أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - رماد















المزيد.....

رماد


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 4894 - 2015 / 8 / 12 - 17:02
المحور: الادب والفن
    


رماد
كان ذلك ذات مساء خريفي يميل إلى البرودة في برلين حيث كنت أركن بهدوء حين رن جرس الهاتف، وقفت وزوجتي ونظراتنا بدت متسائلة عمن يكون المتصل! تناولت سماعة الهاتف فجاءني صوت نورمان بيتس، والد مايكل بيتس (زميل دراستي)، يتكلم من بريطانيا... سألني عن أحوالي فأجبت سريعا إنني بخير وسألته نفس السؤال عن احواله واحوال زوجته، مارغريت، ومايكل الصديق الأقرب لي في بريطانيا ...! لأعطي انطباع بأنني أسعدت بمكالمته وأرغب بالحديث... كنت أطرح أسئلتي عن احواله مع عائلته بشكل اعتيادي ولدي قناعة مطلقة أنه لم يتصل ليسألني كيف هي أحوالي...! لم يطل فضولي لمعرفة سبب اتصاله فقد قال نورمان: هنا الأحوال ليست على ما يرام...سألته: كيف؟ فأجاب: مايكل...قاطعته: ماذا عنه؟ عيد ميلاده بعد أيام قليلة أليس كذلك؟ فأجابني: لقد نجح هذه المرة...! قلت بخوف وقلق: لا! فقال: نعم نجح هذه المرة بإنهاء حياته...قبل أن أتساءل كيف؟ ومتى؟ وماذا؟ قال لي لقد شرب التربنتين وصب منه على جسده واشعل النار...فعل ذلك أمام مرسمه في حديقة المنزل قبيل الفجر بقليل....لم تتوقف حياته على الفور... بعد نقله الى المستشفى بقي قلبه ودماغه يعملان لكن لم يبق ما يكفيه من الجلد في بنك الجلد وقال لي الطبيب لو كركناه على هذا الوضع فإن حياته لن تكون بالحد الادنى من التوقعات... وسيتعذب فقط وسيكون كتلة مشوهة عاجزة عن الحركة والكلام...وبعد اربعة أيام اقترح الطبيب أن ندعه يرحل فوافقت وانتهى الأمر...جنازته ستكون بعد ثلاثة أيام في بريجسلي (بالقرب من جريمزبي) .قلت سأحضر بالتأكيد... قال عندما تصل بريطانيا أخبرني بالهاتف..... وانتهت المكالمة...كان الخبر صاعقا....لم انم تلك الليلة وبقيت أتساءل..، وأتساءل مع زوجتي ونفترض أجوبة سرعان ما نتخلى عنها لعدم صلابتها....في الصباح كنا نحزم حقائبنا على عجل لأننا لن نسافر مباشرة الى بريطانيا بل سنذهب اولا الى دوسلدورف ثم كولونيا وننام لليلة هناك وبعدها نطير الى بلجيكا ومنها الى ليدز في وسط انكلترا قبل ان نأخذ القطار الى جريمزبي ومنها الى المنطقة المقصودة..
في كولن وقبل أن نتوجه إلى المطار تناولت صديقتنا إنجريد عبوة زجاجية صغيرة على شكل القطارة حولها ورقة صفراء مكتوب عليها باخ فلاورز وشرحت لنا أنها مستحضر نباتي يستخدم لمن يشعر بالحزن او بالقلق الخ وليس له تأثير جانبي ...في الطائرة من كولونيا إلى بروكسل كنت صامتا وبين الفينة والأخرى أطرح سؤالا أو أضع تخمينا لزوجتي حول دوافع مايكل ليقوم بما فعله ...وبالرغم انها لم تكن لتجهل مايكل حيث كانت تدرس في نفس كورس الماجستير الذي كنت ومايكل به إلا أن أجوبتها أو اقتراحاتها ما كانت لتذهب بعيدا عما كررناه طيلة الوقت منذ سمعنا الخبر...وبقيت هكذا أيضا وانا في الطائرة من بروكسل الى ليدز في بريطانيا...بعد رحلة طويلة مضنية وصلنا بلدة قريبة من بريجسلي.
