أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميليسا رأفت - الإخراج المسرحي الحديث ومراحل التحول















المزيد.....



الإخراج المسرحي الحديث ومراحل التحول


ميليسا رأفت

الحوار المتمدن-العدد: 4897 - 2015 / 8 / 15 - 16:45
المحور: الادب والفن
    




مقدمة
لقد واكبت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تحولات جذرية فى المسرح الغربى فقد طرأ تغير على شكل المسرح , و العمارة المسرحية , و علاقة الفرجة والتلقى , حيث خرج المسرح من العمارة التقليدية إلى الساحات و الشوارع و الميادين و المصانع , كما ظهرت السينوجرافيا بمعناها المعاصر . و يعود التغيير الجذرى فى المسرح فى نهايات القرن التاسع عشر إلى أسباب عديدة , و يعتبر أهمها تحول المجتمع من مجتمع زراعى إلى مجتمع صناعى بعد الثورة الصناعية . و إيقاع المجتمع الصناعى أسرع كثيرا من إيقاع المجتمع الزراعى , فاختلفت تبعا لذلك روح و طبيعة العصر ومتطلباته , كما اختلفت البنية الاجتماعية , مما أدى إلى ظهور صيغ مسرحية جديدة مثل : المسرح الشعبى و المسرح العمالى .
المسرح الشعبى Popular Theatre
" ارتبط ظهورمفهوم المسرح الشعبى و تبلوره فى نهاية القرن التاسع عشر بالوعى الايديولوجى الذى رافق الحركات العمالية غبان الثورة الصناعية ووتشكيل النقابات فى الغرب , و بالرغبة فى استعادة الطابع الاحتفالى الذى كان عليه المسرح فى الماضى . كما ارتبط بالرغبة فى استعادة الاحتفالات الشعبية و الوطنية العفوية . و تبلورت فكرة المسرح الشعبى كرد فعل على المركزية فى الثقافة و المسرح , و على توجة المسرح البرجوازى إلى النخبة . و اقتصار الريبرتوار المسرحى على نوعية معينة من المسرحيات . و قد شكل المسرح الشعبى الصيغة الأولى التى إنبثقت منها اشكال مسرحية أكثر تحديدا فى ألمانيا والاتحاد السوفييتى و الدول الاشتراكية ( سابقا ) منها : المسرح البروليتارى و المسرح العمالى و المسرح السياسى و المسرح التحريضى .
المسرح العمالى L abor Theatre
ظهر توجه المسرح العمالى اعتبارا من النصف الثانى من القرن التاسع عشر بتأثير من الفكر الاشتراكى , و ضمن المنظور الذى يطالب بفتح المسارح لجمهور عريض يضم كافة الفئات , و يركى إلى إيجاد صيغ مسرحية تتلاءم مع متطلبات فئات اجتماعية محددة و منها العمال و الفلاحون . و غالبا ما تبنت المسارح العمالية أسلوب الواقعية الاشتراكية , و اقتربت من طابع المسرح التعليمى و المسرح التحريضى . لكن ذلك لا يعنى ان طبيعة المسرح العمالى تنحصر فى هذا التوجه , فقد ارتبطت بالتجريب و الحركات الطليعية التى خرقت شكل الكتابة و السينوجرافيا و ظروف التلقى القليدية , إذ توجهت للعمال فى أماكن تجمعاتهم فى المعامل خارج العمارة المسرحية , و هذا ما تحقق فى عروض المسرحيات التعليمية التى قدمها بريخت. ومن أوائل المسارح العمالية فى العالم المسرح العمالى الذى أنشئ فى ألمانيا فى منتصف القرن التاسع عشر داخل تنظيمات ثقافية بتأثير أفكار الحزب الاشتراكى الديمقراطى , و اعتبارا من عام 1890 توسع هذا المسرح العمالى وفتح الباب أمام البحث عن صيغ جديدة له من خلال تبنية أشكال شعبية و احتفالية و تحريضية . كما أخذ المسرح العمالى فى الاتحاد السوفيتى أيضا اسم المسرح البروليتارى , و ارتبط بتيار الثقافة البروليتارية و الواقعية و الطبيعية بداية , ثم تبنه الحركات الطليعية و التجريبية , و اعتبر مسرح الجماهير العريضة , لذلك تبنى أشكال الفرجة الشعبية مع المسرحى فيسفولد مايرهولد (1847 - 1940 ) . وقد انتشر النموذج السوفيتى فى أوروبا وكل بلدان العالم . أما فى أمريكا , فقد ظهر فى الثلاثينيات مسرح عمالى ارتبط بالأزمة الاقتصادية . و قد ارتبط تيار الأدب و المسرح بشكل عام فى بدايات القرن العشرين بظرف تاريخى محدد هو صدمة الحرب العالمية الأولى , و ظهور النازية , و ازدياد سيطرة الآلة فى العصر الصناعى مما أدى إلى غربة الإنسان فى مجتمع تداعت فيه العلاقات الاجتماعية التقليدية .
بدايات المسرح الحديث
ومع رفض الواقعية , و ضمن توجه الاستفادة من تطور الفنون التشكيلية و التقنيات فى العملية المسرحية و مع ظهور الاخراج , أعيد النظر فى مفهوم المكان ككل , و مفهوم الديكور , و تم التعامل مع العمارة المسرحية بشكل مغاير , كما ظهر مفهوم السينو جرافيا بمعناه الحديث , و صار التعامل مع المكان يتم من خلال اعتباره عنصرا مركبا و فضاء تستخدم كافة أبعاده بما فى ذلك الصالة , و تغيرت تبعا لذلك النظرة إلى المكان المسرحى ككل , بما فى ذلك العلاقة بين خشبة المسرح و الصالة أو حيز الأداء و حيز التلقى .
" وتتمثل بدايات المسرح الحديث فى إبداع كل من أدولف أبيا , و إدوارد جوردن كريج , اللذين قاما بإرساء قواعد الفن الحديث فى نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين " .


أعلام السينوغرافيا
أدولف آبيا (1862- 1928 ) :
وهو مصمم مناظر سويسرى , دعا ( آبيا ) ان يكون المخرج سيد العمل المسرحي، الذي يمتلك كل خيوط العمل المسرحي بيده. ومبعث هذه الدعوة التي امن بها، هو المسرح الإغريقي الذي كانت الدراما فيه لا تنقسم بين التأليف والإخراج. بل كان المؤلف هو المخرج وهو الممثل أيضاً. فضلاً عن رؤيته في مهمة المخرج التي صارت تكمن في قيامه بدراسة النص دراسة طويلة، واختيار التصاميم المناسبة للمناظر والمعدات المسرحية، والإشراف على تنفيذها بشكل دقيق .
ولما كان عمل المخرج يحمل بين طياته كل هذه المواصفات، اشترط ان يجمع في شخصيته ما بين شخصية الشاعر المرهف الحس، وشخصية الرجل المجرب الحذر من الانزلاق في المطبات المهلكة التي تنحرف بالعمل المسرحي بعيداً عن هدفه المرسوم.
ويرى ( آبيا ) ان على المخرج ان يتناول نصاً مسرحياً حديثاً، إذا أراد أن يخرج عملاً ما، ليتيح له هذا النص فرصة استغلال المنظر المسرحي والاضاءة والموسيقى والحركة وغيرها من عناصر العرض المسرحي الأخرى، لان في اختيار مثل هذه النصوص، تسجيلاً لدرجة الرقي الفني التي بلغها المسرح.
ويرى أن عملية الإخراج هي السعي الدائم لبعث الحياة المسرحية في نص درامي مكتوب. يعمل فيه المخرج على تحديد مساحة زمنية يتم ضمنها إخراج النص بالوسائل البشرية المتوافرة والعناصر المسرحية الآلية والتكنيكية التي يمتلكها. وقد هدف ( آبيا ) من وراء هذه النظرة الحديثة، لعملية الإخراج، إلى خلق أعمال مسرحية نموذجية ومثالية، تجذب المشاهد عن طريق ما تحويه من مادة ساحرة، وجذابة فتحقق بواسطة قوة فنية توحد العمل هي ( المخرج ) الذي يسيطر على جميع عناصر العرض المسرحي.
ويُرجِح ( آبيا ) ( الحركة ) على ( الكلمة ) من حيث الأهمية في ميزان خشبة المسرح، فالحركة عنده بمثابة الحياة، لأنه يرى ان عين المشاهد أكثر حساسية في التأثر من أذنه. فجاءت الحركة عنده لتحتل المكانة الأولى في العرض، وقلل من أهمية الكلمة حين قال" لقد صرنا إلى درجة من التدهور تجعلنا ننظر إلى الكلمة على أنها أهم من الحياة، بل ومن العمل الفني نفسه في بعض الحالات الخاصة. وبناء على وجهة نظره هذه في النص المسرحي ، نجده يحد من مشاركة المؤلف المسرحي في جلسات التدريب، وينهي دور المؤلف حالما ينتهي من كتابة النص، ولا شأن له بعد ذلك بما سيدور على خشبة المسرح، فدور المؤلف يقتصر على كتابة النص، أي على الجانب الأدبي، أما ما سيحدث من عمل على خشبة المسرح من قبل الفنيين، كمصمم المناظر المسرحية والأزياء والإضاءة وغيرهم. فهناك شخص آخر يقوم بهذا الدور، هو ( المخرج ) الفنان الذي يستطيع أن يحدد زمن كل كلمة، وزمن كل مشهد، قياساً إلى الإيقاع المطلوب في الوقت الذي يعجز فيه المؤلف عن عمل ذلك.
أما ( الممثل ) فقد اهتم به ( آبيا ) بوصفه صانع الفعل الدرامي في العرض المسرحي. من اجل ذلك دعا أن تكون عناصر العرض كافة في خدمة الممثل. فتصميم المناظر المسرحية وتصميم الإضاءة لا يهدفان إلا إلى الجمع ما بين تأثيرهما وأداء الممثل في وحدة فنية متكاملة. وهنا يتضح لنا سبب رفضه أن يطغى عنصر المناظر المسرحية او أي عنصر آخر على عمل الممثل، ليبقى المتفرج مشدوداً إلى حركة الممثل. غير منشغل بمشاهدة الديكورات الضخمة أو المناظر الطبيعية الخلابة على خشبة المسرح. لذلك عد ( آبيا ) الممثل العنصر الذي يتم بموجبه ضبط التكوين الفني على خشبة المسرح لخلق الانسجام بين العناصر التشكيلية الموزعة.
أما ( الفضاء المسرحي ) فقد كان من ابرز اهتماماته التنظيرية اذ لاحظ عدم وجود وحدة متكاملة في عناصر العرض المسرحي. وتوصل إلى نتيجة مفادها، ان السبب الرئيس في ذلك يعود إلى التباين بين الممثل ذي الأبعاد الثلاثة، والمناظر المرسومة ذات البعدين. وحيث انه اعتقد بأن الممثل هو الوسيط بين الحي، لان الممثل هو الشيء الحي الوحيد على خشبة المسرح، وان الديكور هو الشئ الميت، لذا فقد هدف إلى إيجاد التناسق في جميع العناصر بعلاقتها مع الممثل. وبما ان الممثل عند ( آبيا ) " كان ثلاثي الأبعاد، لذا فإن الإعداد بأسره ينبغي ان يكون على الدوام ثلاثياً.
إذن فقد وجد ( ابيا ) أن المشكلة الأساس في التصميم المنظري، هي إيجاد علاقة بين الممثل المتحرك، والأرضية الأفقية، والمنظر العمودي، فوحد بينها جميعاً وجعلها عناصر يكمل بعضها البعض. وعمل على تقسيم خشبة المسرح إلى مستويات ومنحدرات ومدرجات، لتساعد الممثل على ابتكار الحركة المناسبة وترفع من قيمتها الفنية، يقول (أوسكار. ج. بروكت): " كانت المشكلة الأساسية عند آبيا هي العلاقة بين الممثل المتحرك، والأرضية الأفقية، والمنظر العمودي. وفي الماضي كانت هذه العناصر الثلاثة تعالج كعناصر ليست ذات علاقة بينها، غير أن ابيا كان يركب تصاميمه وفقاً للفضاء وللكثافة للكتلة، فأستخدم المنصات والمدرجات والمنحدرات لإيجاد العلاقة بين المنظر العمودي والأرضية الأفقية وإعطاء الفرصة للممثل ان يتحرك أفقياً وعمودياً. لذلك يعود الفضل لـ ( آبيا ) في تحديد معالم النظرية الداعية الى امتزاج العناصر المسرحية في وحدة عضوية واحدة.
إن الحركة الجديدة التي جاء بها ( آبيا ) لإصلاح وضع المنظر المسرحي، الذي توقف لمدة طويلة على استخدامه للقواعد القديمة. كان لها الأثر البالغ في إبداع صور وأشكال جديدة دفعت تقنية الفضاء المسرحي إلى أمام. فأستطاع ان يرسم مناظر مسرحية رائعة بواسطة الضوء، كانت تغني خشبة المسرح عن استخدام الديكورات الحقيقية التي كانت عبئاً ثقيلاً على العاملين في المسرح، سواء من ناحية صعوبة تبديلها بين المشاهد، أو احتياجها إلى مخازن واسعة للخزن.
من اجل ذلك " يعد آبيا أول من أبدع ديكوراً ضوئياً أي ديكورات مكونة من الإضاءة مستخدماً أجهزة الإضاءة النقطية أي المركزة على نقطة أو بقعة محددة.
لقد استطاع ( آبيا ) من خلال الديكور الضوئي أن يخلق على المسرح أشكالا زخرفية ومناظر مسرحية ذات أبعاد رمزية وتعبيرية، كانت تسهم إلى حد كبير في خدمة الفعل المسرحي الذي ركز عليه كثيراً. ورفض الواقعية على المسرح كما أرادها الطبيعيون الذين أسرفوا في استخدام كافة الوسائل لتقريب الأشياء كما هي موجودة في الطبيعة. ان شعار ( آبيا ) هو:
"لا تجسد الواقع على المسرح ولكن اوح به فقط. فإذا أراد تصوير غابة مثلاً على خشبة المسرح، صورها كجو خاص ليعيش داخله الممثل، ويستطيع الإحساس به في علاقته مع الأشياء الأخرى المحيطة، أي انه يوحي بوجودها على خشبة المسرح. وبهذه الطريقة استطاع (آبيا) أن يبدل المنظر المسرحي بكل بساطة في كل فصل من فصول أعماله المسرحية.
ومن خلال دراساته وأبحاثه, وجد ان أثقال خشبه المسرح بالديكورات الضخمة أمر مرفوض, لأنه لا يخدم حركه الممثل التي هي روح الفعل المسرح وبالتالي فأن كيان الممثل سيضيع في إطار هذه الضخمة, ويتحول هدف المسرحية إلى استعراض للديكور لا لتقديم الحدث المسرحي, وسيفقد العمل معناه وهدفه.
إن دور المناظر المسرحية أو الديكور المسرحي هو مساعدة الممثل في تقديم المعني الموحي بحركته بحيث تصبح الحركة هي كل شيء في العمل المسرحي لذلك يري (ابيا) أن "المسرح الجمالي, أو المسرح المسرف في استخدامات الديكور والتابلوهات هو مسرح يقوم علي أثاث خاطئ في الفن".
أما الإضاءة فتعد من العناصر الرئيسة التي اهتم بدراستها وتنظيرها وعدها من العناصر التشكيلية المهمة علي خشبة المسرح. وإذا ما عدنا الى الوراء لسنوات قليلة –أي قبل ظهور ابيا – نجد أن الإضاءة كان يقصد بها إنارة المسرح بالضوء العام (الفيضي) حسب .وعند ظهور(ابيا) واهتمامه بهذا الجانب ,نرى أن الإعداد المسرحي اتسم بالتوهج المتوازن, فلكل شيء علي خشبة المسرح أهميته المحددة فيركز على الأشياء المهمة بإضاءة مركزه ,ويهمل غير المهم بظلال كثيفة, وهذا يساعد على إضفاء جمالية خاصة علي التكوينات الحركية أو (الميزانسين) يقول (جميس لافر) "لقد اهتم آبيا بالإضاءة خاصة لتغييره (الميزانسين) وبإحساسه بأهمية المنصة المنحوتة".
وللإضاءة المسرحية عند (ابيا) تأثير في العرض المسرحي لا يقل عن تأثير الكلمة المنطوقة بل يقف بموازاته في بعض الأحيان او يتغلب عليه في أحيان أخري, حينما يستأثر الإضاءة باهتمام المشاهدين أكثر مما تستأثره الكلمة.
وتعتمد هذه الأهمية بالدرجة الأساس علي التباين بين الضوء والظل الذي تخلقه الإضاءة وما تخفيه من سحر مميز علي خشبة المسرح. فبواسطة الظلال تعظم الأشكال, وتترجم العواطف, وتحدد الملامح.
أن الضوء بدرجاته المتفاوتة وبتدرجاته اللونية, ويمكن التعامل معه بشكل فني وخلاق, فتقليل شدة الضوء من جانب معين من خشبة المسرح, وتقوية الجانب الآخر, يعطي للشكل المسرحي من وجهة النظر البصرية شخصية جديدة.
عكس الضوء المنتشر الذي يحدث رؤية شاحبة ولا يخلق التركيز, إلا انه عندما يسلط علي الأشياء الموجودة على المسرح فأنه يلقي ظلالاً متباينة. ومن هذه الظلال تظهر لنا الأشياء ,وكأنها منحوتة علي المسرح.
واستطاع ( آبيا ) ان يجعل من الإضاءة عاملاً مهماً في إثارة العواطف ولا أحاسيس بما تخلقه من مؤثرات نفسية في جمهور المتفرجين, فالألوان المختلفة, والظلال المتدرجة تزيد من القيمة الجمالية والعاطفية لدى المشاهدين "إنها تستطيع إثارتنا عاطفياً ,بقدرتها على التشديد على الأشكال وتبريزها, لإعطائها قوة جديدة ومعني جديداً" تماماً كما تفعل الموسيقى في النفس البشرية وإبراز أعمق المعاني العاطفية لها, فأن الضوء يستطيع بقدرته اللامحدودة على الإيحاء والانسيابية في رسم المشهد المطلوب وتوصيله إلى المشاهد.
كان ( آبيا ) يقدم انطباعاً عن الماء من خلال الإحساس العميق بالحفاظ على ظلام المسرح, ويقدم قمة الجبل تبدو منفصلة بوضوح عن أصقاع الأرض المنبسطة ويصور لنا أيضاً السنة اللهب. ولهذا نرى أن (أبيا) قد أبدع في استثمار هذا الجانب من الإضاءة, ولذلك "كان الضوء بالقياس إلى أبيا رسام المشاهد الأسمى" .
ولم يكتف بأن يبقى الضوء رساماً للمشهد فقط, بل راح يبحث عن وظيفة أخرى للضوء, فوجد أن الإعداد المسرحي ليس مجرد بناء مجموعة من الألواح وبزوايا قائمة, إنما هو مجموعة منتظمة ومركبة وبمستويات مختلفة في الفضاء المسرحي, وان الضوء لم يعد دوره يقتصر علي تجسيد شيء معين وثابت على سطح اللوحة الممتدة أو خلق واقع مصطنع, بل دخل في تركيب كل عناصر العرض المتواجدة علي خشبة المسرح, وربطها مع بعضها بوحدة واحدة. وهكذا نرى أنه "لم يعد الضوء بالقياس إلى أبيا رساماً للمشهد فقط بل باني المشهد أيضاً".
واستطاع أيضا أن يجعل انتقاله الممثل من الضوء الساطع الى الضوء الخافت بخطوتين او ثلاث ,تعوض عن انسحابه لخمس عشر خطوة ,فيكون تأثيره النفسي والحسي علي المشاهد اكبر أيضا. كذلك استطاع ان يتلاعب بمساحة خشبة المسرح بواسطة الضوء, فبتسليط الضوء الفيضي علي المسرح تتسع مساحته في نظر المشاهد,وبتحديد الضوء في بقعة معينة, تصغر مساحة هذا المسرح.
واثبت ( آبيا ) أن بإمكان الإضاءة تحديد ملامح الشخصيات, والمواقف المسرحية التي توجد فيها الشخصيات فباستخدامات معينة يمكنها أن تترجم أفكار المؤلف الدرامي الذي يعجز عن إيصالها بواسطة الكتابة.
ولأحد لاستخدامات الإضاءة عند ( آبيا ) , فهي كألوان الرسم, يستطيع بها الفنان أن يصور ما يشاء من مواضيع معقدة أو مبسطة أو حركة أو سكون أو أجواء نفسية مختلفة. لذلك يرى المؤلف أن الإضاءة أصبحت من المصادر الأساس في تطوير فن المسرح من اجل إعطاء الأهمية المطلوبة لكل من الممثل والفضاء المسرحي.
- أما بالنسبة للمناظر المسرحية المدهونة فأصبح رأى آبيا فيها أهم أجزاء كتابة وهو يرى طبيعة العمل فى هذة المناظر تحليلة التالى :
يجرى الرسم على المسرح , كما يجرى الرسم فى الحياة الواقعية تماماً . بمعنى أن سيطرة الضوء الحقيقية هى التى تقع على المنظر المرسوم المدهون , لتبث و تبعث فية الحياة على الحياة على المسرح . و رسم المناظر عادة ما يخضع للحظة فنية تتقابل فيها المناظر و تتحاور الحديث مع الدراما . لكن هذا الرسم يظهر و كأنةله كيان خاص باللون و بالدهان قد يتأثر عند التصميم ببعض التنازلات التى تقدمها المناظر المرسومة المدهونة لصالح الدراما وصالحها .
