أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم سوزه - السيستاني والدولة العراقية .. جدل الشرعيّة والمشروعيّة















المزيد.....

السيستاني والدولة العراقية .. جدل الشرعيّة والمشروعيّة


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 4885 - 2015 / 8 / 2 - 12:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جدلية الدولة والمرجعية الدينية حاضرة في العراق منذ سقوط البعث وحتى اللحظة الراهنة. فسلطة مرجعية النجف وتحديداً مرجعية السيد السيستاني موازية لسلطة الدولة ، إن لم تكن أعلى منها ، ولهذا الأمر أسبابه ومبرّراته سأتعرّض لها إختصاراً في هذه المقالة.
الدولة والمرجعية وجودان منفصلان يقتربان ويبتعدان من بعض بمقدار إقتراب وإبتعاد الشعب من أحدهما. بمعنى آخر ، هما خياران مستقلان وللشعب وحده حق المضي مع أحدهما دون الآخر. فالشعب مصدر شرعية هاتين السلطتين ومشروعيتهما.

للحديث عن هذه المعضلة الوجودية في بنية الدولة العراقية لابد من التعرّض لمفهومي الشرعية والمشروعية أولاً.

الشرعية وصف لعمل يستند الى قانون كأن يكون دستوراً مثلاً ، والحكومة العراقية إستمدت شرعيتها من الدستور والعملية الإنتخابية التي جرت على أساسه. في حين أن المشروعية توصيف لفعل قد لا يستند الى قانون رسمي لكنه لا يعارضه. المشروعية تعمل في ساحة الشرعية وأي خلاف يظهر بين هذين الفعلين سيكون للشعب وحده حريّة الخيار في الأصطفاف مع مَن يشاء منهما.
بعد الثورة المصرية على حكومة الإخوان المسلمين ، إنطلق سجال الشرعية والمشروعية بين النخب المصرية وإنتهى الحديث الى أن ما فعله السيسي ليس شرعياً لأنه لم يستند على قانون أو دستور وإنتخابات لكنه كان فعلاً مشروعاً لأنه حظي برضا غالبية الشعب المصري ، وهذا هو الأهم في الحراك الديمقراطي. شرعية حكومة الأخوان من القانون ومشروعية حكومة السيسي من رضا الناس ودعمهم لها ، والأخيرة هي الشرعية الآن طالما الشعب مصدر الشرعيات وواهبها في النهاية.

لا يختلف السجال المصري عن سجال العراقيين حول جدوى تدخّل مرجعية السيد السيستاني في الشأن السياسي. فالذين ينتقدون تدخل السيستاني في شؤون الدولة العامة ويشتمونه على هذا ، مثل هؤلاء الذين يطالبونه بالتدخل في كل صغيرة وكبيرة ، كلاهما يجهل أصل الموضوع والمبنى الفقهي الذي يلزم به فقيه الولاية الخاصة نفسه. السيستاني من مدرسة الولاية الخاصة للفقيه وهي مدرسة الأغلبية من مراجع الشيعة الإمامية ، تلك المدرسة التي لا ترى دليلاً دينياً على وجوب تصدّي الفقيه لشؤون المسلمين العامة ومنها أمورهم السياسية ونظام حكمهم الوطني. يقتصر تدخل فقيه الولاية الخاصة على السفهاء والأيتام والقُصَّر ممَّن ليس لهم ولي ولا كفيل. هذا خلاف جوهري مع فقهاء الولاية العامة الذين يرون أن الفقيه هو الحاكم الشرعي والسياسي للمسلمين في زمان غيبة إمام الشيعة الثاني عشر ، ومتى ما وُجِدَت الفرصة المناسبة لابد له التصدّي للحكم وإلاّ سيكون مأثوماً عاصياً للشرع.

على هذا الأساس ، إبتعاد السيد السيستاني عن السياسة وعدم رغبته في التدخل المباشر فيها كفقيه يؤمن بالولاية الخاصة ليس ترفاً أو كسلاً وإنما إلتزاماً دينياً بمبناه الفقهي الذي ألزم به نفسه بنفسه. الخروج على دليله الشرعي في الولاية الخاصة وعدم الإلتزام بمبناه الفقهي خروج على الدين في رأيه.

