فكرة الدولة الإسلامية ألنشأة والجذور

هيثم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4894 - 2015 / 8 / 12 - 05:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تميزت جزيرة العرب بقفر صحرائها و فقر مواردها مما جعلها قبائل متناثرة ، حتى غزواتها كانت موضعية لا تتجاوز مضارب القبيلة مما حال دون نشوء دولة فيها كما في العراق و الشام و اليمن، و كذلك جعلها بمنأى عن أطماع الفرس و البيزنطيين. وتتميز كل قبيلة بلغتها وثقافتها الخاصة لعد وجود تواصل بين القبائل لصعوبة المسالك و إنعدام الطرق.
ألنظام الذي نشأ في يثرب بعد هجرة النبي محمد هو تحالف قبلي بين قبيلتي الأوس و الخزرج اليثربيتين والمهاجرين المكيين فكان نظاماً قبلياً. لم يمتلك من سمات الدولة أي ميزة فلم تكن هناك مؤسسة للحكم تحكمها ضوابط ولم تكن أي مؤسسة عسكرية أو أمنية وإعتمد هذا النظام من الناحية الإقتصادية على الغنائم التي تأتي من الغزوات ألتي لاتعتمد جيشاً نظامياً بل على الجهاد فكان يتحتم على كل قبيلة مغزية أن تدفع الصدقات و تحافظ على كيانها و زعامتها و ثقافتها، وبالتالي لم تتغير هويتها لعدم وجود وسائل تثقيف مقروءة أو مسموعة أو مرئية ، كذلك عدم وجود أكاديميات لأعداد القادة و المبلغين لإرسالهم إلى قبائل خارج يثرب. وحتى القرآن لم يكن موجوداً لدى هذه القبائل لأنه لا توجد كتابة و لا طباعة، و بالتالي لم تكن هناك عبادات و لامعاملات (إسلامية). إضافة إلى عدم وجود نظام إداري أو هيكل إداري بل حتى توصيف المواقع الإدارية لم يكن موجوداً مثل ملك أو سلطان أو أمير أو وال أو خليفة وغيرها. و أدَى ذلك إلى أول إختلاف في الإسلام نتيجة الفراغ ألذي حصل بعيد وفاة النبي و الذي حسم في سقيفة بني ساعدة. وهنا واجهت ألمسلمين اليثربيين مشكلة توصيف الموقع الذي تسنمه أبو بكر إلى أن تصالحوا على تسمية ((خليفة رسول الله)), لتعود المشكلة لتظهر من جديد عند وفاة أبو بكر و تسنم عمر بن الخطاب ألا و هي توصيف الموقع الأول في النظام أيكون ((خليفة رسول الله)) في حين هو ((خليفة خليفة رسول الله)) فإذا أخذوا بهذه التسمية فماذا يكون الذي يخلفه؟ أيكون ((خليفة خليفة خليفة رسول الله)) ؟ عندئذ حسم عمر الأمر عندما قال:((أنتم المؤمنون و أنا أميركم)) و بذا أصبح الموقع الأول في النظام ((أمير المؤمنين)). و عند إتساع الفتوحات و الإحتكاك بالفرس و الروم إبتدع المسلمون الدوواوين (الوزارات) و أخذوا بالتأريخ إلى أن سكَوا العملة في العهد الأموي بعد أن كانوا يعتمدوا المقايضة أو العملات الرومية والفارسية.
لم يتعاط المسلمون مصطلح ((دولة الخلافة الراشدة)) لأنه لم يكن هناك إعلان لهذه الدولة و لم يسمَ الخلفاء بـ ((الخلفاء الراشدين))، ولم يعلن معاوية بن أبي سفيان بياناً عن تأسيس ((ألدولة الأموية)) أو ((دولة بني أمية)) و كذا الحال لبني العباس ألذين سميت دولتهم بـ ((الدولة العباسية)). كما إن الدول سالفة الذكر لم تمتلك حدوداً مرسمة ولم تبسط سيطرتها على كل أجزائها إلا إذا كانت تلك الأجزاء ذات قيمة إقتصادية أو ستراتيجية ولم يذكر لنا التاريخ إهتمام أي من تلك التي أصطلح على تسميتها بالدولة بالخدمات في أجزائها خارج عواصمها.