و من المقرر أن يوضع عند تصميم المناظر المرسومة إمكانية رؤية العين لها . حتى فى حالة عدم استعمال إضاءة حادة نشطة تسقط عليها لتلميسها بالضوء . كما أنة من المهم بمكان اختيار تقنية الأضاءة من وجهة نظر اللون وحدة , حتى يمكن تحديد مهمة الإخراج و رؤيتها و متطلباتها لإبراز الأسلوب بين الضوء و المنظر المرسوم المدهون , خاصة إذا ما دخل ضوء ملون ( من جلاتينية تقع فاصلا بين مصدر الضوء و مكان سقوطة ) ليعكس علاقة معينة فى موقف معين .
إن الرسومات على القماش المشدود , أو على المناظر , أحيانا ما يكون لها مهمة معينة أو محدة .و بخاصة فى الدرامات و الديكورات المعاصرة الحديثة . و هو يجب الاعتناء به , و ملاحظة إضاءته إضاءة جيد , حتى لا تطغى الإضاءة على الرسومات , أو تهمل تكويناتها التى رسمت من أجل هدف معين فى الدراما . إن إضاءة المناظر المرسومة هو أصعب أنواع الأضاءة على الرسومات , أو تهمل تكويناتها التى رسمت من أجل هدف معين فى الدراما . إن إضاءة المناظر المرسومة هو أصعب أنواع الأضاءة . لأن فى تقصير الإضاءة لهذة الرسومات وإضاءتها و تقصير وقتة لمهمة الرسومات نفسها .كما هو بتر و تخفيض لتأثير الأزياء المسرحية و وظائفها , و بخاصة فى المسرحيات التاريخية . هذة الأزياء التى تعمل فى نفس الزمن و المكان المسرحيين على ميلاد وحدة فنية واحدة مع الرسومات , ولا تنفصل عنها أبداً .
لذلك , و رغم كل الصعوبات , يستحسن آبيا أن تتم الصورة على الوجة التالى :-
1. تناسق فنى موسيقى فى اللون , مع الشخصية المسرحية من ناحية و الموسيقية الشعرية و ظلالها من ناحية أخرى ,
2. البعد عن التضاد فى الألوان على خشبة المسرح , و عدم تجاهل ألوان الشخصيات المسرحية .
طبيعى أن التكوين الفنى و تصميم الأزياء المسرحية يختلف فى نوع الأوبرا أو الدراما الموسيقية عنة فى الدراما المسرحية . ففى العروض الأوبرالية و الموسيقية حيث الأناقة و الفخامة تبرز ( موضة ) الزى و نوع التفصيل , بما قد يضعف من الأثر الدرامى للأزياء المسرحية . كما أن الأزياء فى الدرامات المسرحية تكون قريبة التناسب مع المنظر المسرحى , و مع الأضاءة , و مع الشخصية المسرحية فى الأساس , دون اللجوء إلى الزخرفة أو الأسلبة أو التزيين , كما فى فن الأوبرا مثلاً .
قسطنطين ستانسلافسكى ( 1863 – 1938 ) :-
ومن المتأثرين بمنهج (الدوق ساكس مايننغن) المخرج (قسطنطين ستانسلافسكي) الذي قامت منهجيته في المسرح على ركيزتين أساسين هما: (النص المسرحي) الذي له رسالة أو وظيفة اجتماعية. و(الممثل) المسؤول عن نقل هذه الرسالة أو الوظيفة إلى الجمهور. فركز كل جهوده واهتماماته في عمله مخرجاً على خدمة (النص المسرحي). إذ يرى أن مهمة المخرج الأولى، نقل فكرة المسرحية وهدفها إلى الجمهور.
أما الركيزة الثانية (الممثل)، فأكدت تعاليم (ستانسلافسكي) في الإخراج على احترام عمل الممثل بوصفه الشخصية الأولى التي تبدأ بوضع بذرة العمل ومراقبة تطورها ونموها. لذا كان (الممثل) عنده سيد المسرح ويعمل على ان يفني نفسه فيه ومن خلاله، لأنه أداة التعبير التي يخاطب بواسطتها الجمهور.
أما تعامل (ستانسلافسكي) مع المنظر المسرحي، فيمكن تقسيمه الى مرحلتين زمنيتين:
أولاً: مرحلة سبقت عام (1906): في هذه المرحلة، كان ينتهج الطبيعة بشكل متشدد، ويعتمد على المغالاة في عمل المنظر المسرحي، والفخامة في عمل الملابس والإكسسوارات. حتى انه قام برفقة زوجته ومصمم المناظر المسرحية ( سيموف )* واحد خياطي الملابس، وعدد كبير من الممثلين، برحلة الى مدينة ( روستوف يارد-سلافسكي ) للبحث عن الملابس والإكسسوارات التي يحتاجونها لأحد عروضهم المسرحية. والتقوا بـ ( شلياكوف ) الذي أعاد أعمار ( قصر الكرملين ) فرحب به في هذا القصر وعاشوا فيه عدة ايام، فرسموا وصوروا ما في هذا المتحف من كنوز. واشتروا في طريق عودتهم عدداً اخر من العباءات والمعاطف والاحذية.
ثانياً: مرحلة تلت عام (1906)، وفيها انتهج ( ستانسلافسكي ) الواقعية النفسية بشكل مدروس دراسة علمية. وكان ابرز مصممي المناظر المسرحية الذين استعان بهم في هذه المرحلة هو ( ايكوروفV.E.EGOROV ) .
ويمكن استخلاص النقاط الاتية من خلال تجاربه الشخصية مع المناظر المسرحية:
1. بما ان (ستانسلافسكي) من المهتمين بالواقعية والطبيعة، فقد اكد ان المسرح هو شريحة من الحياة، وان كل مكونات العرض المسرحي يجب ان توحي بأيهام ان ما هو معروض هو واقعي. فظهر لنا:
أ. التجسيد: أي ان بناء المنظر المسرحي بدأ يأخذ شكلاً معمارياً مقارباً للواقع.
ب.الملحقات الي تدخل ضمن المنظر المسرحي، تأخذ الشكل الواقعي، او تستعمل نفسها دون أي تغيير او تحوير، وتوضع على المسرح في أماكنها المخصصة.
ج. بدأت الشبابيك والأبواب الواقعية تظهر، وبدأ سقف المسرح يوحي للمشاهد بأنه مغلق.
د. اهتم (ستانسلافسكي) بتحقيق الأجواء الخارجية، من خلال الصوت والإضاءة والمنظر المسرحي. وكان يهتم بما وراء الشبابيك، فكان يضع الأشجار والأنهار ليحقق الإيهام المطلوب.
هـ. كان هدف ( ستانسلافسكى ) من خلال الدقة في المنظر المسرحي تسليط الضوء على الظواهر الطبيعية والاجتماعية، وتأكيدها وإبرازها بشكل دقيق، وتعريفها للمشاهد.
و. كان يريد ان يظهر للمشاهد، أن هذه هي حياته أمامه على المسرح، أي انه يريد أن يضع المشاهد على المسرح، معتمداً على الممثل الجيد، والمنظر المسرحي الواقعي الجيد.
2. اعتمد ( ستانسلافسكي ) على المنظر المسرحي في تحديد حركة الممثل.
3. من خلال أعمال ( ستانسلافسكي ) المتعددة تتضح اهمية المنظر المسرحي عنده، من خلال تقسيم المسرح الى مناطق متعددة تمثلت بالبيوت الضخمة والحدائق الواسعة، والأسوار العالية، والتي كان يقدم من خلالها مضامين مختلفة لمسرحياته.
4. في مشاهد المجاميع، حاول ( ستانسلافسكي ) أن تكون لكل فرد مشارك ضمن المجموعة شخصيته المختلفة في الحركة، والتصرف، والشكل العام والملبس، والنبرة الصوتية، على العكس من مخرجين آخرين كانوا يظهرون أفراد مجاميعهم، وكأنهم شخص واحد على المسرح. وهذا له اثر كبير على طبيعة المنظر المسرحي المصمم لكل من هذين النوعين.
5. كان المخرجون قبل ستانسلافسكي يهتمون بالشكل الخارجي للمنظر المسرحي. أما (ستانسلافسكى) فقد اهتم بالهدف العام للمسرحية (الفكرة الأساسية)، ومضمونها الإجمالي، وكان خطه الأساس يصب في خدمة الهدف وإبراز المضمون، وتوضيحه للجمهور، لذلك فان هذا الهدف، هو الذي يحدد شكل المنظر المسرحي.
6. كان ستانسلافسكي يرى ان المناظر المسرحية لابد ان توجه في خدمة الفكرة الأساسية للمسرحية، لتوضيحها وإيصالها للجهور. لذلك فأن من واجب مصمم المناظر المسرحية ان يساعد الجمهور على فهم كل ما يرد من ألوان وتخطيطات ضمن المنظر المسرحي، وبما يخدم الفكرة الأساسية.
7. عند ستانسلافسكي صارت الستارة تعلن عن بدء العرض المسرحي. فالستارة في حقيقة الأمر ما زالت موجودة لكنها رفعت لتسمح بالرؤية، أي ان الممثل لم يعد يمثل للجمهور، إنما يمثل الشخصية، والستارة بمثابة الجدار الرابع.
8. ( ستانسلافسكي ) من المخرجين الذين أسهموا في عملية البناء الدرامي لذلك ركز على الشخصية، تاريخ الشخصية، تقديم الشخصية، كشف انفعالاتها وعواطفها، علاقتها بالشخصيات الأخرى. فكل ما هو موجود على المسرح، مأخوذ من الواقع، بيت كامل، أثاث غرفة كامل، مكتب كامل، وحتى أدق التفاصيل في التفاعل مع البيئة التي تعيشها الشخصية.
9. اهتم ستانسلافسكى بتفسير النص باساطة الممثل، أي أن الممثل يستطيع أن يعكس حياة الشخصية إلى جانب تفسير النص بوساطة المنظر المسرحي والإضاءة أو الملابس، لذلك فأن دور المنظر المسرحي سيكون مكملاً للعرض المسرحي.
10. ان سعي ( ستانسلافسكي ) لتحقيق الإيهام على المسرح، جعله يعتمد على المنظر المسرحي الواقعي كما هو في الحياة العامة.
11. أصبح للمنظر المسرحي عند ( ستانسلافسكي ) دور خاص، حيث ان الممثل بدأ الإفادة من وظائف المنظر المسرحي على المسرح، اذ انه لا يتحرك من مكان الى آخر إلا لقصد، او لسبب او مسوغ معين، وإلا فأن حركته تبقى من دون تفسير، وهذا يغاير ما سبق، حيث كان هم الممثل الأول إبراز شخصيته كممثل بطل امام الجمهور، ولا يهمه المنظر المسرحي ولا طبيعته. فعند ( ستانسلافسكي ) أصبحت حركة الممثل مع وجود المنظر المسرحي تعطي دلالات اجتماعية أو تاريخية. لذلك بدأ الاهتمام بدافع الحركة عند الممثل وسببها وفعلها. وهذا يؤثر تأثيراً واضحاً في عملية تصميم المنظر المسرحي.
على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزه المخرجين ( مايننغن ) و ( انطوان ) و (ستانسلافسكي) الذين مثلوا الواقعية والطبيعة، في التجديد الذي أضافوه للمسرح العالمي، والذي تمثل في تطوير المناظر المسرحية التي كانت في الفترات التي سبقتهم متمثلة بالمنظر المرسوم المعتمد على نظرية المنظور، والتي استبدلت بالمناظر المسرحية المجسمة الحقيقية، التي تعامل معها الممثل تعاملاً حياً ومباشراً. والإضاءة المسرحية التي أصبحت قادرة على تصوير الظواهر الطبيعية، والتأثيرات النفسية للفرد والمجتمع، واعتماد الدقة التاريخية في اختيار الملابس والإكسسوار، وظهور شخصية المخرج، قائد العمل المسرحي الذي عمل على وحدة الصور المسرحية، ووحدة الأسلوب في العرض المسرحي، فقد ظهرت اتجاهات إخراجية حديثة دعت إلى الثورة على الواقعية والطبيعية. تمثلت بما يسمى، بـ ( مسرح الفن ) ، أو ( الفن للفن ) ، المسرح اتخذ التجارب الغريبة، وشعر الدراما مادة له. مكرساً حركته هذه لأجل الجمال.
- ومن ابرز مخرجي هذه الاتجاهات الإخراجية الحديثة : ( أبيا ) ، ( كريج ) ، ( راينهاردت ) ، ( مايرهولد ) ، ( ارتو ) ، وآخرون. الذين سلكوا طريق الرمزية والتعبيرية وغيرها. وساهموا في تطوير حركة الإخراج والمناظر المسرحية ودفعهما إلى الأمام.
إن مساهمة كل منهم في خلق طرائق جديدة ومبدعة، ساعدت المخرجين الآخرين في شتى أنحاء المعمورة في الاستفادة من إبداعاتهم الفنية المختلفة .
ادورد جوردن كريج ( 1872 – 1966 ) :-
مخرج و مصمم مسرحى انجليزى . يري ( كريج ) أن المخرج هو سيد العمل المسرحي, ويستحق الدور الرئيس في قيادة العملية الفنية. فلقد أراد من المخرج ان يكون ساحراً أو كيميائياً للمسرح. يستطيع وفي معمله السحري التجريبي أن يتوصل إلى المزيد من الاكتشافات والإبداعات التي تغني المسرح بالفن الأصيل. وتميز دوره بالكشف عن الجديد. من اجل ذلك سخر من المسرح التقليدي, وداعا إلى كسر شوكة الواقعية والطبيعية, وإقامة مسرح جديد يعتمد التحليق في المساحات الفضائية وإطلاق العنان لأساليب التشكيل في المسرح بأبعدها الفنية المختلفة, فقال "كي ننقذ المسرح , لابد أن ندمره, وان نقيم مسرح المستقبل.. ونحن نحاول هذا إنما نحاول إقامة فن يتجاوز مكانة كل الفنون الأخرى .. فن يقول اقل مما تقول الفنون الأخرى لكنه يعرض أكثر مما تعرض أيضاً. لهذا كان المسرح الذي رغب في تحقيقه يكلف الكثير من الجهد والمال, فالممثلون المهرة, والآلات الضخمة, وأجهزة الإضاءة المعقدة هو ما يحتاجه المخرج لتحقيق رؤيته الفنية .
وأكد ( كريج ) أهمية دور المخرج وحضوره الفني, بوصفه شخصية مستقلة واسعة المعرفة, ملمة بالكتابة المسرحية, والتأليف الموسيقي, وبفن والممثلات, حيث أنهم – من وجهة نظره- الوحيدون الذين يستطيعون الوصول إلى حد التطابق والانسجام مع أفكار المخرج فيما إذا التزموا بتوجيهاته .
وبعد أن عجز ( كريج ) من تحقيق حلمه في خلق نماذج خاصة من الممثلين كما أراد لهم أن يكونوا, وبعد أن أحس بعجرفتهم, وعدم التزامهم بالنصائح المواجهة إليهم, لعنهم ورغب التخلص منهم, لأنهم لا يمثلون الدور, إنما يمثلون أنفسهم, ومن ثم استبدالهم بالممثل الدمية (السوبرماريونيت SuperMARIONETTE) التي تمثلك فضيليتين: الأولى أنها طيعة, والثانية أنها صامتة لا تجادل .
أما ( الفضاء المسرحي ) فقد أولاه ( كريج ) اهتماماً كبيراً, فراح يركز على فخامة المنظر المسرحي وضخامته. وينفذ تصاميمه على أساس أن هذا المنظر هو المفسر لمضمون النص الذي تناوله كمادة للعرض. لذلك عده من العناصر الفاعلة والمهمة. يقول ( كريج ) "اعلموا أن الانطباع الشامل العظيم الذي يولده كل من الديكور وحركة المجموعات هو أكثر الوسائل فاعلية. ولا أقول لكم هذا إلا بعد بحوث عديدة وتجربة طويلة." وأكد ضرورة أن يكون (الديكور) منسجماً مع أفكار المؤلف لخلق تكوين مسرحي جيد, مما حدا به الى الاهتمام بالفنون التشكيلية .
أن اهتمام ( كريج ) بفن الرسم وبفن العمارة. كان يدعوه لان يؤكد ضرورة تواجدهما بتشكيل زمني خاص داخل العرض المسرحي من خلال المنظر المسرحي .لذا كان يقوم –بنفسه - بتصميم مناظره المسرحية, تاركاً لخياله العنان في تحقيق ما يصبوا إليه من أفكار ضمن هذا التصميم. متجاهلاً ان يكون النص هو المصدر الوحيد لوضع تصاميمه, يقول " إنني لا أرضى لمناظري أن تكون الرواية هي مصدرها الوحيد, بل ينبغي ان يكون هذا المصدر هو مناحي الفكر الشاسعة التي تثيرها الرواية في خيالي, أو الروايات التي نفثها في الشاعر نفسه من قبل " .
ولم يلتزم ( كريج ) بملاحظات المؤلف المسرحي ولا بتعليماته حين يحدد ضمن كتابته النص, نوع المناظر المسرحية أو شكلها أو طبيعتها او حدودها فكان يصمم في خياله وعلي وفق فهمه للنص ما يراه مناسبا له ولأفكاره. لذا كان ينصح المخرجين الآخرين, أن يكونوا هم المصممين, وألا يسمحوا الأحد من مصممي المناظر والرسامين أن يضعوا تصاميم أعمالهم، كما فعل هو نفسه، فيعملوا على تحديد الخطوط والألوان والكتل والأشكال. كان ( كريج ) يصر علي ان المسرحيات العظيمة، يجب أن يصمم لها المنظر المسرحي العظيم الخلاق, لهذا كان يصمم منظراً مسرحياً ضخماً واحد يبقي طيلة العرض, ولا تستبدل فيه إلا أشياء بسيطة, بحيث يعبر هذا التصميم عن روح العمل ككل ويعكس التغيرات عبر مرونته. وقد ابتكر طريقة جديدة في تصميم المناظر المسرحية التي دعاها بالشاشات أو ( السكرين ) . وهي عبارة عن جدران متحركة يمكن ربطها ببعضها لتكوين صورة المنظر المطلوب. وانا اتفق مع رأي الناقد ( لى- سيمونسن ) في أن تصميمات ( كريج ) كانت غير عملية, نظراً لتجاهله الكامل لمبدأ النسبية.
فالتصميمات المنظرية محكومة بالعلاقة بين الحجم الثابت للجسم الإنساني وارتفاع المنظر. فرسم ( كريج ) لأشخاص يبلغ ارتفاعهم ستة أقدام يبدو مقنعاً نظراً للعلاقة بينه وبين ارتفاع فتحة المسرح. أما إذا هبطت هذه الفتحة إلى عشرين قدماً فقط وهو ارتفاع معظم المسارح الآن بحيث يبقي ارتفاع قامة الممثل ستة أقدام فأنه ستكون النتيجة غير مقنعه ابدا .
ومثال على تصميم المنظر المسرحي عند ( كريج ) , نتناول المنظر الذي صممه لمسرحية ( هملت ) لـ ( شكسبير ). فقد امتاز هذا المنظر بالستائر العالمية المشدودة علي بكرات لتسهيل حركتها وتبديلها في أثناء العرض, بيد ان هذه الفكرة لم تنجح من الناحية العملية, فاستبدلت بالستائر المغلقة, واستعمل ( كريج ) اللون ليرمز وبدلالات تعين المشاهد على معرفة ما يدور, فمشهد القصر الملكي كان يكسوه بالستائر الذهبية, ليرمز بها الى الترف والإفراط في البذخ حيث فساد السلطة في ذلك القصر .
وحين يظهر هملت بمفرده لأداء الأدوار الانفرادية, كان يستبدل لون الستارة إلى اللون الرمادي ويرمز به إلى الحزن الدفين الذي يلف روح هملت حزناً على أبيه. كذلك البس الشخصيات الرئيسية الملابس المذهبة لإظهار زيف الترف الذي كان يحيطها. وإستعان أيضاً بالستائر لتحقيق المنظر المطلوب معتمداً الخطوط العمودية الحادة التي تصنعا الستائر لخلق عالم غريب يختلف عن الواقع .
أما ( الازياء ) فقد اهتم بها, بوصفها مكملة للشكل الذي كان ينشده مؤكداً أن المخرجين الآخرين عليهم أن يصمموا بأنفسهم أزياء عروضهم المسرحية. لان المخرج من وجهة نظره, هو المسؤول عن إنهاء عملية تصميم الملابس .
ولتسهيل هذه العملية علي المخرج,طلب منه ان يقوم في وقت مبكر من حياته الفنية بتفصيل الملابس للممثلين وخياطتها, ليستطيع وبكل دقة ان يتفاهم مع الفنيين وإبداء الملاحظات والتوجيهات لهم, كل حسب اختصاصه .
ويري ( كريج ) أن أصعب أنواع الأزياء, هي الأزياء الملونة التي تحتاج إلى الدقة والتأني في تصميمها . واهتم أيضاً بالأقنعة, فأستخدمها في عدد من عروضه المسرحية. واهتمامه هذا يعود الى قناعته في ان للقناع تأثيراً أكثر وتعبيراً أدق من الوجه الإنساني, أن تمسك (كريج) بالأقنعة ناتج عن تأثره بالمسرح الإغريقي والمسرح الروماني القديمين اللذين كانت تسودهما استخدامات الأقنعة .
أما ( الإضاءة ) فهي عند ( كريج ) احدي العناصر المهمة والضرورية والمكملة للعمل المسرحي, لذلك سعي إلى إيجاد طرق جديدة في استخداماتها وتطويرها بابتكار أساليب فنية تساهم في تفسير أعماله الفنية, وتوحي بالأجواء المطلوبة, دون اللجوء إلى الواقعية أو الطبيعية.
ومما لا يقبل الشك انه استفاد من التقنية الجديدة التي توصل إليها (أبيا) في فن الإضاءة. فاستغني في بعض عروضه عن الديكورات, مستعيضا عنها بالإضاءة المركزة التي كان سحرها يفعل فعلة في عين المشاهد .
ونظراً لما أحس به من أهمية الإضاءة, ودورها الذي لا يمكن الاستغناء عنه في المسرح, فقد أكد أن علي المخرجين ان يقوموا بابتكار طرق جديدة أيضاً لإضاءة مشاهد أعمالهم المسرحية, وبشكل ينسجم مع العناصر المسرحية الأخرى. كما دعا إلى إزالة الأضواء الأرضية للحافة الأمامية للمسرح, لأنه لا مبرر لبقائها بعد التطورات الجديدة التي حدثت في فن الإضاءة , يقول "... ما علينا إلا أن نزيل الأضواء الأرضية من جميع المسارح, وبأقصى ما يمكن من السرعة " .
ويرى المؤلف أن هذه الدعوة لإزالة الأضواء الأرضية, كان سببها إحساسه بالتطور السريع في فن الإضاءة بعد انتشار الكهرباء, بدلاً عن الإضاءة بالطرق .
القديمة, وليس لسبب آخر, وهذا ما سنراه عند المخرجين الآخرين مثل ( ماكس راينهارت) أو ( مايرهولد ) أو غيرهم.
ماكس راينهارات ( 1873 – 1943 ) و الواقعية التخيلية :-
هو مخرج مسرحى نمساوى , لم يترك شكلاً مسرحياً إلا و قد أخذ منة ما يفيدة فى تكوين أسلوبة الخاص , و ذلك يرجع إلى أنة كان يعتقد أن لكل عمل مسرحى أسلوبة الخاص ولذلك تميزت عروضة بعدم التكرار و الأبهار فلقد كانت السمة الأساسية هى ضخامة عروضة واللجوء إلى الأعداد الكبيرة للمؤديين لتكوين إستعراضات إمتازت بروعة خيالها وشدة تأثيرها . ولكنة تمرد على الواقعية المطلقة ليبتكر أسلوب جديد أطلق علية الواقعية التخيلية , حيث استخدم تقنية المنصة الدوارة فى عمل المناظر الأخرى فجاءت محاكية للحقيقة وبذلك مزج الواقع مع الخيال , و فى عام 1919 أنشئ مسرح جروس شاو إسبيل هاوس الذى كان يتسع لخمسة ألاف متفرج , و قد أبعد راينهارت هذا المسرح عن الواقعية ليجعلة على بناء المسرح الدائرى المزود بمعدات آلية و ميكانيكية لم تستعمل من قبل فى عالم المسرح التقليدى .
ان نظرة ( راينهارات ) الفلسفية الى المسرح تمثلت في انه مجتمع للمشاركة العاطفية والوجدانية, يجمع فيه الممثل والمتفرج. وصب اهتمامه بأن تكون المسرحية التي يقدمها سهلة الفهم, وخالية من التعقيد, مهما كان شكلها أو طرازها أو المدة الزمنية التي كتبت فيها. ولذلك نجد الجمهور الألماني, والجمهور النمساوي, يتلهفان وبشوق لمشاهدة عروضه المسرحية أينما قدمت. وحينما يعلن عن موعد تقديم احدي نتاجاته, يقف جمهور برلين وبشغف أمام باب المسرح, منتظراً كل مستحدث من أعماله المبدعة. هذا الجمهور الذي تدرب على ان المسرح غذاء ذهني وعقلي. كانت فلسفته الكونية تتمثل في ان قدرة الإنسان الخلاقة مستمدة من قدرة الله, وان المسرح له القدرة علي صنع الإنسان والمجتمع من جديد, لاسيما أن وظيفة المسرح-عنده- هي الكشف عن الحقيقة ,حقيقة الروح الجوهرية للإنسان, وان حب الإنسان للمسرح شيء غريزي سواء كان ممثلا او متفرجاً.
إن احدي سمات العمل عند ( راينهارات ) بوصفه مخرجا هي اعتماده نسخة الإخراج ( الأسكربت ). وفيه يسجل كل الملاحظات التي ينطق ويتلفظ بها في كل جلسة من جلسات التدريب, حتي يصل (السكربت) في محتواه على ملاحظات تصل الى خمسة او ستة إضعاف النص الدرامي نفسه. صحيح ان (الدوق ساكس مايننغن) قد اعتمد (نسخة الإخراج) أيضاً, إلا أنها كانت لا تتعدى تسجيل حركات الدخول والخروج, من والى خشبة المسرح, وبعض الملاحظات البسيطة عن المناظر المسرحية والأزياء. بيد أننا نجد نسخة الإخراج عند (راينهارت) تأخذ وجهات نظر جديدة ومتطورة , " إنها تسجل الأهميات الفنية, وفي كل مشهد .تسجل الصمتات التي تخترق بعض ادوار الممثلين. تدون المعاني الحسية والموسيقية لكل مشهد ,توضح حالة الإضاءة المسرحية وألوانها وقوتها وضعفها .تسجل الانتقالات بكل ما فيها من عمل تقني وحركي وأداء تمثيلي من مشهد إلي آخر يتلوه . تدون المؤثرات الصوتية من ضوضاء إلي أصوات طبيعية وغير طبيعية وموسيقية ,بما فيه من رعد وبرق وأمطار ورياح . لذا كانت نسخة الإخراج (السكربت), قاموساً لغوياً مسرحياً يجمع كل صغير وكبيرة في العرض المسرحي, ولا يجوز لأحد أن يعمل علي تغييره .
واستطاع ( راينهارات ) ان يستثمر كل وسائل العرض المسرحي المتوافرة في عصره للوصول إلى أقصي درجات التأثير الفني, من خلال انتقائه للأسلوب المناسب لكل عرض مسرحي, وصهر كافة العناصر المسرحية للخروج منها بطريقة جديدة أو بشكل جديد يبهر الجمهور, ومن خلال مسيرته الفنية الطويلة في العمل المسرحي سواء داخل ألمانيا أو خارجها, يمكن عدة من المخرجين الذين الاتجاهات الإخراجية الحديثة وعلاقتها بالمنظر المسرحي لا يتمسكون بمذهب واحد أو بأسلوب ثابت. فهو يري أن لكل مسرحية أسلوبها الخاص في الإخراج .
أما ( النص المسرحي ) فقد تعامل معه علي أساس ما يوحي إليه هذا النص من أفكار جديدة , يترجمها إلي أشكال وصور وحركات علي خشبة المسرح . وعمل علي الحد من طغيان الكلمة المنطوقة والتأكيد علي أهمية الحركة . وهي النظرة نفسها التي تبناها كل من المخرجين ( آبيا ) و( كريج ). وقد ظهر هذا الاتجاه بشكل جلى فى مسرحية (المعجزة) التى أخرجها عامى (1911 , 1924 ) , فقد خلت من الحوار , واعتمد فيها علي أسطورة القرون الوسطي.
ومن خلال تعامله مع النصوص المسرحية, لم يكن يسعي وراء الدقة في تمثيلها كما كانت تقدم زمن مؤلفها, إنما كان يقصد تقديمها بشكل جديد يتناسب والعصر الذي تقدم فيه. لذلك حملت المسرحيات التي أخرجها طابع شخصيته هو وليس طابع شخصية المؤلف. وبذا أصبح المؤلف الثاني للنص المسرحي, حين فرض رؤيته الفنية علي الإنتاج.
ومثلما فعل ( كريج ) و( آبيا ) في تعاملهما مع الممثل, نجده يتفق معهما إلى حد كبير. فقد كان يحدد حركة الممثلين. مسبقاً في ( نسخة الإخراج ) ويفرض عليهم أن يتبعوا إرشاداته بكل دقة. وكان يعدهم إعدادا جديدا علي هذا الأساس. فضلا عن انه رفض مبدأ النجومية في التمثيل, الذي يقضي ان تعطي الأدوار الرئيسية للمثلين البارزين في الفرقة فقط, فأسند الأدوار الكبيرة والصغيرة لاي ممثل يشاء, يقول جميس لافر, " وكان عدم ممارسته لنظام " الكواكب " " STAR SYSTEM " يتيح له أن يستعين بكبار الممثلين والممثلات في الأدوار الصغيرة مثل الأدوار الكبيرة. "وخدمته هذه الطريقة كثيراً في تطوير عمله من دون إجهاد مع مجموعته خلال التدريب, وبذلك يرى الباحث انه استطاع منافسه ( ستانسلافسكي ) في كيفية إدارته لمجموعه الممثلين. ولم يكن يعمل الممثلين كأفراد, ففي الغالب كان يعاملهم كمجاميع, وكأنه فرقه اوركسترا, فيوزع الممثلين إلى مجاميع صغيرة, ويوزع الحوار على هذه المجاميع الصغيرة, وبجمل مختلفة, لتنطقها هذه المجاميع وكأنها شخص واحد. وتنغم بأنغام تتناسب والموسيقي المستخدمة, وغالباً ما كان يخلق الألفة بين الممثل والمشاهد, بما يحدث تداخلاً بينهما, بحيث لا يمكن التميز بعد ذلك من منهم الممثل ومن منهم المشاهد.
لقد تعمد هذه الألفة أيضاً من اجل قصر الإيهام الذي يرمي إلى أن ما يقدم هو حقيقه وهو شريحة من الواقع, وأكد حاله اللاوهم في أعماله, والتي تدعو إلى أن ما يقدم ليس تصويرا للواقع.
أما تعامله مع ( الفضاء المسرحي ) , فقد كانت العروض المسرحية الضخمة التي قدمها والتي اعتمدت علي الإبهار, تحتاج إلي أماكن جديدة, تتناسب وطبيعة الفضاء المطلوب. فلم يعد يكتفي بالمسارح التقليدية والمتوفرة آنذاك, وبدا يقدم عروضه في أماكن فسيحة مثل ( سيرك شومان ) أو أمام الكاتدرائية لاسيما كاتدرائية ( سالبورج ) نظراً للأعداد البشرية الكبيرة التي استخدمها في التمثيل. واستعان في تصميم مناظرة على من لم يكونوا أصلا مختصين في تصميم المناظر المسرحية.فمن وجهة نظره،أنهم ما داموا يستطيعون تجسيد فكرة العمل، فمن غير الضروري أن يكونوا مختصين بتصميم المناظر المسرحية.
واستطاع ( راينهارات ) إن يجمع بين المسرح الإغريقي القديم، وبين المسرح الحديث بتجاوزه إطار المنصة، بعد أن لمس إمكانيات المسرح المدرج. فقدم بعض المسرحيات الإغريقية الناجحة مثل مسرحية ( أوديت الملك ) . واستفاد من طبيعة المسرح في العصر الوسيط، فقدم بعض المسرحيات الأخلاقية ومسرحيات الأسرار، مثل مسرحية ( المعجزة ).
واشتهر باستخدامه المنصة الدائرية المتحركة التي مكنته من تقديم مشهدين أو ثلاثة أو أربعة، من دون عناء في تبديل المنظر المسرحي. فقد استعمل المسرح الدوار في إخراجه مسرحية ( حلم منتصف ليلة صيف ) لشكسبير عام ( 1905 ) علي مسرح (NEUES THEATRE ) بانيا علي خشبة المسرح غابة كاملة، مستغنياً عن السوفيت وأعمالها، وأضواء الحافة الأمامية الأرضية لخشبة المسرح ، مستعيضا عنها بإضاءة قوية عالية واضحة تصدر من بروجكترات معلقة فوق المسرح و الصالة ، وتشاهد بوضوح من قبل الجمهور .
إن أعمال ( راينهارات ) لم تكرر نفسها، فلم يقدم عملين متشابهين، بل كان يستخدم في كل عمل، ديكورا جديدا ومناظر جديدة، وتقنية فنية جديدة. فمسرحية ( قيصر وكليوباترا ) قدمها عام ( 1904 ) وعام (1924 )، وكان العرضان يختلفان كل الاختلاف في كل مرة. ومن اجل أن يمعن في إبهار الجمهور، استخدم أغلى الأقمشة وافخر الإكسسوارات .
وعلى الرغم من الأعمال العديدة التي قدمها ( راينهارات ) وبمختلف الأساليب ، سواء على المسرح الكبير ( NEUES THEATRE ) الذي كان يقدم أعماله لعامة الناس، أو على المسرح الصغير ( LEINES THEATRE ) الذي تقدم أعماله للخاصة، والذي يضم مائتي كرسي فقط. لم يدع أسلوبا معينا يسيطر عليه.
أما في مجال الإضاءة، فقد اعتمد بالدرجة الأولى على ابتكارات كل من ( آبيا ) و ( كريج ) . فاستخدم الإضاءة استخداما جيدا، بل برع في إتقانها واستثمر كافة الاكتشافات الميكانيكية على خشبة المسرح بعد أن دمج المسرح بالصالة، لخلق الصلة المباشرة بين الممثلين والجمهور.
وفي بعض الأحيان، كان يستخدم مناظر مسرحية تختلف عن مكان وقوع الأحداث، أي انه اهتم بالطرازية. ولم يعر اهتماما بتاريخية الأحداث، ففي مسرحية ( الأميرة توراندوت ) مثلا- وهي من الكوميديا دي لارتا وتقع أحداثها في الصين – اعتمدت المناظر المسرحية والأزياء على رسوم مأخوذة من رسوم أوربية من القرن الثامن عشر.
ولما كانت فلسفة ( راينهارات ) تتمثل في أن لكل مسرحية أسلوبها الخاص في الإخراج فلم يكن يهمه أي أسلوب يختار بقدر ما يهمه نجاح العمل المقدم جماهيريا. وتقريب طرفي القضية في العرض المسرحي ، ( الممثل ) و( الجمهور) إلى أكبر حد ممكن، وخلق المودة والألفة بينهما.
ولم تكن عملية خلق الألفة والمودة بين الممثل والمتفرج هي هدفه فقط من بين المخرجين، إنما شاركه أيضا مخرج آخر هو ( فيسيفولد مايرهولد) .
فسيفولد مايرهولد ( 1847- 1940 ) و أسلوب الإنشائية :-
ولد مايرهولد فى روسيا و أصبح من أعضاء المجموعة الأولى لفرقة مسرح الفن بموسكو عام 1902 , وقد دفعتة معارضتة لأسلوب " ستانسلافسكى " الواقعى إلى تكوين فرقة من مجموعة أدباء و قدم من خلالها أعمال تعتمد على الإقتناع الواعى , ونظرا لضعف الدعم المادى تم حل الفرقة وفى عام 1905 إنضم ماير هولد ثانية إلى مسرح الفن بناء على طلب ستانسلافسكى , و أنشا من خلالة أول ستوديو قدم من خلالة اعمالاً مميزة بأسلوب رمزى من خلال إبداع مجموعة من الممثلين و المصورين و الموسيقين .
وقد طمح ( مايرهولد ) من كل ذلك إلى خلق مسرح يكون بديلا عن المسرح الواقعي، ويهيئ المناخ المناسب للمتفرج لإطلاق قدراته التخيلية، فسار العمل فيه على مبدأ ( الأسلبة ) . والأسلبة تعني " أن نبرز بجميع الوسائل التعبيرية التركيب الداخلي لذلك العصر أو تلك الظاهرة، وتصوير سماتها الداخلية المميزة. وهذا المبدأ يرفض مبادئ مدرسة ( الدوق ساكس مايننغن ) وبالتالي مبادئ ( مسرح موسكو الفني ) الذي سار على نهجه . فأوجد ( مايرهولد ) وسائل تعبير جديدة ، ادخلها على مسرحه محطما بذلك نهج الواقعية والطبيعية، فأدخل الآليات المتحركة والسينما والراديو، واستعاض بالتكوينات العارية بديلا عن المنظر المسرحي المألوف.
ودعا ( مايرهولد ) إلى المسرح الشرطي الذي ميزه بالسمات الآتية:
1- الغي الأضواء الأمامية واستغنى عن المناظر المسرحية بشكلها المألوف وحول الكلمة إلى صرخة ملحنة أو صمت موسيقي.
2- نزل بخشبة المسرح على مستوى الصالة.
3 – خلق عرضا اضطر فيه المتفرج أن يكمل إبداعيا رسم التلميحات التي تقدم من على خشبة المسرح. وقد جاءت نظرة ( مايرهولد) هذه من فلسفته في أن لا يدع المتفرج متأملا للعرض فقط وإنما مبدعا أيضا، في اشتراك خياله في رسم الصورة التي يفسرها المتفرج نفسه.
4 – حرر الممثل من الديكورات، وهيأ له فراغا ذا أبعاد ثلاث ووضع في خدمته البلاستيكية النحتية الطبيعية.
5- المسرح الشرطي لا يبحث عن التنوع في (الميزانسين) كما يحدث في المسرح الواقعي والطبيعي.
6 – يطمح المسرح الشرطي في التمكن من رشاقة الخط، وتكوين المجموعات وتلوين الأزياء وبسكونه يعطي حركة أكبر ألف مرة من المسرح الطبيعي.
7 – المخرج في المسرح الشرطي الشرطي يحصر مهمته في توجيه الممثل فقط وليس إدارته، على الضد منم مسرح (مايننغن).
8 – المسرح الشرطي يجعل المتفرج لا ينسى انه أمام ممثلين يؤدون أدوارهم طيلة فترة العرض.
ويرى ( مايرهولد ) أن ( المخرج ) هو منظم للعمل المسرحي قبل أى شيء لآخر. وعليه أن يتسلح بالمعرفة والثقافة التي تعزز شخصيته كمخرج، منها أن يكون ذا اطلاع بالتكنولوجيا للاستفادة منها في شتى المجالات، وأن يولي اهتماما كبيرا بالمتفرج، لأنه الهدف الأساس من العرض المسرحي.
وقسم عمل ( المخرج ) على مرحلتين:
المرحلة الأولى: تتمثل بالعمل المستقل الذي يدرسه مع نفسه.
المرحلة الثانية: العمل المشترك مع الممثلين والفنيين.
وكلما بذل ( المخرج ) جهدا أكبر في المرحلة الأولى، تمكن من انجاز العمل بطريقة أسهل في المرحلة الثانية.
وعن إعداد ( الخطة الإخراجية ) يرى ( مايرهولد ) أنه ليس من حق المخرج إعداد خطته بكل تفاصيلها وبوقت يسبق فيه التمارين " فالعرض المسرحي لا يولد إلا عندما نقبل الفرقة المسرحية، ونواجه مبادرات الممثلين العديدة.
وقد عد الممثل العنصر الرئيس على خشبة المسرح، ونادى بأن تكون جميع عناصر العرض المسرحي الأخرى في خدمته، ليستحوذ على اهتمام الجمهور كليا، وليكشف عن روحه المندمجة بروح المؤلف المسرحي عبر روح المخرج، يقول مايرهولد: "الممثل هو العنصر الرئيس علي خشبة المسرح. وكل ما هو خارج عنه هام بقدر ما هو ضروري له في العمل". ويقول أيضا" يجب أن تكون جميع وسائل المسرح في خدمة الممثل، وعلي الممثل أن يستحوذ علي الجمهور كليا. ذلك أن عملية التمثيل تحيل واحدا من أماكن الصدارة في الفن المسرحي " .
كما أكد علي أهمية ( التكنيك ) للممثل ، ليتسنى له تنفيذ الخطة الإخراجية التي وضعها المخرج، من أجل ذلك أوجد طريقة جديدة في تدريب الممثل أطلق عليها اسم ( البايوميكانيك ) أو ( ميكانيكية الجسم) ، والتي تعني ترجمة الشعور الدرامي عن طريق الحركة النموذجية، من خلال استخدام الحركات البلاستيكية التي تعين الجمهور علي فهم الحوار الداخلي للشخصيات. ويفسره ( مايرهولد ) بأن الحوار للسمع، وحركات الممثل البلاستيكية للبصر. لذا فأن خيال المتفرج يعمل تحت ضغط هذين التأثيرين، السمعي والبصري، ويتأثر هذا الخيال بالجانب البصري أكثر، لأن فن الممثل وجهة نظره يعني بخلق الأشكال البلاستيكية علي خشبة المسرح. وهذا ما يبرر حاجة الممثل إلي دراسة ( البايوميكانيك ) .
ويري ( مايرهولد ) في ( البايوميكانيك ) استعادة الممثل للتشكيل البيولوجي الذي افتقده ، إذ لابد له أن يكون مرتاحا جسديا، وأن يشعر بالتوازن الجسماني باستمرار. وهذا ما يوفره له (البايوميكانيك) الذي استوحاه من حركات العامل الماهر التي تتصف بأنها حركات راقصة وسريعة واقتصادية في بذل الجهد لذا فأن الممثل مطالب بالاقتصاد في وسائله التعبيرية، إلي الحد الذي يتقن فيه الدقة.
في الحركة، والقدرة علي التنفيذ السريع للحركات المطلوبة، والاقتصاد في الجهد والزمن المصروفين. أن مشكلة الممثل المعاصر-من وجهة نظر مايرهولد- هي في جهله المطلق لقوانين البايوميكانيك، وأن أنواع الرياضة والبهلوانيات والرقص والحركات الإيقاعية والملاكمة والمبارزة التي يجيدها لا يمكن أنتكون له إلا إذا دخلت بوصفها عناصر مساعدة للموضوع الأساس و الضروري لكل ممثل وهو (البايوميكانيك).
أن استخدام ( البايوميكانيك ) أو( ميكانيكية الجسم ) ، هو في الحقيقية محاولة تطويع نظرية الميكانيك الي نظريات التمثيل، وتفترض أن جسم الممثل عبارة عن ماكينة عجيبة مؤلفة من مكائن عدة. وأن مشكلة المسرح الجديدة هي كيفية الوصول إلي صيغة، بحث تصبح هذه الماكينة بحركة كاملة ولجميع أجزائها (العضلات والغضاريف والعظام والأعصاب) كما لو كانت هذه الأجزاء تشبه روابط الأسطوانات والعتلات والمحركات وهى تعمل بأعلى طاقتها معبرة عن المعني وفقا للرسالة التي يبعث بها الدماغ عبر العمود الفقري وخلال النظام العصبي لان أعضاء الجسم كما يري تقوم بمهمتين:
أداء كل عضو لمهمة خاصة به.
