أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم حبيب - نظرات في كتاب -الخضوع السني والإحباط الشيعي- نقد -العقل الدائري- للدكتور فالح مهدي الحلقة الثانية (2-4) الخضوع السني















المزيد.....


نظرات في كتاب -الخضوع السني والإحباط الشيعي- نقد -العقل الدائري- للدكتور فالح مهدي الحلقة الثانية (2-4) الخضوع السني


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 4891 - 2015 / 8 / 9 - 11:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لقد خَلُصَ الباحث الدكتور فالح مهدي في القسم الأول من كتابه الموسوم الخضوع السني والإحباط الشيعي "نقد العقل الدائري" إلى تأكيد استنتاجاته النظرية التالية: 1) دائرية المكان من الناحية المعمارية التي تعني مكاناً مغلقا ومنغلقا على نفسه وممتنعاً إلى حد بعيد عن تأثير الخارج، إلا ما يتناغم مع حيزه الجماعي، 2) وعموديته، أي لاهوتيته، من الناحية الدينية والأسطورية وتراتبية السلطة المستندة إلى الفكر الدائري المغلق، 3) ومن ثم هيمنة مفهوم الجماعية أو الحيز الجماعي من الناحيتين الاجتماعية والأنثروبولوجية على المجتمع المتبني للدين الإسلامي. وهذا التلخيص المهم لاستنتاجاته النظرية فتح أمام الباحث مجالاً رحباً وقاعدة متينة في الانتقال إلى دراسة تحليلية ونقدية للإسلام السياسي أو لفكر وممارسات الإسلام السياسي منذ النشأة الأولى، ومن ثم بعد أن انقسم إلى مذاهب سنية وشيعية. وإذا كان أتباع الإسلام السياسي السني يعانون من خضوع، فأتباع الإسلام السياسي الشيعي لا يعانون من إحباط فحسب، بل وفيه الكثير من الخضوع الناتج عن مضمون الدين الإسلامي الذي أشار إليه الدكتور فالح مهدي في مجرى معالجته النقدية للفكر (العقل) الدائري المغلق الذي لا يقتصر على السني دون الشيعي، وأن رآه بدرجة أقل.
كما فعل الباحث في دراسته النظرية حين اعتمد منهج العودة إلى أصل المكان والفكر الذي نشأ هناك، اعتمد نفس المنهج في بحثه عن الخضوع السني والعوامل الكامنة وراء ذلك.
بودي أن أُشير ابتداءً إلى أربع مسائل جوهرية أتفق بها مع الباحث الفاضل:
1. إن جميع الديانات والمذاهب والعقائد التي يحملها الإنسان والتي تشترط الإيمان بها وليس وعيها، تحوّل المؤمنين بها إلى خاضعين لها ولأحكامها وطقوسها وتقاليدها...الخ وتابعين تقليديين لكهنة وشيوخ الدين، أي خاضعين وتابعين إلى الفئات الحاكمة المتصالحة والمتفاعلة والمتشابكة في مصالحها مع كهنة المعابد أو مع شيوخ الأديان والمذاهب وبالارتباط مع عوامل عديدة. ومن هذا الخضوع والتبعية لا يمكن استثناء أتباع دين دون آخر، والاختلاف يبرز في حالة حصول تنوير ديني واجتماعي فعلي من جهة، وفي مجتمع صناعي مدني متقدم من جهة ثانية. إذ حتى في مثل هذه الحالة نجد جماهير واسعة ما تزال حتى في المجتمعات المتقدمة خاضعة للكنيسة، وبشكل خاص للكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية. ويقدم الدكتور مهدي نموذجاً مهماً في هذا الصدد، على سبيل المثال وليس الحصر، حمورابي والإله شمش وشريعته. وهو ما نعيشه أيضاً في الإسلام السني والشيعي. ومن درس هذه الفترة من تاريخ العراق يستطيع أن يشخص التشابك والتكاتف من طرف، والصراع بين الملك، باعتباره نصف إله ونصف بشر، وبين كهنة المعبد من طرف آخر والتي تدور على المصالح والموقع والتأثير من طرف آخر.