نمنا ليلة في الفندق وفي الصباح كنا نتسابق مع الوقت كي لانصل متأخرين الى عنوان الكنيسة الذي أعطاه نورمان لي هاتفيا عند وصولنا بريطانيا. لم نتأخر.. ولم نكن الاوائل بالوصول...فقد بدأ الناس يتحشدون هناك في الكنيسة (تشابل). وبلطافة الانجليز المعهودة كانوا يقدمون التحية ويرحبون ويتفوهون بكلمات تشير الى مايكل مثل: كان محبوبا...،كان له اصدقاء كثر...الخ ثم دخلنا الى الكنيسة من بابها الخلفي لنجلس في صفوف أفقية متلاحقة تتقاطع عموديا مع ممرات ممتدة من المدخل الخلفي الى الامام حيث يقف رجل الدين (القسيس). راح الأخير يتكلم عند ملاحظته ان المقاعد امتلأت فوقف الجميع وبدأ معددا مناقب الفقيد. كنت في الوسط تقريبا وعلى يميني وقفت زوجتي وعلى يمينها كان الممر الأوسط والأعرض في الكنيسة....كان القسيس يحرص في كلامه أن يقول ان لمايكل محبين كثر فهو الصادق والذي يحب الخير والذي لايكاد يمر عيد ميلاد دون ان يفعل كذا وكذا من الأعمال الخيرية، كان يجهد نفسه بدنيا ليساعد من يستطيع وهو الذي نشأ وكبر بوسط الثراء وبدلال والديه كان وحيدهما... ولم يفته أن يذكر أنه عرف مايك جيدا ويأسف لنهاية متعلم، مسرحي، ممثل، رسام، وشاعر الخ... بينما كان يتكلم القسيس دخل أحدهم يدفع بعربة وضع فوقها تابوت خشبي مغلق باحكام، عبر من الممر الأوسط الى ان وصل بالتابوت لمحاذاتنا من الجهة اليمنى حيث اقف وزوحتي... بان ذلك التابوت الذي يحتوي جثمان مايك قصيرا وصغيرا...لم أصدق عيني فيما رأيت...! رؤية التابوت الساكن بحانبي زادت من حزني أكثر مما يمكنني أن أعبر! أهذا مايك!؟ أهذا مايك الذي ملأ المكان الذي يحل به ضحكا!؟ أفي داخل هذا الصندوق الخشبي حشر مايك الذي كان يعرج يوميا لزيارتي في كولشستر عندما كنا ندرس سوية قبل سنوات؟ اهذا مايك الذي رأيت به أخا أصغر يهرع لخدمتي وهو فرح....!؟ وكانت الاسئلة تتلاحق وبين اللحظة والأخرى ترسو على واحد ترى لماذا فعل ذلك وقرر انهاء حياته؟ هل كان قد خطط لذلك منذ فترة ام انه فعل ذلك في لحظة فقد فيها السيطرة على كل شيء!؟ هل كان يائسا من الحياة ام أنه لم يكن كذلك وربما حالة انفعالية دفعته لذلك!؟ لماذا جاء ليزورني قبل شهرين فقط دون ان أدعوه خلافا لتوقعاتي حيث دعوته من قبل ولم يفعل طيلة السنوات الست منذ أن غادرت بريطانيا الى المانيا!؟ ازداد حزني وغمي وكآبتي ولم أتمكن من حبس دمعتي فمددت يدي اليمنى الى جيبي وأخرجت من علبة محارم ورقية صغيرة واحدة..لم أرفع يدي في الهواء كي لايلتفت لي احد بل جعلتها تتحرك ملاصقة لجسمي نحو الاعلى باتجاه وجهي فعيني لتجفف دمعي ثم حركت يدي اليسرى بنفس الطريقة لتأخذ المنديل الورقي وتنزل زاحفة ملاصقة للجسم ووضعته في الجيب الايسر لبنطالي....انتهى القسيس من كلمته وبدأ ممثل أهل المنطقة يتكلم عن مايكل، وانا مازلت على نفس الحال أسأل نفسي الكثير ولا أعرف أي جواب والحزن يكابدني ودموعي تنزل بصمت فأعيد المنديل من الجيب اليسرى بنفس الطريقة الى عيني وأنفي ثم أدسها في جيبي الايسر بسرية، وأصبح بعدها أمرا اعتياديا أن أتناول محرمة اولا من الجيب الايمن استخدامها وأضعها في الايسر ثم أعيد استخدامها ومن ثم تبديلها...كنت افعل ذلك بسرية معتقدا ان لا أحدا سيراني ومع ذلك كانت زوجتي بجانبي مدركة لما انا به....إضافة، لن يبقى سرا فيما بعد اذ ستحمر العينيين ويحتقن الانف فذلك سيظهر ان تكلمت مع أحد، الأمر الذي لايمكن بحال من الاحوال تجنبه...