2. أداء كل عضو لمهمة لها علاقة بالأعضاء الأخرى أو بحركة الماكينة الرئيسي.
ولتحقيق هذه النظرية، قام ( مايرهولد ) بوضع مجموعة من التمارين الجمناستيكية للممثل الذي يتم اختياره علي وفق سمات ومواصفات خاصة ليصبح ممثلا بايوميكانيكيآ
وتتمثل سمات الممثل البايوميكانيكي- من وجهة نظره- أن يكون سليم الجسم والأعصاب، وأن يتمتع بمزاج جيد، و بالموهبة الموسيقية، والقدرة علي الداخلية، والمهارة في الابتكار، وسرعة البديهة وعدم الإفراط في المبالغة وملما بالمعارف التي يتطلبها فن المسرح.
ويوصي مايرهولد ( الممثل ) بدراسة طبيعة دوره بدايته في العمل وبحذره من استنساخ شخصيته علي نحو فوتوغرافي دون أية إضافة إبداعية من عنده، ويؤكد عليه أن يتقن تنظيم حركات يديه. كما يوصيه باحترام الوقت المحدد لكل مشهد، وعدم تجاوزه لسببين يراهما غاية في الأهمية.
الأول: احترام زمن العرض المسرحي.
الثاني: عدم اضافة حركات قد تدمر العرض المسرحي.
ولما كان (مايرهولد) من المتأثرين بفن الموسيقي- كما كان أبيا- فقد درب ممثليه علي اـ تكون طريقة القائم للحوار ملحنة، وحركاتهم بطيئة، أشبه بحركات رجال الدين ( الكهنوت ) .
ويرى ( مايرهولد ) أن عمل ( المخرج ) مع الممثل في جلسات التدريب الأولى يتلخص بتعرفه علي الخطة الإخراجية التي أعدت ، ولكن ليس بكل تفاصيلها ، من أجل أن يترك له فرصة للإبداع و المبادرة لتطوير العرض المسرحي.
التشكيل المرئى فى مسرح مايرهولد :
تميز أسلوب ماير هولد بالبساطة المعبرة فى الديكور وإستخدام العناصر المسرحية من موسيقى و إضاءة كوسيلة للتعبير عن أفكارة بأسلوب مجرد , و البحث عن أسلوب مميز لأداء الممثل حيث لا يؤدى الممثل الشخصية بكل تفاصيلها و لكنة يأخذ بعض الملامح المميزة مع التعبير الحركى الذى يشبة الرقص.
ظهرت الحركة الإنشائية فى روسيا موازية فى نفس الوقت للحركة التعبيرية الألمانية . و قد تبنى مايرهولد تطوير فن المسرح فى روسيا ليكون مناسبا لعصر الآلة , فأعتمد مسرحة على أسلوبين الأول يرتكز على " البيو ميكانيك " كما ذكرتة بالتفصيل , أما الأسلوب الثانى يرتكز على الإنشائية فى تصميم المناظر المسرحية , فالديكور عند مايرهولد مكون من عدد من المنصات و السلالم و المنحدرات و عدد من الآلات و العجلات , فهو مسرح بلا ستائر أمامية و بلا أضواء للمقدمة , و يظهر الممثلين فى زى موحد كعمال المصانع و هو ما كان سائد فى المجمع الروسى أنذاك .
عرض الزوج المخدوع لميرهولد 1921 :-
وجد مايرهولد صعوبة فى تصميم أشكال البناء الأساسية التى يحتاجها فى شكل فإستعان بالمصمم بوبوفا ومعا أدخلا مفهوم جديد للفراغ المسرحى , و أعطا دوراً تجريديا للديكور فظهر بشكل مفكك دال على بعض عناصر بنائية مثل الطاحونة و هيكل المصانع و بعض الأبواب و كل ذلك على مستويات مختلفة تترابط بسلالم لتساعد الممثل فى التعبير بحركتة الجسدية بالصعود و الهبوط .
إروين بسكاتور ( 1893 – 1966 ) :-
مخرج مسرحي ألماني، تتلمذ على يد المخرج ( ماكس راينهاردت ) ، عمل في العاصمة برلين من عام 1919 ولغاية 1938 في ( المسرح الشعبي الألماني ) ثم ( مسرح بسكاتور ) يعد ( بسكاتور) احد مؤسسي المسرح السياسي في العالم، ويرى أن على المسرح ألا يهمل السياسة في ريبرتواره أو دراما ته. وان يمتزج كل من المسرح السياسي والسياسة بالأخر. ويفسر ( بسكاتور ) فلسفة المسرح السياسي الذي تبناه ، بأن فكرة الفن للفن ما هي إلا تسلية عابرة ومؤقتة. لذا ينبغي على الفن أن يكون معملا وتربية أخلاقية. فالمسرح من وجهة نظره، وسيلة من الوسائل التعليمية، ولا يعني بتقديم الإنسان المعزول، ضحية الصراعات الداخلية كما هو عند التعبيريين. إنما يتجه لإبراز الإنسان السياسي الحامل لبذور الثورة ، و الذي هو أنموذج طبقته فمثل هذا الإنسان جدير بالصعود على خشبات المسارح، وتجسيده الدرامات لإظهار أبعاد التاريخ، وإظهار موقف الإنسان في مواجهة المجتمعات الظالمة، وإظهار قدر الشعب كمجموع قبل قدر الإنسان كفرد. بل والتعرض إلى قدر العصر نفسه فكانت وظيفة المسرح السياسي عنده تتمثل في خدمة الحركات الثورية السياسية لصالح المجتمع.
ولهذا أعلن ( بسكاتور ) ارتباط سياسته الفنية، بسياسة وحركة وتحركات طبقة العمال (البروليتاريا) والكادحين، والمواطنين العاديين .
ويتكون أسلوب ( بسكاتور ) الإخراجي من امتزاج ثلاثة عناصر رئيسة: عنصر سياسي، وأخر ملحمي، وثالث تقنى .
فالعنصر السياسي يدعو لأن يكتسب العرض المسرحي الطابع السردي والوصفي للأحداث، مع استخدام مختلف الوسائل التوضيحية، كاللافتات، والبيانات والأفلام الوثائقية، والشرائح الزجاجية، من أجل ربط الأحداث.
ويتمثل العنصر الملحمي في دعوته إلى تحديث المسرحيات التاريخية، ونقل دراما ها من مناخها التاريخي إلى المناخ المعاصر، لتعبر عن كثير من القضايا والمشكلات التي تعصف بالمجتمع، فلم يعد الصراع يدور بين الإنسان والقدر كما في الماضي، بل صارت العلاقة تدور بين الإنسان ومجتمعه في الوقت الحاضر.
أما العنصر التقني ، فقد تمثل في توظيفه للإضاءة، والمناظر المسرحية الدوارة ومسارح المصاعد، والمسارح المنزلقة، والأحزمة الناقلة المتحركة على خشبة المسرح طولا وعرضا وعمقا، وتوظيف السينما والابتكارات الميكانيكية المعقدة.
وبما إن فلسفة ( بسكاتور ) في المسرح تؤكد تعزيز الوعي الطبقي لجمهوره البروليتاري، فكان لابد من استشارة النقاش حول العرض المسرحي، أكثر من إثارة الإعجاب والإبهار. وهذا ما أراه يتقاطع تقاطعا حادا مع المخرج ( راينهارات ) الذي كان همه الأول إثارة الإعجاب والإبهار عند الجمهور.
ونظرا لأن الطبقة البروليتارية تمثل شريحة واسعة في المجتمع الأماني، ولا تسعها بناية مسرح صغير، فقد سعى إلي تقديم عروضه المسرحية في بناية مسرح تتسع لأكبر عدد ممكن من الجمهور وبأجور رمزية زهيدة تسمح بدخول ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون ارتياد المسارح البرجوازية الباهظة الثمن.
وقد استخدم ( بسكاتور) في مسرحه ( الملحمية ) كشكل مسرحي بسيط ومباشر ومضاد للتعبيرية، ساعيا إلى تزويد الجمهور بخبرة جديدة واستنتاجات يلتقطها من الحياة نفسها،ليصبح عنصرا مشاركا فعالا في العرض المسرحي.
واستثمر التقدم العلمي والتقني الذي ساعده كثيرا في تقديم عروض مسرحية أبهرت الجمهور، مستخدما الإضاءة الكهربائية، والآلات الثقيلة المعقدة كالرافعات وخشبات المسرح الدوارة والمنزلقة، ومسارح المصاعد، والأحزمة الناقلة المتحركة طولا وعرضا وعمقا.
ولما كان مسرحه يهدف إلى تقديم أحداث تاريخية معاصرة، تهم حياة الجمهور الألماني ومصيره بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، والإفرازات التي ظهرت بسببها، فقد كان أحد الرافضين للحروب، مهما كانت أسبابها ودوافعها. واستخدم من أجل تحقيق هدفه، الأفلام السينمائية والشرائح الفيلمية والفانوس السحري، والشعارات المكتوبة المتدلية من إطار فتحة المسرح ، والإضاءة الكشافة الموجهة للجمهور وأصوات السيارات على الخشبة، ومكبرات الصوت ، ولوحات الإعلان ، والابتكارات الميكانيكية، التي إتاحتها المكتشفات الحديثة، محاولا الربط بين خشبة المسرح وصالة الجمهور لتأكيد الجانب السياسي والثوري والتمردي في آن واحد.
وقد اعتمد ( بسكاتو ) اعتمادا كبيرا على الرسام ( جورج جروس GEORG GROSS ) في تصميم المناظر لأغلب أعماله المسرحية. ففي مسرحية ( السفينة التائهة ) استعمل الإضاءة ( PROJECTION ) ، والفانوس السحري لعرض الصور لتحديد خشبة المسرح، ثم عرض مقطعا من شريط سينمائي لعكس الظروف السياسية والبيئية.
وفي إخراجه لمسرحية ( راسبوتين ) التي عرضت على ( مسرح نولندورف NOLLENDORFLATZ ) والتي أراد من خلالها أن يحكي قصة مصير أوربا من عام 1914 إلى عام 1917، استعان بسكاتور بالوثائق التاريخية، التي كانت القاعدة الأساسية للمسرحية. وكان المنظر المسرحي عبارة عن بانوراما ضخمة تبدو كمقطع من الكرة الأرضية تدور الأحداث السياسية والعسكرية المهمة منذ بداية خدمة ( رابسوتين ) في بلاط القيصر ( رومتنوف ). وقد استخدم ثلاث آلات للعرض السينمائي، وفلم طوله الفي متر. وعلقت شاشة أخرى وشريط علوي، تظهر فيه الهوامش وتتابع الأحداث والتواريخ ()
كانت الآلية التي استخدمها ( بسكاتور ) على المسرح ثقيلة جدا، إلى درجة أدت
إلى بناء أرضية خشبة المسرح ( نولندورف ) من الحديد والاسمنت المسلح .
وفي المنظر المسرحي لمسرحية ( مغامرات الجندي الشجاع شفايك ) عن قصة للكاتب الروماني ( ياروسلاف هاسك ) التي أخرجها ( بسكاتور ) عام 1928 استعمل قرصين دوارين، يدوران باتجاهين مختلفين، احدهما للشخصية الرئيسة ( شفايك ) والثاني للشخصيات الأخرى، فكان ( الجندي شفايك ) يبدو كما لو أن بساطا يدور به .
وفي عمله الأخير الذي قدمه عام ( 1962 ) بعنوان ( بيت ال اتريوس ) ، وهو إعداد لأربعة مسرحيات شعرية كتبها ( هاوبتمان ) ، استخدم خشبة مسرح شفافة تضاء من الأسفل، وتصميما بأسلوب ياباني، وستائر متدلية، ومدارات رمزية ملونة باللون الأحمر والأسود والذهبى() .
فنجد أن الأهتمام المبالغ فية بالشكل المسرحى عند بسكاتور من الممكن أن يطمس الملامح الأساسية لمسرحة السياسى , و قد صارت تجاربة نحو تحقيق الروح السياسية التحريضية , فأدخل إلى خشبة المسرح تقنيات جديدة عرفت آنذاك لأول مرة , مثل شاشات العرض السينمائية التى كانت من دواعى وجودها تثبيت المناظر لتأمين عنصر الرؤيا بوضوح و إدخالها ضمن التشكيل المرئى للمنظر المسرحى بشكل متجانس .
و من أهم تلك التجارب تجربة المعمارى الألمانى " والتر جروبيوس " الذى استند على فكرة الحلبة البيضاوية الشكل لتسع ألفى متفرج بناءاً على توجيهات بيسكاتور .
وفى عرض " الريفيو الأحمر " 1924 , إتخذ العرض شكل لوحات منفصلة تعتمد على فكرة المونتاج السينمائى . بالأضافة إلى سكتشات غنائية و مقطوعات موسيقية و رقص و غناء و أداء كاريكتورى . كما احتوى العرض على خطب تحريضية و عرض إحصاءات و بيانات سياسية و تواجد بعض الشخصيات من جميع فئات المجتمع و مهمتهم هى خلق حالة من الفتاعل بين المؤدى و المتلقى من خلال مناقشات مباشرة مع الجمهور و ليتم ذلك ألغى الحدود الفاصلة بين المتفرج و خشبة المسرح بغرض تحقيق حميمية فى العرض حتى يكون اكثر قدرة على أقناع المتفرج بالنظرية السياسية التى يدعو لها .
جاك كوبو
واهتم (كوبو) بالممثل، بوصفه عنصرا مهما في العرض المسرحي، وصب جل اهتمامه على مهاراته الفيزيقية والتقنية. وكان يطلب من الممثل في مدرسته (الفييه كولومبييه) أن يستخدم وسائل التعبير الدرامي كالقص والحركات الاكروباتيكية والارتجال والتمثيل الصامت. واشترط عليه أن يكون قادرا على إغناء شخصيته بكل العلوم، وفهم الأساليب المختلفة، وملما الماما تاما بالفنون الدرامية. وذا عقل وجسم ناضجين وثقافة عالية، وقدرات تقنية جيدة، وأخلاق رفيعة، عارفا لذاته، وصاحب قلب نابض وحساس.
لذلك سعي إلي فتح مدرسة (الفييه كولومبييه) لتدريس الممثل مواد فنية متعددة تراوحت بين شتى أنواع الرياضيات البدنية، والتعبير الدرامي وكيفية تطويره عن طريق الارتجال والتخيل والتحليل.
ودعا (كوبو) إلي الاقتصاد في المسرح، بنوعيه المادي والدرامي، ونبذ كل ما يدعو إلي الإسراف والبذخ والترف، مستعينا بأصوات الممثلين وحركاتهم، ومشيعا سمة البساطة في المنظر المسرحي والأزياء.
قد اعتمدت فلسفة (كوبو) في بناء المنظر المسرحي علي رفض كل من تزمت الطبيعية ومغالاة الرمزية، ورأى أن هذين الاتجاهين أنما يسيران في الطريق الخاطئ الذي لا يناسب وفن المسرح. وأراد بدلا من ذلك أن يجمع بينها بأسلوب جديد، يحرر خشبة المسرح من الإلية المعدة، والمؤثرات ذات الطابع الاستعراضي، مستعينا بالتواضع والبساطة في بناء مناظره المسرحية.
فبني منصة عارية، دون إطار تقليدي أو دروع، تعتمد الاقتصاد في استخدام الديكور وصرف النفقات بشكل كبير، واعتمدت علي إضاءة قوية علي شكل مثلث معلق في سقف المسرح، يمكن للجمهور أن يشاهد كاملا حال جلوسه لمشاهدة العرض، واستغني عن الإضاءة الأمامية الأرضية، التي كانت حاجزا ماديا بين الممثل والجمهور.
لقد استحدث (كوبو) في المسرح عنصرا جديدا تمثل ب(المنظر المعماري الثابت) أو (القوس المعماري الثابت) الزى شيده بهدف تبديد الوهم الذي كانت تهدف إليه الواقعية والطبيعية. وحاول أن يؤكد علي الوظيفية التي أراد أن يحققها منظره المسرحي الجديد بإحلال الممثل في الفراغ لتحقيق أوضاع هندسية وإيقاع متغير، متلافيا ما كانت تؤديه المناظر المسرحية في السابق من شرود ذهن الجمهور
والمنظر الثابت الذي أوجده (كوبو) يسمح بتغيير الديكور عن طريق إضافة قطع ديكورية بسيطة أو حذفها، ليمنح تشكيلا جديدا يخدم أهداف العرض المسرحي. ذلك أن الاتجاه الحديث في تصميم المناظر المسرحية، ينحو إلي التبسيط الفني، والي اللوحة التفسيرية التي تخلق التأثير في الصورة الفوتوغرافية التي تعتمد علي وصف البيئة، ويفضل هذا الاتجاه أيضا التخيل بدلا من النقل لهذا السبب يرى الباحث أن (كوبو) اعتمد المنظر المسرحي الموحي الذي تميز ببساطة وجماليته، محققا للجمهور متعة الرؤية ومتعة الاستماع ومتعة الفهم.
أنطونان أرتو ( 1896- 1948 ) و مسرح القسوة :-
ترك عدة مؤلفات مهمة فى مقدمة كتابة " المسرح و قرينة " الذى وضع فية أسس المسرح الحديث , فالمسرح بالنسبة لأرتو هو أداة لتحرير الصراعات الدفينة فى منطقة اللاوعى لدى المشاهد و مواجهتة بة , و من هنا جاء مفهوم مسرح القسوة لأن العرض يتخللة حركات جسدية عنيفة بل مفهوم القسوة جاء من دفع المشاهد دون إرادتة لمواجهة صرعاتة الشخصية أمام عقلة الواعى من خلال إندماجة فى العرض المسرحى , و رفض المدرسة الواقعية ولجأ إلى الأشكال و العناصر الرمزية لكن بدقة لتكون رمزية لأبعد حد ومعبرة لأقصى درجة .
لقد مر ( ارتو ) بثلاث مراحل مهمة ، كان موقفه فيها يختلف من مرحلة إلي أخري بالنص المسرحي .
ففي المرحلة الأولي : وضع النص في مكانه عالية، ورأى أن للنص المسرحي إمكانيات لا حصر لها. فأحل النص مكان الصدارة في العرض المسرحي.
وفي المرحلة الثانية : كف ( ارتو ) عن الدفاع عن فكرة سيادة النص وعدم المساس به، واستبدل ذلك بسيادة الإخراج ، وحرية المخرج المطلقة في العرض المسرحي، يقول ارتو " سنطلب من الإخراج لا من النص، أن يعني بتجسيد الصراعات القديمة " .
أما المرحلة الثالثة: فقد حاول فيها استبعاد النص عن طريق العرض، واستبداله بالصرخات و الالتواءات التي يؤديها الممثل. وفي هذه المرحلة، أهان (ارتو) النص، ويحدد (ارتو) مواصفات المسرح الذي يقترحه بأن يكون : مسرحا يتخلى عن الدراسة النفسية، ويروى ما يخرق العادة، ويخرج صراعات طبيعية وقوى طبيعية دقيقة ويبدو أولا كقوة تحويل استثنائية ، مسرحا ينتج التشنج كرقص الدراويش .... ويخاطب الجسم بوسائل محددة مسرحا هدفه إيقاظ الجمهور.
لقد رفض ( ارتو ) المسرح الغربي بعد أن رآه لم يعد فنا، أو أنه فن لا جدوى منه – بعد أن شاهد المسرح الشرقي – لأنه ملئ بالمشاعر الزخرفية العابثة، والنشاط الذي لا يهدف إلى شيء، فكل همه المتعة وإثارة الإعجاب فقط، في حين أن مهمة المسرح تتمثل في إعادة صياغة الحياة بشكل جديد.
يقول ( بول غودمان ) عن رأى " أرتو " في المسرح " أن المسرح شأنه شأن أى فن آخر، هو فعل مادي، أنه ليس مرآة أو صورة، يمكن أن يستوعبها المتفرج ويفسرها حسب ميوله وأولاعه، أنه ليس فانتازيا " .
ولا يراه (ارتو) أيضا مسرحا تستعرض فيه أسطورة معينة، بطريقة وهمية رمزية، انه "... بوتقة نار ولحم حقيقي يعاد فيها تركيب الأجساد بالترشيح ودوس العظام ومقاطع الألفاظ " .
ويرى ( ارتو ) أنه لا يوجد مسرح إلا إذا وجد عنصر القسوة كأساس في كل عرض، وكلمة القسوة عند ( ارتو ) تعني شهوة الحياة، وعند العالم وبالضرورة الحتمية. كما يعني بها أيضا حب الحياة أو دوامة الحياة التي تلتهم الكلمات، أو بمعنى آخر ذلك الألم الذي لا يمكن بدونه، أن تكون ضرورة الحياة حتمية، إذن ( مسرح القسوة ) مسرح حركة يبحث عن التعمق دون التقيد بقيود الزمن والتطور الزمني، إذ يتجنب التسلسل الطبيعي للقصة أو للنص المكتوب، مضحيا من اجل الوصول إلى الإدراك المباشر التلقائي..) ()
ويطمح ( ارتو ) من عرضه المسرحي أن يبعث فكرة العرض الشامل، ليسترد من السينما والسيرك ومن الحياة ذاتها ما كان ملكا له بالأصل. وان يشتمل على صرخات وشكاوي ومفاجآت ورؤى وأحداث مفاجئة من كل نوع، والأنوار المتلألئة، وجمال الأزياء الساحرة، وسحر الموسيقى، ونغماتها القليلة النادرة وإيقاع الحركات المادي، من اجل أن يعيد إلى المسرح فكرة الحياة()
وكان للغة الجسد دوراً هاماً فى عروض أرتو , فهى تعبر عن أفكار مجردة كالرغبة و القسوة و الموت و الأمل , و هى مكونة من ايماءات إشارية تقنرب من البانتوميم إما لترمز لأشياء معينة ذات معنى رمزى أو لتكون بديلة للحوار على المسرح .
