أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عثمان - لا لإعدام قادة الأخوان بمصر















المزيد.....

لا لإعدام قادة الأخوان بمصر


أحمد عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 4886 - 2015 / 8 / 3 - 21:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(1)
أعلم جيداً أن هذا العنوان سوف يستفز الكثيرين ممن عانوا الأمرين من ظلم و إستبداد و عسف جماعة الأخوان المسلمين و متفرعاتها خصوصاً في بلادنا الحبيبة السودان. وهم بالطبع محقون في مطالبتهم بمحاسبة هذه الحركة السياسية عن الجرائم التي إرتكبتها في حق أوطانهم، ولكن عليهم أن يفرقوا دائماً بين المحاسبة و الإنتقام، حتى لا يتنكروا لموقفهم المطالب بإقامة دولة سيادة حكم القانون القائمة على المواطنة و إحترام حقوق الإنسان، و حتى لا ينحدروا بالدولة نفسها من مستوى مؤسسة حديثة تقوم على المحاسبة، إلى مستوى جسم بربري يقوم على الإنتقام و إهدار الحقوق. و لنثبت قبل كل شئ أن جماعة الأخوان المسلمين قد فشلت فشلاً ذريعاً في القيام بواجباتها تجاه الشعب المصري الذي أعطاها شرعية إنتقالية لتقود إنتقاله من دولة الإستبداد السياسي إلى دولة سيادة حكم القانون، و أفشلت بذلك فرصة التحول الديمقراطي في مصر، و ارتكبت أكبر الجرائم في حق الشعب المصري. فبدلاً من فهم طبيعة شرعيتها الإنتقالية و القيام بواجبات الإنتقال ، قامت بشرعنة إستبدادها و شرعت في إجراءات التمكين، و هزمت بذلك شرعيتها الإنتقالية و نقضتها بنفسها، قبل أن يهب الشعب المصري و يكنسها ، و من ثم تتغول على إنتفاضته المؤسسة العسكرية و تجهض ما تبقى من أمل في التحول الديمقراطي.
(2)
و بالرغم مما تقدم و برغم أن دولاً كثيرة مازالت تعتمد عقوبة الإعدام، إلا أننا من مواقع الدفاع عن حقوق الإنسان و عن حقه المقدس في الحياة، نقف بوضـــــــوح تام و إستقامة و ثبات ضد إعدام قادة الإخوان المسلمين في مصر ، إستناداً لموقف أصيل يرفض سلب حق الإنسان في الحياة – وهو أخص حقوقه كإنسان- مهما كانت المبررات أو الجرائم التي إرتكبها. فعقوبة الإعدام – غير أنها تسلب الإنسان حقه في الحياة- فهي عقوبة تهتم بالردع فقط ولا تشتمل على أي بعد إصلاحي بأي صورة من الصور. إذ لا يتصور إصلاح شخص قد فارق الحياة، في حين أن الإصلاح و تغليب جانبه هو الأفضل للمجتمعات من تربيتها على أساس الردع و التخويف. و الواضح أن هذه العقوبة حتى في جانب الردع لا تشكل رادعاً كافياً يمنع من إرتكاب الجرائم التي تقود إليها، وذلك لأن الأسباب التي تقود إلى إرتكاب الجرائم ليست نفسية فقط بل إجتماعية في منشأها بالأساس. و أخطر مافي هذه العقوبة هي أنها لا يمكن مراجعتها أو معالجة آثارها لإستحالة إعادة من نفذت فيه إلى الحياة حتى و إن تم إكتشاف أن إدانته كانت خاطئة لاحقاً. و كثيراً ماوقعت هذه الأخطاء في محاكمات تعتبر عادلة إستوفت جميع شكليات العدالة و توفرت فيها بينات كافية للإدانة إتضح خطأها في فترات لاحقة. و لهذا نصت المادة الثانية من ميثاق الحقوق الأساسية للإتحاد الأوربي بمنع تطبيق هذه العقوبة، و أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً غير ملزم طلب من الدول الأعضاء تعليق العقوبة مع دراسة إلغائها، ووضع البرتوكول الثاني من الإتفاقية الأمريكية لحماية حقوق الإنسان لحظر هذه العقوبة، و تمسكت جميع منظمات حقوق الإنسان الدولية بضرورة إلغائها. و نحن نؤيد تعليق هذه العقوبة توطئة لإلغائها ، وبالتبعية نؤيد عدم تنفيذها في قادة جماعة الإخوان المسلمين المدانين.
(3)
و إذا كانت عقوبة الإعدام في حد ذاتها عقوبة تستدعي الرفض بالمطلق، فإن إصدارها في جرائم ذات طابع سياسي يستلزم الوقوف ضدها بشدة. إذ أن الجرائم السياسية في الغالب الأعم مرتبطة بتقدير قوى سياسية مسيطرة على السلطة، هي من يحدد طبيعة هذه الجرائم التي تفصل تفصيلاً لمعاقبة و تجريم و تصفية الخصوم السياسيين. فالجرائم السياسية المرتبطة بالتحولات السياسية، هي جرائم تقديرية و ضعية يصوغها المشرع المنتفض ضده و فقاً لإحتياجات و اقعه و في سبيل تثبيت سلطته السياسية. هذه الجرائم تتسع دائرتها في ظل الأنظمة الشمولية المستبدة كالنظام السوداني ذو الجذور الإخوانية و تكرس في نصوص فضفاضة كنص جريمة الردة في القانون الجنائي السوداني، و تنكمش مساحتها في ظل الأنظمة الديمقراطية. و بالرغم من أننا لم نطلع على تفاصيل المحاكمات لقادة الأخوان المسلمين و لا على حيثيات الأحكام الصادرة ضدهم ، مما يجعلنا غير قادرين على و صم الأحكام الصادرة بأنها سياسية، إلا أننا نستطيع أن نقول بأن بعض الجرائم التي تم إدانتهم بها جرائم ذات طابع سياسي. فجريمة إقتحام السجون التي تمت في ظل إنتفاضة شعبية من الطبيعي أن تستهدف سجون النظام السابق التي تضم السياسيين المعارضين، لا يمكن إعتبارها جريمة بعيدة عن السياسة و كأن من قام بالإقتحام عصابة مخدرات ترغب في تخليص عضويتها المدانة بأحكام قضائية. و تجريم مثل هذا الفعل يعني تجريم إقتحام سجن الباستيل في الثورة الفرنسية و تجريم إقتحام سجن كوبر في إنتفاضة أبريل 1985م المجيدة في السودان. و إصدار أحكام الإعدام في هذه الحالة و الإدانة من قبل إصدار الأحكام، تشكل إنتصاراً للنظام السياسي المستبد الذي رفضته الجماهير و انتفضت ضده. لذلك لابد من رفض هذه العقوبة حتى و إن تم قبول الإدانة تجاوزاً، بإعتبار أخذ الباعث على الجريمة عند تقدير العقوبة في الإعتبار، مما يحتم عدم الأخذ بالعقوبة القصوى وهي الإعدام في هذه الحالة.
