أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مصعب وليد - الرجل الفقير الى الحكومة!














المزيد.....

الرجل الفقير الى الحكومة!


مصعب وليد

الحوار المتمدن-العدد: 4888 - 2015 / 8 / 6 - 22:52
المحور: كتابات ساخرة
    


اليوم الثلاثاء، الساعة الواحدة وبضع دقائق، أي منتصف الظهيرة، وتشير الأرصاد الجوية الى أن الحرارة تزداد درجة كل بضع ساعات، والجو حارٌ جداً؛ هذا أمرٌ أكيد. أُشعل السيجارة الثانية وإضطراب يُسيطر على عقلي؛ وحلقي، لا بُد من قول ذلك، جفافٌ يشتعل في حلقي وجحيمٌ تطلب ناراً باردة. كان لا بُدّ من تجربة فريدة من نوعها وأنا أجلسُ في السيارة؛ قُمت بإنتزاع حذائي الجلدي كي أريح قدميَّ وأشعرُ بريحٍ تَمُرُّ بين أصابع قدمي، تمددتُ لوهلةٍ وقررتُ العودة الى مبنى الحكومة الذي يعمل به أحد أقاربي، في إنتظاره حتى ينهي عمله . كان رجلاً لم أتعرف عليه عن قرب ما زال ينتظر، على الأغلب، ما يقارب الساعتين، أمام مبنى الحكومة كي يُنهي إحدى المعاملات؛ وعلمت بأنها معاملة ترخيص لسيارته الحديثة لأن المبنى الذي يعمل فيه قريبي هو نفسه مبنى "دائرة السير"، ويبدو أن هذا الرجل لا يعرف أحداً في تلك الدائرة.
تُغلق الدائرة عملها الساعة الثالثة ظهراً، والأمرُ يحدث عادةً بشكلٍ روتيني يومياً. شعرتُ بعطشٍ قاتل، فذهبتُ الى الكافتيريا، التي يديرها شيخٌ طاعنٌ في السن، ولم أعرف اسمه رغم ذهابي المتكرر الى دائرة السير، في الساحة وطلبتُ زجاجة عصير باردة تقيني بعض هذا الحر الشديد، وأتمكن بالضرورة من إشعال سيجارة ثالثة تقتل بعض الوقت فيَّ، وانتظر كي يُنهي قريبي عمله والخروج من الدائرة لقضاء بعض الوقت في مكان مُكيَّف. وقُمنا بذلك حين إنتهى من دوامه الحكومي.
الرجلُ ما زال ينتظر، والسيجارة تنتهي تدريجياً بشكلٍ مفاجئ... الرجلُ "يتأفف" وانا "أتأفف" ولا شيء جديد في الساحة. لكن الوقت تجاوز الثانية ظهراً، وبعد مضي بعض الوقت الذي إعتبرته كثيراً بسبب إنتظاري تحت أشعة الشمس، رغم جلوسي في ظل شجرة الصنوبر الموجودة في الساحة، شعرت بأن الوقت طال كثيراً؛ إلا أن الساعة بين لحظة وضحاها أصبحت الثالثة ظهراً، وأغلق موظف في الدائرة الباب، فسارع الرجل الذي لم أتعرف عليه بعد الى باب المبنى وطالب الموظف بالدخول فرفضه الموظف قائلاً: "كان عليك ان تأتي باكراً؛ إنتهى الدوام!" فردّ الرجلُ قائلاً: "أنتظر هنا منذ ساعات طويلة، يا رجل!" فغضب الموظف لسببٍ مجهول وعبّر عن غضبه بعبارة إعتيادية: "عُد غداً." في تلك اللحظة جاء رجلٌ ورحب به موظف الدائرة قائلاً "أُدخل." إعتقدت وكان إعتقادي صحيحاً بأن الرجل الذي جاء مؤخراً صديق هذا الموظف، فدخل لدواعي زبائنية!
غادر الرجل الذي كان ينتظر في الساحة وعاد اليوم التالي، أي يوم الأربعاء، فتكررت الأحداث بشكل روتيني؛ إلا أنني جئت متأخراً بعد الإنتهاء من عملي في "جريدة الحال" وغيّرتُ نوع الشراب الذي اشتريته من الكافتيريا الموجودة بساحة الدائرة. وتمكنتُ من سماع ردّ الموظف على باب المبنى بشكلٍ همجي على ذات الرجل الذي كان ينتظر ساعات طويلة تحت أشعة الشمس التي حذرت منها الأرصاد الجوية بإرتفاع طفيف على درجات الحرارة؛ "يا زلمة، خلص سكرنا، حِل عن طيزي وإرجع بكرا!" قال الموظف للرجل، فشتم الرجل بصوت خافت؛ ذهب الى سيارته ذات نوع "كيا" وغادر غاضباً وشاتماً.