لكن السؤال هنا: هل أن السيستاني لا يتدخل في السياسة فعلاً؟ هل إنه إلتزم بمبناه الفقهي فعلاً في عدم جواز تصدّي الفقيه للسياسة؟
بالتأكيد لا ، فهو يملك مفاتيح السياسة كلها ويتدخل في الشأن السياسي منذ سقوط البعث وحتى الآن.
إذن ما المبرّر القانوني والديني الذي يجيز له هذا التدخل؟

المبرّر القانوني لتدخل فقيه الولاية الخاصة هو المشروعية التي يكسبها من تفويض الناس. فالناس التي تطلب تدخل السيستاني في شؤونهم العامة تفوّضه المشروعية أن يتحرك بإسمهم ويوّجههم لما فيه مصلحتهم. دور السيستاني دور أبوي ناصح يتخذ من المنبر وسيلة لإيصال نصائحه للناس وللناس حرية الأخذ بها أو تركها. هذا الدور هو ذات الدور الذي يقوم به السياسي والمصلح والمثقف والمشتغل في الشأن العام ، إذ لا يخرج عن إطار النصيحة العامة وليس بنحو الفتيا أو الفرض. مشروعية لا تتعارض مع شرعية الدولة بل تعمل في مساحتها وتحت ظل دستورها الذي كفل للمنظمات والكيانات والأفراد حرية الرأي والتعبير. في حال حصول تعارض بين مشروعية السيستاني وشرعية الدولة كأن تدعو الأولى الى الإطاحة بالثانية والإنقلاب على سلطة الدولة العراقية مثلاً ، سوف لن يكون فعل المرجعية فعلاً شرعياً ما لم يكتسب المشروعية من أغلبية العراقيين ويحصل ما حصل في مثال الثورة المصرية أعلاه. الشعب هو الوحيد الذي له حق الخيار مع مَن يقف ، مع السيستاني مثلاً فينقلب على الدولة أو مع الدولة ويهجر رأي السيستاني. ما لا يعرفه أغلبية متحمّسي التيار الديني الشيعي في العراق هو أن الوقوف مع الدولة ليس إثماً ولا خروجاً دينياً على المرجعية الدينية في حال وقوع الفرضية المذكورة أعلاه ، لأن رأي السيستاني السياسي ليس ملزماً لمقلديه وأتباعه طالما لا يؤمن الرجل بالولاية العامة. رأيه السياسي بنحو النصيحة وليس الفتيا ، مثله مثل أي سياسي معارض أو مثقف مشاكس يحاول تحريض الناس لما يراه في مصلحتهم. تأتي مشروعية رأي المرجعية من دعم الناس والرضا بها وليس من ذاتها ومحتواها لأنها ليست فتوى دينية بل رأياً سياسياً ناصحاً ليس إلاّ.

هذه المشروعية بوصفها مبرّراً قانونياً يقابلها مصطلح ديني يشكّل المسوّغ الفقهي لتَحَرّك فقيه الولاية الخاصة في الشأن السياسي. المسوّغ الفقهي هو ما أعتاد على تسميته الفقهاء "ببسط اليد" أو "إقبال الأمة". فمنذ سقوط البعث وإلقاء معارضي سلطة صدام حقائب همومهم في بيت السيستاني ، إلتف الناس حول مرجعيته ثقةً به وبرأيه السياسي وطالبوه بالتدخل في موضوعة الدستور والخطوط العامة لشكل الحكم في العراق. لا يملك فقيه الولاية الخاصة إلاّ الإستجابة والتحرك المقابل ما دام صار له بسط اليد وأقبلت "الأمة" عليه. صار السيستاني أمام مشروعية قانونية كَسَبَها من تفويض الناس (طالما يكفل الدستور حرية الرأي والتجمّعات) ومشروعية دينية أخذها من "إقبال الأمة". هذان الشرطان هما ما يفرضا على السيستاني التدخل في السياسة ، لكن حتى هذا التدخل ليس تدخلاً مباشراً مدعوماً بسلطة الفتيا وإنما رأياً ونصائحَ يقدمها للناس عن طريق منابره ووكلائه. أي أنه تدخل ليس ملزماً للناس ما لم ترضَ الناس به. فلم يُفتِ السيستاني طوال حياته ، لا قبل سقوط البعث ولا بعده ، بأي فتوى سياسية إطلاقاً وإنما كل آرائه ومقولاته ليست سوى نصائح وأفكار يقدمها للناس وللحكومة. حتى فتواه في الجهاد الكفائي ضد داعش لم تكن فتوى سياسية كما تبدو لبعضنا ، بل جوهرها ديني بحت ، إذ أن فقيه الولاية العامة والخاصة كما فقهاء المذاهب السنّية أيضاً يتفقون جميعاً على أن فتوى الجهاد لا تُعطى إلاّ في حال الخطر على بيضة الإسلام ودماء المسلمين ، وداعش كانت تهديداً صريحاً لحياة العراقيين ، الشيعة منهم على نحوٍ أخص.

