أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد فضل - من أجل مستقبل قمين بشعب كريم : لابد من اصلاح تربوي شامل في السودان















المزيد.....

من أجل مستقبل قمين بشعب كريم : لابد من اصلاح تربوي شامل في السودان


خالد فضل

الحوار المتمدن-العدد: 4884 - 2015 / 8 / 1 - 22:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد أصاب عطب شديد مجتمعنا السوداني جراء هيمنة وممارسات تنظيم الاسلام السياسي على مدى يزيد على ربع القرن , أفرزت ما أفرزت من موبقات تكاد تعصف بما تبقى من نسيج البلاد أرضا وشعبا ومواردا. فلابد ابتداء من الإعتراف بهذا الواقع المؤسف الذي انتهى إليه بلد وشعب كان ينبغي أنْ يكون نصيبه في الحياة غير ما آل اليه من مصير , وأس البلاء في هذا الانهيار هو انهيار قطاع التعليم ومخرجاته , فهذا القطاع يحتاج الى جراحة عاجلة وليست محاولات (فنيّة) للسير بهذا العطب , لأن أي محاولات من هذا القبيل ستكون نتائجها أفدح من الحال الماثل الآن . فالمجتمع السوداني يتفسّخ بصورة بشعة , بعد انهيار مثال القيم الرفيعة , وقطاع التعليم هو مفرخة هذه القيم كما هو معلوم .
لقد بدأ التعليم الحديث والنظامي في السودان بدخول البلاد في الحقبة الاستعمارية الثانية , بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بإعادة احتلال السودان بوساطة الجيش الانجليزي /المصري , بعد القضاء على الدولة المهدية (1885__1898م), وبهزيمة جيوش المهدية في معركة كرري الشهيرة في مطلع سبتمبر 1898م , واستتباب الوضع للحكم الاستماري الجديد , بدأ اللورد كتشنر قائد حملة الغزو وحاكم عام السودان في تلك الفترة في تأسيس أول لبنات التعليم النظامي في البلاد بإنشاء مدرسة ابتدائية حمات اسم كلية غردون , تخليدا لذكرى القائد الانجليزي الذي قُتل في الخرطوم على أيدي الثوار المهدويين عند تحرير الخرطوم في 26ينائر1885م . وقد تم تحديد أهداف التعليم في تلك الحقبة في ثلاثة محاور , أولها تدريب عدد من الكوادر المحلية في مجالات الورش والميكانيكا تبعا لمد خطوط السكك الحديدية والنقل النهري ومصلحة الأشغال التي أسست حديثا . والمحور الثاني تدريب عدد من الكوادر لشغل الوظائف المكتبية الصغرى كامحاسبة والكتبة وغيرها , ثم هدف عام ثالث هو نشر قدر محدود من التعليم يكفي لتفهم الوضع الجديد ونظم الادارة الحديثة واشاعة قسط من الثقافة وسط السودانيين . ولتحقيق كل هدف من هذه الأهداف التي رسمها السير جيمس كري أول مدير لمصلحة المعارف في الحكومة الاستعمارية تلك فقد تم تأسيس ما يلائم كل هدف , فتمّ انشاء الورش لتدريب العمال المهرة واديرت الماكينات حتى يتخرج الميكانيكي وقد ألفت أذنيه (ضجيج تروسها) وتملّت عينيه في مواضع صواميلها وداعبت اصابعه أزرار تشغيلها وتوقيفها, بمعنى آخر عندما يتخرج الكادر يكون قد تم تجهيزه للعمل فورا , ومن أجل الهدف الثاني كانت دواوين الحكومة تحتضن المتدربين حتى يتعرفوا على (امساك الدفاتر)و(تنفيذ الاجراءات وخدمة المجتمع), ومن أجل تحقيق الهدف الثالث فقد فُتحت بعض المدارس المتفرقة في أنحاء البلاد تعلّم الكتابة والقراءة والحساب واللغة العربية , ثم يتدرج تلميذها فيتعلم الانكليزية ليتمكن من فك الخط أولا وليفهم روح العصر بعد ذلك . تلك كانت الأهداف التربوية وسبل تحقيقها لدى سلطة استعمارية بكل ما يعني مصطلح استعمار من دلالات سلبية بالطبع , ولأنّ الأهداف التربوية كانت واضحة ومحددة الغايات والوسائل في اتساق تام فد كان الناتج الفعلي هو أثر التربية والتعليم على المجتمع وغض النظر عن تحقيق أهداف المستعمر أو تخريجه لعناصر من المتغربين أو العلمانيين , فإنّ الثابت هو أنّ الكوادر الفنية التي تخرجت على طول عهد الاستعمار قد كانت من أكفأ العناصر في مجالات الميكانيكا , ولعل مصلحة النقل الميكانيكي التي اضطلعت بمهام ومسؤوليات النقل والسيارات الحكومية بكفاءة عالية ودقة ونظام بديع تمثل خير شاهد على نجاعة تلك الخطة التعليمية ونزاهة ودقة القائمين على أمرها , وقد شهد السودانيون تراجع وتدني أداء هذه المصلحة المهمة حتى بلغت مرحلة التخلص منها لصالح القطاع الخاص ضمن موجة الخصخصة التي اجتاحت البلاد منذ مطالع التسعينات من القرن الماضي , وما يزال السودانيون يتحسرون على زمان السكة الحديد وانضباط مواعيدها وعظم مهامها لدرجة أنّ كاتبا كبيرا هو البروفسير عبدالله على ابراهيم كان قد ألّف مسرحية عن السكة حديد التي قرّبت المسافات الوجدانية والمكانية بين أصقاع البلاد الشاسعة . فأين هي الآن ؟ ولا نغادر محطة الهدف التربوي الأول دون التوقف عند قسم الهندسة الميكانيكية بمشروع الجزيرة الزراعي وكفاءته وتميّزه , (قبل أن يؤول الى محاق مؤخرا ببيع معداته في مزاد علني بائس ), والنقل النهري الذي صار أثرا بعد عين , وميناء بورتسودان , والورش الكبيرة في كل أنحاء البلاد التي عشعش فوقها الخراب ونعق البوم على أطلالها . وغير ذلك من أوجه الدمار الماحق مما حلّ بالسودان على يدي سلطة الاسلاميين الراهنة, ويعرف السودانيون عن أحوال بلادهم التي تقهقرت بينما العالم من حولهم يسير الى الامام فما هو السر يا ترى فيما حدث ويحدث من تأخر السودان وتقدم الآخرين؟ الإجابة تؤشر مباشرة الى النظام التعليمي , فقد تميّزت الخدمة العامة في السودان عن أقرانها في كلّ الدول المستعمرة _بفتح الميم_لدرجة وصفها بأنّها أعظم تركة أو ثروة خلّفها المستعمر , فأين ضاعت هذه الكفاءة ولماذا انزوت هذه الخبرات والى أي حضيض وصلت الخدمة العامة الآن , الأسباب واضحة كذلك , فقد انهار النظام التربوي التعليمي وانهارت تبعا له قيم الكفاءة والنزاهة والدقة والمسؤولية والأمانة وسادت في مجتمعنا السوداني مظاهر التحلل والفساد والمحسوبية والخيانة واللا مبالاة .
لقد كان لافتا للنظر الجدية لدى الحكم الاستعماري في التعامل مع النظام التربوي والتعليمي , إذ ظلّت اللجان التربوية تحضر كل حين الى البلاد للبحث والتدقيق والتجويد في كل ظاهرة تربوية مهما بدت ضئيلة التأثير , لجان تضم خبراء من مختلف الجنسيات نذكر منها على سبيل المثال لجنة (ونتر , و ميللر , ومكي عكراوي) وصولا الى اللجنة الدولية 1955م لتبحث في ما تمّ ملاحظته من تدن في مستويات أداء الطلاب السودانيين الذين كانوا يجلسون لامتحانات شهادة كمبردج , حينذاك كان بالبلاد18مدرسة ثانوية فقط للأولاد والبنات , لم تقف تلك اللجنة عند التعليم الثانوي فحسب بل غاصت الى المراحل الدراسية قبله لتسبر غور المشكلة ثم وضعت توصياتها العلمية بعد التقصي والبحث بدون مجاملة أو زوبعة زائفة عن ثورة تعليمية وغيره من شعارات فارغة المضمون مما يسود الآن في السودان . ومن ضمن توصيات تلك اللجنة اللافتة , تأسيس معهد عال للمعلمين (صار في عام 1973م كلية التربية وأُلحق بجامعة الخرطوم ), وكذلك التوصية بتعريب المرحلة الثانوية . ومن مخرجات الهدف التربوي باشاعة قدر من الثقافة العامة وسط السودانيين , وتاسيس بعض المدارس , كانت الثمار ازدهار العلم والحركة الفنيّة والأدبية والفكرية , فتصدر مجلة الفجر , ويبزغ نجوم الثقافة , وتزدهر منتديات الفكر وجمعيات التنوير والوعي , وتتاسس النقابات ومؤتمر الخريجين ومنه تولد الأحزاب السياسية والتنظيمات والروابط والاتحادات المهنية والاجتماعية ويتقدم السودان صوب الاستقلال الوطني مرفوع الراس .