فالصوت والضوء عوامل أساسية مميزة فى مسرح أرتو لإحداث الأندماج المطلوب للمتلقى فى العرض , فتتباين أنواع الأضاءة مع الأختلاف فى إيقاعتها مابين السريع والبطئ مع تسليط الضوء على بؤرة معينة فى العرض بالأضافة إلى وجود مكبرات للصوت تحيط العرض بأصوات متدرجة أو متصنعة مثيرة للأعصاب و ذلك للتعبير عما يدور بداخل النفس البشرية مع غضافة بعض المؤاثرت الصوتية إلى الصوت البشرى لخلق أكبر قدر من الوهم لدى المشاهد .
الموسيقى بالنسبة لأرتو لغة مسرحية محسوسة تؤثر على حواس المشاهد فيستخدم خلال عروضة جميع أنواع الآلات الموسيقية للتأثير المباشر العميق .
الفراغ المسرحي في مسرح أنطوان آرتو Antonin Artaud:
"كان آرتو مدركاً تمام أن مفهومه عن المسرح مع المشاركة التامة لجمهور المتفرجين، يقترب من لتقاليد القديمة للعروض المسرحية التي ما تزال حتى الآن على هامش المسرح، مثل السيرك وقاعة الموسيقى وبرامج المنوعات والملهاة، وقد أراد أن يستمد كل درس ممكن منها"(). "وانطلاقاً من أن المسرح الذي ينادي به آرتو هو مسرح احتفالي/ طقسي فإن المكان الذي يدور به بالعرض أشبه بالمذبح يقوم شكله السينوجرافي على خلق حالة تواصل مع المتفرج بحيث يصله إشعاع الممثل أينما وجد. ولهذا لا توجد خشبة وصالة في نظرية آرتو، وإنما فضاء محدد هو فضاء العرض"().
وقد كتب آرتو نظريته في الفراغ المسرحي في كتابه المسرح وقرينه. ويرى آرتو أن الفراغ الذي يتم فيه الحدث المسرحي من أكثر العناصر المسرحية التي تمتلك تأثيراً مادياً وفورياً. "ففي المسرح الأرتوي لا يوجد حاجز بين الممثلين والمتفرجين. ويقول آرتو: "يكون المتفرج الجالس وسط ما يجري، مطوقاً الحدث، ويكون الحدث مهيمناً عليه وهكذا نتخلى عن عمارة المسرح التقليدية، ونتخذ مكاناً جديداً كالحظائر ومخازن الحبوب، والهناجر ومظلات الطائرات والمصانع على سبيل المثال، ونعيد بناء المكان وتصميمه كما تصمم الكنائس والأماكن المقدسة، أو المعابد الموجودة في أعالي التبت"(). ويجلس المتفرجون وسط هذه الفراغات على مقاعد متحركة حتى يتمكنوا من متابعة الحدث الذي يدور من حولهم. و تستخدم أعماق وارتفاعات ذات نسب خاصة في الفراغ الداخلي لهذا المنشأ. وتحاط القاعة بأربعة جدران خالية من الزينة وتدهن بالألوان الطباشيرية الخفيفة، ويجلس الجمهور وسطها في الدور الأرضي لمتابعة الأحداث. "ويعمل عدم وجود المسرح بالشكل المتعارف عليه على انتشار الأحداث في أركان القاعة الأربعة. وتحدد أماكن معينة للمثلين في النقاط الرئيسية في المكان، وتعرض المشاهد أمام خلفية بيضاء صممت كي تمتص الإضاءة. وتمتد الأروقة العالية على محيط القاعة وتسمح بمتابعة الممثلين وهم يتنقلون من مكان إلى آخر، وبالتمثيل على ابعاد وارتفاعات مختلفة. كما توجد منصة مرتفعة تتحرك حول صالة المسرح لتساعد في أداء العرض على عدة مستويات. وتتوالى المشاهد، وتنتقل من مستوى لآخر ومن نقطة لأخرى. ويجعل تعدد أماكن التمثيل – في هذه المساحة الشاسعة – الإضاءة تتسلط على الجمهور بقدر تسلطها على الممثلين وعلى العديد من المشاهد التي تتم في آن واحد، ويوجد مكان مركزي يسمح للأحداث أن تصل ذروتها عند الضرورة دون أن يكون له شكل المسرح المعتاد"().
وفي نظريته عن الفراغ المسرحي يتبع آرتو نظرية ابيا الذي كان يرى أن الفن الدرامي لن يعاد تشكيله دون أن يعاد – أولاً – تشكيل المكان الذي يدور فيه. فالتقاليد التعسفية التي تجعل أماكن الجمهور في مواجهة الخشبة مازالت تسيطر علينا، وقد كتب آبيا: "فلنترك مسارحنا لماضيها المندثر، ونصمم نحن مباني أولية تغطي فقط المكان الذي تقدم فيه عروضنا". وطبقاً لهذا المبدأ نفسه أسس جاك كوبو في 1920 مدرسته لو فيو كولومبيه بالأدوات الأولية الضرورية، وعام 1924 أغلق مسرحه في باريس وغادرها إلى بورجندي مع ممثليه الشبان. وكان المكان الذي يعملون فيه هناك صالة واسعة هي في الأصل مخزن لبراميل النبيذ لا يقوم فيه فاصل بين الخشبة والصالة"().
ولا توجد أي مناظر مسرحية في مسرح آرتو، ولكن تستخدم مجموعة من الدمى أو التماثيل يصل طولها أحياناً عشرة أقدام، وآلات موسيقية تبلغ طولها طول الإنسان، كما تستعمل بعض الأدوات ذات شكل واستخدام مجهول وكذلك أقنعة ضخمة. وقد علق آرتو أهمية خاصة على مجموعة من الدمي الضخمة التي تظهر في العرض كي تمنح الحدث التأثيرات. السحرية الشبيهة بفنتازيا الأحلام أو المفاجآت. ويقوم العرض المسرحي على استعمال هذه الدمى العملاقة التي تشبه الصنم أو الطوطم البدائي والطقسي. كما يحتوي على رقص وغناء وموسيقى وإيماء. والعرض منظم بشكل دقيق ولا يحتمل الارتجال لأنه مسرح ديني ولكل فعل فيه هدف طقسي. ويتبع الديكور عناصر الإنتاج الأخرى كي يساعد بناء المسرح في وضع المجمهور في جو خلقه الممثلون، والإضاءة، والصوت. وطالب آرتو الممثلين باستخدام أجسادهم كجزء من الرؤية التشكيلية للمسرح ولمساعدة بقية العناصر في استكمال الصورة البصرية، وكان عليهم أيضاً مخاطبة حواس المتفرجين وليس – فقط – عقولهم. والإضاءة المستخدمة ف المسارح التقليدية ليست مناسبة لمسرح آرتو، فاقترح دراسة أثر الضوء على العقل الإنساني، وآثار جميع أنواع الاهتزازات الضوئية، بالإضافة إلى الطرق الحديثة لنشر الموجات الضوئية على هيئة شرائح وطلقات من الأسهم النارية. ووجد آرتو أنه لابد من تصميم معدات إضاءة جديدة وثورية تماماً، تكون مهمتها إنتاج مؤثرات سحرية ذات تأثير ومعنى عظيمين. وينبغي أن تشتمل هذه المعدات على أجهزة لإنتاج الأضواء المتذبذبة، وموجات الضوء، أو انفجارات أن تشتمل هذه المعدات على أجهزة لإنتاج الأضواء المتذبذبة، وموجات الضوء، أو انفجارات ضوئية حقيقية تحاكي الألعاب النارية. كما ينبغي أن تكون الأضواء ذات تنوعات واسعة من الألوان والتدرجات النغمية والنوعية كالتوتر والكثافة والاعتامية من أجل أن تمنح الانطباع بالدفء، أو البرد، أو الغضب، أو الخوف ... الخ. ويتم التحكم في قوة الضوء وضعفه وكثافته وحدته من أجل الحصول على المشاعر المختلفة.
ويتم تجنب استخدام الملابس الحديثة قدر المستطاع ، وما تنطوي عليه من إيجاءات بالمسرح الطبيعي والسيكولوجي التقليدي، دون اتخاذ زي موحد يتكرر في كل المسرحيات. والأزياء القديمة ذات الاستخدام الطقسي تحتفظ بجمال ومظهر ملهم نتيجة قربها من التقاليد التي أوجدتها. وفخامة الأزياء ستكون كافية لمنح العرض الحيوية والرونق، خصوصاً أن كل زي سيعكس معناه الرمزي الدقيق. وعلى الموسيقى والصوت أيضاً أن يلعبا دوراً مهماً من حيث إمكانية استخدام الآلالت القديمة والمنسية، أو ابتكار الات جديدة تماماً تكون قادرة على منحنا أصواتاً لا يمكن تحمله. فاستخدم آرتو الصوت الحاد، والنشاز، والمفاجئ، وغالباً ما يكون الصوت عالياً، وغير متوقع ودائماً متضخماً.
"واستناداً إلى نظريته كتب آرتو مؤلفه المسرحي آل تشنتسي The Cenci، وأخرجه لفرقه مسرح القسوة، محاولاً تجسيد كل أفكاره في عض مسرحي كبير. والعمل يعرض في قسوة دموية قصة الكونت تشنشي الإيطالي الذي عاش في القرن السادس عشر، ويعرض بوجه خاص حبه الجنسي لابنته بياتريس. لقد اختار آرتو لعرضه صالة فقيرة ولا توحي بأية قرابة لدار المسرحية ورغم افتقار إلى المال، وإلى الإطارات الفنية، والممثلين بوجه خاص (ربما كان أبرز ممثليه آنذاك جان لوي بارو Jean Louis Barrault الذي تتلمذ على يده الفنان حمدي غيث في أثناء بعثته الدراسية في باريس) وإلى التنظيم بوجه عام، رغم كل هذا فقد قدم عرضاً يعتبره النقاد من أكثر العروض الباريسية إدهاشاً، حيث بذل أقصى جهده في تفجير الطاقة السحرية الكامنة في الفراغ المسرحي من خلال حركة المجموعات التي تصل مستوى الرقص مصحوبة بأقصى ما يمكن تصوره من الموسيقى الصاخبة الصادرة بوجه خاص من آلات الإيقاع (الطبول والسنبال بالخصوص)، أما الممثل فقد أوصله آرتو أقصى توتره الصوتي والعضلي ولم ينس آرتو أن يفجر في العرض كل الأقنعة التي تستر الحياء المفتعل للمجتمع". وقد فشل العرض رغم نجاحه في تحقيق جانب كبير من أفكاره.
وقتد أثرت نظريات آرتو في المسرح بعد الحرب العالمية الثانية، ووجدت تقنياته طريقها إلى التنفيذ في العقد السادس من القرن العشرينز وربما كانت أبرز مظاهر التأثر بأرتو تزايد الاهتمام بالمسارح البيئية، ويبدو ذلك ملمحاً هاماً في مسرح العالم كله من عمل جروتوفسكي في بولندا، إلى أوبرات الكنيسة لبنجامين بريتني في انجلترا إلى عروض جيروم سافاري وأريان منوشكين في فرنسا، إلى عرض لوكا رونكوني في إيطاليا، وكلها تعكس أصداء التجارب الروسية التي قدمها ماير هولد وأوخلوبكوف .
وفى مسرحية " فيكتور " ، أو " الأطفال يتولون السلطة " Victor,ou Ies Enfants au Pouvoir قام بتعليق بعض الإطارات الفارغة فى مقدمة المسرح ، لخلق الجدار الرابع و كان ينظر إلى الديكورات والإكسسوارات الموجودة في المنصة كما هى في واقعها الفعلي، لا باعتبارها رموزاً أو أوهاماً. كانت منصة التمثيل في تصور " أرتو " تشبه إلى حد ما لوحة " غيبية " " ميتافيزيقية " وضع فيها الجمادات غير المتوقعة لتثير اضطراباً عميقاً عند المشاهد، وجو غامض، نتوقع دائماً فيه حدوث انفجار ما. وكان يرى أن المجرب الخلاق يعرف جيداً قيمة التراث وما الذي تحقق وما الذي يريد أن يضيفه إليه كأمثال " بريخت " و " جروتوفسكى " الذين لا ينكرون صلتهم بالماضى .
أوخلوبكوف Okhlopkov
كتب آرتو أفكاره عن الفراغ المسرحي في العشرينيات من القرن العشرين وفي الثلاثينيات أجرى نيكولا أو خلوبكوف أحد تلاميذ مايرهولد تجارب حول أفكار مشابهة في موسكو . وهو يحاول خلق علاقة ودية مع المتلقي.وقد دمر أوخلوبكوف القوس المسرحي، وعرض المسرح في الدائرة والمستطيل. ومنذ ذلك الحين ظهرت تجارب كثيرة حول استخدام الفراغ المسرحي.
" والمسرح نفسه جزء من فراغ أكبر ، وبيئة أكبر توجد خارج المسرح وهي الحياة المدينة. وقد اشترك كل من مايرهولد وأوخلوبكوف في كسر واقعية خشبة المسرح. ولكن أعمال مايرهولد ظلت متمركزة على الخشبة مع وعي المتفرجين أنهم في عض مسرحي، في حين الاقتناع الأساسي عند أوخلوبكوف هو أن المسرح يجب أن يعمل كل ما بوسعه كي يجعل المتفرج يصدق ما يراه في العمل المسرحي. وهو حين استبعد البرواز المسرحي، نقل الحدث إلى مكان الجمهور، فأحياناً يحيط الجمهور بالحدث، وأحياناً يكون الجمهور وسط الحدث، وقد يكون الحدث على خشبات مستقلة بارزة فوق رؤوس الجمهور ويتغير ترتيب موقع الخشبة ومكان الجمهور وفقاً لمقتضيات المسرحية تماماً كما يحدث في مسرح جروتوفسكي"().
وباستخدام أوخلوبكوف للخشبات المتعددة، أمكنه تطوير استخدام المونتاج في المسرح، وبدل تتابع المشاهد حسب منطق وقوعها، كان قادراً على أن يقطع من مشهد لآخر، أو يجمد الحدث في منتصف أحد المشاهد، ثم ينتقل إلى آخر، ويعود إلى الأول وهكذا وتتضح العلاقة الحميمة النادرة التي كان أوخلوبكوف قادراً على تحقيقها بين المؤدي والمتلقي في مشهد من إعداد لرواية الأم لماكسم جوركي فحين عرفت الأم نبأ اطلاق سراح ابنها من السجن شرعت في إعداد وليمة لطعامه، لكن الأم لم تستطع أن تقوم بكل شيء وحدها، فقدمت رغيفاً من الخبز لأحد المتفرجين كي يقطعه شرائح، على حين تولى متفرج آخر إعداد مفرش المائدة، وثالث وضع الأطباق. و رغم أن الممثلة كانت تلعب الدور وحدها، إلا أن المتفرجين قد أحسوا أنها أبلغت جيرانها بالنبأ، وأنهم كانوا مدعوين لمشاركتها الفرح والابتهاج، وهؤلاء الأفراد من الجمهور الذين شاركوا في المشهد نجحوا في جعل قناع الوهم يشمل الجميع.
"وفي أحد عروض أوخلوبكوف يدخل المتفرجون وسط ضجيج كبير يحدثه رجال ونساء وأطفال يصرخون، ويجدون بعض المقاعد القليلة الموضوعة بطريقة خاطئة، كما أن عليهم تجاوز نتوء ضخم، وتفادي فوهة مدفع يقوم جندي على تنظيفه وهو يغني بصوت مرتفع. كما تتعثر رؤوسهم في كوم من الغسيل مدلاة من حبالها. كما يكتشف المتفرجون عدم وجود خشبة مسرح، وأن أحد جوانب الصالة الواسعة قد بنى على شكل ضفة نهر عالية غير مستوية، ترتفع حوالي خمسة أقدام، ووسط الصالة نتوء ضخم، وبين هذين الحدينيجلس الجمهور. وحين خفضت الأضواء، اكتشف الجمهور أنه وسط جماعة من جماعات الفدائيين وتحارب في مكان ما من الجبهة الروسية في أثناء الحرب الأهلية، وبذلك انهار حائط الغربة القائم بين الجانبين، وتعرف الجمهور على ممثليه. وفي نهاية العرض كان كل من الممثلين والمتفرجين والمشتركين في الحدث يصفق كل منهم للآخر. وكانت المسرحيات التي يخرجها أوخلوبكوف طبيعية في أسلوبها واشتراكية في مضمونها".
مسرح الفزع Theatre Panique :-
لعل أهم جماعة مسرحية التزمت روح بيانات آرتو هي جماعة مسرح الفزع التي قدمت عروضها خلال سنوات الستينيات في باريس من إخراج جيروم سافاري Jerome Savaryوقدمت الجماعة في لندن عام 1968 عرضاً بعنوان المتاهة The Labyrinth وهي ارتجالية عن مسرحية لأرابل Arrabal. وقسمت أماكن الجلوس إلى جماعات منفصلة من بعضها فوق الخشبة، وذلك كي يتاح للمثلين أن يتحركوا بحرية وسط الجمهور، بل أحياناً كان بعضهم يزحف تحت المقاعد. وحين تضاء الأنوار وتعزف الموسيقى، كانوا يدعون بعض المتفرجين ليشاركوهم الرقص، أما المتاهة فكانت شبكة متقاطعة من الملاءات والبطاطين معلقة على حبال غسيل عبر الخشبة وحول الصالة. وكان العرض الارتجالي يقدم تحت إدارة سافاري الذي كان يتحكم في تقدمه أحياناً من السقف من على قمة سلم متنقل، وأحياناً وهو منقلب رأساً على عقب فوق الجمهور، ويتأرجح السلم المتنقل فيتدلى ويمسك بحبل، والجمهور معلق الأنفاس، فكان يبدو مصراً على التحكم في الممثلين و الجمهور جميعاً كمدير حلبة، يؤدي دوره كلاعب أكروبات وفنان ترابيز معاً. وقد خلق كل هذا جواً من الإثارة والتوتر. وأحياناً كان ينطلق ممثلو العرض شبه عراة إلى شوارع لندن فيفزعوا العابرين. ويؤخذ الجمهور من هذا الجو المليء بالإثارة الذي هو مزيج من الاحتفال بالعيد والمهرجان والكباريه والنادي الليلي والمعرض وصالة الرقص و حفل للعراة والطقس الديني"().
برتولد بريخت ( 1898- 1956 ) و المسرح الملحمى :-
أنشا بريخت بعض القواعد الفنية فى العرض المسرحى تشمل كل نواحية من ( الديكور – أسلوب التمثيل – الشكل ) هدفها جميعا هدم مبدأ الأيهام و التعاطف و إثارة وعى المتفرج بغرابة و تناقض واقعة الذى يقدمة العرض على خشبة المسرح .
بالنسبة له لم يكن المسرح يهدف فقط أن يقدم لجمهورة متعة تجربة جمالية , بل أن يدفعة لأن يتخذ موقفا عمليا من القضايا التى تهمة و تهم بلادة .
قد بنى بريخت نظريتة فى المسرح الملحمى على أساس إيمانة بفلسفة بيسكاتور و لكنة اختلف معة من خلال رفضة لمبدأ توحيد الصالة بخشبة المسرح لاعتقادة أن توصيل أى فكرة مباشرة للمتلقى لا تحدث إلا من خلال قطع عملية الأندماج الكلى بين المتلقى والعرض بل يجب إحداث احساس بالتغريب من خلال وسائل عديدة .
فعدل من شكل خشبة المسرح التقليدية و كسر وحدة التماسك للعمل الفنى وأضاف بعض
العناصر الرمزية لتساعد فى طريقة سرد النص الدرامى . مثل اللافتات أو شرائح ملونة عليها رموزتدل على فكرة العرض أو يتخلل العرض بعض الأفلام التسجيلية , و كل ذلك لرفض توضيح فكرة العرضمن خلال الإيهام و التمثيل حيث المشاركة السلبية , و كان يتعمد انهاء بعض المشاهد قبل أن تبلغ الذروة فيعمل دائما على قطع استمرار الحدث , و قد تسدل ستائر بيضاء تمتد عرضاً بعد كل مشهد ليجعل المشاهد بعيداً عن الأندماج و الأحساس الدائم بأنة داخل مسرح كان يجعل مصدر الأضاءة واضحاً و وضع مكان الموسيقين على خشبة المسرح و يجعل تغيير المشاهد فى بعض الأحيان مرئى للمشاهد حتى يكتمل الاحساس بالأغتراب .
فجاء تصميم الديكور لمسرحية " الأم شجاعة " واقعياً و لكنة كان مكتفياً بالإشارة التلخيصية إلى الأثاث أو الأبواب أو حتى الزمان فى حدود العناصر التى تشارك فى العرض فقط و بدونها يتوقف سير الأحداث . و قد تموضع إطارات من المعدن متوسطة الإرتفاع رأسياً و ممتدة أفقياً يتدلى منها أقمشة يسمح بتشكيلها سريعاً مع تغيرمشاهد العرض , كما خصصت شاشة كبيرة فى المؤخرة تعكس عليها نصوص مستندات مصورة تشير إلى الأفكار التى تدور حولها أحداث العرض , و هى بدورها لا تكتفى بمساعدة المتفرج بل لتستفزة و تحول بينة وبين الأندماج فى جمال الأداء بشكل كامل فهى تمثل عنصر التغريب العنصر الأساسى فى عروض المسرح الملحمى .
جوزيف شاينا ( 1922 - ) مسرح ستوديو :-
جوزيف شاينا بولندى الجمنسية , و لأعمال شاينا أهمية كبيرة فى الحركة المسرحية المعاصرة كأعمال جروتوفسكى و تادوش كانتور لما تحملة من قوة و إبهار للصور البصرية الشاملة و للعلاقة بين الفراغات و الحركة التشكيلية داخل المسرح مع الاضاءة المناسبة للعرض لتحويل الأحداث التاريخية الواقعية إلى رمزية تعبر عن الحدث برؤية تشكيلية جميلة تلفت انتباه المتلقى بدون تعقيد أو جهد .