2. إن الإسلام السياسي، وبالارتباط مع مكان ومحيط وتاريخ وتراث وثقافة هذا الفكر وأيديولوجييه ومصالح حكامه، لا يخلوا ولا يمكن أن يخلوا بأي حال من الفتنة، سواء أكانت مقدسة أم غير مقدسة. إنها جزء من السياسة في الحيز الجماعي، ولكن نجدها أيضاً في الحياة السياسية في الحيز الفردي أو الأفقي بقدر أقل، وما يخفف منها وجود اللعبة الديمقراطية.
3. إن المذاهب الإسلامية كلها دون استثناء، سواء أكانت سنية أم شيعية تلجأ عند الحاجة إلى عملية تكفير الإنسان الآخر ومحاولة الخلاص منه بكل ما هو متاح لديها من إمكانيات. وسبب ذلك استنادها جميعاً إلى أرضية فكرية واحدة وحيز جماعي واحد عموماً ومعين أيديولوجي واحد إنه القرآن والسنة النبوية، بغض النظر عند مدى صحة أو خطأ ما ورد لدى الصحابة وناقلي أحاديث النبي.
4. ومع وجود هذا التقارب، وأحياناً حد التطابق إلا في الجزئيات الفقهية بين المذاهب الإسلامية في الموقف العام من الآخر، فأنها وبسبب المكان الذي نشأت فيه تلك المذاهب الدينية قد تلونت أحياناً بصبغة أقل تشدداً ومنحت مذهباً آخر صبغة أخرى، صبغة التشدد والسعي إلى الخلاص من الآخر بأي ثمن. وهنا ينتصب أمامنا، تماماً كما شخصه الباحث الكريم، المذهب الحنبلي، المذهب الذي ينسب إلى أحمد بن حنبل (أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي 164-241هـ / 780-855م)، والغزالي (أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري450 -505 ه، 1058- 1111م) وأبن تيمية (تقي الدين أحمد ابن تيمية الملقب بشيخ الإسلام 661-728هـ, 1263-1328م) ومحمد عبد الوهاب (محمد بن عبد الوهّاب بن سليمان آل مشرف التميمي 1115 - 1206هـ، 1703-1791م). هذا المذهب، والمدارس التي نشأت عنه، اتسم بالسلفية المتشددة والمتغطرسة والممارسة للعنف والقسوة في فرض رؤيتها على الآخر وتكفير الآخر. وما يبرز الآن من قوى وتنظيمات شبه عسكرية ومتطرفة وتكفيرية ومجرمة في الساحة السياسية في الشرق الأوسط وغرب آسيا مثلاً هم من في الأصل من هذا المذهب، وهم بالتالي من الفكر الإسلامي الدائري المغلق. ولا يختلف الأخوان المسلمين عن الوهابيين وأمثالهم عن هذا التشدد والسلوك. ولا بد من الإشارة الواضحة إلى أن جميع المذاهب يمكن أن تتحول إلى الأسلوب السادي ذاته حين تشعر بخطر ما يهدد مذهبها أو في تنافسها مع المذاهب الأخرى، وهي علة الإيمان والتشدد به.
5. جميع الأديان كانت وما تزال تتشبث بالسلالة أو العائلة المقدسة أو المعصومة. وهذا التشبث لتبرير الاستمرار أو الحصول على الحكم والمكاسب نجده في السلالات الفرعونية المصرية وحكم السلالات البابلية وعلى صعيد جميع الديانات وبمستويات متباينة. كما نجد ذلك عند المسلمين، ومنهم الشيعة، الذين يتمسكون بأهل بيت على ابن أبي طالب باعتباره أبن عم الرسول وزوج ابنته فاطمة الزهراء من خديجة زوجة النبي الأولى، باعتبارهم عائلة معصومة ولها الحق في وراثة الخلافة، وهو الأهم. وكثيراً ما يسعى الحكام بالانتساب لهؤلاء ابتداء من العراق ومروراً بالملك فاروق بمصر وانتهاء بملك المغرب. والكاتب فالح مهدي على حق حين أورد صدام حسين الذي سعى لإيجاد صلة نسب بعلي ابن أبي طالب باعتباره نموذجاً بائساً لمثل هذه المحاولات. ومثل هذا التمسك أو التشبث يكشف عن أهداف انتهازية وطموح في الحكم ...الخ لست بصدد التوسع في طرحها.