كنت ألتفت لوجوه البشر ولم ار واحدا منهم متأثرا بطريقتي وكل يبدو مترابطا وصلبا وكأنهم لايعرفون الشاب الميت او كأنهم يعون أن الحدث مؤلم ولكن ليس بنفس الطريقة التي اراها وتدفع الدموع الى الأعين! حتى والدة مايك عندما أعطيت الصدارة لتتكلم بدت، بلباسها الأنيق وقبعتها السوداء وهدوئها وهي تقرأ قصيدة (لدبليو ايتش اودن) وبدون أن تنزل لها دمعة، متماسكة للحد الذي جعلني أتساءل في سري ان كانت تناولت ادوية او عقاقير لتكون هادئة ومسيطرة بهذا الشكل....لماذا لم تساعدني قطرات باخ فلاورز التي أعطتها صديقتنا انجريد في كولونيا!؟ ثم تقدم شاعر صديق لمايك وألقى قصيدة من قصائده الحزينة وبعدها أنهى القسيس ذلك الجزء من الجنازة معلنا انهم سينتقلون لمحرقة (كريماتوريوم) في المنطقة ذاكرا عنوانها...التفت والد مايكل الى سيدة من الحضور وكلمها ثم أشار بيده الي فأومأت برأسها بالتفهم ثم جاء الي وقال ستذهبان الى المكان المقصود مع تلك السيدة فمعها متسع بسيارتها....! ونحن مع تلك السيدة في السيارة اكتفت بكلمتين عن الحدث: حزين جدا وبعدها راحت تحدثنا عن الطقس. في داخل المحرقة كانت هناك مصطبة على شكل قوس محدب للخارج بما يزيد قليلا عن المتر والنصف ارتفاعا وعند منتصفها هناك سيور وضع التابوت على حافتها القريبة من الوقوف ثم قيل للجميع بالقاء النظرة الأخيرة عليه..و هناك من رمى باقة ورد فوق التابوت وبعدها تحركت السيور النقالة ناقلة معها التابوت حوالي ستة امتار الى الجهة الابعد من المصطبة ليتوقف التابوت امام باب، يشبه باب الفرن، لم اره من قبل ثم انفتح الباب لتظهر انابيب مصطفة أفقيا بموازاة بعضها يخرج منها اللهب...ومما بان من لون ووهج حجرة الفرن من الداخل بدا ان الأنابيب المشتعلة تملؤها من مختلف الاتجاهات ومن الاسفل ايضا.... تحركت السيور من جديد ليسقط التابوت اسفل الحجرة المشتعلة ومن ثم ينسحب الباب ليغلق آليا وبثوان قليلة اتضح انهم زادوا في منسوب الغاز المشتعل فأصبح الصوت هادرا بشكل واضح حتى بعد ان تم اغلاق باب المحرقة كليا....ثم انزاحت ستارة خمرية اللون تمتد من تحت السقف بقليل الى الارض لتغلق رؤية باب الفرن ونظر الناس لبعضهم البعض وراحوا ينطقون بعبارات و تعليقات كنت قد سمعت مثلها في منطقتنا من قبل، فهذه تقول ساوى من له مائة عام... وذاك يقول وكأنه لم يأت إلى الدنيا ولم يخرج منها... وآخر يقول انتهى... وكلنا على هذه الطريق...الخ كنت أستمع لتلك العبارات دون أن أنشغل بها في تلك اللحظات ﻷ-;-نني كنت مأسورا بالمقارنة بين الدفن السائد في المنكقة التي نشأت وكبرت فيها وبين الحرق الذي سمعت به من قبل والآن اراه أمامي! فقد راودني ان المدفون يحتفظ بشحمه ولحمه لأن في الدفن عملية اطالة في وجود الجسد الفيزيقي اما الحرق فنهاية فورية.... كان يتغلب علي شعور من يريد أن يقتنع بفكرة أن الحرق ليس هو الأفضل من باب العاطفة لما عرفته من قبل...ولكن مرة تتغلب العاطفة فأقول لنفسي ان الدفن ارحم لأن الجثة ستبقى لفترة ما قبل ان تتفسخ وتتحلل تحت التراب ثم يتغلب عقلي تارة اخرى فأقول وماذا او من سنرى منذ اللحظة التي يتم بها التخلص من الجثة حرقا او دفنا!؟ وأجيب بنفسي: في نهاية المطاف بعد الموت واتلاف الجثة بدفنها او حرقها لن نرى شيئا من الميت ولكن العملية نفسية بالنسبة للاحياء.... ثم أتذكر وأقول يالبشاعتها أن تفكر كيف تحرق الجثة...! كان هدير المحرقة يتعالى وأيقنت ان خشب التابوت قد احترق ووصلت النار للجثة وبدأت أصوات فرقعات الحرق من داخلها ترتفع وواحدة منها كانت عالية الى الحد الذي جعلني أفكر ان الرأس ربما هو الذي انفجر في الحرق في تلك اللحظة مصدرا ذلك الصوت العالي!