و قد تعاون شاينا مع جروتوفسكى و قدموا عرضا عن مذابح اليهود اسمه اكروبوليس فى عام 1973 عمل شاينا مديراً لمسرحه التجريبى ستوديو و قدم من خلال اهم أعماله المسرحية مثل ربليكا و دانتون و سيرفانتس و فاوست .
و التعريف لكلمة أستوديو داخل مسرح شاينا هو التعامل مع العرض المسرحى باعتباره رؤية تشكيلية خالصة مجردة بتكوينات أفقية و يتم تشكيلها بين عناصر معلقة تمنح المسرح خلفية ثلاثية الأبعاد تتناسب مع أسلوب العرض , و هو تقديم صور متعددة منفصلة رمزية تعبر عن فكرة العرض لتتيح إمكانية تقديمها فى أماكن عديدة بعيدة عن الحيز المسرحى .
أما الصفة الرئيسية الحقيقة للعمل الفنى عند شاينا هى تجاوز التقاليد المتبعة فى المسرح الواقعى و البعد عن النمطية ، فالعمل الفنى عند شاينا خيالى حيث تتبدل الطبيعة إلى تجريديه فنيا فيستلزم من المتلقى إشتراكاً من خياله فى تكوين الحدث المرئى , لذلك فإن التشكيل يخرج من نطاق العادى و المنظور إلى نطاق الحقائق المصورة , و هو معنى آخر لمعنى كلمة مسرح " ستوديو " حيث أن السرد التشكيلى ما هو سوى وسط تأثيرى يؤثر على المتلقى بصور مختلفة يتم فيها التلاعب بالكلمات و اللوحات و الأحداث و لذلك اصبح مسألة العثور على مفتاح شامل لفهم النص هامشيا .
و الكلمة عند شاينا أصبحت غير معبرة فاللوحة التشكيلية للعرض هى الأساسية , فهو يرى أن الكلمة فقدت قوتها مع وجود الحقائق البالغة القسوة فى عالمنا , فأصبح الحدث المرئى أقوى و أكثر بقاء من الحدث المسموع و بذلك يجد الممثلون صعوبة فى أداء أدوراهم عند شاينا فيطلب منهم تقديم قدرات غير عادية و مثابرة طويلة و تدريبات شاقة لخياله للتنازل عن كل شئ سهل و بسيط و مباشر لتقديم عروض أقرب ما تكون إلى عروض الهابيننج (Happening ) .
و عروض الهابيننج ما هى إلا عروض يتم تقديم العرض المسرحى فيها بشكل كلاشيهات منفصلة , و هى لقطات مضاءة مختلفة أو منفصلة أو متصلة فى المعنى أى حادثة تأتى بالمصادفة و تبنى عليها بقية أحداث العرض تلقائياً و تنعدم فيها الحبكة المسرحية حيث تتميز بتصميم محدود مرن يمكن تقديمة داخل أى حاجز مسرحى أو خارج المسرح , مثل المتاحف أوالميادين أو فى مكان محدود المساحة مثل مخبز أو حتى محطة نقل عام حيث تواجد عدد كبير من الجمهور , و يتم العرض بعدد قليل من الممثلين بنص صغير , و عادة لا يتكرر مثلما كان شائعاً فى عروض الستنيات . و فى خلال عشر سنوات من العمل المتميز قدم شاينا العديد من العروض الهامة ذات الطابع الفريد أفادت فى تطوير حركة المسرح من خلال مسرح " ستوديو " , حيث كانت سمة المسرحة و تقديم مسرح بصرى شامل ينبع من تكوينات فى فضاء المسرح زاخرة بالحركة المتممة للحدث تمثل مع الاضاءة و المضامين التى يحملها النص و يقدمها الممثل باداء غير نمطى سرداً تشكيلياً مسرحياً مميزا يحمل معانى جمالية ممتعة .
توقف شاينا سنة 1981 عن إدراتة لمسرح ستوديو التجريبى نظراً للقوانين التى أدت إلى انتهاك حقوق الانسان فى بولندا ليصبح مخرجاً مسرحياً متفرغاً يخرج أعمالة المسرحية فى بولندا و خارجها من بينها مصر , حيث أخرج مسرحية " بقايا ذاكرة " لمركز الهناجر للفنون بالتعاون مع المخرج المصرى هناء عبد الفتاح .
بيتر بروك ( 1925 - ) :-
لقد تأثر بيتر بروك كثيراً بنظريات " أنطوان أرتو " و قدم تجارب عديدة فى إطار مسرح القسوة الذى دعا إلية أرتو , كما تأثر بأسلوب المخرج الروسى " فسفولد مايرهولد " الذى تميز بالبساطة فى الديكور و إستخدام الموسيقى و الإضاءة كوسيلة للتجريد و التعبير عن أفكار المخرج و التعبير عن أفكار المخرج.
و أخذ أيضاً بعض المناهج من " برتولد بريخت " و " جيرزى جرتوفسكى " و من " المسرح الحى " و" الطقوس الأفريقية " و " التقاليد الشرقية " التى ظهرت خلال أعمالة المسرحية .
ومع نشأة بيتر بروك فى وسط اتجاة المسرح نحو المسرح التجارى , إلا أنة حاول اتخاذ منهج مخالف , حيث يرى أن المسرح التجارى يقتل عملية التجريب و الأبداع فكانت أفكارة غير نمطية أو ثابتة و هذا ما يميزة لإتساع خبراتة الفنية .
اعتمد نجاح بيتر بروك على تقديم عروضة المسرحية للعامة و الخاصة بسواء و اختيار عروض من الكلاسيكيات و الحديث مثل العاصفة و الملك لير و حلم ليلة صيف و مارصادا و أوديب , أو حتى عروض ليس لها نصوص مكتوبة مثل " أورجاست " العرض التجريبى الدولى الذى ابتكرة على أرض إيران بمدينة شيراز حيث الأثار الإيرانية القديمة .
مثال : مسرحية الملك لير :
انبهر بيتر بروك بأعمال بريخت ذات التجريبى و أعمال صمويل بيكت و فلسفتها العبثية حيث كان لها أثر فى إخراج " الملك لير " و نظراً لمضمون قصة الملك لير من أحلام وحشية و قسوة و صراع ( دموى ) لم يجد بيتر بروك أفضل من مفهوم القسوة لأرتو منهجاً لإخراج تلك المسرحية , أما الديكور فكان مبنيا على أسلوب الأستعارة فى إطار مفاهيم واقعية مادية صلبة ملموسة من قطع الديكور ( حبل , كراسى , عربة , ستارة ) أى شئ يوحى بالجو الإجتماعى للمسرحية و تكون محور العرض .
جاء الديكور و الملابس فى عرض الملك لير الذى صممة بيتر بروك مجرداً و يشبة تكتلات من النحت , أما الملابس كانت جلدية بها بعض الموتيفات التى تدل على روح العصر , و تدلت شرائح برونزية من أعلى المسرح لتحدث أصوات الرعد عندما يخلو المسرح من كل قطع الديكور فى بعض المشاهد الفردية.
عرض مارا – صادا 1966 :
و قد أفاض بيتر بروك فى إخراج عرض مارا – صادا عن رؤية متعددة التفاصيل , فإستخدام المكياج بمعيار مبالغ فية , إلى جانب المبالغة فى تجسيد التشويهات الخلقية والجسدية , مع تقديم مشاهد تعبيرية صامتة ( ميم ) , و إضافة عناصر صوتية و تعبيريةو ضوئية قوية , و كل ذلك لتحقيق أهدافة الفنية تمثلت فى امتزاج التناغم بين عبثية " بريخت " مع قوة " أرتو " الأمر الذى أثار النقاد وجذبهم وسحرهم.
ماهابرتا :
ومن العروض المميزة أيضاً عرض ماهبرتا , حيث إستطاع بيتر بروك تصميم حركة تعبيرية للمثلين بشكل هندسى و إقامة مواقع الأحداث خلال تلك الأوضاع داخل الفراغ المسرحى , مع تبسيط فى عناصر الديكور و حتى خطوط و طرز الأزياء مكتفياً بدلائل رمزية توحى بمكان و شخصية العرض بدون تحديد زمن تاريخى وقعت فية أحداث العرض , فإراد بروك أن تتواجد عناصر داخل مفردات الديكور مركبة بالإمكان تطويعها و إستتخدامها بشكل متبايت , مثل تحويل قطعة قماشس إلى بركة مياة أو سحابة , و غيحاء بالعصا بأنها رمحاً سحرياً يستخدم للقتل و الدفاع عن النفس . يحتوى عرض ماهابرتا على عناصر متنوعة من المسرح الراقص الأسيوى و السير الشعبية إلى جانب من فنون الحرب و عروض السيرك الصينى , و كلذلك من عناصر فنية لعكس وجهة نظر النص لعرض مجتمع غير مستقر على وشك الأنهيار .


تادوش كانتور ( 1915 – 1990)
ولد تادوش كانتور فى بولندا , و قد أسس خلال خلالالأحتلال النازى أول مسرح تجريبى مستقل يقدم عروضة داخل المنازل فى سرية بعيدا عن يد الاحتلال , و بعد الحرب ذاع صيت تادوش كانتور كأحد مؤسسى المسرح الطليعى .
إن أكثر المسرحيين لا نمطية , بل يعد أكثرهم اقترابا من مفهوم فنان المسرح حيث خلق من خلال إبداعاته مسرح له فكرة جديدة أسهمت فى خطى المسرح التجريبى نحو التجديد هو المخرج تادوش كانتور .
مسرح المستحيل :
مشكلة المكان و كذلك تنظيم أماكن العرض , و التنسيق بين الأداء التمثيلى مع الفضاء المسرحى و الديكور تمثل الموضوعات الرئيسية لعدد من المجددين التجريبين . فى اثناء تجارب كانتور من خلال مسرحية كريكوت-2 وجد فكرة مسرح جديد اطلق عليه اسم مسرح المستحيل , و كلمة مستحيل كمصطلح يعبر عن رؤيته الواضحة فى ابداع عرض مسرحى يخلو تماما من فكرة الإيهام أو الوهم , لتحل محلها فكرة الترحال المستمر للبحث عن الحقيقة الفنية و ليس الواقعية . و الترحال المستمر يعنى البحث عن مكان للعرض جديد غير مالوف , مثل أرض جليدية فى جبال الألب اليولبانسكى أو عند ساحل البحر الأدرياتيك أو حتى فى كازينو للعب القمار بمنطقة بليد , عند محطة قطار فى بيت فقراء أو أيتام فى مقر شقة مدمرة تدميراً شبة كامل , حتى فى غرف خلع الملابس أو كواليس المسرح أو فى سينما , حتى فى أماكن تحت الأرض . و لتلك الأماكن الغريبة و مدى تأثيرها على العمل الدرامى فى وجهة نظر كانتور , هى جوهر المسرح لخلق واقع إصطناعى , و عناصر المكان الواقعى و إعادة تنظيمها لإيجاد جو مناسب مع طبيعة المسرحية تلك الصعوبات التى واجهها ما هى الا مستحيل يتحول الى ممكن .
اما الممثل عند كانتور ماهو إلا نموذج يعبر عن الانسان و ذاته موضوع امام أعين المتفرجين , فالممثل الذى يؤدى فى الشوارع و الأسواق و الميادين لا يخجل من إبداء ما يفكر فيه و يراه , و يظهر قدراته فى التعبير عن السلوك الانسانى بطريقة تلفت الأنظار اليه و يكون لدية قدرات فى التحكم فى جسده ليكون معداً لكافة التغيرات و الانفعالات بدون نمطية فى الأداء .
اما بالنسبة للسياق الدرامى فالكلمة لم توضع بشكل تقليدى نمطى على شكل حوار أو مونولج , أما أدوار الممثلين فكانت متغيرة مناسبة إثناء العرض وتقدم بطريقة مسرح الواقعة – الهابيننج – Happening .
جيرزى جروتوفسكى ( 1933- 1999 ) المسرح الفقير :-
يعتمد الديكور على عناصر تميل إلى البساطة مما يتيح للمتفرج فرصة التأمل و الخيال و يجعل الممثلين أكثر قدرة على الأندماج و معايشة المواقف المختلفة دون ان تسبب كثرة الديكورات و تعقيدها فى تشتيت تفكير كل منهما و تنتهى كافة العروض الطقسية وسط الجمهور حيث ينتظر الاجابة المرتقبة و حيث يجد كل فرد نفسة فى قلب الواقع المراد تغيرة . أما عن العناصر المستخدمة فى الديكور فهى كثيراً ما يعود استخدامها إلى طقوس الأسلاف المتوارثة جيلا بعد جيل و إن كانت دلالاتها قد اكتسب معانى جديدة مع احتفاظها بمكانتها فى قلوب من توارثها و ما تفرضة من احترام و خشوع على من يعيدون استخدامها .
الرمز :-
فالرمز الذى يمارسة المسرح الفقير هو أولا الشكل المحسوس لتعاليمة ذات الأصل التلقينى
و هى لغة تفوق فى عالميتها كافى اللغات العادية التى تتوقف عند حد ماهو مرئى و مألوف .
فالرمز يشير إلى وجود حقائق جوهرية تختفى وراء تلك المظاهرالتى يتعين على المتلقى التعرف عليها طوال فترة العرض فكافة عناصر الطقس , ما هى إلا مادة تدعو للتأمل و تثير التساؤل .
رمزية الأماكن :-
كان الفراغ المسرحى فى الطقس التقليدى ينقسم إلى مستويين الإلهى السماوى و الإنسانى و الأرضى و من هذا التوافق و التناغم الذى يضم القوى العليا و الجموع و منظم الطقس كان ينبع الطقس القادر على تغيير و تبديل الحال أما المسرح الطقسى الذى أخلى الأرض و السماء ممن يقطنها فإنة يضع المجتمع فى قلب الفراغ المنوط إلية التعبير عن مشاكلة و محاولة إيجاد حلول لها .
و لقد احتفظ فى بعض العروض بالدائرة الطقوسية التقليدية المشكلة نصفها من الممثلين و النصف الأخر من المتفرجين و هناك دائما فى أول العرض ممثل مسئول عن تلك الدائرة ببودرة و يدور داخلها و هو ينشد الأغانى و هذا الفراغ أيضاً منظم بحيث يتسع للأدوات و الأكسسورات الطقسية و للشخصيات التى لا يتاح لها التعبير ببلغة إلا فى الأماكن المحددة ذات الدلالة ايضاً .
ونجد مما تقدم ان منهج جروتوفسكى فى تحديد ماهية المسرح الفقير من حذف كل ما يمكن الأستغناء عنه فى المسرح كالنص , و الديكور , و الاضاءة , و الموسيقى , و الزى المسرحى , و المكياج , و القناع , بحيث لايبقى سوى عنصرين اساسيين لا يمكن الاستغناء عنهما الممثل و المتفرج و حتى هذين العنصرين يمكن الاقتصاد فيهما بحيث لا يبقى سوى ممثل واحد يقابله متفرج واحد , و هذا يكفى ليكون هنالك مسرح , فالمه بالنسبة لجروتوفسكى هو تعميق علاقة التواصل الروحى التى تنشأ بينهما و التى تأخذ طابع الاتفاق الضمنى . من هذا المنطلق أعاد جروتوفسكى النظر بهدف المسرح ككل , تماما كما فعل آرتو فى مسرح القسوة , و قد طالب جروتوفسكى بالطابع الاحتفالى فى العرض , بحيث يطغى هذا الطابع على الرغبة فى المحاكاة و تصوير الواقع .
جوزيف سفوبودا (1930 - ) :-
وظف سفوبودا التكنولوجيا في خدمة الفن باستخدامه العرض الضوئي ، واشتهر بادخال تكنولوجيا التقنيات المتعددة في عالم المسرح ويعتبر أشهر المصممين المعاصرين في هذا المجال ، كما استخدم المنصات المسرحية المتحركة لإحداث تشكيل بصري على خشبة المسرح ، واستخدم مواد حديثة في تصميماته . و قد قدم سفوبودا في المسرح القومي في براج الكثير من الأعمال الدرامية ، و الفن الأوبرالي و فن الباليه.
" وقد بدأت المساهمات الفعالة لسفوبودا في مجال تصميم المناظر المصرحية عندما اشترك مع المصمم والمخرج المسرحي ألفريد رادوك Alfred Radok في إرساء قواعد مسميين فنيين : الشاشات المتعددة Polyeckran ولتيرنا ماجيكا Laterna Magika . و يقتصر الأول على استخدام الصور المعروضة ولكنها تتعدى الشكل التقليدي للعرض المسرحي باستخدام شاشات مختلفة على أبعاد مختلفة ، ويعرض صور مختلفة على كل منها يعطي الحق لجمهور النظارة في متابعة ومشاهدة ما يشاء . أما اللاتيرنا ماجيكا فقد أضافت إلى الأسلوب السابق العنصر البشري الحي "() .
" وبذلك تمكن الرائدان من تقديم و خلق رؤية جديدة للمناظر المسرحية عن طريق الدمج بين العرض الحي للممثلين ، و الصور و الأفلام المعروضة للمثلين أنفسهم على شاشات متعددة . و قد بدأ سفوبودا في إدخال عناصر من هذه التجارب في عمله المسرحي ، واستخدم هذا الأسلوب لأول مرة في المعرض العالمي الذي أقيم في بروكسل عام 1958" () .
و مزج سفوبودا بين بين الصور الساكنة الصور المتحركة على الشاشات ، كما سلط الصور الضوئية على أسطح مثل ألواح البلاستيك ، و المرايات ، و الشباك .
واستمر سفوبودا في اكتشاف وعرض تطبيقات خاصة بالأسلوب الجديد، وأدت هذه الاكتشافات إلى ذويع صيته في أنحاء العالم وأصبح أشهر الرواد المؤثرين عالمياً في مجال التصميم المسرحي. "وكان سفوبودا يستخدم اسلوب العرضالأمامي بجهاز عرض الشرائح Front Projectionـ ، مما يمكنه من عرض الصورة على مساحات متنوعة ويسمح بإيداع أكبر في تصميم الشاشة . وقد تكون مساحات العرض الأمامي ثلاثية الأبعاد ، أو تكسر لتسمح بالعرض خلفها ، أو وسط الشاشات . وينفذ أسلوب الشاشات المتعددة بشكل أفضل في العرض خلفها ، أو وسط الشاشات . وينفذ أسلوب الشاشات المتعددة بشكل أفضل في العرض الأمامي . وتظهر روح الابتكار و التقنية لدى سفوبودا في استخدامه للآلات و الإضاءة و الأدوات الإلكترونية. و يسمح استخدام جهاز عرض الشرائح على خشبة المسرح بعرض أجزاء من أفلام مصورة على شاشات تسمح باختراق وحدة المكان، حيث يظهر الحدث على مساحات مختلفة م المسرح وعلى شاشات مختلفة . و توجد أنواع أخرى من العرض الضوئي تركز انتباه المفترجين على عالم يتناوب فيها السطحي والبارز ، والعميق الغائر . ومن هذا المنظور ، يمكن أن تنفذ الأبحاث الحديثة التي تجري في العديد من البلاد بواسطة شعاع ليزر Laser " ().
خشبة المسرح والديكور:
في الستينيات قام سفوبودا بإجراء عدة تجارب لاستخدام خشبة المسرح المرنة القابلة للتغيير باستخدام المنصاب المتحركة . فقد أخذ سفوبودا في البحث عن طرق مختلفة تجعل خشبة المسرح مرنة تماماً حتى يتمشى حجمها و شكلها مع التغير السريع في النص المسرحي. وبالإضافة إلى العرض الضوئي أضاف الشاشات المتغيرة و الأرضيات المتحركة . كما استخدم أساليب كثيرة و متنوعة لمعالجة الجانب المرئي لخشبة المسرح. و ابتكر وسائل جديدة لتغيير الديكور بسرعة و سهولة بما يتواءم مع متطلبات المسرح الحديث . " وتستند أعمال سفوبودا في تصميم الديكور المسرحي إلى أسلوب مجازي مختصر و ليس أسلوباً واقعياً ، فالديكور بالنسبة لسفوبودا مثله مثل الإضاءة يجب أن يكون دينماكياً متحركاً و ليس مجرد إشارة سكانة للمكان ، لذلك استخدم الأرضيات المتحركة و المستويات الأفقية التي ترتفع و تنخفض لتؤكد الديناميكية . كما استخدم معدات ، و خامات و تكنيكات معاصرة لخلق الشكل الأخير لسينوجرافيا المسرحية و يظهر ذلك الاسلوب في عرض روميو وجوليت Romeo & Juliette على المسرح القومي في براج عام 1964" () .
"و في ديكور مسرحية أوديب الملك عام 1963 ، قسم سفوبودا المسرح إلى مساحات على مستويات مختلفة ، حيث استخدم سلماً كبيراً تمتد درجاته من أعلى إلى سقف المسرح ومن أسفل حتى الجزء الأمامي من المسرح ، وكأن الفنان وضع قناعاً على خشبة المسرح ، ويعتبر هذا الاسلوب تطور للمسرح الإيطالي ، برؤية معمارية للديكور المسرحي . و يرجع هذا الأسلوب الهندسي إلى الأبحاث التي اطلع عليها الفنان مثل أبحاث أبيا وكريج التي تهتم بالفن التشكيلي ، وتؤكد على القيمة التشكيلية للمثل على خشبة المسرح "().
