أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرحمان فضلي - سوسيولوجيا التقليد والتحديث بالمجتمعات العربية : المجتمع المغربي نموذجا















المزيد.....

سوسيولوجيا التقليد والتحديث بالمجتمعات العربية : المجتمع المغربي نموذجا


عبد الرحمان فضلي

الحوار المتمدن-العدد: 4880 - 2015 / 7 / 28 - 09:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سوسيولوجيا التقليد والتحديث بالمجتمعات العربية : المجتمع المغربي نموذجا
إن الحديث عن المجتمعات العربية والإسلامية وعلاقتها بالحداثة يقتضي أولا أن نقف عند بداية دخول التحديث (نقصد هنا بالتحديث الجانب المادي للحداثة) إلى هذه المجتمعات ، وغالبا ما يربطه الباحثون بالإستعمار( 1) ، فإذا أخذنا على سبيل المثال مجتمعنا المغربي كنموذج لهذه المجتمعات التي عرفت إنتقالا في مجالات متعددة ، سنجد أنه إصطدم بالتحديث منذ انفتاحه على أوربا في منتصف القرن التاسع عشر، وذلك بغية تحديث بعض القطاعات كالقطاع الصناعي والعسكري وغيرها ، ولعل السبب في هذا الإحتكاك هو الشعور بخطورة التفوق الأوربي منذ بداية القرن التاسع عشر ،وذلك بعد الهزائم التي لحقت بالجيش المغربي في موقعة إسلي.( 2 )"
شكلت إذن هذه الهزيمة صدمة بالنسبة للمغرب، وكان ذلك بمثابة عامل أساسي لتحديث الجيش المغربي. لكن هذه المستحدثات التقنية وكما يرى الباحث محمد سبيلا ستخضع للتقييم والفحص قبل دخولها إلى المنظومة التقليدية والعقائدية المغربية ، ماذا يعني ذلك ؟
يعني أن المنظومة التقليدية المغربية قاومت في البداية كل أشكال التحديث ، لأنه يصعب القبول منذ الوهلة الأولى بكل هذه المستجدات في مجتمع لا زال يعتمد على أدوات تقليدية ، لكن فيما بعد سيتم إعتماد هذه التقنيات وستظل تجاور كل الأدوات التقليدية التي يعتاد عليها المجتمع المغربي .
لكن السؤال المطروح هنا: هل ستعايش المنظومة التقليدية مع هذا التحديث ؟ أم أن هذا التقليد سيفقد أصالته وديمومته أمام هذا الغزو التقني والمعرفي ؟ ثم ماهي الآثار المترتبة عن هذا الإصطدام بين التقليد والحداثة على مستوى السلوك والتفكير ؟
من أجل مقاربة هذا الإشكال سنستعين بأطروحة السوسيولوجي المغربي " بول باسكون "