تبلورت الهوية الثقافية الدينية للمجتمع الأسلامي وعلى نطاق محدود في مجالس الخلفاء والمتنفذين في العصر العباسي بعد قرنيين من بداية الإسلام نتيجة الفتوحات في المشرق الذي يتميز بأن لديه هوية ثقافية و دينية من خلال المدارس الموجودة في تلك الأصقاع حيث بدأ يهاجر إلى عاصمة الدولة (بغداد) و بلاد الحجاز خريجيها من مواطنيها ليقودوا العملية الدينية في منبع الإسلام (الحجاز) و عاصمة الكيان الإسلامي ألمتبلور (بغداد) وعلى الأخص منهم مؤلفوا الكتب التي سميت بالصحاح عند أهل السنة و هي:
1. صحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ولد في بخارى/ أوزبكستان سنة194 ه
2. صحيح مسلم أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ولد في نيسابور/ إيران سنة 204 ه
3. سنن النسائي أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب ولد في نسا/ تركمانستان سنة215ه
4. سنن أبو داود أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ولد في سستان/ إيران سنة 202 هـ
5. سنن الترمذي أبو عيسى محمد الترمذي ولد في ترمذ/ أوزبكستان سنة 209 هـ
6. سنن إبن ماجة محمد بن يزيد ابن ماجة ولد في قزوين/ إيران سنة 209 هـ
ثم على المنوال نفسه في القرن الرابع الهجري بدأ دور الشيعة و لكن وجهتهم هذه المرة النجف بدلاً من الحجاز وعلى الأخص منهم مؤلفوا الكتب التي سميت بالصحاح عند الشيعة و هي:
1. ألكافي محمد بن يعقوب بن إسحق الكليني ولد في كلين/ إيران سنة 329 هـ
2. من لا يحضره الفقيه إبن بابويه القمي (ألشيخ الصدوق) ولد في قم/ إيران سنة 305 هـ
3. تهذيب الأحكام أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ولد في خراسان/ إيران 385 هـ
4. ألإستبصار أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ولد في خراسان/ إيران 385 ه
عند إكتشاف الطباعة عام 1447 من الالماني يوهان غوتنبرغ عمَ جهل في البشرية وعند العرب خاصة . إن هذا الأكتشاف شأنه شأن الإكتشافات الأخر له مضاعفات سلبية على البشرية , و في رأيي هذا الإكتشاف هو أخطر الإكتشافات تأثيراً سلبياً على البشرية . فمن المعروف إن (الجهل و الفقر والمرض) هي الآفات الإجتماعية ألتي عانت و تعاني منها البشرية جاء إكتشاف الطباعة لتبتلى البشرية بآفة أخطر ألا و هي آفة التضليل فبعد إن كان المظللين يعتمدون الكلام في تضليلهم على الجهلاء بدأو التأليف لسهولة الطباعة بعد إن كانت ضرباً من الصعاب حيث كان يؤلف الكتاب بنسخة واحدة بخط اليد ليقدم هدية للحاكم طلباً للهدية و الحظوة أصبح يطبع بعشرات النسخ و ليصبح عابراً للجغرافية لتنتشر الضلالة في آفاق واسعات بعد أن كانت موقعية و لتصبح مرجعية في النقاش و الحوار ثم إكتسبت صفة القداسة نتيجة لتاريخيتها .كذلك طبعت الكتب القديمة التي أصبحت مقدسة وبدأت تدرس في المدارس لتخرج أجيالاً مجمدة التفكير.
و ما أن بدأت طلائع القرن العشرين حتى بدأ دور التثقيف لبناء دولة الإسلام التي لم يكن لها وجود عبر التأريخ إستلهاماً من مفهوم الدولة الغربي ألذي ورد إلى العالم العربي مع بدايات الإستعمار الأوربي فظهر المنظرون لدولة الإسلام و الأحزاب الإسلامية. تفاقم هذا الخطر نهاية القرن العشرين و بداية الألفية الثالثة نتيجة أنتشار الفضائيات و غزو الإنترنيت ثم مواقع التواصل الأجتماعي ألتي لا ضابط لها و لايمكن ضبطها بحيث أصبح الميدان مباحاً لكل من هب ودب لينشر ما يشاء ثم يتلاقفها الجهال بأعتبارها مصادر منشورة عبر الإنترنيت. و بذا أصبح التضليل متفشياً أكثر من الجهل . فعندما كانت البشرية تدعو إلى التعليم للقضاء على الجهل ، صار التعليم و بالاً على المجتمع لإنه سيقود المجتمعات إلى الضلالة أي إلى و باء أخطر. لحل هذه الإشكالية يجب إعادة النظر في مناهج التربية و التعليم والتثقيف والإعلام ، من يقوم بهذه المهمة ؟ رجال الدولة المتعلمين ألذين هم أدوات الضلالة أنفسهم و بالتالي إستحكام و تأصل الضلالة في المجتمع.
إذن لنلجأ إلى بناء دولة جديدة بعد أن فشل مفهوم الدولة لدينا فمن المعلوم أن ألدولة طارئة على مجتمعاتناو أقحمت فينا و أقحمنا فيها إقحاماً فنحن مجتمعات قبلية عشائرية لم يتطور فينا التمدن لنصل إلى بناء الدولة فالدولة العثمانية لم تكن دولة شعب و مواطنة و غير واضحة الحدود السياسية كما إن محكوميها ( و هو ما يسمى بالشعب في الوقت الحاضر) لم يكن على علاقة أو إرتباط بها فلم تكن هناك جنسية أو وثائق ثبوتية لأنتسابهلها أو تلزمه للإنتساب، و إنما قامت أوربا بصنع الدولة فينا دون وجود المواد الأولية لهذه الصناعة بعد الحرب العالمية الأولى و أسمت هذه المادة المصنعة (الدولة الوطنية المستقلة) . و عند إنهيار الدولة في مجتمعاتنا نتيجة إنهيار أسسها وجدنا أنفسنا أمام إنتماءات جديدة هي الطائفية و الإثنية المحملة بالإرث الثقافي القبلي كما يتضح ذلك جلياً في العراق ، سوريا ، لبنان ، اليمن , ليبيا و الجزائر (و كذلك مصر و تونس بشكل أقل وضوحاً)
إن القوة من وسائل بناء الدولة من وسائل بناء الدولة فأنى للمتمدنين القوة لمواجهة القوة المليشياوية و قوة المال المسيطر عليه من الثيوقراط وواجهاتهم ليشرعوا في بناء الدولة الجديدة التي لاتقوم بتطوير الخطاب الديني بل إنتاج خطاب علمي يتسق و العصر الذي نتوق إليه و يكون دافعاً لحركته الإجتماعية بدلاً من النص المنقول رواية من أناس الفاصلة الحضارية بيننا و بينهم ألف سنة إلى الوراء في مواجهة مجتمعات سبقتنا في التحضر ألف سنة إلى الأمام

#هيثم_الحسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات