أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أيمن زهري - مايوه شرعي















المزيد.....

مايوه شرعي


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 4890 - 2015 / 8 / 8 - 11:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


كَثُر الجدل في صيف 2015 حول موضوع شائك إستغرق من وقتنا الكتير وهو موضوع المايوه الشرعي. طبعا كلمة المايوه الشرعي كلمة ملغومة لأنها ببساطة تعبر عن جدلية العلاقة بين الدين والحداثة؛ الحداثة - متمثلة في المايوه، والدين - متمثل في كلمة الشرعي - المضافة لوصف المايوه. الناس في مصر وفي دول عربية، بعد أكثر من ثلاثة عقود من سيطرة الفكر الوهابي السلفي الكاره للحياة، أصبت تبحث عن تبرير ديني لكل صغيرة وكبيرة في حياتها. هذا التوجه يعد توجها محمودا بالمُطلق أو من الناحية النظرية، لكن عندما يتحول هذا التوجه لمجرد رغبة في التبرير بغية الوصول لرضا نفسي زائف، تكون هنا المشكلة.

الناس في سنوات الأسلام الأولي كان همّهم نشر الدعوة والفتوحات وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية ولم يكن لديهم الوقت الكافي للتفكير في مسائل فرعية مثل جواز نزول المرأة حمام السباحة أم عدم جوازه. أضف الى ذلك أن مكة والمدينة ليستا من المدنالساحلية بالأساس ولم يكن هناك ما يدعو لإثارة تلك المسائل في هذا الوقت. حتى التفكير في السباحة في هذه الفترة لم يكن للترفيه كما هو الحال الآن، لقد كان التفكير في هذا الموضوع نوعاً من الإستعداد للحرب والغزو وتعزيز قدرة الجيش الإسلامي على ركوب البحر لكي لا يمثّل الماء عائقا أمام الفتوحات الإسلامية.


حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في هذا الموضوع يمكن أن يوضح هذه النقطة، "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل." سيدنا عمر قال أولادكم وليس أبناءكم، يعني الذكور فقط. والسباحة هنا جاءت مع الرماية - إستخدام السلاح - وركوب الخيل - وسيلة الإنتقال في المعركة – وهو ما يعادل المدرعات والمركبات الحربية في الجيوش الحديثة. إذن السباحة هنا يمكن أن تُفهَم على إنها سلاح أيضا، سلاح البحرية.

يعد موضوع المايوه أو لباس البحر بالنسبة للسيدات موضوع جديد حتى في الغرب، وقد وقفت الكنيسة ضدة مع بداية ظهوره. دخل المايوه الغربي مصر وبعض الدول العربية مع موجة التغريب خلال فترة الإستعمار الأوروبي، وكان إستخدامه قاصراً على فئة محدودة من المجتمع العربي في وقت كان هناك فصل تام بين الطبقات، وكان يسمح للمتعلمات الإتيان بأفعال لا يسمح بها المجتمع لغيرهم. إلي وقت قريب كان يُسمح في الريف المصري للمتعلمات بإرتداء ملابس غربية، بينما لا يُسمح بذلك لغير المتعلمات. السؤال الذي أود الإجابة عليه في هذا السياق هو، لماذا كَثُر الحديث حول هذا الموضوع الآن؟

أعتقد أن كثرة الحديث والخوض في هذا الموضوع الآن ربما يرجع لرغبة نسبة كبيرة من أبناء مصر، والمنطقة العربية، في الإستمتاع بكافة ملذات الحياة، الشرقية منها والغربية، بعد عدة عقود من التوغل الوهابي السلفي الذي أوصد أبواب التنعم بالحياة وقَصَر كل أنشطة الدنيا على خدمة الآخرة. بعد أن ملّ الكثيرون نمط الحياة المتشدد باتوا يحلمون، ليس فقط بالمتعة الحلال، ولكنهم سعوا الى "تحليل المُتَع" من خلال شرعنة ما يمكن شرعنته منها للوصول الى حالة من الرضا تجاه قناعاتهم الدينية دونما التفريط في الإستمتاع بكافة ملذات الحياة الدنيا وتطويعها، ولو قسرا، للقواعد الشرعية لتجنب الدخول في مرحلة الصراع النفسي بين إلتزاماتهم الدينية وما حولهم من مباهج "غربية المنشأ عادةً."

من وجهة نظري الشخصية، أرى في هذا التوجه نوعاً من الأنانية حيث لا يرغب هؤلاء في التنازل عن أيٍ من مباهج الدنيا في سبيل قناعاتهم الدينية. ربما يكون ذلك لأن تلك الفئة من الناس محبة لنمط حياة "الغرب" الذي ينعتونه بالكفر ليل نهار، ربما لأنهم يتبعون نفس وسائل العمل والإنتاج التي يتبعها الغربيون، أو للإنصاف، وسائل العمل والإنتاج التي إبتكرها الغربيون، دون أن يتركوا حظيرة الإيمان. فهم، علي سبيل المثال، إبتدعوا الخمر منزوع الكحول، وعبأوا العصائر في زجاجات تشبه زجاجات الخمر الغربية، وأنتجوا مشروب الشعير الخالي من الكحول – بيرة بدون كحول. بهذه المناسبة كنت منذ عدة سنوات بإنتظار القطار للسفر الي مسقط رأسي بالصعيد (جنوب مصر) وجلست على مقهى المحطة وكنت أشرب ذلك النوع من البيرة منزوعة الكحول، فإذا بإمرأة تتجه نحوي وتقول لي "على فكرة البريل ]نوع المشروب[ دة فيه كحول مش زي ما هو مكتوب عليه." قلت لها كيف؟ مكتوب على الزجاجة أنها خالية من الكحول. قالت لي "فيه نسبة واحد في الألف كحول." لم آخذ كلامها على محمل الجد لكن تركت باقي المشروب مجاملة لها. طبعا في الأجواء الحارة التي نعيش فيها لو تركت أي مشروب خارج البراد (الثلاجة) لعدة دقائق ،حتى لو عصير طمطم، من الممكن أن تكون فيه نسبة من الكحول أكثر من النسبة التي أشارت إليها الأخت الفاضلة.

بالمناسبة، الأخت الفاضلة إرتكبت ذنوباً أكتر من الذنوب التي كان يمكن أن أرتكبها لو أكملت شرب زجاجة البريل خاصتي. السيدة كانت محجبة صحيح لكن كان لباسها الي حد ما مُجسّم، وكانت ترتدي ألوانا مزركشة وكانت تجلس في محطة القطار بدون محرم، وغالبا ستسافر الصعيد بدون محرم، والأهم هذا كله إنها سمحت لنفسها بالحديث مع أجنبي - الأجنبي هو كاتب هذه السطور!

هناك دول إسلامية من حولنا وجدت بعض الحلول لتلك الإشكالية مثل أن يلتزم المواطن إلتزاما تاما بالقواعد والأعراف المجتمعية والدينية الصارمة طالما كان داخل حدود البلد، ثم يفعل ما يشاء عندما يذهب الى بلد آخر تتوافر فيه كافة الملذات والصغائر والكبائر التي يمنعه القانون والدين والمجتمع من إتيانها في بلده. قد يسافر المواطن المسلم الملتزم أشد الإلتزام بالقواعد الدينية في العلن، قد يسافر هذا لمواطن الى بلدان متاخمة لبلده، لقضاء ساعات قليلة في اللهو واللعب أو قضاء عطلة نهاية الأسبوع ليتحلل تحللا تاماً من إلتزامه الديني والأخلاقي، ثم يعود مرة أخرى لسابق عهده من الإلتزام الحرفي، الشكلي، بعادات وتقاليد مجتمعه. في العالم السرّي خلف الجدران المغلقة، يمكن لمن لا يستطيع مغادرة بلاده أن يعامل الخادمة مثل الجواري والمحظيات. كل هذه المعطيات قد لا تتوافر في بلدان "مسلمة" كثيرة منها مصر. فالسفر واللهو والإستمتاع بالخارج يتطلب قدرة مالية، لكن ليست القدرة المالية وحدها هي المحفزة لتلك المخالفات – الدينية والمجتمعية – لكن الأهم هو القدرة على تقبل حالة الإنفصام والفصل التام بين حرام الداخل وحلال الخارج.

يدعونا رجال الدين دائما لقراءة القرآن الكريم، ويدعونا القرآن ذاته لكي نفكر ونتدبر فيه، لكن رجال الدين وغير رجال الدين وكل من قابلتهم في حياتي تقريبا، يمنعوننا من التفكر في آياته ويصورون القرآن بالنسبة لنا كطلاسم لا يجب أن نجرؤ علي مجرد التفكير في معانيها أو علاقتها بحياتنا وكأننا عجم. لا يمنعني هذا من عرض التصور الإسلامي للمرأة، حسب فهمي المتواضع، قبل أن نتحدث عن ظاهرة "المايوه الشرعي." "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" (قرآن كريم) قرن من القرار أي الرسو والإستقرار والسكون وقلة الحركة. أي أن المرأة مأمورة بالقرار وعدم الخروج من بيتها. هذه هي الخلاصة وهذا أمرٌ صريحٌ لا يحتمل الجدل. ولكن لأن الأمر يتعلق بالدين، فلابد أن يكون هناك جدل وخلاف بين الفقهاء والمفسرين. الجدل هنا ينصب حول إذا ما كان هذا الأمر خاص بنساء الرسول عليه الصلاة والسلام أم أنه لكافة نساء المسلمين. طبعا لا خلاصة في أي مسألة جدلية ولكن يميل علماء الإسلام إلى تعميم الحكم ليشمل كافة نساء المسلمين بإعتبار أن نساء النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لنساء المسلمين كافة.