(4)
و حتى إذا إفترضنا أن العقوبات المذكورة صادرة في جرائم عادية و ليست سياسية و في محاكمات عادلة إستوفت كامل شروط العدالة و مقتضيات و إجراءات المحاكمة العادلة، فإن صدورها ضد ساسة معروفين في ظل سقوط نظامهم السياسي و تمكن خصومهم من السلطة، يعطيها طابعاً سياسياً لا تخطؤه العين. و هذا بالطبع يجعل إخراجها من سياقها السياسي أمراً خاطئاً . إذ لا يستقيم القول بأن إتهام رئيس الدولة بالتخابر مع دولة أخرى و الإضرار بالأمن القومي جريمة عادية، في حين أن و صول المعلومات إليه تم بصفته رئيساً و تمريره للمعلومات – إن صح- تم ضمن تقديره لسلطاته و فهمه لطبيعة التحالف السياسي الذي يربطه بتلك الدولة و حدود و سقف تبادل المعلومات معها. و هذا يبين أن أي أحكام تصدر في مواجهته أو في مواجهة قيادة تنظيمه السياسي، لا يمكن بأي حال فصلها عن إطار الصراع السياسي التي تمت في ظله. فمحاولة إلغاء الطابع السياسي و تقديم قيادات حركة سياسية تحت مواد قانون العقوبات بإعتبارهم مجرمين عاديين، هي محاولة فاشلة بكل تأكيد. و هذا بالطبع يستدعي إستصحاب الأثر السياسي في كامل إجراءات المحاكمة ، و أخذه في الإعتبار مع الضغط الناجم عن الدعاية السياسية التي كونت رأياً عاماً ضد المتهمين، في ظروف غليان شعبي أسقط سلطة هذه الحركة السياسية و قطع أمامها طريق التمكين الذي استعدت به الجميع. و إستصحاب هذا الأثر السياسي، يستلزم النظر إلى طبيعة العقوبة في حال الإدانة ، و تخفيفها و إصدار عقوبة ذات طابع إصلاحي لا عقوبة ذات طابع ردعي إنتقامي، مشكوك بالأصل في تحقيقها للردع و معلوم مخاطر بعدها الإنتقامي و ردود الفعل الذي تولده.
(5)
و بالأخذ في الإعتبار المصلحة العامة، و المحافظة على النسيج الإجتماعي للشعب المصري، و حاجته للإستقرار السياسي، يتضح أن تنفيذ عقوبة الإعدام في قادة جماعة الإخوان المسلمين، لا يحقق المصلحة العامة لشعب مصر. فهو من ناحية يوغر صدور القطاعات المؤيدة للحركة و يدفع عضويتها و قادتها لمزيد من التطرف في رد الفعل، و يقطع الطريق أمام أي ترتيبات سياسية مستقبلية تدمجها في الحياة السياسية تحت سقوف دولة سيادة حكم القانون . و مهما كان حجم هذه الحركة التي حكمت مصر عبر إنتخابات تعددية أعطتها شرعية إنتقالية تحب هي أن تسميها ديمقراطية، فهي مؤثرة في نسيج الشعب المصري و لا يمكن إلغاء تأثيرها بإجراءات إدارية و أمنية أو أحكام بالإعدام. و من ناحية أخرى ، يوطد هذا الإجراء سلطة المؤسسة العسكرية ذات الثوب الديمقراطي التنكري و يخيف معارضتها السياسية خصوصاً إذا تم قراءته مع أحكام قانون التظاهر و القوانين القمعية الأخرى، و يكرس إستحالة العودة إلى مسار ديمقراطي في مستقبل الحياة السياسية المصرية لمدة قد تطول. و لأن هذا الإجراء – أي تنفيذ احكام الإعدام- سوف يعزز حالة إلاحتجاجات الراهنة و يوفر مناخ لتبرير العنف في مواجهة السلطة بإعتبار أن قيادة جماعة الأخوان المسلمين أثبتت أنها لا تستطيع الإرتقاء فوق ردود الأفعال، فإنه سوف يقود إلى تعميق الأزمة السياسية و ربما يقود لإنسداد سياسي كبير يسمح بنمو حركات التطرف المسلحة. و المطلوب بالطبع هو أن ترتقي قيادة جماعة الأخوان المسلمين إلى مستوى الحدث، و تكف عن الإستمرار في حالة الإنكار الراهنة و تقبل حقيقة أن الشعب المصري قد إنتفض ضد حكمها و تمكينها، و أن المؤسسة العسكرية استغلت هذا الظرف، و تعود إلى شعبها قابلةً لحكمه ناقدةً لسلوكها المشين، و تعمل من خلال المعادلة السياسية الحالية و مع كل القوى السياسية لإستعادة المسار الديمقراطي، في نبذ صريح وواضح للعنف، و تجاوز لأوهام إعادة مرسي للرئاسة. و على النظام الحاكم أن يلاقيها في منتصف الطريق، بإيقاف إعدام قادتها، و السماح لها بالعمل السياسي مثلها مثل أي قوة سياسية أخرى.
و بما أننا لا نثق في حكمة قيادة جماعة الأخوان المسلمين و لا في قدرتها على الإعتراف بالخطأ أو القيام بتصحيحه، يصبح الأمل الوحيد في إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة ضد قادتها، هو إنصياع السلطة الحاكمة بمصر لضغوط حكومات أجنبية و مجموعات حقوقية منتظمة في منظماتها العالمية و الإقليمية، و في أن تقرأ السلطة المصرية الواقع السياسي كما هو بعيداً عن الأمنيات، و أن تبادر للمساومة السياسية في مقابل الإستقرار السياسي. و برغم كل ما صدر و يصدر من الأخوان المسلمين، نقولها بالصوت العالي، لا لإعدام قادة الأخوان بمصر.



