أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - المعانيد الشرقي - المدرسة المغربية بين الأمس و اليوم















المزيد.....

المدرسة المغربية بين الأمس و اليوم


المعانيد الشرقي
كاتب و باحث


الحوار المتمدن-العدد: 4881 - 2015 / 7 / 29 - 23:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



يعتبر المغرب من البلدان العربية التي لها قصب السبق في مجال العلم و العرفان، حيث كان على مر الزمان قبلة لطلب العلم و تخرج من أحضان مدارسه القديمة علماء و كتاب و فلاسفة و شعراء أنداد. و قد أدت المدرسة المغربية قديما دورا مهما في نبذ الجهل و طرد الأمية و أسهمت بشكل كبير في إثراء الحقل المعرفي في شمال إفريقيا ، لقد كانت ذات فعالية كبيرة، الشيء الذي جعلها تحتل مكانة مرموقة على غرار نظيراتها العربية أنذاك ، بالرغم من تواضع منشآتها و بساطة وسائلها، إلا أن المدرسة المغربية حديثا ، و للأسف الشديد فقدت تلك الرسالة المقدسة التي أنيطت بها وانتابها تضعضع رهيب و أصبح أداؤها باهتا لا نفع فيها رغم توافر الوسائل و تعدد المناهل و اعتماد الطرق البيداغوجية المستوردة من الغرب الناجح. فكيف تجسدت وظائف المدرسة المغربية بين الأمس واليوم؟ و ماهي الرهانات المنتظرة منها اليوم و في المستقبل؟ وما الذي سيعيد للمدرسة المغربية بريقها و هيبتها و بأي وسائل، ناهيك عن المليارات من الدراهم التي أنفقت من أجلها و التي ذهبت أدراج الرياح ؟
شكلت المدرسة المغربية قديما تلك اللبنة الأولى لقيام حضارة عريقة و أصيلة، حيث قوت شوكة المغاربة و أخرجتهم من براثن الجهل ودهاليز الظلام إلى المعرفة و البيان بكل صنوفه و أنواعه ، ففي البداية كانت عبارة عن كتاتيب قرآنية صغيرة و قليل من المغاربة هم المحظوظون الذين يلتحقون بها بحكم قساوة ظروف العيش و اشتغال الشباب بالزراعة و الرعي. و مع هذا أثمرت فقهاء و حفظة القرآن، أرسوا دعائم التوحيد و قطعوا الطريق عن الشعودة و الجهل و الخرافة و كل أنواع الرذيلة. لكن ومع مطلع القرن العشرين، و خصوصا عندما طلت الإمبرياليات المستعمرة برأسها انتشر التسلط و الاستبداد و أصبح التعليم و التعلم حكرا على طبقات بعينها هي المحظوظة، عرفت المدرسة المغربية حينها منعطفا مهما حولها من مجرد منشأة تعليمية إلى ميدان لتلقين الناس دروسا في" الوطنية " و استرخاص النفس و النفيس من أجل هذا الوطن و ترابه. هكذا فقد نجحت نجاحا منقطع النظير في استنهاض الهمم و ضخ دماء الفداء في نفوس المغاربة قاطبة ، و تكون بين أسوارها أبطال شجعان حملوا هم وطنهم فوق أكتافهم، فساهموا بذلك في المقاومة بغرض طرد المستعمر و كان لهم ذلك عندما خرج يجر أديال الهزيمة سنة 1956 ميلادية ، فأشرقت نور الحرية من جديد، و خاطبهم العاهل المغربي أنذاك محمد الخامس طيب الله ثراه - من مدينة البوغاز و عروس الشمال طنجة - و العائد لتوه من المنفى معلنا استقلال البلاد و العباد من ربقة المستعمر الغاشم، فشرع المغرب شعبا و ملكا في وضع مخططات كثيرة للنهوض باقتصاد البلاد، و كذا وضع مخططات أخرى بالموازاة تهم تأطير و تكوين الشباب في المدارس و المعاهد وتلقينهم العلم و المعرفة، لأن سواعد الأمة شبابها ، و كان المغرب أنذاك في حاجة ماسة إلى أطره و هو ما عرف حينها بمصطلح ( مغربة الأطر ) ، و لهذه الغاية تجند المغاربة وراء ملكهم للبناء و التشييد.
وما أن كان على المدرسة المغربية في أواخر الخمسينيات و بداية الستينيات من القرن الماضي ، إلا أن رصت الصفوف من جديد و واكبت الركب الحضاري، و قد تأتى لها ذلك بفضل مدرسين أكفاء، حيث كانت تقتصر أدوات التلميذ على لوحة حجرية و مدواة و ريشة للكتابة و دفتر واحد أو دفترين، و مع ذلك كان التلميذ يضرب أروع الأمثلة في التحصيل و الاجتهاد و تظهر عليه مظاهر النبوغ مع أولى سنواته الدراسية. فلا غرابة أن سمعت حينها تلميذا في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي التحق بمركز تكوين المعلمين أو الممرضين أو موظفي الدولة عموما، و هذا إن ذل على شيء، فإنما يدل على نجاعة وظيفة المدرسة المغربية قديما بمدرسيها و مناهجها المتبعة.
لكن مع مطلع تسعينيات القرن الماضي على أحسن تحديد، تلقت المدرسة المغربية الحديثة صفعة قوية و أصبحت مفرغة من وظيفتها ، حيث تدهورت بشكل كبير و صارت جسدا بلا روح، كما أضحت مرتعا للغش و كل أساليب العنف في فضاءاتها و بجوارها أيضا، ذلك أننا سجلنا باعتبارنا باحثين في السوسيولوجيا و التربية و حقولها، و لنا دراية بميدان التدريس و طرائقه اكتشقنا أن التلميذ (ة) أضحى يفر من ذاته باستمرار، و لم تعد له تلك الهوية التي من المفروض الاعتزاز و الافتخار بها ، وقد عاينت مرارا عند خروجي من المؤسسة كيف أن التلميذ يطوي ذفاتره و يعمل على تخبئتها بتلابيبه و ينصرف مهرولا بحركات كأنه سائح بجوار المؤسسة أو غريب يتربص بالفتيات ساعيا بذلك أن يوقع إحداهن في شراكه. ونفس الأمر ينصرف على التلميذات حين خروجهن من المؤسسات التعليمية يخلعن وزراتهن و يضعنهن برفق في محافظهن منسلخات بذلك من هوياتهن، هكذا أصبح التلميذ اليوم في المدارس الحديثة ، يعيش على الوهم و يقتات منه، ولم تعد له هوية خاصة به بل أصبح يتقمص هويات شتى . فعن أي تحصيل دراسي نتكلم ؟
كل هذه الأشياء و غيرها جعلت المدرسة المغربية الحديثة تتلقى ضربات تلو الضربات ، مما أفقدها مناعتها و هيبتها، علاوة على أسباب لا تقل أهمية عن تلك التي ذكرناها آنفا ، ألا و هي موجة الهجرة إلى أوروبا و البحث في الضفة الأخرى عن العيش الرغيد و الربح السريع، حيث أدار المغاربة ظهورهم عنها صوب دول الشمال الغنية، مقلدين إخوانهم او بني جلدتهم و الذين يتقاطرون على المغرب بحلول فصل الصيف مرتادين أفخر السيارات و أمتع اللباس و في جيوبهم زاد من المال لا يستهان به، مما دفع بالتلاميذ النفور من المدارس و البحث عن وسيلة تقلهم الى بلدان الشمال - حيث سهولة العيش و اليسار المضمون - مهما كلفهم الثمن في رحلة العبور، هكذا ظهرت قوارب الموت و التي أودت بحياة العشرات من الشباب في زهرة عمرهم ، فلا هم تدرجوا في أسلاك الدراسة، و لا هم غنموا بعمل خارج ربوع الوطن يقيهم شر البطالة و التسكع.
لكن مع كل هذه التغيرات التي لحقت بالجسم التعليمي و بالحقل الاجتماعي من ويلات عموما ، فلم تبقى الوزارة الوصية على القطاع مكتوفة الأيدي ، بل بدل القائمون على الشأن المدرسي قصارى جهودهم لإنقاذ ما يمكن انقاذه، لإعادة البسمة إلى المدرسة المغربية و محياها ، و قد كان ذلك من خلال نهج سياسة تعليمية جديدة جاءت بها بنود الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، و من بعده المخطط الاستعجالي ، حيث باءت كل هذه المخططات بالفشل الدريع بعدما صرفت عليها مليارات الدراهم من جيوب الكادحين الذين لا ذنب لهم إلا لأنهم يحملون الجنسية المغربية.