قد يسأل سائل: إذا كانت نساء المسلمين مأمورات بالقرار في بيوتهن، إذن ما الداعي للحديث عن زي شرعي للمرأة المسلمة؟ أقول لك ان الزي مطلوب في حالة واحدة فقط وهي حالة الاضطرار لكسر حالة القرار. على سبيل المثال، وربما الحصر، إن كان أبوها على فراش الموت (ووافق زوجها لها أن تزوره قبل أن ينتقل للدار الآخرة). في هذه الحالة يجب أن تلتزم المرأة المسلمة بمواصفات عامة في الزي وهي أن ما يظهر منها (كحد اقصى) الوجه والكفين. ومواصفات اللباس تلاته: (1) لا يصف و(2) لا يشف و(3) لا يكون فتنة في حد ذاته، بمعنى أن يكون واسعا فضفاضا لا يصف أي عضو من أعضائها، ولا يشف أو يفصح عما ورائه بمعني أن يكون القماش سميكا حاجبا لوصف ما خلفه، والشرط الثالث ألا تكون ألوانه جذابة أو طريقة حياكته بها أي زخارف قد تجذب الأنظار نحو المرأة، وبذلك يكون أقرب تمثيل لهذا الزي في يومنا هذا هو ما نطلق عليه النقاب.

وبذلك يكون النقاش حول ما يسمى بالمايوه الشرعي والسباحة والصيف والخروج للشاطئ ليس لها محل من الإعراب في هذا السياق وداخل تلك المنظومة. لكن إن كنت خارج هذه المنظومة يمكنك أن تفعل ما شئت ... بدون إزعاج وبدون محاولة فرض رأيك علي الآخرين أو الرغبة في الحصول على إعتراف مجتمعي بأن ما تفعله "شرعي" وأن من لا يوافقك هو الذي يمكن تصنيفه على أنه خارج تلك المنظومة. إذ ليس من المتصور ولا المعقول بداهةً أن تُشرعِن المايوه لكي تخدّر ضميرك الديني. إن كنت ترغب في أن تستمتع "حُرمَتك" بالبحر وتسبح مثلما تسبح أنت وتستمتع بالمياه مثلما تستمتع بها نساء "الكُفّار" في العالم وترتدي البكيني، لا ضَير، هذا شأنك. أما إذا كنت تستنكف أن ترتدي "حُرمَتك" البيكيني، فلترتدي ما شئت – أو ما شاءت – ولتحجب من جسدها ما شئت أن تحجبه، لكن لا تشرعِن هذا ... لا تقل لي مايوه شرعي. لأن هذا التوجه قد ينتهي بنا إلى إحداث ملاه ليلية شرعية تقدَم فيها البيرة خالية الكحول وتحِل فرق المنشدين الرجال بديلاً عن الراقصات المائلات المميلات والعياذ بالله.



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تنصر رسولك ... يا مغفل؟
- أهم عشر قضايا حول الهجرة والمصريين بالخارج خلال عام 2014
- اليوم الدولي للمهاجرين
- تراب الوطن ... أجساد الحور
- صعيدي حول العالم: في بلاد تركب الدراجات
- صعيدي حول العالم: في بلاد غاندي ونهرو
- المصريون المحدثون بين صافينار وفيفي عبده
- أهم عشر قضايا حول الهجرة والمصريين بالخارج خلال عام 2013


المزيد.....




- هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام ...
- زيلينسكي يشكو.. الغرب يدافع عن إسرائيل ولا يدعم أوكرانيا
- رئيسة وزراء بريطانيا السابقة: العالم كان أكثر أمانا في عهد ت ...
- شاهد: إسرائيل تعرض مخلفات الصواريخ الإيرانية التي تم إسقاطها ...
- ما هو مخدر الكوش الذي دفع رئيس سيراليون لإعلان حالة الطوارئ ...
- ناسا تكشف ماهية -الجسم الفضائي- الذي سقط في فلوريدا
- مصر تعلق على إمكانية تأثرها بالتغيرات الجوية التي عمت الخليج ...
- خلاف أوروبي حول تصنيف الحرس الثوري الإيراني -منظمة إرهابية- ...
- 8 قتلى بقصف إسرائيلي استهدف سيارة شرطة وسط غزة
- الجيش الإسرائيلي يعرض صاروخا إيرانيا تم اعتراضه خلال الهجوم ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أيمن زهري - مايوه شرعي