تأسيساً على ما تقدّم ، تدخّل المرجعية الدينية في الشأن السياسي أمر غير شرعي إن تعارض مع الدستور وعلى العراقيين تقديم الدستور على المرجعية في حال حصول التصادم. ورغم أن تصادم مرجعية السيستاني مع الدستور العراقي قضية غير واردة ، طالما هو مَن دعا الناس للتصويت عليه وسيكون كالآله الذي ينقلب على كتابه المقدس ، لكنه لو حصل سوف لن يكون رأي السيستاني شرعياً إطلاقاً ، ما لم يكتسب المشروعية من أغلبية العراقيين ، أكرّر أغلبية العراقيين وليس أغلبية الطائفة الشيعية فقط ، فالدولة العراقية دولة الشيعة والسنّة والكرد وليست للشيعة فقط. هذا الأمر يعيه جيداً السيد السيستاني ولهذا يغلق الباب أمام المسؤولين والسياسيين لكنهم يضعونه أمام مشروعيته القانونية والدينية فيُجْبَر على التدخل مرةً تلو الأخرى. الخلل في الناس والسياسيين الذين لا يفهمون المحدّدات الشرعية لفقيه الولاية الخاصة فيشتمونه ويصفونه "بالصنم الساكت" إن لم يتدخل في أمرٍ ما.

نفس الشيء يحدث تقريباً مع بعض العلمانيين العراقيين الذين يعيبون على الإسلاميين "تسوّلهم" أمام بيت السيستاني لكنهم يطالبون الرجل اليوم بالتدخل أيضاً للإطاحة بالنظام الحالي. لا يختلف هؤلاء العلمانيون عن متحمّسي التيار الشيعي ، فكلاهما يريد جر رجل المرجعية وتوريطها في شأن لا ترغب به فقهاً وعقيدة ، لكنها لن تمانعه تفويضاً ومشروعية. فهم الأرضية التي تتحرّك عليها المرجعية الدينية ضروري لنا لمعرفة ما الأصل في تدخل مرجعيات الولاية الخاصة في الشأن السياسي. فلوم السيستاني على هذه القضية ليست في محلّها ، وإنما ينبغي لنا لوم الناس الذين يريدونها أن تتدخل في كل صغيرة وكبيرة دون التمييز بين ما هو ديني وما هو سياسي. المرجعية كيان ديني إعتباري لها حظوة أممية خارج مفهوم الحدود والخرائط وعملية مطالبتها بالتدخل في شأن سياسي محلي من قبل الإسلاميين (والعلمانيين أحياناً) يعني إعطاءها مشروعية قانونية ودينية لا تستطيع رفضها.

المفارقة أن السيستاني نفسه يعرف هذا الأمر جيداً ويحاول التخلّص من هذا العبء بإستمرار لأنه يعي أن هذه المشروعية قد تضر مستقبلاً بشرعية الدولة وكيانها ، لكننا نحن مَن يصرّ على جر رجل الرجل لصراعاتنا السياسية.

بالنهاية أقول أن مشروعية السيد السيستاني في تدخلاته السياسية لا تأتي من كونه مرجعاً دينياً ومجتهداً يفرض فتاواه الفقهية على الناس لأنه لا يؤمن بزجّ الدين في السياسة ، بل من تفويض الناس وإلتفافهم حوله. محاولة إيقاف المرجعية من التدخل في الشأن السياسي محاولة غير ناجحة ما لم تجرِ توعية الناس على جوهر مفهوم ولاية الفقيه الخاصة ومحدّدات العمل السياسي لفقيه تلك الولاية. رغبة الناس وتفويضهم فقيه الولاية الخاصة شرط أساسي في تحرّك الأخير السياسي ، ولن ينتفي المشروط ما لم ينتفِ الشرط أولاً.



#سليم_سوزه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 4 .. التفسير ، التأويل ، الإعجاز ال ...
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 3 .. القرآن ليس كلام الله
- في نقد الخطاب الإسلامي ح ٢-;-
- في نقد الخطاب الإسلامي - ح ١-;-
- مجلس محافظة بغداد وتقنيات السرقة الذكية
- عن معركة الموصل وتشابك اللُحى وأحلام الهاشميين
- عملية دادي
- إمكانية عالية ومحتوى بائس
- عن شارل ايبدو وإساءاتها
- حوار كاثوليكي
- اللعب مع الأفعى
- موقف عابر للطائفية Trans-Sectarian Action
- فرصة العبادي الكبيرة
- وثيقة السيستاني المهمّة
- لستَ إبراهام لنكن يا حاج
- عودة الكعبي .. حكّاء السخرية السومري
- صراع المظلوميات
- عن -التفّاگين- وكركوك والمتنازع عليها
- النخبة العراقية .. إغتراب ما قبل النحر
- قناعة الأربعين


المزيد.....




- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم سوزه - السيستاني والدولة العراقية .. جدل الشرعيّة والمشروعيّة