الضوء كمنظر مسرحي :
" استخدم المخرجون المصممون: روبرت ادموند جونز Robert Edmond Jones (1887 - 1954) و أبيا و كريج الضوء كعنصر اساسي في أعمالهم المسرحية . إلا أن التقنيات المتاحة لم تسمح لهم بتحقيق أحلامهم ، حتى قام سفوبودا بتوظيف كامل للضوء في العمل المسرحي . وتعتبر نظريات الضوء التي تحدث عنها أبيا و كريج و نفذها سفوبودا جزءاً هاماً . جداً من ممارسات السينوجرافيا في العصر الحاضر . فاستخدام تأثير الضوء على الأسطح المختلفة و الانعكاسات و اختلاف الكثافة من الشفاف إلى المعتم ، أثرت على الشكل النهائي للديكور المسرحي . و للضوء تأثير درامي كبير على العرض المسرحي ، وقد جرب سفوبودا في مسرحه استخدام الإضاءة ذات الفولت المنخفض لإحداث تأثيرات مختلفة على خشبة المسرح . فقد اتسخدم الإضاءة كعنصر أساسي من عناصر الديكور كون به مناظر مسرحية كاملة و على سبيل المثال في أوبرا تريستان و ايزولد لفاجن Tristan and Isolde استخدم عموداً من الضوء و عدداً من المستويات الطائرة التي تساعد الضوء في تكوين المنظر المسرحي . و قد استخدم سفوبودا مؤثرات وتكنيككات خاصة تعكس الضوء وتمكنه من الاحتفاظ به معلقاً في الهواء مدة طويلة ، واستخدم الضوء في توضيح الجو النفسي ، وملاءمة أحدات المسرحية وليس فقط كعنصر تشكيلي على خشبة المسرح ، وكان أول من طور على مجال و اسع جداً تعليق بعض الأشياء والعناصر في الهواء لتحقق انعكاسات للضوء. وقد استمرت التكنولوجيا الحديثة متمثلة في استخدام المصادر الضوئية البراقة، وشاشات العرض الموزعة تشكيلياً على خشبة المسرح ذات المستويات الأفقية المتحركة في فتح الطريق أمام استخدام الضوء كديكور مسرحي " ().
مسرح البيئة :-
يقوم المسرح البيئى على فكرة أساسية و هى أن الفراغ الذى يقدم فية الأداء المسرحى يجب أن يضم كلا من الممثلين و المتفرجين على السواء , و الغرض من هذا المفهوم هو خلق تجربة يشارك فيها الجميع حيث يصبح الجمهور جزء لايتجزأ من الحدث . و قد تم تعريف تقسيم الفراغ داخل عروض مسرح البيئة إلى نوعان على يد المخرج الأمريكى

ريتشارد شيشنز ( 1930 - ) :-
فهو مخرج أمريكى و ناقد و أستاذ جامعى و مؤسس مجموعة العرض Performance Group التى اتخذت من مسرح البيئة أسلوبها فى العرض .
فالفراغ الأول هو ذلك الفراغ الموجود فى الأساس و تحول ( Trans Formed Space ) ليشكل بيئة مناسبة للعرض بتصميم يشمل كل الحيز المتاح بدون تقسيم بين مكان الأداء و مكان المتفرجين , أما التصميم داخلى الفراغ فيتطور مع أسلوب اتجاه العرض ليلبى احتياجات المخرج و الممثلين و الفنيين .
أما الفراغ الموجود Found Space فهو بيئة محددة يتم التعامل معها كما هى فى الواقع حيث عدم القدرة على تغييرها مثل الأماكن العامة و الميادين و الحدائق أو الشوارع .
و فى كلا الفراغين المحول و الموجود هناك مبدأ , للأداء هو ان المتفرجين يمكنهم بحركاتهم أن يعيدو تحديد الفراغ دون توقع أو قصد فعلى المؤدين ان يكونوا مستعدين للتكييف مع هذه المرونة للبيئة , و ان يستفيدوا منها حيث تصبح بؤرة التركيز مرنة و متغيرة , و قد تكون هناك أكثر من بؤرة محورية للتركيز , أى قد يكون هناك أكثر من حدث يقع فى نفس وقت العرض و حول الجمهور الذى يمكن إن يجتازها ينظر إلية وبأى ترتيب او تسلسل , ولكن على المخرج أن يدرس معدل استعياب الجمهور لعدد من الأحداث إذا أراد ان يترك انطباعاً محدداً .
و اختيار مكان العرض يكون على مسارح تشيد مؤقتاً لخدمة العرض فى الميادين أو الجراجات العامة أو حتى فى مسارؤح ثابتة تبنى على مفهوم مسرح البيئة , حيث تكون ذات مساحة متغيرة لا تسمح بعدد كبيرة من المتفرجين و بمستويات مختلفة و مقاعد غير ذاتية , و تستخدم من قبل الجمهور و الممثلين الذين قد يكونوا بين صفوف الجمهور المتلقى , أما الاضاءة فتكون لها أهمية درامية هامة فى مكونات العرض فى مكان مغلق أو هامشية فى الأماكن المفتوحة أو ذات تقنية عالية و متطورة فى المسارح المشيدة خصيصاً , و كل ذلك يرجع لأسلوب المخرج .
أما النص فيكون هامشيا ليلبى فقط احتياجات العرض المسرحى , و قد تبنت العديد من فرق المسرح مبدأ مسرح البيئة فى أسلوبها مثل فرقة ( المسرح الحى ) و فرقة ( مسرح الشمس ) و ( المسرح المفتوح ) نظراً لمميزاتها لأساليب العرض .

بيتر شومان ( 1934 - ) و مسرح الخبز و الدمية :-
ولد بيتر شومان فى سيسليا , وتعلم فن النحت و الرقص فى ألمانيا سنة 1959 و لتأثره بدراسته اسس مسرح خاص له سمات مميزة , فهو يعتبر أن المسرح شئ ضرورى فى حياة الإنسان و أساسى تماما كالخبز بالنسبة للعامة , و من هنا جاءت الفكرة المميزة لعروض مسرح الخبز والدمية فبيتر شومان لا يقصد بعروضة الشخص المثقف المتردد على المسرح , و إنما الذين ابتعدوا عن الحضور إلى المسرح فجاء إلى الجمهور بالمسرح .
أسس بيتر شومان مسرح الخبز و الدمية سنة 1962 و من أهم مبادئة رفضل العمل داخل الحيز المسرحى يقلل من استجابة الجمهور و يحد من عملية التلقى و التأثير .
فيقدم أعضاء مسرح الخبز و الدمية فى الشوارع و الأماكن العامة العرض الملائم للمكان الذى يتصادف وجودهم فيه فيستخدمونه كله , من درجات أو نوافذ و طرقات و أبواب فيتخللوا داخل الحشود و يجبرون الجمهور على المشاركة فى العرض لإحداث تفاعل حقيقى بين المؤدى و المتلقى للوصول للهدف الأساسى للمسرح و هو التأثير على الجمهور بفكرة العرض و جماعة المؤديين مرنة لأقصى الحدود , يتغيير عدد أفرادها حسب حاجة العرض , أما الموضوعات غالباً ما تكون سياسية و أحياناً تكون أخلاقية من وحى الكلاسكيات القديمة أو ذات موضوع و فكرة بسيطة .
تقدم جماعة الخبز و الدمية مسرحاً فقيراً , مقدساً من حيث الأدوات التى يستخدمونها ما عدا الأقنعة التى تصنع بعناية , فتلك الخامات هى ما يمكن أن تتواجد فى أى سوق للمخلفات مثل الثياب المهلهة , أو عدة أمتار من القماش و الستائر , فهم يلبسون ما يتصادف أن يجدوة بتلقائية وسلاسة .
وتتميز عروض المسرح بالبعد عن التجريب و الميل نحو المذهب التعبيرى فى الأداء , فهى خليط من كل الفنون المرئية التى تتميز بحرية فى التعبير و مرونة فى الأداء و المزج بين أنواع الرقص مابين الكلاسيكى و الحديث دون الحاجة للممثل أن له خلفية مسبقى لفنون الرقص الكلاسيكية المدروسة .
عندما تبدأ جماعة الخبز و الدمية فى تهيئة الجو لتقديم عروضهم, فيخرج الممثلون إلى شوارع نيويورك مرتدين قمصاناً و بنطلونات بيضاء واسعة محيطين جبهتهم بشرائط ملونة , و على رؤسهم خليطاً من أنواع القباعات و يدور الممثلون بالشوارع و يقرعون الطبول الصغيرة و تصنع الفرق أيضا دمى عملاقة تصل أحياناً إلى ثلاثة أمتار و دمى نصفية تعتمد عليها الفرقة مع حشود الممثلين للفت أنظار المارة و إبهارهم و التأثير عليهم و دفعهم إلى المشاركة ليعوا المشاكل التى تحيط بحياتهم اليومية .
و لبيتر شومان دور غير ظاهر يسيطر بة علىأحداث العرض فهو يرفع مصباحاً مضيئاً ينير به الأحداث و يسلطة على نقط التركيز الذى يريدها للتأثير على المشاهد و يقود الممثلين حين يغنون أو يرقصون و فى يدة ميكروفون يعدو بة أمام الجمهور , و يقوم بسرد ملخصاً للمسرحية , و أحيانا يفسر الأحداث أثناء العرض و يلعب دور فى الحدث إذ لزم الأمر , او يقدم نهاية لقصة المسرحية التى تعرض أمام الجمهور.
( و فى أثناء العرض أو بعدة يتم توزيع خبز له مذاق خاص مصنوع فى فرن متنقل خاص مع الفرقة لتأكيد فكرة أن الخبز ضرورى فى حياة الأنسان مثلما يكون المسرح بالنسبة له أيضاً ) .
ومن أهم أعمال بيتر شومان حتى الآن هى مسرحية ( صرخة الشعي من أجل اللحم ) و هى روايتة التى كتبها لما جاء فى العهدين القديم و الجديد , و قدمها من خلا رؤية ساخرة عن زواج إله السماء و إلة الأرض , و فيها يستخدم دمية ترتفع أربعة و عشرون قدماً و ترقص على أنغام الهارمونيكا , و يأتى صوتها من خلال ميكروفونات حيث يتميز بالخشونة . و يولد " كرونوس"
شخصية العرض , على شكل فارس فى حجم الأنسان العادى يشق طريقة من بين أكوام الورق الممزقة فيبدأ فى قتل أبية بلوى رأس الدمية العملاقة فيحولها إلى ملاءة حمراء تعلو و تهبط
فوق خشبة المسرح بشكل رمزى يدل على إراقة الدم . و فى جانبى المسرح ستارتان مكتوب على إحداهما النار و الأخرى الجنة , و يضع أمامها شوفان دميتين ليرمز بهما إلى أن اللة وهب أدم و حواء الحياة . و فى الخلف يجلس الممثلون مرتدين الأقنعة وسط الورق الممزق , و مع مصباح شومان المتنقل بين يدية يستطيع خلالة أن ينجح فى خلق جو ينقل رؤيته لمصير الإنسان حيث أن هذة الفوضى التى على المسرح هى نفسها التى من وسطها خلق الله النظام . و فى مشهد قوى و مؤثر ينير شومان مصباحه ليعلن عن بدء طوفان من رؤوس الخنازير التى ترمز إلى وحشية الإنسان , و يقود شومان أحدهم فى المقدمة و من خلفة باقى الممثلين المرتديين أقنعة الخنازير المتوحشة ذات الأنياب , فيتزاحمون مثلما يفعل البشر فى مواجهة الحياة , ومن الخلف ترتفع أصوات ضجة حرمة النقل و المواصلات فى القرن العشرين . اما فى الجزء الثانى يتم الرمز إلى أحد الممثلين بأنه السيد المسيح فيضعون عليه ملاءة مع وجود قناعاً لطفل حديث الولادة و قناعاً آخر لفلاحة من فيتنام , و هى الرمز الذى يتخذه بيتر شومان دائما ليومز إلى القهر والألم فى معظم عروضه .
و يتقدم الممثلون لتزين المسيح بمختلف القرابين , فيضعون حوله الأوانى و يعلقون قلب أحمر حول عنقة , و إكلياُ من الزهورحول رأسة و يغطى جسم الممثل هيكل ضخم للسيد المسيح و يظل الممثل كذلك حتى نهاية العرض عندما ترتفع منضدة عليها الخبز الذى يتناوله الممثلين و توزيعه على الجمهور لترسيخ مبداء الفرقة فى أهمية المسرح فى حياة الإنسان مثل الخبز .
انتقل بيتر شومان بالفرقة إلى فريمونت عام 1970 , و قدم هناك عروض مثل عروض فرق الهواه , حيث أن الفرقة تعمل بشكل تلقائى غير منسق . و فى عام 1974 أقام بيتر شومان مزرعته فى شمال شرقى فريمونت , و هى مزرعة قديمة عمرها مائة و أربعة و أربعون عاماً , و بها حظيرة كبيرة حددها بيتر شومان لتكون مكان لعرض جميع الدمى و العرائس , و اختار فيها مكاناً كبيراً أقام فيه كل عام و لمدة ثلاثة أيام عروض مثل عرض السيرك و الميم و غيرها من الفنون التى تتمتع بروح المهرجانات التى أعادها بيتر شومان لفنون العرض .
جوزيف تشايكين ( 1935 – 2003 ) فرقة المسرح المفتوح :-
قام جوزيف تشايكين بالتعاون مع بيتر فيلدمان بتأسيس فرقة المسرح المفتوح بنصوص مكتوبة خصيصاً لهذة الفرقة . فهى نصوص مصاغة بشكل جماعى و فهم للمسرح كطريقة حياه مفتوحة مشتركة جماعية و ليست لها فكر فردى منفتحة لماهو جديد , و إلغاء التمييز بين الحدث السياسى و الحدث المسرحى فهو مسرح مفتوح لكافة طرق و مناهج الأداء و الوسائل الفنية الجديدة و لمزيد من التطور لقدرات الممثلين الابداعية .
إهتم تشايكين الذى عمل قبل تأسيس فرقته مع فرقة المسرح الحى بالبحث حول الكتابة و الإخراج المسرحى , المضاد للنمطية و الصيغ التقليدية فى المسرح مستغل موارد الحركة و الصوت أكثر من استغلال إبداع النص أو مدى حبكة الحكاية و التوازن بين حرية التعبير و تماسك الشكل . و للممثل حرية فى إدخال تعديلات على النص لتؤثر على أسلوب الأداء و ليس البنية الأساسية للمسرحية .
و قد تأثر تشايكين بمنهج جروتوفسكى فى المسرح حيث كان مسرحه مسرح فقير , أى اللجوء إلى توظيف أقل قدر من الديكور و تقنيات المسرح المختلفة من إضاءة و ملابس .
تناول المسرح المفتوح فى عروضه أهدافاً سياسية و قيم إجتماعية و اتجه إلى أسلوب ساخر فى التعبير لفضح مساؤى المجتمع , و التهكم على النظام السياسى الذى دعا إلى الحروب و خصوصا حرب فيتنام , و قدمت الفرقة عروضاً كثيرة تحمل الطابع التحريضى فى المسرح ذات وقائع تمثيلية تخلق لدى المتفرج الشعور بمعايشة الحدث و المشاركة فيه نظراً للتفاعل بين المؤدى و المتلقى . و قد قدم المسرح المفتوح عروضاً يتعاون الممثلون و المؤلفون فى إرتجال عروض تعبر عن نقدهم للمجتمع و النظام السياسى منها الصخرة الفيتناميةViet Rock 1967 و التى تعتبر من اهم عروضهم , و ثلاثية تحيا امريكا Viva Amercia 1966 , عروض للطفرة Mutation Show 1971 , و أخيراً النزهة الليلة Night Walk 1973 , حيث تفرقت الفرقة بعدها و أنهت مشوارها الفنى .
عرض الصخرة الفتنامية The Viet Rock :
كتب نص عرض الصخرة الففتنامية أثناء قيام الحرب فى فيتنام , و هو عرض بسيط و مركب فى نفس الوقت فالبساطة من خلال فكرة النص و هى ذهاب أفراد الشعب إلى الحرب و المعاناة التى يعاصروها من مشاهد القتل و التعذيب و الغربة بعيداً عن الوطن حيث فقدان للإستقرار و مشاعر الحب و إستبدالها بالإحساس بالغضب و من خلال ذلك تأتى الأحداث تأتى الأحداث متسلسة واضحة .
أما التعقيد من خلال طرق الأداء , فالمشاعر المخطلتة و ذكريات الجنود لأحبائهم و المواقف التى يتذكرونها يتم عرضها على المسرح بطريقة كلاشيهات منفصلة زمنياً . و يصعب أيضاً تحديد الأدوار حيث تعددها مع وجود مبداء الأداء الجماعى فيتم تبادلها بين المؤديين و هم كثيرون مابين خمسة عشر و عشرون حسب إحتياج و رؤية منفذوا العرض .
و نظراً لإلغاء عناصر الديكور لتعاقب الأحداث سريعاً فليس هناك منها سوى بعض المقاعد الخشبية فقط ليعتمد عليهم المؤديون لأداء أدوراهم , فيلجئون لطرق البانتوميم و التحكم الجسدى للإيحاء بالعناصر الباقية التى تكون غير موجودة و لازمة لمشهد معين .
المسرح الحى :-
المسرح السياسى هو وجه من وجوة المسرح المعاصر , دائب التطوير والإنطلاق , وبموجب الدراسه والبحث لم يشهد العالم لفرقه مسرحيه تبنت موضوعات المسرح السياسى كما شهده لفرقه المسرح الحى , تلك الفرقه التى أثارت اهتماماً كبيراً فى الأوساط المسرحية العالمية لما
قدمتة من بصمات حقيقية فى حياة المسرح الطليعى المعاصر على نحو جعلها تتمتع بلقب الفرقة
الأم لسائر الفرق الطليعة فى أنحاء الولايات المتحده .
جوليان بيك:-
أسس جوليان بيك (1985-1925) وزجتة جوديث مالينا (1926)فرقة المسرح الحى وقد عكست هذه الفرقه التغيرات داخل المجتمع الأمريكى وداخل أيضا المسرح التجريبى , ولقد نالت هذه الفرقه شهرتها عما استخدمتة من أساليب وأبدعته من أفكار لعرض مسرح سياسى تحريض للجمهور للمشاركه فى الثورة على التغيرات الاجتماعيه والسياسيه حوله. وقد اضطرت فرقه المسرح الحى فى بدايه شهرتها الى الهروب من تقديم عروضها فى وطنها أمريكا ,ونظرا لحمله جمع الضرائب الحكوميه عليها فقررت الفرقه السفر الى خارج الولايات المتحده للطواف بعروضها فى أنحاء أوروبا , وفى ذلك المنفى الإرادى الذى استمر قرابه أربعه أعوام عرضت الفرقه فى منفاها إنتاجها فكان أروع مادمه مسرح معاصر فى العالم فى الثلث الأخيرمن القرن العشرين .
ولإنتماء فرقه المسرح الحى لأسلوب المسرح الطليعى واعتناقها لمذهب المسرح الساسيى , الأساس الذى بنى عليه مفهوم الفرقه هو النبذ التام للحضارة المعاصرة ,والبيئات الاجتماعيه القائمه ,حتى إن أدى هذا الى نبذ جميع الأنماط التقليدية للحركه الساسية , مما جعلها تتجه الى الأشكال اللاعقليه التى تعبر عنها بأساليب سيريالية لحالات الحلم , والعوده ايضا إلى الأشكال الدرامية البدائية كما نجدها فى الطقوس القديمة والأساطير , ومثل هذا المزيج لايتضح الإ فى المسرح الحى لإلتزامه الصريح بالفوضوية .
ونجد أكثر الصور التى قدمها المسرح الحى قوة وإقناعاً كانت صوراً سلبية للنظام فى المجتمع الذى يقوم على القهر والاستغلال .وقد تم صياغه هذه الصور وإعادة تخليقها من عرض لإخر بحيث تؤدى إلى إثارة الإشمئزاز الاإرادى فى الجمهور .
وأسلوب أرتو ومفهومه لمسرح القسوة كما تراه فرقة المسرح الحى هو الأسلوب الأمثل الذى يوضح تقييد الانسان لممارسه حقوقه فى حرية , فوظفوا نظريات مسرح القسوة فى معظم أعمالهم . وتكشف عقيده ارتو معنى صفه " الحى " للمسرح وهى عدم التفريق بين الحياه والمسرح , أى كسر الحاجز الفاصل بين ماهو معروض على خشبه المسرح وماهو يحدث فى الحياة ومن ثم يتحول الحدث المسرحى الى حدث حقيقى . فقد اعتمدت الفرقه على أساليب الاستعارات أكثر من اسلوب القصه والحبكه وظهرت أجساد الممثلين لتتخذ أوضاعاً تجريدية فى التعبير تماثل تصورات أرتو وحلت الأصوات ( كالأنين والصراخ والعويل والترتيل ) , محل الكلمات يتخللها فترات صمت مع إستخدام الاقنعه فى أداء طقسى حيث لجأ جوليان بيك من خلال عروض فرقة المسرح الحى ألى أسلوب متباين وشديد يتسم بالعقلانيه معتمداً على صدمات مفاجئه ومتغيرة ضوئياً تلك التى تتشكل فى الأحلام والكوابيس .
ولقد اتسمت عروض المسرح الحى بالفوضوية السليمه أساساها القضاء على الرأسماليه عن طريق شحن الجماهير بأفكار السلام , و كسائر الفوضويين برفض أصحاب المسرح الحى السلطة لما تبثة من أفكار ثورية و اسلوب متجاوز فى التعبير عنها .
و المقصود بالثورة السليمة للمسرح الحى هو التصرف بحرية حسب رغباته و اهوائة و بالشكل الذى يراه فقد تكون الثورة فى صورة عدم تطبيق نظام الدولة أو فى صورة هتاف أو شعارت داخل محاشرات يلقيها أحيانا الممثلون على الجمهور أثناء العرض و قد تأخذ صورة أخرى كالشذوذ الجنسى أو كالتعرى للرمز عن الضحايا التى طحنت طاقاتهم النفسية و هم عاجزون عن تحرير أنفسهم أفراداً أو جماعات .
