أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - عمرحمدي: ماوراء اللوحة















المزيد.....

عمرحمدي: ماوراء اللوحة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4892 - 2015 / 8 / 10 - 01:58
المحور: الادب والفن
    



عندما فتحنا أعيننا في سبعينيات القرن الماضي على المشهد الثقافي في سوريا، كنا كفتية حالمين، نصطدم بندرة، بل بانعدام هاتيك المصادرالثقافية التي تتناول خصوصيتنا كشعب كردي، حيث كانت لغة المدرسة هي غيرلغتنا، ولغة الكتاب غيرلغتنا، ولغة الدائرة الرسمية غيرلغتنا، ولغة الإذاعة غيرلغتنا، ولغة الجريدة على رفوف لوحة العرض في المكتبة غيرلغتنا، كما لغة الكتاب المعروض وراء بللورالمكتبة، وأرففها، كما لغة مكتبات بيوتنا على ندرتها، بل كما لغة الجريدة التي يوزعها الحزبي الكردي سراً، يقرؤها آباؤنا في قراهم البعيدة، أوفي بيوتاتهم المهملة على أطراف المدن، ماجعل أسئلة صغيرة تندلع في أرواحنا التي لم تقف عندأي حد موسعة دوائرها من دون أن تتوقف حتى الآن:
وماذا عن لغتنا الكردية لغة بيوتنا؟
كانت الإجابات تأتي تترى من أفواه آبائنا ساخنة على نارعواطفهم المتأججة: نحن شعب عريق، وثقافتنا ممنوعة، وغيرذلك، مما كنا نتلقاه بيقيننا الفطري، أنى أحسسنا تفاقم حالة عطشنا تجاه لغتنا، رموزنا، فما إن كنا نسمع باسم القائد ملامصطفى البرزاني من خلال إصغائنا إلى إيقاع حروف اسمه هذا الذي تصلنا ذبذباته على ضوء قناديل الكاز في بيوتاتنا الطينية، من خلال أصداء صوت المذيع عبرالترانزستور وأهلونا يتلقون أخبار"الثورة الكردية" حتى كنا نقول:"ها نحن..!".
وجدنا أنفسنا في حاجة إلى أن نسأل ذوينا عن رموزنا، وكانت الأسماء تتالى تترى، لاسيما حين نكون قدولدنا في أسرلذويها علاقة بشؤون الثقافة، وإن كان من خلال أحد مداخلها:وهي الثقافة الدينية"، كماهوحال أسرتي، حيث أتعرف على الصحابي الجليل: جابان الكردي، وأستظهر أسماء سلسلة الأعلام الكرد بمن فيهم مشايخ النقشبندية ممن تضيء أسماؤهم سواد حبر الكتب المطبوعة. كنا ننتظر في درس التاريخ اسم صلاح الدين-أو البارزاني حتى وإن عربوا اأولهما، وقرأوا ثانيهما كمايريدون، بيد أننا كنا نزداد تشبثاً وحباً له، وإن كانت عيون كثيرين من حولنا تتطلع بخبث لاصطياد ملامح وجوهنا، لضبطها في حالة خيانة لماشبوا عليه من ثقافة تضخيم الذات وإلغاء الآخر.
كان شريط الكاسيت أحد روافد ري أرواحنا، ننهل من أصدائه الكثير، ونحن نصيخ السمع في بيوتنا إلى أغاني كوكبة من فناني تلك المرحلة، لتكون الأغنية والموسيقا عمودين فقريين نتكىء عليهما، ونحن نواصل لحظاتنا الحياتية، نستظهربعض الأغاني، كما أسماء مغنياتها ومغنيها:
أجل لنا أغنياتنا لنا موسيقانا
كنا نقولها، من دون أن نغلق أبوابنا على أصوات مغني جيراننا، وعالمنا، فكنا نسمع فيروز وربماعبدالحليم أوفريد الأطرش، كما نسمع محمدعارف جزراوي وعيششان أوكما سنسمع محمد شيخوأوشفان برورلاحقاً، حيث كانت لكل منا معجم أسماء مغنيه، نتابع منجز حناجرهم واحداً تلو الآخر، ونحن نرددها، وإن كان سيتم منع بعضها من محال بيعها، ويتم كسرهذه الأشرطة في الشارع، أو تتم مصادرتها، ويضبط باعتها، من دون أن تستطيع هذه الممارسات ردعنا عما يعتمل في نفوسنا التي تتطلع إلى غيمات ثقافة أخرى، غيرالثقافة الرسمية، هي ثقافتنا تحديداً، بل وتتطلع إلى غيمات فن آخر، هوفننا، ماكان يحدوبنا لمعرفة أسماء الممثلين من بني جلدتنا في مسرح وسينما البلاد، حتى وإن كنا سنكتشف أن أكثرهؤلاء لايعرف لغته، أونسي أرومته..!
