أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - صخرتان من أرض القناة














المزيد.....

صخرتان من أرض القناة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4885 - 2015 / 8 / 2 - 15:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في صدارة غرفة مكتبي، تقف بشموخ وعِزّة صخرتان صغيرتان بيضاوان فوق رفٍّ من رفوف مكتبة التذكارات في بيتي. هما من أثمن ما أقتني من نفائس وكنوز.
عُمر الصخرتين أركيولوچيًّا، ربما يعود لملايين السنين، لكن عمرهما في حوزتي يعود إلى عام، إلا قليلا.
الاثنين 11 أغسطس 2014.
زيارتي الأولى لمشروع القناة. أقف فوق أرض، لم تعد موجودة الآن. كتبتُ يومئذ في جريدة "الوطن": “أقفُ الآن فوق رمال، لن تعود موجودة بعد شهور قليلة. تحت قدمي صفحةُ ماء تتكوّن في هذه اللحظة في رحم الأرض، لتولد من باطنها بعد شهور قليلة، فتغدو حُلمًا مصريًّا رسمته عقولٌ نابهة، وواقعًا جميلا صنعته سواعدُ عفيّة، ومستقبلا آمنًا لأجيال قادمة ستقفُ بفخر وتقول: هذا صنعه أجدادي المصريون العظماء.
اتصل بي يومها صحفي من مجلة "الكواكب" يسألني: كيف سيتناول الشعراءُ والأدباء ذلك المشروع إبداعيًّا؟ فقلتُ له إن أية قصيدة، مهما بلغت من براعة صوغ، غيرُ قادرة على رسم الصورة أكثر من زيارة المشروع ورؤيته رأي العين. هنا قصيدة حية تحكي كيف يبدأ حلمٌ في التحقق فور الحلم به. كيف تبدأ السواعد المصرية في العمل والحفر والبناء، فور توقيع القرار بخاتم جمهورية مصر العربية، وتصديق الرئيس وصنّاع القرار. كيف تمرُّ الثواني والدقائق والساعات والأيام لترسم وجهًا آخر لخارطة مصر الجديدة. كيف تتولد قناة مائية باشّة مشرقة في صحراء جافة عبوس. كيف تتخلّق فوق الرمال الصفراء، صفحةُ من المياه الصافية المتلألئة ستحمل عما قريب سفنًا وحاويات عملاقة تجوب لتنقل خيرات العالم إلى العالم؛ فيشكرنا العالمُ الذي سيفيد من حلمنا وجهدنا الثري.
على شاشة القناة الأولى في برنامج "صباح الخير يا مصر"، تحدثتُ عن مشروع القناة والمدة الوجيزة التي أُنجز فيها. فقلتُ: "إن كان يوم الحكومة بسنة"، كما يذهب الفولكلور المصري، فإن يوم القوات المسلحة، بست ساعات". هذا الجهاز السيادي المنضبط يعرف قيمة الزمن، ويقدّس العمل ويقدس النظام. فحين يقول سأنجز هذا الكوبري أو ذاك الطريق في شهر، تعرف أنه يعرف ما يقول، وبعد شهر تجده أنجز ما وعد. لهذا كنتُ على تمام الثقة بأن مشروع قناة السويس سيُنجز في موعده، وسوف تظهر بشائر الماء على صفحة تلك الرمال بعد شهرين من زيارتي الأولى، كما وعدنا العميد "حسن السيد العراقي" وهو يشرح لنا طبيعة المشروع العملاق قائلا: "اليوم 11 أغسطس، تعالوا يوم 11 أكتوبر لتشاهدوا الماء وقد ظهر في عمق الرمال.”
4000 مُعدّة ما بين لودر وحفّار وسيارة نقل وقلاب، وحوالي 12 ألف عامل ما بين مقاول ومهندس وعامل حفر وغيرهم. ورغم أنني خريجة كلية الهندسة، وعيناي مدربتان على قراءة اللوحات الهندسية والخرائط المساحية، إلا أن رؤية المشروع على الطبيعة شيء آخر يشبه السحر، ويملأ القلب بالفرح بمصريتي وبالفخر بجيشي العظيم، حين تقع عيناي على الشارة المعلقة على صديريات رجالنا هناك مكتوب عليها: “الجيش المصري”.
السبت 6 سبتمبر 2014.
