أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - اسماء محمد مصطفى - دولة عبود !














المزيد.....

دولة عبود !


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 4891 - 2015 / 8 / 9 - 21:39
المحور: حقوق الانسان
    


دولة عبود !

ـ أسماء محمد مصطفى

يتداول بعض العراقيين نكتة مفادها ( أنّ عبوداً تطوع في الجيش العراقي . وفي ساحة التدريب سأله الضابط عن سبب وجوده هناك ، أجابه عبود بأنه جاء للدفاع عن وطنه . فعلق الضابط متسائلا : عفية بالسبع ، زين عبود إذا إجاك العدو شتسويله ؟ أجاب : سيدي أحط طلقة براسه وأقتله . أطراه الضابط قائلا : عفية يابطل ، زين عبود إذا أجوك خمسة وأنت عندك بس خمس طلقات ، شتسوي ؟ قال : سيدي أرميهم صلي وأقتلهم . قال الضابط : عبود أنت صدك بطل ابن بطل .. زين إذا إجوك عشرة شتسوي ؟ أجاب : سيدي أشمر رمانة وأقتلهم قتل . قال : عبود عاشت ايدك يابطل .. زين إذا إجوك خمسة وعشرين واحد شتسوي ؟ أجاب : سيدي أرمي رمانتين وأقتل عشرين ، وأرمي خمسة صلي . قال الضابط : عبود أنت شجاعتك ماتوصَف . زين وإذا إجوك سبعين واحد وأربع دبابات وطيارتين شتسوي ؟ قال : سيدي أحط طلقة براسي وأنعل هيج جيش مابي بس عبود )..
عبود الآن ، موظف او كاسب بسيط يعمل تحت أشعة الشمس الحارقة ، ومثقل بأعباء الحياة المعاشية الصعبة والغلاء ، وجيبه يترنح بين أسعار الغذاء وأجور الكهرباء وقوائمها الوطنية وغير الوطنية وقوائم الماء وبدلات الإيجار وأجور تعليم أولاده ومتطلباتهم وأجور علاجه وعلاج أفراد عائلته في رحلتهم مع جملة من الأمراض التي تعود الى أسباب كثيرة تتعلق بالتلوث البيئي والغذاء غير الصحي والقهر والحرمان والكبت والانسحاق المتوارث جيلا بعد جيل .
عبود ، فقد من عائلته وأصدقائه الكثيرين في الحروب والانفجارات والاغتيالات والاختطافات والتهجيرات والأمراض الطائفية ، بعضهم غادر البلد هربا من اليأس او التهديدات ، وبعضهم ابتلي بالأمراض المستعصية او المكلفة في علاجها .
عبود فقد أيضا من صحته وسنوات حياته الكثير في الحروب والحصارات ودوامات الفقر والقلق والركض وراء لقمة العيش إذ عمل موظفا او عاملاً بأجر او عتالاً او صاحب (جنبر) حتى احترقت بشرته كما شأن أحلامه ، وماعاد له مايكفي من الوقت ليلتقط أنفاسه .. او يحلم بالمزيد ..
عبود ، اعتاد الذهاب الى عمله عبر شوارع مثقلة بالزحام ومفخخة بالعبوات ، وهو يعمل في ظل ظروف عمل صعبة لاسيما في الصيف حيث يموت حراً حين تنقطع الكهرباء ، وحتى حين تتوفر الكهرباء ولايتوفر له سوى مروحة تجذب له هواء ً حاراً يفقده المقدرة على التركيز والتفكير .
عبود اليوم ، رزقه البسيط يلاحقه أكثر من أربعين حراميا ممن غادروا جرار كهرمانة .. لأنّه وعلى مايعتقد سبب أزمة البلاد المالية !! وكأنه هو من باع نفط البلد وحوله الى أرصدة في بنوك الخارج ، او كأنّه هو من عمل مشاريع ومقاولات وهمية وسرق المال العام .
عبود الذي تعرض للسرقة مرات ومرات من أولي الأمر ، امتعض حين زادوا من الاستقطاع التقاعدي حتى قبل أن يزيد راتبه ، فزيادة الاستقطاع التقاعدي كانت مرتبطة بزيادة الراتب ، لكن عبود لم يتسلم الزيادة ومع ذلك دفع للدولة الاستقطاع ..
عبود المحاصَر في كل شيء ، فقد أعصابه مرة أخرى ، حين لاحقته الدولة بزيادة ضريبية على راتبه ، فارضة الضرائب على السلع والخدمات بشكل أو آخر، حتى شعر أنّ حياته قد تفرَض عليها ضرائب دعماً للموازنة العامة !!
عبود ، تذمر حين سمع تصريحات بعض أعضاء البرلمان .. هذا نائب يطالب باستقطاع نسبة معينة من راتب عبود تحت باب "الإدخار الإجباري" ، وتلك نائبة تطالب باستقطاع نسبة أخرى من راتب عبود سداً لعجز الميزانية .
عبود ، الذي لايهتم المسؤولون بحقوقه وواجباتهم نحوه أدرك أنّ التقشف فرض عليه وحده وأنّ راتبه هو منقذ خزينة البلد ، وإلاّ لماذا يُستهدَف ، كأنّه هو المسؤول عن إفلاس الخزينة ، وليس المسؤولون والبرلمانيون الذين يتمتعون بالرواتب الفاحشة والامتيازات ويعدّون عبئاً على الدولة والميزانية والشعب حتى باتوا يشكلون حلقة زائدة تثقل الموازنة العامة في ظل الفساد ، وفي خضم سيل الخراب الذي بلغ الزبى .
عبود صبر كثيراً على الظالمين الجشعين واستهتارهم بحريته وإنسانيته وحقه في الحياة ، لكنه خاف أن يفقد عقله او يضطر لإطلاق رصاصة على رأسه ، في ظل واقع يفرض عليه أن يدفع من كرامته وجيبه المزيد ليتنعم الفاسدون بخيرات بلده ، بينما هو مهدد بفقدان مسكنه وحياته . ولأنّ المسألة عنده ليست مسألة محاصرة رزق وإهمال خدمات فقط ، بل مساس بحياة وكرامة وحريات وخيارات ، ركض على غير هدى باحثاً عن منفذ لخلاص وتفكير بماعليه أن يفعل ، حتى وجد نفسه في ساحة كهرمانة ، حيث طرأت في ذهنه فكرتان ، الأولى أن يسكن مجاناً في إحدى الجرار الأربعين التي خرج منها اللصوص مسبقاً وتوزعوا بين العراق ، والثانية أن يكسر الجرار تخلصاً من رمز اللصوصية كبداية ، لكن عبود وجد الجرار قد سرقت هي الأخرى وكهرمانة تصب الزيت في الشارع ..
على الزيت سار عبود ، الى ساحة التحرير .. وهناك ، حيث نصب الحرية ، رفع لافتة خطّ عليها : (دولة مابيها بس عبود ، خل عبود يحكمها) ..