في بداية السبعينيات، حيث سأدرس في مدينة الحسكة،يقودني شغفي القرائي إلى آرمة أي محل يوحي اسم صاحبه بكرديته، لفتت أنظاري إعلانات بعض معارض الفنانين التشكيليين: أسماء عربية- سريانية- آشورية- وأسأل: أليس لنا من بينها أحد؟، يقول لي بعض أترابي: عمرحمدي كردي وهوابن قرية تل نايف، وبشارالعيسى كردي وهوابن قرية، وعبدالرجمن دريعي كردي وهوابن عامودا، وعمرحسيب كردي وهوابن الحي الذي تسكن فيه. تثيركلمة"تل نايف" أحاسيسي: أتذكرملامح تلك القرية، قليلة البيوت، على بعد بضع كيلومترات من بيتي، ألمحها على امتداد اليوم، عن بعد،حيث كان قد أقام فيها أحدعمومتي بعضاً من الوقت، ربما قبل ولادتي، إذ تبدو تلتها لي وأنا في مسقط رأسي"تل أفندي" من خلف قرية شيخ أمين، ألجأ إلى عمي، إلى عمتي، أسألهما عن عمر، فيقال لي: هوابن فلانة وفلان، كل من ضمن فضاء معرفته، أسأل أترابي لأعرف الرجل أكثر، باعتباره الأقرب إلي مكانياً، فيشارإلى بيت في منخفض- أونزلة- على طريقي وأنا آتي إلى غرفتي المستأجرة، من بيت أحمد سنانيك، أحد وجوه قريتي الذين كنت أحبهم، ليقال لي: انتقلوا إلى وسط المدينة، أوطرفها، قرب مجرى الخابور، بعد أن كانوا في قرية جنوب الحسكة، على ضفة الخابور، ثم يريني أحدهم أباه، وهويقول لي: إنه يعمل في المكان الفلاني، لأطلع على قصة معرضه في دمشق، ومحرقته التي أجراها للوحاته، وسرتسميته ب"مالفا" إحدى شخصيات تشيخوف التي أعجب بها، كما أعجب بصانعها، وهي تقارب إيقاع الاسم الكردي، ثم يقع بين يدي كتاب ل"جانيت كوركيس" زوجته، التي هربته عبرلبنان إلى أوربا، وأتابع أصداء اسمه كفنان عالمي.
بعد أن أنتهي من المرحلة الإعدادية، أتعرف في قامشلي على الفنان فؤاد كمو، عن طريق شقيقيه ممو وزيني،بعد أن يحضرعرض مسرحية شاركت فيها، لأجد لديه الكثيرمن الأسئلة الروحية التي أحتاجها، يحدثني عن عمروبشارالعيسى من خلال تفاصيل يومياتهما، حيث أقف مبهوراً بإبداعهما تظهرفيها ملامح إنسانهما، وبيئتهما، وعذابات أهلهما، ونظرات والدتيهما، وإن كانت دروب الحياة والمواقف من شأنها أن تبعد بين هذين الفنانين. أتعرف على بشارالعيسى، بعدأن تواصل معي في اليوم الثاني من انتفاضة 12 آذار، وأعده صديقاً، غيرأن علاقتي بعمرلم تتعزز، ولم ألتق به إلا خطفاً وأنا في حي الكيكية- أوحي الكرد الدمشقي، أثناء أول زيارة له إلى أهله، ، وأنا بصحبة أصدقائي الفنانين من آل حسو: رشيد- عبدالحميد- محمود عندما كان أبوهم مريضاً، نتعارف على عجل، حيث كان عمربرفقة أبيه وشقيق له،ربماكان صديقي عصام الذي ستجمعنا-العسكرية- في حمص بعد سنوات على ذلك، دون أن تتعزز دقائق اللقاء العابربأي تواصل في مابعد.
لقد استطاع كثيرون من أبناء جيلنا من المهتمين بثقافة أهلهم، أن يجدوا في لوحات فناني الرعيل الأول ما يمكن أن يخترق به الحواجز، من دون أية حدود تذكر، حيث كانت حركة الألوان التي تقودها الأصابع والريشة على فضاء اللوحة عبرجوازات مرورها الخاصة، فنانو هذا الرعيل حسب درجة اهتمامه- أمل وألم أهله، كمايريد، وإن كانت معرفة سيرة عمرالذي يكتب ضده المخبرون تقاريرهم، لها ملامحها، كما لكل من هؤلاء ملامح موقفه، إذ جند أبعاض هؤلاء أنفسهم لمنع من العمل في عالم التعليم ، م ليلتقط الصدمة، بموجة من بكاء، كي يعمل في دارالسينما خطاطاً، إلى جانب عمله كمعلم وكيل، عسى أن يسد عمله رمق أم حانية، أوأسرة ، وهوالذي طالما عمل في حقول القطن، يجمع ندفه في كيس غيرزوادته اليومية التي تقدمها له أمه وفيها حبتا بندورة ورغيف خبز، إلى أن يجبرإللالتحاق بشاحنة-العسكرية- التي تخطفه من أسرته، حيث سيتم-الاحتفاظ- به وهوفي عسكريته الإلزامية، لدى القوات الخاصة التي كان يقودها رفعت الأسد، يتم اختياره للتفرغ في مجلته"الفرسان"، مكرهاً، ليهرب من هذا الجحيم الذي تلا جحيم عذابات أبيه الذي طالما ضربه وأمه، حتى يعد أن أصبح معلماً، أوفناناً كبيراً تحتفل به عاصمة البلاد، أنى أتيحت له الفرصة.
أجل، قد نجد انتقاماُ ما، من لدن عمر، تجاه أبيه، وهويرتمي بين أحضان أمه: رائحة، وذكرى، ومعاناة، ليتم التنفيس عن خلل هذه المعادلة، بأشكال عديدة، وهوما جعل هذا الفنان العالمي الكبيرالذي أطبقت شهرته الآفاق يدفع ضريبة ثالثة ترتبت على كل أصناف عذاباته المريرة، وغرباته المتتاليات، وإن كان اسمه سيظل من بين عداد أهم أعلام الفن، ولتحيل لوحته إلى بيئة ماهي بيئته، وإلى أرومة ما هي أرومته، حتى وإن لم يسمها، جهلاً، كمايعترف، أوتجاهلاً، كما قديتهم بذلك، ضمن فضاء زمني محدد، لاعتبارات تتعلق بعقدته-تجاه الأب- إلى أن تقوده ألوانه إلى منابعه الأولى، ولكن بعد أن أفنى عقود عمره، موزعاً إياها على مراحل محددة، لكل منها علامتها الفارقة..



