|
الثورة و الوعي و الفيتو
شوكت جميل
الحوار المتمدن-العدد: 4884 - 2015 / 8 / 1 - 19:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الظلم و الفساد و الاستبداد و الاستعباد ؛ في ظني كل هذا ليس كفيلاً و لا كافياً بصنع ثورة ؛ إذْ يخبرنا التأريخ أن المظلوم ليس من يصنع الثورة ، و إنما المظلوم و قد وعى الظلم و أحسّه ، أو بعبارةٍ أخرى، فإنه الإحساس بالظلم و ليس الظلم من يصنعها .فلئن كان الظلم هو الدافع و الداعي الأول الذي يبوّق لها ، فأنه لا يغني شيئاً ،و يبات نسياً منسياً ، طالما لم يجد آذاناً تعي و قلوباً تحس، فإن هو وقع على نفوسٍ باردةٍ غافلةٍ لم تألف ذائقتها كراهة الظلم و النفور من العبودية ،و لربما تستسيغها و تستطيبها ، جاء طرقه على حديدٍ بارد ، فإن أصابت نفوساً واعية فعلت بها فعال السيل بجرفٍ هار... و لعل في الثورة الفرنسية أحسن البيان على ما تقدم.
لم تكن كثيراً من الممالك الأوربية بأسعد حالاً من فرنسا إبان الثورة الفرنسية ، و لم تكن شعوبها بأوفر حظاً أو أقل بؤساً من الشعب الفرنسي ، بل ربما كان الشعب الفرنسي هو الأكثر حظاً بين شعوب أوروبا_ خلا بريطانيا_ بيد أن الثورة ضربت بشعلتها فرنسا أول ما ضربت قبل غيرها ! ، و لم يكن "لويس السادس عشر" بأكثر فساداً و استبداداً من سالفيه ، و لعله كان الأقرب من بين أسلافه في فرنسا و أترابه في أوربا إلى الحرية و التسامح و الإصلاح ؛ بيد أن الثورة اشتعلت بفرنسا دون غيرها ،و على عهده دون عهد غيره ! ، و قد يقع هذا موقع العجب في نفوس البعض ، و لكن يزول هذا العجب او أكثره لو علقنا الثورة بالإحساس و الوعي بالظلم ؛ فقد توافر و اجتمع ،إذ ذاك ، لفرنسا دون غيرها طائفة من الفلاسفة و المفكرين أخذوا على عاتقهم تنوير الشعب بحقوقه و من ثم خلق وعي و حساسية جديدة للحرية و الظلم و الإستبداد ،و ألف الشعب الفرنسي مفاهيم لم يكن يألفها من قبل :"كالحق الطبيعي " و"سيادة الأمة " و"العقد الاجتماعي" وكانوا قبلاً لا يعرفون سوى سيادة الملك المطلقة ، و حق طبقة الأشراف"الإقطاع"في جلد ظهورهم و سلب ممتلكاتهم ، و الامتنان لطبقة رجال الدين "الأكليروس" و هم يربتون على ظهورهم المجلودة للإستيلاء على ما تبقى في جيوبهم ،و كذا كان الحال في أكثر أوربا ، أما هؤلاء التنويريون ،الذين بثوا في روح الشعب الفرنسي هذا الإحساس بالحق و الظلم فكثر و منهم : رسو و لوبان و فولتير و منتسيكو و ديدرو و دالمبير..إلخ ، إذن كانت هذه الطائفة هي من قادت و شكلت مزاج الأمة و عيها و نفخت فيها روح الإحساس بالظلم ؛فتمردت على قيودها عن حق ، و هذا ما أسميه "بالوعي الحقيقي" ، فماذا عن " الوعي المزيف" ؟!
قلنا إن طائفة النخبة من المفكرين تقود عامة الشعب ،و لكنها قد تقودها لغرضٍ نبيل كما تقودها لغرضٍ خبيث ، و فد تقودها عن حقٍ أو عن باطل ، و ربما تقودها أحيانا كما تهرع الغنيمات وراء تيسها إلى الهاوية ،و لعل واحدا من كبار مزيفي الوعي في الثورة الفرنسية هو الدوق"أورليان " و هو ابن عم الملك ، و لم يكن هذا الدوق يرى في الثورة سوى المطية التي ستحمله إلى عرش قريبه ، فيجلس مكانه ،فأخذ يردد طرفه ، فوجد في هذا الشعب الذي و إن شرع في سبيل الحرية ،لم يبلغ بعد مرحلة الوعي الناضج ضالته ، فجعل همّه العبث في عقولهم ما شاء له العبث ،و يجمح بما استطاع جمعه منهم إلى متاهات تشط عن سبيل حريتهم و تذهب بهم كل مذهب مولغٍ في العنف و الدم ، يعمل ظاهراً للثورة و باطناً عليها ، مرةً لصالحها و مرة ضدها ، و هو في كل حال لا يفارق هدفه الوحيد و مصلحته الشخصية و حسب ،يكفي أن تعلم أنه في واقعة من وقائعه ،حشد حشداً كبيراً صاخباً من العامة يجول في شوارع باريس و هم يصرخون و يكررون ورائه" يسقط الفيتو...يسقط الفيتو " ...فكان إن سئل أحدهم عمّا يقصد بالفيتو؟..فتكون إجابته :إنما هو نوع جديد من الضرائب ،التي فرضها علينا زبانيه الملك ، قاتلهم الله ! ..فهكذا أفهمه الدوق "أورليان" و لم يعِ أن الفيتو هو حق الملك على الإعتراض على القوانين!
سؤال المقال
هل من حق المفكرين التضليل و التغرير بوعي الشعوب و لو لهدفٍ نبيل ؟..الإجابة قالها سلوك بعض النخبة في ثورات الربيع العربي !!
#شوكت_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأستاذ / نعيم إيليا و الوعي
-
ليلى و الخيمة
-
مصر : كانَ و الآنَ
-
سدرة المنتهى و ultimus sidera
-
تكوين
-
المُصَوِّر و المُصَوَّر
-
ملوكُ الشرقِ و قروده
-
ما بين المؤمن و الكافر
-
الغريب
-
عيونُ الفَرَس
-
حديثُ المُنَظِّفِ و المُنَظَّف
-
الهوة
-
ما لا يريد
-
سين_جيم(هنّ و هم)
-
حتمية إقصاء الفكر الظلامي
-
ثلاثية:السولار و القمح و الأفيون
-
ومضة الطوفان
-
الطفل دفنّاه
-
ثورة عشق قديم
-
إلى الحوار المتمدن و قرّاءه
المزيد.....
-
فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا
...
-
أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
-
مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
-
المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
-
زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه
...
-
تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو
...
-
-نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA
...
-
مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
-
الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|