#أحمد_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نواجه الفكر المتطرف؟
- ماهي تداعيات الفكر المتطرف؟
- ماذا يميز الفكر المتطرف؟
- لماذا يتطرف أبناؤنا؟
- في تحويل الفضيحة إلى فتح رباني - ملاحظات حول ما جرى في جنوب ...
- في السودان (إنتخابات الإستمرارية لا إنتخابات الشرعية الديمقر ...
- النظام السوداني ( تحول إستراتيجي أم تموضع تكتيكي؟)
- لماذا انتشر الإسلام السياسي؟
- دلالات إيجابية في السياسة السودانية!!
- الحوار تحت أسنة رماح الجنجويد !
- عقبات في سبيل تأسيس أحزاب سياسية سودانية جديدة
- جنوب السودان - مضمون النزاع وآفاق الحلول
- الأخوان المسلمون والفشل الإستراتيجي
- سيناريو الخراب المحتمل -إتهام جديد لحزب الله!-
- ما لاتريد الحركة الشعبية أن تراه!
- ماذا لو
- نورونا ياهداكم الله ! أو في الإستفتاء و دعوى الكونفيدرالية ! ...
- الى الصحفي سردش
- إتفاق الدوحة الإطاري (مزالق وسقوف)
- السودان ونذر التفكك (مخاطر الإنفصال على دولتي الجنوب والشمال ...


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عثمان - لا لإعدام قادة الأخوان بمصر