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -على هامش أطروحة المنطقة العازلة-: التدخل التركي واقعاً وتحد ...
- عبدالباقي حسين كان عليك أن تنتظر أكثر..!
- بطولات جبان
- بطولة الماضي والزمن المضارع...!.
- نداء إنساني:انقذوا اللاجئين السوريين في معسكرات اللجوء البلغ ...
- دمشق/تدمر/ قامشلي:
- بيان رابطة الكتاب والصحفيين الكورد في سوريا في الانتفاضة الك ...
- على عتبة عامها الرابع: رسالة بينوسا نو الحلم والتحديات
- حوارمع الإعلامي والكاتب محمد سعيد آلوجي
- لسان حالي أمام الانتهاكات: عرض حال شخصي
- صلاح بدرالدين كاتباً :معين بسيسو كتب قصيدته عن الكرد وصلاح ا ...
- في ألمنا الشنكالي...!
- أداتية الوعاء الإلكتروني:
- ساعة دمشق1
- أمِّي تحت الأنقاض
- رحيل إسماعيل عامود شاعر التسكع والمشاكسة بعد سبعين عاما مع ا ...
- النص الكامل ل حوار بينوسا نو مع الأديبة: بونيا جكرخوين
- كواكب حي زورا آفا:
- داعش يحررنا:
- الملحمة إلى كوباني البطلة


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - عمرحمدي: ماوراء اللوحة