بدأ الناس يخرجون من البناء الى الحديقة المحيطة به، خرجت معهم ومازال الهدير مسموعا وتخيلي للحرق يقتلني من الغم.....ما أبشع منظر تلك المدخنة التي ارتفعت من اعلى المبنى...كانت تدفع نافثة بدخان الاحتراق في السماء... الآن يحترق من كان مايك... وماذا سيبقى منه!؟ في تلك اللحظة عبرت رأسي تساؤلات وحيرة صديقتي الانجليزية ديلوريس لينغ التي شرحت لي أنها حين استلمت الوعاء الفخاري (الاورن) الذي يحوي رماد والدتها راحت تمشي به في لندن فيلدز، تلك المنطقة الشعبية من لندن، وتتساءل هل احمل امي ام انها اختفت وتبقى الصور في ذاكرتي؟ هل الرماد الذي احمله هو حقا امي؟ امي امرأة بشحم ولحم اما ما في الوعاء الفخاري فليس له علاقة بها....! راحت تختلط الصور والاصوات والكلمات في رأسي وتزيد في غمي وكربي وانا أفكر بهذا اللغز في مجيئنا للحياة ورحيلنا عنها.....! وأنا على هذا الحال أخبرني نورمان مشيرا بيده ان نتبع الطريق الترابي عبر الأشجار و نمشي اقل من خمس دقائق فنصل الى الصالة التي حجزها... هممت بالسير الا ان مارغاريت بدأت تتكلم مع زوحتي، فتباطأت...في هذه الأثناء اقتربت مني سيدة متوسطة القامة وقالت: انتهى...وكأنه لم يولد...ليته وليتنا لم نولد...! ماذا نجني من الحياة إلا العذاب؟ ثم سألتني من أين تعرف مايك؟ عن طريق الشعر؟ الرسم؟ التمثيل؟ فأجبتها بل أعرفه عن طريق الدراسة حيث كنا ندرس سوية للماجستير في كولشستر.. قالت: انا أعرفه عن طريق أنشطة فنية وكنت على تواصل معه في الفترة الاخيرة.. أهداني مؤخرا لوحة لم أفهما ولم أحبها واستنتجت انه مشوش التفكير وخفت منه وعليه وقتها....ثم تابعت: أنا أمريكية من تكساس... وأنت، اين تقيم؟ قلت: في برلين. قالت بشيء من الحماس..لقد عشت فيها اربعة أشهر واحب تلك المدينة... هناك الآن حركة بناء كبيرة في برلين..ثم اقتربت مني برأسها اكثر وسألتني بصوت منخفض: ماذا فعلوا بعاهرات الكودام؟* أين أصبحت تلك العاهرات المنتشرة على جانبي الطريق!؟ رفعت كتفي وبرمت رأسي جانبا وقلبت شفتي السفلى وأدرت راحتا يدي بحركة ربع دائرية نحو الجانبين ثم اعقبت تلك الإيماءات بالكلام وقلت: كيف لي أن أعرف!؟ كان واضحا على وجهها انها لم تقتنع بجوابي... بعدها تابعنا المشي على الطريق الترابي وسط الأشجار فوصلنا الصالة التي كانت مرتبة ومزينة ومزخرفة لأبعد الحدود...ووضعت الطاولات متلاصقة بجانب احد الجدران وامتلأت بالمأكولات المتنوعة والصحون ولوازم الاكل عموما....كان الجميع يتقدم الى البوفيه ويأخذ ما يريد ثم يتوجه الى جانب آخر من الصالة حيث البار الذي وقف يخدم فيه شابا يضخ البيرة في الكؤوس الممتدة ويصب المشروبات الأخرى في كؤوس الطالبين... وبسرعة فائقة تحول الجو من جنائزي إلى احتفالي...