السؤال الذي سعى الدكتور فالح مهدي الإجابة عنه هو: من أين نشأ هذا الخضوع السني الجماعي تحديداً؟ إن قراءتي للكتاب، وخاصة قسمه النظري، جعلتني أرى:
أولاً: أن فلسفة وأيديولوجيا وسياسة الدين وأهداف شيوخ الدين لا تسمح بقيام علاقة سوية بين الإنسان ودينه، بل تشترط الإيمان بهذا الدين لا غير، والإيمان بالدين هنا لا يعني الوعي به وإدراك كنهه، بل القبول به كما يأتيه والامتناع عن مناقشة ما في الدين من أفكار أو التشكيك بما يطرح عليه من طقوس وتقاليد والتزامات، كما إن الاستفسار عن كنه الإله غير مسموح به، إذ إنها يمكن أن توصل إلى الكفر، فالكف عن الاستفسار هو الأفضل، بمعنى أخر إغلاق العقل والكف عن تفعيله. فالحاكمية لله، "فالحمد لله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد"، ومن يمثله في الأرض. ولدى شيعة إيران "الولي الفقيه" ولشيعة العراق المرجعيات الدينية في النجف، وغير ذلك هو الكفر والزندقة، وهو الخروج عن الطاعة وعليها. ولدى السنة مؤسساتهم الدينية ودور الفتوى وأبرزها الأزهر، ولدى الوهابيين في السعودية دار الفتوى الخاصة بهم والمتشدد والمتخلفة إلى ابعد الحدود.
ثانياً: وكما استنتج الدكتور فالح مهدي، فأن الإيمان ينتج الحب، وعن هذا الحب ينشأ التعلق بالمحب وأعني هنا التعلق بالدين. وعن هذا التعلق بالدين ينشأ الخضوع أو التبعية. هذا بالنسبة للأتباع، ولكن ليس بالضرورة لكل شيوخ الدين أو الحكام. فهم بسلوكياتهم التي عرفناها عبر كتب التاريخ أو عشنا بعضها في العصر الراهن في حِلٍ من كل ذلك، وهم في غالب الأحيان أفسد من غيرهم من البشر. والعراق الراهن يقدم الأدلة الساطعة على ذلك، دع عنك المملكة العربية السعودية أو السودان أو غيرهما. كما إن ضعف الإنسان كفرد يجعله يتشبث بالدين وبالجماعة الدينية التي ينتسب لها. ويمكن لعلماء علم النفس الاجتماعي أن يفسروا الكثير من حالة الخضوع التي يتسم بها أتباع الديانات المختلفة، ومنهم أتباع الدين الإسلامي، سواء أكانوا سنة أم شيعة من حيث المبدأ.
يورد الكاتب في مجال الخضوع الجماعي للسلطة السياسية فترة حكم حزب البعث وصدام حسين التي دامت قرابة 35 سنة ويسعى إلى تفسير هذه الظاهرة. ويرى بأن المؤسسة الدينية السنية لم تعترض أو تحتج ضد سلطة وسيطرة صدام حسين رغم زج العراق بحروب عديدة ومارس القهر والعنف والاضطهاد، ولكنه يشير إلى رفع أهل السنة راية المعارضة بوجه الشيعة حين وصلوا إلى السلطة. سأحاول هنا المشاركة في التحري عن الحالة التي نشأت بالعراق في ظل حكم البعث وصدام حسين، مع عدم نسيان الناس للأحداث الإرهابية التي مارستها القيادة البعثية وأغلبها كانت في حينها شيعية. اشعر هنا بضرورة الخوض الدقيق في هذه المسألة المهمة وأشير إلى ما يلي:
فمن يعود إلى فترة حكم البعث وصدام حسين، فالدكتور فالح مهدي وأنا وملايين العراقيين شهود عليها، سيجد أمامه مجموعة من الوقائع التي يفترض الإشارة إليها. منها بشكل خاص:
1. لقد سلط صدام حسين إرهاباً عدوانياً شرساً على المجتمع بأسره ودون استثناء، وركز على القوى السياسية المعارضة له والمناهضة لنظامه قبل معاداة أتباع الديانات والمذاهب الدينية أو الشيعة. ولم يكن في هذه السياسة سنياً بل قومياً يمينياً متطرفاً وفاشياً في الفكر والممارسة. كما إن اضطهاد قوى الإسلام السياسي الشيعية وبعض المراجع الدينية جاءت في فترة لاحقة لا لكونهم شيعة بالأساس بل لكونهم أصبحوا من المعارضة، وخاصة في أعقاب انتصار الثورة بإيران وسرقتها من قبل قوى الإسلام السياسي المتمثلة بالخمينيين والهيمنة على الحكم بإيران.