رغم كل هذه الجهود المبدولة من طرف الجهات الوصية على القطاع ، إلا أن واقع الحال لم يتغير فيه أي شيء ، بالرغم من نهج و استيراد أحدث البرامج التعليمية بما فيها البرامج الذكية المعلوماتية ، بل زاد الأمر استفحالا و أصبحت المدرسة المغربية الحديثة وكرا للغشاشين و المتهاونين و الكسالى. بل الأنكى من ذلك، لك أن تسأل تلميذ في السنة الأولى ثانوي علوم أو آداب، عن عملية في جدول الضرب، فعند جوابه ستصاب لا محالة بالحيرة و الذهول أو الغثيان أحيانا. و هناك فئات أخرى من التلاميذ لا يتقنون القراءة و لا الكتابة ، بالرغم من تجاوزهم المستوى المطلوب، كل هذا الفشل يمكن أن ننسبه بدرجة متفاوتة - لأن الأزمة التعليمية داخل المدارس المغربية بنيوية أصلا - إلى الإيديولوجيات المتبعة من طرف أصحاب القرار ( إعادة الإنتاج) = Habitus بتعبير بيير بورديو Pierre Bourdieu ، و التي يمكن تلخيصها في مصطلحات ابتكرها القائمون على القطاع من قبيل ( مدرسة النجاح) ، ( حوكمة الإدارة من الحكامة و ترشيد النفقات و ما إلى ذلك...) بحيث أصبحت عتبات النجاح في التعليم الابتدائي جد متدنية ذلك أن معدل 2/10 على سبيل المثال ينتقل به التلميذ الى القسم الموالي ، ناهيك عن التعليم الإعدادي فمعدل 6/20 ينتقل به التلميذ الى القسم الموالي كذلك. أما بخصوص التعليم الثانوي التأهيلي فماعدا القسم النهائي البكالوريا، حيث معدل النجاح هو 10/20 ، أما بخصوص الأقسام الأخرى فبمجرد حصول التلميذ على 9/20 ينتقل الى القسم الآخر. فعن أي تحصيل دراسي نتكلم عند غياب المكتسبات القبلية لذى التلميذ باعتبارها دعائم التحصيل الدراسي لما سيأتي من مستويات و دروس؟
كل هذا و قد أطلت علينا الحكومة الملتحية ( العدالة و التنمية) بمرسومين جديدين يهمان المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين في الأيام القليلة الماضية، فالأول يهم تقليص المنحة إلى النصف 1200 درهم و الثاني يهم تعديل النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية، بحيث يصبح المتخرجون من المراكز نفسها مضطرين لاجتياز مباراة للتوظيف، بدل ما كان معمولا به منذ إحداث هذه المراكز سنة 2011. فمع كل هذا اللغط سننتظر اخراج القوانين التنظيمية المكملة لهذين المرسومين من طرف الحكومة نفسها و مدى ملاءمتها مع النظام الأساسي المذكور آنفا.
هكذا و باعتبارنا جزءا لا يتجزأ من منظومتنا التربوية ، و لنا من الغيرة على القطاع ما يكفي ، فلا يسعنا في هذا المقام ومن هذا المنبر النبيل إلا أن ندق ناقوس الخطر لما يعانيه الحقل التعليمي ببلادنا من ويلات و أزمات جعلت منه جسما مترهلا شاخ قبل أوانه ، كما نشد بحرارة على المدرسين الشرفاء الذين يؤدون رسالتهم النبيلة في إعداد النشء و أجيال المستقبل بتفان و نكران للذات. و أن إعادة الهيبة للمدرسة المغربية أمر لا يستقيم دونما رد الاعتبار لرجل التعليم و إيفائه حقه لما يبدل من جهود في سبيل شحد الهمم و صقل المواهب و تربية الذوق و إعداد ذلك المواطن المتزن - المتحلي بقيم المواطنة والتسامح وروح النقد البناء - الذي تنشده الدولة في ميثاقها الوطني للتربية و التكوين والمخطط الاستعجالي و كل المصوغات التي أتت من بعده من تدابير ذات الأولوية و ما إلى ذلك من مستجدات ...فقد صدق أمير الشعراء "أحمد شوقي " حينما قال: قم للمعلم وفه التبجيلا = كاد المعلم أن يكون رسولا.



#المعانيد_الشرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الشغل من منظور ماركسي
- الإشكالية النظرية - لنمط الإنتاج - في الفكر الماركسي ( الجزء ...
- الإشكالية النظرية لمفهوم -نمط الإنتاج- في الفكر الماركسي ( ا ...
- الإشكالية النظرية لمفهوم -نمط الإنتاج -في الفكر الماركسي ( ا ...
- التصور المادي التاريخي لبنية الأسرة
- نيتشه وأبيقور


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - المعانيد الشرقي - المدرسة المغربية بين الأمس و اليوم