أطروحة بول باسكون Paul PASCON

يعتبر بول باسكون أحد أكبر السوسيولوجيين الذين أسسوا لعلم الإجتماع المغربي ، فقد قام بأطروحته حول حوز مراكش واستنتج أن المجتمع المغربي ليس مجتمعا انقساميا ولا فيوداليا ولا رأسماليا ،إنه كل مركب من كل هذه النماذج المجتمعية ...
يتضح لنا من خلال أطروحة بول باسكون أننا أمام مجتمع يتداخل فيه كل أشكال النظم الاجتماعية وتتعايش في نفس الوقت ، ولعل ما يؤكد ذلك مزج الإنسان المغربي لسلوكات مركبة ،أحيانا تنتمي إلى ماهو حداثي وأحيانا إلى ماهو تقليدي ، وقد أعطى بول باسكون نموذجا لسلوك يومي بسيط يقول : "مجموعة من الفلاحين لهم الحق في الأراضي الجماعية وتذهب نساؤهم يوم العنصرة لسكب السوائل على قبور الأجداد ويطلبون من خماسيهم أن يأتوهم بالبغلة صباحا ثم يتمنطقون بالخناجر ويذهبون الى المكتب ليطلبوا القرض الفلاحي جماعة"( 3)
إننا أمام أنماط متناقضة من السلوكات ، لكنها تجتمع في سلوك الإنسان القروي المغربي ، فامتلاك الأراضي الجماعية مظهر من مظاهر النظام الإشتراكي ، بينما يعد سكب السوائل على القبور نموذجا من نماذج النظام الثيولوجي الديني ... بالتالي نحن أمام أنماط متعددة من السلوكات.
إذا كان الإنسان القروي المغربي يعيش في وسط مركب يتفاعل فيه ماهو أصيل في المجتمع وماهو دخيل عليه، فكيف تؤثر هذه التركيبة على مواقف وسلوكات الإنسان " العربي" والمغربي على وجه الخصوص؟
إن هذه التركيبة هي نتيجة لاصطدام غير متوازن مع التحديث الأوربي ، ولعل هذا ما أفرز لنا هذه التركيبة والتي ستنعكس حتما على سلوك الإنسان المغربي ، فقبل الإستعمار ، وقبل دخول التحديث إلى المغرب ، كان الناس يعيشون في البوادي جنبا الى جنب حيث يتمتعون بتضامن آلي كما حدده السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركايم ، لكن بعد دخول المستعمر ، ودخول التقنية ، تغيرت منظومة القيم، فكانت النتيجة هي تناقض مواقف الناس مع سلوكاتهم ، فانتقل الإنسان المغربي من التضامن الآلي الى الفردانية ، والفردانية ليس بمعناها الإيجابي (المسؤولية،الحرية... ) ولكن بمعناها السلبي (العزلة).
يقول السوسيولوجي المغربي عبد الكبير الخطيبي :" لقد أنتج المجتمع المغربي تحولات في سلوكات أبنائه ،فبعدما كانوا ينعمون بعلاقة هادئة مع الزمن والوقت ،سيكتشفون ظاهرة السرعة ، هكذا أصبح المغربي يجري لكي يصل متأخرا ، وحينما يصل متأخرا يكون تعليله لذلك هو مسؤولية الآخر ، يقول : أنظروا الى سائق السيارة أمام الضوء الأحمر حينما لا يخرق نظام الضوء الأحمر فإنه يتوقف وقد خلفه وراءه .المغربي لا ينظر الى القانون وجها لوجه ،تلك هي حيلته البصرية ، إن احترام المغربي للقانون وانتهاكه له سلوكان متداخلان ومتشابكان مع نفس النظرة ونفس السلوك ،يحترم المغربي السلطة والتراتب بشكل مبالغ فيه ،لكنه حينما ينتفض فإنه يأتي على الأخضر واليابس إن المغربي يقول الخاطيبي كائن إشكالي وتجزيئي ،يعاني من إزدواج في الشخصية ويمتلك صورة هشة في ذاته"( 4).
هنا يتضح أن الإنسان المغربي لم يكن يعتاد على احترام القوانين الوضعية(الدخيلة) أكثر ماكان يعتاد على احترام الأعراف، لذلك كثيرا ما نراه يخرق هذه القوانين ولا يمتثل لها . لقد تحدث عبد الكبير الخطيبي في هذه الفقرة عن مفهوم مركزي وهو مفهوم "المسؤولية" ، هذا المفهوم الذي إرتبط ظهوره في أوربا بظهور الذات المفكرة والمسؤولة والنزعة الفر دانية، لكن غياب هذا الوعي بالمسؤولية بتربتنا هو ما أدى إلى التهرب من المسؤولية، فهل يعاني الإنسان المغربي إذن من إزدواج في الشخصية كما يقول الخاطيبي في هذه الفقرة ؟