2. المؤسسة الدينية السنية وأئمة الجوامع هم موظفون في الدولة العراقية وليس كما حال المرجعية الشيعية وأئمة المساجد الشيعية التي تعتبر منفصلة عن الدولة. وهذا يعني إن عيش هؤلاء مرتبط بالدولة وموقفها من الحكم، بينما عيش المرجعية الشيعية وأئمة الجوامع خاضع لحجم التبرعات التي تصل من الشيعة في أنحاء العالم. ولم تخضع كل المؤسسة الدينية السنية للحكم، بل ظهر من كان ضد حكم صدام حسين وأجبر على مغادرة العراق أو وضع في السجون ومات فيها. ويمكن إيراد الكثير من السماء في هذا الصدد.
3. إن أتباع المذهب السني من بعثيين وقوميين وغيرهم بالعراق لم يسكتوا تماماً عن النظام البعثي، بل على وفق المعلومات المتوفرة برزت محاولات جادة للانقلاب على النظام وعلى صدام حسين بسبب سياساته الإرهابية واضطهاده للسنة بالموصل وسامراء بل حتى من بعض أفراد عائلته ومحافظة الأنبار، ولكن كلها فشلت وألقي القبض على من حاول ذلك وتم قتلهم بأبشع صور التعذيب والتمثيل بالجثة، وهم كثرة، وهم من أتباع المذهب السني.
4. إذا كان قسم من المرجعيات الشيعية قد تصدت لنظام الحكم البعثي، كما في حالة السيد الشهيد محمد باقر الصدر وأخته الشهيدة بنت الهدى وكذلك السيد محمد صادق الصدر لاحقاً، فليس كل المرجعيات الدينية الشيعية كانت في تضاد مباشر وعلني مع صدام حسين أو رفعت علم المناهضة ضده. وهذا لا يعني أنها كانت بالضرورة معه أو إلى جانب سياساته.
5. الانتفاضة التي حصلت في العام 1991 والتي ضربت بالحديد والنار انطلقت بعفوية كبيرة بعد الهزيمة الساحقة في حرب الخليج الثانية في الكويت في العام 1991، انتفاضة الربيع، من منطقتين هما الجنوب والوسط، وهي غالبية شيعية، وكردستان، وهم في الغالب الأعم كرد وسنة. وقادة هذه المظاهرات والانتفاضة لم يكونوا كلهم من الحزبيين الشيعية، ولا من الحزبيين السنة الكرد، بل كانوا من أحزاب أخرى وكانت الغالبية جماهير مستقلة غير مرتبطة بأحزاب دينية أو غيرها، إنها انتفاضة شعبية ضد الظلم والاضطهاد والحروب والحرمان الذي تجلبه الحروب معها. كما لا يمكن الادعاء بأن هذه الانتفاضة لم تؤيد من السنة. وعلينا أن نتذكر ما حصل في هذه الانتفاضة جيداً. لقد سحقت الانتفاضة بقسوة رهيبة من جانب حزب
البعث والقوات المسلحة وخاصة الحرس الجمهوري، ولكن في مجرى الانتفاضة توجه الناس صوب البعثيين دون تمييز بالقتل مما أدرى غلى عواقب وخيمة ودفع بكل البعثيين صوب الوقوف إلى جانب النظام، وهذا ما حصل مع الأسف الشديد في أعقاب إسقاط الدكتاتورية عبر القوات الأجنبية في حرب الخليج الثالثة، ليس ضد البعثيين فحسب، بل وضد أتباع المذهب السني وكذلك ضد أتباع الديانات الأخرى ومن جانب المليشيات الطائفية المسلحة. وكان عاملاً إضافياً في تفاقم فوضى الوضع بالعراق.