و أسلوب التعرى هذا يجعلهم دائما فى مصادمات مع الشرطة و إلقاء القبض عليهم خلال عروضهم نظراً لتخلى الجمهور عن ملابسهم تيمناً بالحرية نتيجة لتأثرهم بفكرة الثورة على نظام القهر .
و فكرة أسلوب الحب و العرى وبائى حيث تتصاعد العزيمة إلى دفع الممثلين إلى قيادة المتفرجين و هم عراة إلى خارج المسرح عبر موكب يمر بشوارع أمريكا و فى درجات حرارة أحيانا تصل إلى تحت الصفر , و هى فكرة هزلية فى حد ذاتها ترمز إلى راديكالية الستينيات . رغماً عن ذلك فإن المسرح الحى فى زعمه هذا يقر بشكل ضمنى باستحالة التحكم فى مستوى المشاركة المطلوبة , و يرجع ذلك إلى عدم ميل المجتمع إلى التجديد وإن سعى المسرح الحى إلى أفعال تلقائية من جانب الجماهير سلبهم سيطرتهم و هذا و هذا كان تبريراً إضافيا لأعمال المسرح الحى .
و فى عامى 1968 و 1969 اتسمت عروض فرقة المسرح الحى بالقوة و الصلابة بما أحدثتة من إثارة و تحريض , و لكى يحقق المسرح الحى أسلوبة فى مواجهة الجماهير يلجأ إلى اسلوب مهاجم لا عقلانى معتمداً على اسلوب صدمات مفاجئة فى التغيرات الضوئية تلك التى تشكل فى الأحلام و الكوابيس تنبع من تصرفات مزاجية للفرقة , و قد قدم جوليان بيك من خلال المسرح الحى العديد من العروض التى اتسمت بصفة الوقائع التمثيلية , و فيها يلاحظ غياب الديكور لأنها تقوم على مبداء التلاؤم مع المكان الذى تنسق فيه تلك العروض سواء كان مغلقاً أو فى الهواء الطلق بظام البيئة المكتشفة .
و تعتبر لغة الجسد من أهم الصفات المميزة للمسرح الحى , حيث يأخذ الجسد اشكالاً سيكولوجية وحشية و هجومية و يعد هذا المنهج و الأسلوب فريد فى التجارب المسرحية و يدل على شمولية العرض من الناحية البصرية .
ومن أنجح عروض فرقة المسرح الحى فى تطبيق لأسلوبها الفريد لأعمالها السياسية هى عروض فرانكشتين و الاسرار و انتيجون و الجنة الآن .
و يعد فراكشتين من أنجح العروض ذات الأسلوب الشامل للمسرح الحى , حيث أن هذا الأعداد يعكس افكار الفرقة تجاه الحضارة الحديثة و عدم الاقتناع بها فيحاولون من خلال العرض تصوير بشاعة الماضى و أمال المستقبل الغامض .و فرانكشتين ليس إلا شخصية مركبة لعالم و مبدع و معلم و ثائر بمعنى أنة شخصية تبحث عن نهاية المعاناة الانسانية للحصول على التوازن الشخصى فى ظل الحضارة التى افسدت الانسانية . و الرواية لم تكن إلا نقطة انطلاق للحدث أما القصة فليس للكلمات محل فيها , أما الإخراج جاء بلا منطق محدد , مجرد حيث تكون الصور فى العرض أكثر أهمية من تسلسل الأحداث .
إن الإذلال و العقاب الجسدى و العزل و هدم الشخصية هى من الأجزاء المكونة للمنطق الخاص لهذة المسرحية , و من ثم كان الهدف الذى يرمى إلية كل من جوليان بيك و جوديث ماليا و هو خلق صور تكون بمثابة مصدر للإلهام و إحداث ضوضاء مع السكون و المؤثرات الغريبة و الصور السريالية مع تداخل خيال الظل و الاضاءة المتوهجة أشبة بالكوابيس التى تهدف إلى استثارة عداوة الجمهور .
عرض فرانكشتين :-
و فى عرض فرانكشتين تمثل لغة الجسد العنصر الأساسى فى توضيح المعانى المراد توصيلها إلى الجمهور من خلال التوتر الجسدى مع إستخدام ايقاعات أو حركات متكررة فى مشاركة جماعية , و إستخدمت المخدرات بشكل صريح لبلوغ حالة الإلهام .
وعلى سبيل المثال نلاحظ فى المشهد الأول لفرانكشتين الممثلين على خشبة المسرح قد اتخذوا أوضاع اليوجا و تأملاتها و إتخذ الوضع الجماعى فى النهاية شكلاً متناسقاً , و لا يمر لحظة حتى يدرك المشاهد خلفية المنظر الكبير التى تتمثل فى كبائن مبنية من الحديد يبلغ ارتفاعها عشرين قدماً و تتكون من ثلاثة طوابق قسمت إلى خمسة عشر وحدة مكعبة , و قد احتوت على عدد من قضبان الحديد و الحبال و السلالم و الشبابيك . و فى أحد جوانب المسرح تجلس فتاة صغيرة فى هدوء , وقف الممثلين فى حالة تأمل من أجل أن تتمكن ممثلة شابة جالسه فى الوسط من الارتفاع والسباحة فى الهواء و من خلال الإنتظار للحدث تتم حالة من التأمل.
و عند انتهاء المشهد يبدأ مشهد مختلف معاكس فى الأحداث , حيث يتم تمثيل عمليات قتل جماعى فيجذبون الممثلة التعيسة , و يضعونها على صندوقق و يمشون بها من خلال ممرات الصالة وسط الجمهور , و تعلو صراخاتها و يعلو معها صرخات باقى الممثلين و يبدأون فى الجرى صعوداً و هبوطاً من المسرح , و ينتهى المشهد بلوحة نظم الممثلين فيها على شكل مجموعة من الأسرى حكم عليهم بالموت داخل الكبائن الخلفية الخمسة عشر , فقد شنق بعضهم و البعض الأخر رمى بالرصاص أو حتى بالصلب أو بالموت بالغاز .
فيظهر دكتور فرانكشتين و يقوم بحقن الفتاة بحقنة كبيرة و تبدأ أجسام الممثلين فى أن تتشكل لتأخذ شكل معملاً من الحديد يخلق منه فرانكشتين الانسان الجديد و يضاء المسرح ليمثل العالم و يسمع صوتا إذاعيا يعلن عن تصدم التكنولوجيا وسط الأحداث المعاصرة لتلك الفترة حيث مسيرة العمال و الرأسمالية و محاولة الماركسيين و الإنقلابات العسكرية , و فى لحظة يسودها السكون يسلط الضوء على أطراف مخلوق ضخم يصل طولة عشرين قدماً , مخلوقاً وحشياً يمثل تطور الحضارة نحو الدمار الذى يهددنا من حين لآخر .
و قد أثار عرض فرانكشتين إعجاب النقاد و الجمهور لمسرحته الشديدة , و لم يلق هذا العرض رواجاً لدى المهتمين بأصول الشكل فحسب بل كان مثالاً رائعاً لفلسفة المسرح الحى بالرغم من كل السلبيات التى اخذت عليه إلانه مازال موضع تقدير الجماهير التى تعاطفت مع اتجاه الفرقة الثائرة .
أريان منوشكين (1939 - ) و مسرح الشمس :-
ولدت اريان منوشكين فى فرنسا , و درست فى انجلترا و استكملت دراستها عن المسرح فى المدرسة العالمية للمسرح لجاك لوكوك , و أصبحت من اوائل و أكبر مؤسسى المسرح الطليعى فى فرنسا بعد تكوينها لمسرح الشمس سنة 1964 مع بعض من مؤيديها من طلاب المسرح الذين عملوا معها .
و قد كانت أريان منوشكين ذات تأثير قوى على حركة المسرح الحديث , حيث كانت من مؤيدى العمل الجماعى لإخراج العرض المسرحى , و اعتقادها ان الجميع يجب ان يساهموا بأفكارهم فى تحرير المسرح من القيود الثابتة بوجهات نظر مختلفة و متطورة , و خلق افكار جديدة لطرق الأداء بداية من الكوميديا المرتجلة حتى طرق المسرحة فى فعل الطقس الأسيوى و اليابانى حيث إستخدام الأقنعة و فنون المهرجين و انماط التمثيل الشعبى .
عرض المطبخ :
كانت بدايات مسرح الشمس من خلال تقديم عرض المطبخ عام 1968 لأرنولد وسكير Arnold Weskers , فهو عمل اتسم بالواقعية المبالغ فيها . و يصور العرض مأساة الزمن الحديث حيث تزداد الحياة قسوة و تنغمس الإنسانية فى آلية العمل فيتوقف التفكير عن المشاعر و التعبير عنها فالمطبخ فى المسرحية رمز للعالم أما العمال أو الطباخين نساء أو رجال فهم رمز للبشرية .
و قد واجه عرض المطبخ مشكلة فى مكان العرض حيث تم الاقتراح بالتوجه إلى سيرك ميدرانو المغلق لإعداده و ترميمه ليكون اختيار تقليدى يمثل وجه نظر ألأريان منوشكين لإعادة النظر للعلبة الإيطالية و الخروج عنها .
و تحول السيرك على شكل مسرح الحلبة حيث يحيط مكان الجمهور بمكان العرض بشكل دائرى , و لكن قطع الديكور التى تتمثل فى الأفران و المغاسل تركت فراغاً منفتحاً للحركة السريعة .
و قد تغلبت أريان منوشكين على صعوبات العرض من حيث الفراغ و تنظيم الحوار بين لحظات صمت و لحظات يتم فيها التمثيل عن العمل الجاد الشاق السريع , و تعلو أصوات غسيل الصحون و الأكواب لترمز لوقت الذروة لتحضير الغذاء . و قد أشاد النقاد بالعرض بأنه أفضل ما قدم خلال الموسم المسرحى .
ارادت أريان التوجه نحو الطبقة العاملة و جماهير اتحاد العمال حيث الجمهور الحقيقى التى كانت تناشده لرؤية عروضها لزيادة وعيهم بأحوال معيشتهم و واقعهم و إيقاظهم نحو العمل إلى التغيير فأخذت عروضها إلى أماكن المصانع المضربة عن العمل أو الميادين أو الجراجات أماكن تجمع العمال المضربين .
نظراً للتغيرات السياسية و إضراب العمال و المظاهرات التى اجتاحت فرنسا 1968 , دفعت
أعضاء مسرح الشمس إلى إعادة النظر فى أهدافهم المسرحية و إلى الدور الذى يقدموه و المعوقات التى تقف حيال تقديم عروضهم , فأعادوا تقييم عملية الإخراج و طريقة العرض فدفعتهم إلى البعد عن النصوص المكتوبة و تنمية مهارات الممثل الجسدية و الصوتية , وتلك الطريقة أخذت المسرح نحو عروض مسرح البيئة الذى إتسم بها أغلب الفن الطليعى و النظر إلى السمة الجوهرية التى ينطوى عليها فنون الشرق .
أرادت اريان منوشكين زيادة وعى الشعب الفرنسى بالتاريخ و الثورة التى تم إجهاضها من قبل السلطة البرجوازية , و دفعهم لعمل مقارنة بين التاريخ الماضى و الحياة اليومية التى يعيشونها لفهم قضاياهم بشكل أفضل . و مثال على ذلك ثلاثة عروض :
الأول :1789 : على الثورة أن تتوققف عند اكتمال السعادة .
الثانى : 1793 : مدينة الثورة من هذا العالم .
الثالث : 1957 : عرض عصر الذهب .
عروض1789 , 1793
و قد كشف هذين العرضين أن السلطة البرجوازية ولدت عام 1789 , و كان الإطار الذى صيغ داخلة العرض الأول عبارة عن فرقة مسرحية من فرق القرن الثامن عشر و التى تضم مؤدين
جوالين , و قد أكسب هذا الإطار أحداث العرض طابعاً كرنفاليان .
أما العرض الثانى فقد جسد المرحلة الثالثة من الثورة الفرنسية من خلال تقديم إحدى تجمعات الثوار الفرنسيين كنموذج لسلطة الشعب و الديمقراطية التى يشارك فيها الجميع , و فى كل من هذين العرضين تم دفع الجمهور بشكل مباشر حيث شارك بشكل ضمنى دور جماهير الثوار .
و قد اتسم العرضان بالتوجه السياسى أما بالنسبة للديكور فقد كان مكون من ثلاث موائد لتكون بؤرة تجمع الممثلين لأداء مكان يلتقى فيه الثوار و تكون قابلة أن تتشكل لتكون منصة يتم الأداء عليها أو الانتقال من مائدة إلى مائدة أخرى تمثل تتابع الفصول أو تسلسل الليل و النهار .
عرض عصر الذهب :
أما العرض الثالث فهو عصر الذهب 1975 فبدأت أريان منوشكين بتحويل أسلوب العرض إلى الرمزية بطابع غير تمثيلى , و التدريب على استخدام الأقنعة و ذلك بغرض خلق معادل معاصر له طابع التغريب يتحدى أنماط الإدراك التقليدية .
أما بالنسبة للديكور فقد أعاد مصمم الديكور جى كلود فرانسوا تقسيم أماكن الجمهور , و منطقة العرض ليكون هناك أربع ممرات بارتفاعات مختلفة تتقابل فى منتصف المكان .
و يكون العرض فى الممرات المنخفضة بينما يقف الجمهور على الممرات المرتفعة ليرى أماكن العرض و يتحركون وراء الممثلين بناء على طلبهم , و يجلسون أحيانا على الأرض ليستكملوا العرض الذى قد تزيد مدته عن ثلاث ساعات .
و قد أخذ على ذلك التصميم أنة صمم بدون وضع اعتبار لراحة الجمهور , حيث أن تتبع الجمهور للمثلين و تنظيمهم داخل الممرات و جلوسهم على الأرض ما هو إلا طرق تجريبية مصطنعة الهدف منها التجديد بدون هدف .
و فى أوائل الستنيات زارت أريان مينوشكين الشرق فتأثرت بالمسرح الهندى و المسرح اليابانى النو , حيث مظاهر المسرحة التى تبدو على الحركة و الملابس و استخدام القناع للتعبير عن الشخصية بدون أداء درامى سيكولوجى .
و قد ظهر ذلك فى عرضها جينكيز خان (1961 ) إلا أن النزعة الاستشراقية فى هذا العرض انحصرتفى المنظر المسرحى حيث الملابس و المشاعل و الأعلام .
و قد أهتمت أريان منوشكين فى إعادة النظر فى مسرحيات لشكسبير و تبنت عشرة منهم لم يعرض منهم سوى ريتشارد الثالث سنة ( 1981 ) و الليلة الثانية عشر سنة ( 1982 ) و الجزء الأول من الأول من مسرحية هنرى الرابع سنة ( 1984 ) , و كان الدافع المبدئى وراء فكرة هذا المشروع هو استخدام المسرحيات التاريخية كنموذج يتم من خلاله صياغة الأحداث السياسية صياغة درامية .
استلهمت أريان منوشكين أسلوب العرض من المسرح الكابوكى من اليابان و أسلوب مسرح الكاتا كالى من الهند مع الخلط بأسلوب الكوميديا المرتجلة , أما الديكور فكان داخل قاعة رئيسية مغطاه بسجاد فاخر و يتدلى منها ستائر لها دلالة رمزية , و يستخدم الممثل ممر طويل وسط الجمهور للوصول إلى منتصف القاعة مثل المسرح الكابوكى اليابانى .
و قد لقيت كمبوديا اهتماماً كبيراً من أريان منوشكين و كتبت عن التطهير العرقى فيها . و قد تناول مسرح الشمس عروضاً مأخوذة من نصوص لهيلين سيكوس من قبل التاريخ الرهيب لنورودوم إلى حرب فيتنام و الإطاحة بالنظام القديم عام 1979 مع توضيح صراعات الاستعمار و المعاناة الإنسانية و قدم ذلك فى إطار مستشرق من حيث الملابس و قطع الديكور و الموسيقى .
عرض عربة التنقل الأخيرة :-
و من العروض الحديثة للفرقة عرض عربة التنقل الأخيرة ( 2005 ) , و هو عرضاً إستوحى من أسطورة قد حكيت من قبل اللاجئين الأفغان الذين قابلتهم الفرقة فى أحد جولاتهم , و العرض
مقسم إلى جزئين لكل منهما عرض منفصل الأول بعنوان النهر القاسى و الثانى بعنوان الأصول و المصاير . و كلا العرضين من العروض المميزة التى ظهر من خلالها قدرة أريان منوشكين فى تنويع و تشكيل منصة العرض و إستخدام العناصر الأساسية فى الديكور و إعادة هيكلتها من مشهد لأخر و توظيفها لخدمة فكرة العرض . ففى عرض الأصول و المصاير تم تصميم خشبة بمساحة إثنين متر عرضاً و ثلاثة و نصف متر طولاً لتكون مكان الأحداث توحى بأنها حديقة و يتم إضافة بعض العناصر لتكون خيمة لإيواء شخصيات من البرد الذى يوحى إلية بإضاءة باردة , و فى مشهد آخر تكون حجرة نوم بإضافة عناصر أخرى , أما فى عرض النهر القاسى , و فى مشهد النهر حيث يتم إنقاذ الناجون من الغرق تم تحويل الحيز المسرحى بنهرثائر بإستخدام قماش و يتم دفع هواء من تحته للإيحاء بالأمواج , و فى المنتصف قارب صغير مصمم ببراعة حيث يحتوى على عدد كبير من المؤديين يظهرون مرة فوقه و مرة أخرى كأنهم فى داخله و كل ذلك فى مشهد يحتوى على قوة الإبهار.
كلاوس بايمن و مسرح الحصن ( مسرح بورج ) :-
بورج تعنى بالألمانية الحصن أو القلعة , و مسرح البورج اقدم و أهم مسرح فى بلاد اللغة الألمانية , و قد انشئ فى عام 1774 , و مراحل تطوره تشكل احد اهم ملامح تطور المسرح النمساوى الحديث .
و قد تولى كلاوس بايمن ادارة مسرح البورج و قد جاء بايمان و معه مجموعة من ممثلية الذين كانوا يعملون معه فى مسرح شاو إشبيل هاوس ببخوم و قد كان بايمن يمثل مرحلة جديدة أحدث بها قطيعة مع الأجيال السابقة عليه و ممثلا لجيل المخرجين الطليعيين لما لديه من رؤى فنية و إمكانيات لاستخدام التقنيات الحديثة فى المسرح و قد درس بايمن الفلسفة و علوم اللغات الألمانية و الإنجليزية و الرومانية و الأفريقية بالإضافة إلى علوم المسرح و عمل فى العديد من المسارح مثل مسرح الاستوديو التابع لجامعة هامبورج و اخرج مسرحية أيام المعلم فو فى احد أعظم المسارح الحديثة مسرح برشيت و فرقة برلينر انسامبل .
و قد كان بايمن متأثراً ببرتولد بريخت وأفكاره فى تنفيذ عروضه المسرحية , بالإضافة بإعجابه لأسلوب المسرح الحى و إتجاهاته فى الإخراج المسرحى , و كان ذلك فى خلال الستنيات و فى بداية السبعنيات , و تأثر أيضاً بأسلوب بيتر شومان و مسرحه الخبز و الدمية , بالإضافة إلى المؤثرات التى كانت توفر له رؤية التجارب المسرحية من خلال المهرجانات المسرحية التى كانت تقدم فى مدينة فلاانكفورت .
قدم بايمن عروضاً فى المسرح الألمانى فى شتوتجارت و بخوم مهمة جداً تشكل علامات فى تاريخ الإخراج المسرحى الحديث فى المنطقة .
كان بايمن متحدياً لجمود المسرح الألمانى كارهاً السكون و النمطية مع انه تناول أقدم المسرحيات الكلاسيكية من أعلام الأدب الالمانى أمثال جوته , هانيرش فون كلايست , بوشنر إلا أنه أقدم على تلك العروض بأسلوب حديث , مما اثار ردود فعل ترفض تلك الأعمال المستخدمة من قبل رواد مسرح البورج من الجماهير المحافظة , و هى جماهير لا تقبل التغيير بسهولة فقد تعودوا على مشاهد أعمال تنتمى إلى الكلاسيكيات كما لم يتعودوا على سماع اللغة الألمانية الفصحى و ليس الكلاسيكية , و مع التعود على تقديم بايمن للمسرحيات الكلاسيكية على مسرح البورج مثل مسرحيات تركواتو تاسو , إلا أنه اليوم مه إدخال التجارب و العروض الحديثة إقبل الشباب على مسرحى البورج و الاكاديمى الذان كانا يكادان ان يقتصرا على الطبقة المثقفة فى المجتمع .
مسرح الروناخز من اقدم المسارح فى فيينا و أهمها , و فى بداية القرن العشرين أعيد إفتتاحه بعد توقف دام فترة طويلة .
و قد انشئ فى الثلث الاخير من القرن الماضى عام 1872 , و كان من تصميم المعمارى فرديناند فيلنر الأب , و بعد حدوث حريق عام 1884 فى سور المسرح الخارجى , تعاقد انتوان روناخر عام 1887 على شراء المسرح نت فرديناند فيلنر الابن , و لم يتم أى تغيير فى واجهة المسرح و ان كان قد تم توسيع الصالة لاستقبال أكثر من ألف و خمسمائة متفرج وإضافة إثنان و ستون لوج , و أصبح مسرح الروناخز بذلك أول مسرح فى فيينا يجهز بنظام إضاءة إلكترونية.
و قد أغلق مسرح الروناخر عدة مرات لأسباب مختلفة ففى عام 1972 بسبب أزمات إقتصادية عاصرت البلاد , و فى عام 1944 أغلق بسبب قرار سياسى بغلق المسارح و الملاهى , ثم تم تحويل المسرح منذ عام 1960 حتى عام 1976 الى ستوديو للتلفزيون النمساوى .



#ميليسا_رأفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينوغرافيا في تاريخ العرض المسرحي


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميليسا رأفت - الإخراج المسرحي الحديث ومراحل التحول