تاريخ زيارتي الثانية للمشروع. في أقل من شهر أوفى رجالُنا ما وعدوا، قبل الموعد الذي ضربوه لأنفسهم. حين سألتُ في المرة الأولى”: “متى نرى المياه؟" قال العميد العراقي: "بعد شهرين. تعالي يوم 11 أكتوبر وخذي حفنة ماء من القناة الجديدة.” لكن تباشير المياه ظهرت بعد شهر واحد، لأنه جيشنا العظيم.
هم رجالٌ نزعوا من قاموسهم كلمات لا محلّ لها من دنيا الانضباط: “تأخير، فشل، نصف نصف....” رجالٌ لا يعرفون إلا مقولة: “Failure is NOT an Option”؛ "الإخفاق غير مطروح"، شعار رحلات الفضاء المكوكية.
أتأملُ الرمال الصفراء المشرقة مثل نُثار الذهب، وأفكر في أنها لن تكون موجودةً بعد برهة. لهذا جمعتُ بعضَها في قنينة صغيرة. ثم أختلستُ صخرتين صغيرتين من نتاج الحفر كأنما قطعٌ من خام الألماس. وعند عودتي لبيتي في المساء، أزحتُ صخرة صغيرة انتزعتُها من "سور برلين" كتذكار يشهد بوجوده قبل أن يسقط وتتوحّد الألمانيتان، ووضعت صخرتي بلادي في مكتبة "التذكارات" التي أحفظ فيها كنوزي وأسراري وتآريخَ العالم.
منذ كثير وكثير من السنوات، ظللتُ أحلُم بأن يتوحّد المصريون على حُلمٍ. مشروعٌ قومي نصطفُّ خلفه ويكون محورَ أحاديثنا ومادةَ ترقّبنا للغد. طالما حسدتُ الستينيين على اصطفافهم حول مشروع "قناة السويس" الذي لم أعشه. كان المصريون من شمال مصر إلى جنوبها يتحدثون عنه، لهذا كان ذاك الجيل مثقفًا وممتلئًا لأنه كان "مشغولا" بحلم مصري. جيلي لم يعش هذه اللحظات ولا الجيل اللاحق، لهذا تفشّت الأمراضُ المجتمعية كالطائفية والتحرش والفوضى والكسل والشكلانية، لأننا "فارغون من الحلم". الآن، أصبح لنا حلمُنا الخاص، وآن لنا أن "ننشغل" بصناعة الغد الذي أثق أنه سيكون نقيًّا من تلك الأدران التي أهلكتنا، وأهلكتْ مصر.
يا جيشَ مصرَ العظيم، عِشْ أبدَ الدهر، احمِ ظهرَ مصرَ، وشيّدْ مستقبلَها، واصنعْ لنا الأمل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلحةُ المحب... قضية
- نفرتيتي.... جميلةٌ أتلفها الهوى
- على شرف علي الحجار
- يقول الدواعش... يقول المصريون
- هديتي للرئيس
- التكبير في ساحة الكنيسة
- لا تقتلوا الخيرَ... والتمرُ خيرٌ
- 30 يونيو رغم أنفكم يا هالوك الأرض
- الله يسامحك!
- فارسٌ وجميلة وبعض خيال
- ليه كده يا أم أيمن؟!
- لماذا أكتب في -نصف الدنيا-؟
- القرضاوي يفخّخ المصريين بالريموت كونترول
- أصعبُ وظيفة في العالم
- شركات الاتصالات: اخبطْ راسك في الحيط
- السراب
- وسيم السيسي... سُرَّ من رآك
- في مهزلة التعليم.... المسيحيون يمتنعون
- فانوس رمضان
- درجة الإملاء: صفر


المزيد.....




- لعلها -المرة الأولى بالتاريخ-.. فيديو رفع أذان المغرب بمنزل ...
- مصدر سوري: غارات إسرائيلية على حلب تسفر عن سقوط ضحايا عسكريي ...
- المرصد: ارتفاع حصيلة -الضربات الإسرائيلية- على سوريا إلى 42 ...
- سقوط قتلى وجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من م ...
- خبراء ألمان: نشر أحادي لقوات في أوكرانيا لن يجعل الناتو طرفا ...
- خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ -ستورم شادو- بريطاني فر ...
- كم تستغرق وتكلف إعادة بناء الجسر المنهار في بالتيمور؟
- -بكرة هموت-.. 30 ثانية تشعل السوشيال ميديا وتنتهي بجثة -رحاب ...
- الهنود الحمر ووحش بحيرة شامبلين الغامض!
- مسلمو روسيا يقيمون الصلاة أمام مجمع -كروكوس- على أرواح ضحايا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - صخرتان من أرض القناة