ويبدأ الانهيار التربوي التعليمي على يدي أبناء الوطن أنفسهم , ليأتي زمن في عهد حكومة (مايو)بقيادة جعفر النميري 1969__1985م, يتم فيه ادخال مادة للتربية الوطنية يتم فيها حشو التلاميذ بخطابات الرئيس نميري كجزء من التربية الوطنية , وما هي كذلك بل حشو ممجوج بخطاب سياسي آحادي . ثم جاءت الانقاذ1989م وما ادراك ما هي ! باسلامييها ومتأسليمها ليعلن الأستاذ عبد الباسط سبدرات المحامي ( وزيرها للتربية والتعليم وقتذاك ) ثورة التعليم في السودان وهو يصول ويجول متحدثا بشاعرية عن أسلمة المعارف مفندا ما سبق من خبرات متراكمة , بل يغوص في مفردات مقررات التلاميذ بالمرحلة الابتدائية ليكشف أنّ درس المطالعة بعنوان( طه القرشي مريض ) طعن في النبي محمدا , وأنّ درسا أخرا بعنوان ( محمود الكذّاب ) افتراء على الذات المحمدية ! ودرسا آخر بعنوان (مريم الشجاعة) تمجيد للمسيح وأمه ! هذه عصارة الثورة التعليمية وأسلمة التعليم في السودان تحوير بعقل ملتاث لمفردات لم تخطر بذهن واضعيها الأوائل . ولم تمض سنة أو سنتان على ذلك التهريف حتى رأينا وزيرا آخرا للتربية والتعليم اسمه عبدالله محمد أحمد يقرر طرد المدرسين البريطانيين الذين يدرسون اللغة الانجليزية في المدارس الثانوية بل تتمادى ثورة أسلمة التعليم للحد الذي تعتبر فيه اللغة الانجليزية نفسها غير مهمة , فيستعاض عنها بالسواحيلية والفارسية والصينية , هكذا كانت أمور التربية والتعليم تُساس و تُدار وتُعدّل وتُثوّر في بلد شهد وما يزال يشهد أطول حرب أهلية في قارة افريقيا , وينحدر سريعا الى خانة ما تحت الفقر , ويتبعثر نسيجه الاجتماعي وتثور جميع أطرافه على المركز , بل وينقسم في آخر المطاف الى دولتين كلتاهما فاشلة , وينفلت أمر التربية والتعليم عندما تُصاغ أهداف سياسية محضة تُكرّس لمفهوم اعادة صياغة الانسان السوداني الذي عمد اليه الاسلاميون ضمن وعيهم الجامح بضرورة اقصاء الآخر كضمانة وحيدة لدوام السيطرة والهيمنة والسطوة , وفي هذا الصدد أُتخذت كثير من القرارات السياسية المفتقرة لأي رؤية تربوية حصيفة , مثل قرار تحويل جميع مدارس مرحلة الأساس الى ما يعرف (بالمدارس القرآنية) , قرار يفترض أنّ بالسودان دينا واحدا وثقافة واحدة فيجب على ناشئة البلاد مواصلة ذات النهج العقيم في حفظ النصوص واستظهارها وقت الامتحان ليتم انتقالهم الجسدي من صف الى صف ومن مرحلة الى مرحلة مثل أي آلة تسجيل يتم تحويلها من مخزن مكتظ الى آخر أكثر اكتظاظا .
ولسنا بصدد الحديث عن معاناة المدرسين والعمال والموظفين في قطاع التعليم فهذه أمرها معلوم , واتحاد المعلمين يواجه قضاياهم بالتقصير والاهمال المشين كما يواجه تردي الاوضاع التعليمية , ولا غرو فهو يمثل أحد أذرع السلطة الاسلاموية , وهمّه من همها في كيفية استدامة السطوة والمحافظة على المراكز القيادية وما تجلبه من منافع ذاتية . لقد فشل مشروع الاسلاميين التربوي حتى الآن في انتاج عقل يعلم أنّ الوظيفة العامة مسؤولية وأنّ الاستمرار فيها رهين بالمقدرة على أدائها , وقبل هذا التأهيل الكافي والخبرة العملية والسمعة المهنية والأخلاقية الناصعة , خاصة لدى من يتولون المواقع القيادية .
لقد آن الأوان بأن ينهض التربويون في السودان من غفوتهم أو غفلتهم , فما عاد الوضع يحتمل مآسي أكثر مما حدث ويحدث يوميا , وعليهم أن يدافعوا عن مهنتهم بكل ما أوتوا من قوة أخلاقية , والاّ فإن نذر المستقبل القريب تنبئ عن كارثة محققة , ليس أقلّها الانهيار التام لوطن اسمه السودان والزوال لشعب قمين بالتكريم اسمه شعب السودان في تعددياته الباهرة وسمته المهيب .



#خالد_فضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع الدولي والتعامل الحذر مع الحكومة السودانية
- نحتفي بالمحبة ويحتفون بالذبح
- الميدان استعادة أحد منابر الوعي


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد فضل - من أجل مستقبل قمين بشعب كريم : لابد من اصلاح تربوي شامل في السودان