أنهيتُ عملي مبكراً يوم الخميس، وكانت الدائرة تُنهي عملها الإفتراضي الساعة الثانية ظهراً، لكنني إعتدت على الخروج من الدائرة مع قريبي الساعة الثالثة ظهراً. كان الرجل ذاته ينتظر منذ الثانية عشرة ظهراً أمام باب المبنى حتى يدخل... جلستُ بقربه وأشعلت سيجارة من نوع "بارلمنت"؛ كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة ظهراً وقد ازدادت نصف ساعة، أغلق موظف الدائرة باب المبنى، فصاح الرجل بصيغة إستفهام، بلهجة غاضبة: "لكن، لم تبلغ الساعة الثانية ظهراً بعد!" تدخلتُ في الأمر وصحتُ في الموظف: "إذهب وأطلب من قريبي مموسى ان يحضر هُنا سريعاً." فردّ بلهجة لطيفة: "هو قريبك؟" فأومأت برأسي بالإيجاب. وعندما ظهر موسى أخبرته بقصة هذا الرجل الفقير الى الحكومة، وطلبت منه ان ينجزوا المعاملة له... صاح موسى بصوت صاخب على موظف الدائرة وقال له: "يلعن شرفك يا أخو الشليتة، فش عندك مبادئ؟!"
رددتُ بعض الكلمات، كي أُعبر عن غضبي من الدائرة، وقُلتُ للرجل، الذي شكرني وعرّف عن اسمه لاحقاً، غيباً:
عزيزي المواطن "يوسف" الذي تساءل البارحة أمامي، أمام إحدى مباني إحدى الدوائر الحكومية وبان على وجهك غضب و غيظ شديدين؛ عن موعد إغلاق الدوائر الحكومية في موعد لم يتجاوز الواحدة بعد الظهر؛ خذ بعين الإعتبار، عزيزي، أن هنالك فئتين من المواطنين أحدهما يملك والآخر لا يملك، نعم كوسائل الإنتاج. لو أردت تعقيد الأمور لقلت لك؛ حتى الواحدة بعد الظهر يحق للمواطن العادي الخوض في الأمور الحكومية، لكن ستغلق الدوائر الحكومية أبوابها أمام المواطنين المفترضين وتصرف النظر عنهم، وتفتح أبوابها لمجموعة الحمقى الذين يملكون. هذه الديمقراطية التي لم تخيب أفكار أحد الفلاسفة ظني بها حين شدد على سوء الديمقراطية بوصفه أن مجموعة من المغفلين يتحكمون في مصيرك وطريقة عيشك؛ ولأن الفرق بين هذه الأغلبية ومن نعتبرهم حكماء، أن الحكماء يتكلمون لأن هنالك عبرة مما يريدون الإفصاح عنه، أما أولئك الحمقى فيتكلمون لأنهم يريدون ذلك؛ هذا، كذلك، أمر فيه عبرة للتمييز بين الفئة الأولى والثانية لو تفكر أهل العقول.



#مصعب_وليد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبض الضفة... يهدأ أو يعلنها ثورة!
- -الأسد أو لا أحد!-
- الليبرالية والعنف المُمَأسس في مسلسل (إختلال ضال - Breaking ...
- الرفيق المؤمن الكادح
- فوضى
- مَكْنونات مُمِلة!
- القاعدة و-داعش- صنيعة أمريكية بامتياز
- غداً يومٌ ..قد يكونُ أفضل!
- فيروز مادة إجبارية!
- -ليش مكشِّر؟!-
- حالي بعد سؤالها!
- قُبيل السفر؛ إشْتَهَيْتُكِ أكثر!
- لَوْ
- إنتفاضة على الأطلال!
- هل فَقَدَ الفلسطينيون الأمل؟!


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مصعب وليد - الرجل الفقير الى الحكومة!