كان الجميع يأكل ويشرب باستثنائي وقفت قريبا جدا من زوجتي معتقدا ان ذلك سيجنبني ملاحظة الآخرين لي...ولكن الأمريكية اقتربت مني من جديد وقالت...من اجتمعنا بسببه مات انتهى ولكن الحياة مستمرة...أين صحنك؟ قلت لا استطيع و لا أشعر بالجوع. قالت لكننا جميعا لم نأكل شيئا منذ الصباح..! كررت: لا أشعر بالجوع...تركتني وانصرفت ليأتي نورمان ويسأل بدوره: لماذا لا تأكل!؟ وكررت ما قلته للأمريكية...كان يتكلم ووجهه يحمر اكثر ويزداد طفحا وكأنه يغالب ليس فقط الدموع بل اطلاق العنان لصوته إذ شعرت أنه يريد ان يصرخ بالصوت العالي....ثم انتبه ان عليه ان يكون متماسكا ومسيطرا على عواطفه وسط الحاضرين فاكتفى برفع نبرة صوته قليلا ورفع يده مشيرا بسبابته نحو السماء وقال: ان مايك يراقبنا الان وسيكون حزينا لو لم تأكل وتشرب مثل البقية...سأتركك لراحتك ولتقديراتك...! كان الناس يأكلون ويشربون بشكل اعتيادي وكأننا في احتفال بهيج ومع الوقت تعالت ضحكات البعض وكأن ما أراه وأسمعه يحمل ترجمة مباشرة لما سمعته من اقول أن الميت انتهى وساوى من مات قبله بمائة عام أما الحياة فمستمرة...!
بعد الانتهاء ودعت وزوجتي والد ووالدة مايك متواعدين أننا سنلتقي بأقرب فرصة...وأسرعنا بحمل حقائبنا لنتوجه إلى فندق بمنطقة ريفية أخرى من يوركشر (جومرسال) تكون الأقرب الى ليدز وأتمكن في الصباح هناك من زيارة ما يسمى البيت الأحمر أو متحف ميري تيلور (صديقة ايميلي برونتي)...في الفندق العتيق كان اهتزاز النوافذ وأصوات الرياح والأمطار تستجلب إلى الحياة أجواء مرتفعات وذرنج، الرواية الأشهر التي كتبت في تلك المنطقة....زرت المتحف في صباح اليوم التالي... بينما كانت الامطار تتساقط طيلة الوقت وأنظر حولي فأشعر وكأنني أعيش بعض أجواء الرواية المذكورة...بعد الظهر أسرعنا لنلحق بالقطار إلى ليدز...لنعود بعدها إلى برلين.
بعد بضعة أيام رن جرس الهاتف مساء وكان نورمان هو المتكلم على الطرف الآخر ليعلمني: رماد مايك نثرناه تحت أغصان شحرة صفصفاف متدلية في مقبرة البلدة...كما تعرف لا نستطيع دفن الرماد لأن صاحبها أخذ حياته بيده.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليتها كانت حبيبة شاكر!
- بقع سوداء على القميص الأبيض
- لعب في العالم الافتراضي
- وتاريخها يبدأ بظهوره
- إن الحظ شاء
- خردة عشق من تمضى السنين
- وللشرق سحره*
- إنه منا وفينا!
- ما أجمله ذلك الصيف!
- باقة ورد مرفوضة
- قبر لمن لا قريب له
- ليتها بقيت اسما بدون صورة!
- رحلة في خيال وواقع الصديق المكبوت*
- جارة
- ما يتعمد إهماله أرباب نظام الأسد
- يا كاشف الأسرار!
- من ذكريات الخدمة العسكرية 1983
- حجر لايستجيب وكتاب يهدد!
- هل نميز أنفسنا بالكره في يوم الحب!؟
- الآه الفاشلة


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - رماد