#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن .. قصص الحبّ التي لاتُعد .. !!
- عن القراءة ، والجمال الذي لايشيخ
- الرواتب .. خط أحمر أم أسود ؟!
- قصة قصيرة : نقطة
- الإرهاب ضد المرأة
- تجربة القراءة .. رحلة حياة
- سبعة أعوام من رحلة تعزيز الموروث الثقافي
- من حياتي : درس بحرارة الماء
- لمناقشة قضايا المرأة وحقوق الإنسان والأقليات .. هناء أدور في ...
- رحلة الألف ميل من المحبة .. تبدأ بنبضة واحدة / تجربتي .. مع ...
- أفكار في سطور(2)
- معرض Sama Asma للإكسسوارات تحت شعار المحبة والجمال والسلام ف ...
- الموروث الثقافي العراقي وحمايته من الضياع .. في جلسة حوارية
- أبجديات الصحافة : مواصفات الصحافي الناجح *
- أطفالُ الحروب .. كثيرٌ من العنف .. كثيرٌ من الحب
- أفكار في سطور
- قرار المرأة .. والفضاء الظلامي الخانق
- الموعد
- الموروث الثقافي المادي وغير المادي للعراق وأهمية تعزيزه وحما ...
- اللوحة الأخيرة


المزيد.....




- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...
- مؤسسات الأسرى: إسرائيل تواصل التصعيد من عمليات الاعتقال وملا ...
- الفيتو الأمريكي.. ورقة إسرائيل ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحد ...
- -فيتو-أمريكي ضد الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية كاملة بالأم ...
- فيتو أمريكي يفشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأ ...
- فشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ...
- فيتو أمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - اسماء محمد مصطفى - دولة عبود !