إن معارضة السنة لقيادة الحكم الشيعية نشأت من منطلق طائفي بحت ولأنها سمح في إبعاد المذهب السني باعتباره "مذهب الحكم" من تشكيل الدولة العراقية في العام 1921، كما إنه كان مذهب الحكم في طول عمر العراق تحت حكم الأمويين والعباسيين والعثمانيين، إلا فترة قصيرة في ظل تلحكم الصفوي، أو فترة أحد الأمراء الشيعة في أعقاب سقوط بغداد في العام 1258. كما إن أغلب الوزراء كانوا من السنة كأفراد بعثيين، إنهم قاوموا الوضع الجديد ليس بسبب سقوط صدام حسين أو الانتقام له، إذ كانت الفرحة بسقوط الدكتاتورية عارمة في كل أنحاء العراق، بل بسبب التمييز الذي تعرضوا له وخسارتهم لمذهب دولة لا دين لها ولا مذهب بسبب شخصيتها المعنوية وليس المادية. وعلينا أن نتذكر سلوك القوى والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية في أعقاب سقوط الدكتاتورية وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي بأغلبية شيعية، إذ إنها كانت وراء الدفع بالمشكلة إلى سطح الأحداث وبأبعادها الراهنة، إضافة إلى أولئك الطائفيين المتشددين من السنة وعلى رأسهم الأمين العام لهيأة علماء المسلمين (السنة) بالعراق الدكتور حارث الضاري (حارث سليمان الضاري 1941-2015م) مثلاً، إضافة إلى تنظيم القاعدة بالعراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. أؤكد مرة أخرى هنا بأن هذه القوى ومعهم التكفيريين وكذلك المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة قد قادت البلاد، وبعلم الأحزاب افسلامية السياسية الشيعية منها والسنية، إلى الفوضى والقتل على الهوية. وعلينا أن لا ننسى دور الولايات المتحدة الأمريكية في هذا التصعيد للخلاف الطائفي بالعراق. لقد شعر السنة بأن الأمريكيين سلموا الحكم إلى الشيعة، في حين أن المذهب الذي التزم به الحكم كان سنياً فلم يهضموا هذا الوضع، وبالمقابل كانت الأحزاب الشيعية قد وجدت نفسها في موقع قوي لتفرض ما أسمته بالانتقام من السنة والحكم السني، في حين لم يكن صدام حسين حكماً سنياً، بل كان الحكم بعثياً قومياً شوفينياً وفاشياً شرساً في آن واحد. وحين تصدى للأحزاب الشيعية بالبلاد لأنها قاومته ولكن وبشكل خاص بعد انتصار الثورة بإيران وهيمنة الخمينيين على الحكم وبدء تقديم الدعم للأحزاب الإسلامية السياسية العراقية وخاصة حزب الدعوة، وحزب العمل الإسلامي بقيادة هادي المدرسي. وبعدها تم بإيران تشكيل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق بقيادة محمد باقر الحكيم وبدعم من مرشد إيران. وفي حينها تم تشكيل منظمة بدر، كجزء من جيش المقدس، ووضع على رأسها عبد العزيز الحكيم في حين كان المسؤول العسكري الأول والفعلي شخصية عسكرية إيرانية.
وهنا يضعنا الكاتب بوضوح أمام الإسلام السياسي معتمداً في ذلك على مصادر الفقه في الإسلام السياسي وعلاقة كل ذلك بالفتنة والتي تعني بالدرجة الأولى الفتنة ضد الحاكم أو الفئة الحاكمة أو شيوخ الدين، بمعنى أخر اعتبار الفتنة ثورة على الحاكم وانتقاصاً منه ومن مصادر الفقه في الإسلام. ويجمل مصادر الفقه السني في ثلاثة هي: القرآن والسنة النبوية، والأحاديث التي سجلها الفقهاء من سلوكيات مارسها النبي أو تحدث بها بغض النظر عن صواب أو خطأ هذا النقل عبر مئات السنين.وما يفتي بها شيوخ الدين. ليس من حق المسلم أو المسلمة التشكيك بالإسلام أو القول بخلق القرآن، كما فعل المعتزلة، وهي الحركة الفكرية الجريئة التي نشأت في المدينة في العهد العباسي والتزم بها الخليفة المأمون بن هارون الرشيد، إنها الآيات والسور التي جاء بها الوحي من عند الله إلى محمد رسول الله. ومن يشكك في ذلك فهو كافر يستحق القتل. كما لا يشكك المسلمون بالأحاديث النبوية التي سجلت في عهد الرسول أو فيما بعد، ولكن هناك من الأحاديث التي نقلت والتي يجري منحها صفة الصدق أو الشك النسبي بها وبمن نقلها، كما في الموقف مما نقله أبو هريرة مثلاً. لقد سعى شيوخ الدين على امتداد القرون المنصرمة أدلجة الآيات القرآنية والسنة النبوية وجعلها محرمات لا يجوز المس بها، وبالتالي فمن هو مسلم عليه الالتزام بهما دون قيد أو شرط والخضوع لهما تماماً.
