون إيطالية