أذن أصبح القرآن والسنة النبوية أداتين قويتين بيد شيوخ الدين باعتبار القرآن منزلاً وأبدياً ويصلح لكل مكان وزمان ولا يجوز رفض بعضه أو كله أو التشكيك به بأي حال، وأن الأحاديث النبوية هي التكملة للقرآن ولا يجوز المساس بها. ولكن القرآن وكذا السنة، كما نعرف، هما نتاج بيئة محددة، نتاج مكان محدد وفكر دائري مغلق، إنه نتاج البادية وفي محيطها الصحراوي القاحل الذي تأثر بديانات وحضارات عديدة أخرى، ولكنهما لا يختلفان عن المحيط الذي أنتج القرآن والسنة.
اعتمد فكر الإسلام السياسي في الدفاع عن نفسه وسلطته وتراتبيته الدينية الاجتماعية على موضوع الفتنة التي ابتلى بها الإسلام بفترة مبكرة وحرم القرآن كل أشكالها، وكذا في الكثير من الأحاديث التي وردت في السنة النبوية. واتهم قادة من نسبت لهم الفتنة بالكفر والخروج عن الإسلام وعليه. وكانت عقوبة مثل هذه التهمة هي الموت. وقد مورس هذا الحكم من الخلفاء الراشدين دون استثناء وبأقسى الصور.
ويبحث الدكتور فالح مهدي في قسم الخضوع السني موضوع الفتنة ويتوسع به كما يبحث في الشخصيات التي كانت رائدة في نشر الفتنة من جهة, وسبل مواجهتها على وفق القرآن والسنة من جهة أخرى. كما يبحث في آليات الخضوع في الإسلام السني، التي هي من حيث المبدأ لا تختلف عن آليات الخضوع الشيعي في الإسلام، وموضع الحكم أو قيادة الحكم هي التي أوجدت عملياً التباين بين الخضوع السني للحاكم، والإحباط الشيعي بسبب عجزه عن الوصول إلى الحكم.
أتمنى أن يتمتع القراء والقارئات كثيراً بهذا البحث القيم وان يستنتجوا ما يرونه مناسباً بالارتباط مع معارفهم الذاتية وخبراتهم الشخصية وقدرة البحث على الإقناع بوجهات نظر الباحث الأكاديمي.
انتهت الحلقة الثانية وتليها الحلقة الثالثة.
كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرات في كتاب -الخضوع السني والإحباط الشيعي- نقد -العقل الدا ...
- هل الدولة العراقية فاسدة بمسؤوليها الكبار؟ من أينَ لكَ هذا؟ ...
- كاظم حبيب - كاتب وباحث أكاديمي يساري وناشط حقوقي - في حوار م ...
- قراءة في كتاب -من يزرع الريح... - للدكتور ميخائيل لودرز الحل ...
- قراءة في كتاب -من يزرع الريح... - للدكتور ميخائيل لودرز الحل ...
- هل يجوز لرئاسة وحكومة الإقليم السكوت عن العمليات العدوانية ل ...
- بيان: حملة مغرضة وظالمة ضد الأستاذ الدكتور سيِّار الجميل
- رئيس تركيا والهروب إلى أمام بعمليات عدوانية ضد الكرد!
- قراءة في كتاب -من يزرع الريح... - للدكتور ميخائيل لودرز - ال ...
- هل التزم الدكتور حيدر العبادي بالقسم؟
- سبل مواجهة تنظيم داعش والانتصار عليه؟ (5-5)
- الأسباب الكامنة وراء كوارث العراق وأبشعها اجتياح الموصل (4-5 ...
- بعض وقائع التطهير الثقافي بمحافظة نينوى (3-5)
- ماجد الخطيب في مشاهده المسرحية الجديدة عن اللاجئين
- وقائع مكثفة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي بمحافظة نينوى ( ...
- داعش وجرائم الإبادة الجماعية بالعراق (1-5)
- نظرة مفعمة بالحزن والألم في رواية -يا مريم-، للروائي المبدع ...
- رؤية مراقب عن أعمال المؤتمر السابع لاتحاد الجمعيات المندائية ...
- رؤية مراقب عن أعمال المؤتمر السابع لاتحاد الجمعيات المندائية ...
- الواقع والتحديات التي تواجه شعب كردستان العراق في المرحلة ال ...


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم حبيب - نظرات في كتاب -الخضوع السني والإحباط الشيعي- نقد -العقل الدائري- للدكتور فالح مهدي الحلقة الثانية (2-4) الخضوع السني