يحاول السوسيولوجي المغربي "عبد الصمد الديالمي" أن يفسر هذا التناقض بين المواقف والسلوك ، فعكس الخطيبي، دعا الديالمي إلى رد الاعتبار لوضعية المجتمعات العربية والإسلامية التي تعرف انتقالا من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حداثي.
لنأخذ مسألة الجنس في المجتمعات العربية والإسلامية على سبيل المثال والتي شغلت بال السوسيولوجي عبد الصمد الديالمي حيث صاغ حولها نظريته في "الانتقال الجنسي"، مفادها التمييز بين ثلاثة مراحل كبيرة في العلاقة بين الجنس والدين:
تتميز المرحلة الأولى بكون المعايير الجنسية دينية وبكون السلوكات الجنسية دينية أيضا (أي زوجية بالأساس) .
المرحلة الثانية: تتميز باستمرار دينية المعايير الجنسية وبعلمنة السلوكات الجنسية، بمعنى أنها تخضع لأخلاق مدنية.
المرحلة الثالثة: ميزتها علمنة المعايير الجنسية وعلمنة السلوكات الجنسية، مما يعني استقلال الحقل الجنسي (كحقل عمومي تنظمه الدولة) عن الدين، وهي مرحلة بلغها الغرب، هناك المعايير الجنسية (العمومية) معلمنة والسلوكات الجنسية معلمنة كذلك.
لكن المغرب والمجتمعات العربية والإسلامية في نظر الديالمي يتواجد في المرحلة الثانية والتي سماها بـمرحلة "الانتقال الجنسي( 5 ).
إن علمنة الحقل الجنسي في المغرب وفي العالم العربي لا محيد عنه حسب الباحث ،حيث أن الوصول الى المرحلة الثالثة تفرضه حتمية تاريخية ، لذلك يتساءل الديالمي حول هذا الإنفجار الجنسي في المغرب قائلا : هل من الضروري أن نرى في الإنفجار الجنسي خللا وتفككا مجتمعيا؟ لماذا لا نرى في ذلك الإنفجار تمردا ضد الأخلاق المضادة للجنس؟ لماذا لا نرى في الإنفجار الجنسي تجاوزا لفقه و لقانون أصبحا متجاوزين بفعل التطور الإجتماعي وبفعل تغير النظرة الى الجنس؟( 6 ).
لم يكن التناقض بين المواقف والسلوكات مقتصرا على ميدان أو مجال معين ، بل يتعدى إلى مجالات متعددة ، ففي المجال السياسي مثلا يلاحظ أنه لازالت مظاهر التقليد تسيطر وتفرض نفسها بقوة من حين لآخر، لنتوجه إلى المجال القروي مثلا سنلاحظ كيف تتعايش فيه المنظومتان في نفس الوقت ، إذ نرى أن الأحزاب تلجأ إلى أساليب الضغط العتيقة كالعار والذبيحة والقسم على كتاب الله من أجل استقطاب الأنصار ، ولازال تغيير الإنتماء والولاء السياسيين تحت ضغط التقاليد( 7 ). فإذا كان النظام السياسي في المجتمعات الحداثية هو نظام تعاقدي دستوري قوامه سيادة الشعب والتمثيلية والمواطنة فإن المجتمعات التقليدية لازال النظام يقوم على الزعامة الروحية ، وإذا كان المجتمع المدني في المجتمعات الحداثية يمتاز بطابعه الحر والطوعية ،فإن المجتمع المدني بالمجتمعات التقليدية هو مجتمع أهلي تسود فيه كل أشكال العصبة والإنتماءات العشائرية، لذلك يمكننا القول أن مجموعة من السلوكات السياسية اليوم مرتبطة بالانتماءات القبلية والبنيات الثقافية المرتبطة بها.




بعد رصدنا إذن لمختلف الأطروحات التي تناولت المجتمع المغربي من منظور سوسيولوجي ، يتضح أننا أمام مجتمع إشكالي ، بحيث أنه يصعب تصنيفه ، هل ينتمي إلى مجتمع حداثي أم إلى مجتمع تقليدي؟ و بالتالي هو مجتمع يأخذ من التقليد كما يأخذ من الحداثة والتحديث ، لذلك نجد أنفسنا أمام مواقف وسلوكات غريبة ومتناقضة، وبناء على كل هذا، تصدق قولة عز الدين الخطابي حينما قال" بأن مكونات الواقع الإجتماعي (...) تدخل في عملية تنافس وصراع ، تتجلى عبرها ظواهر المقاومة والقطيعة والمثاقفة، وسواء تعلق الأمر بجانب القيم أو بالجانب السلوكي، فإننا نجد أنفسنا أمام وضعية مركبة وإشكالية ،يبدو فيها التلاؤم بين المظاهر الإجتماعية المتصارعة أمرا صعبا ، كما يظهر فيها" التجاذب " بين قوى الاستمرارية وقوى التغير ،خصوصا داخل بنية الأسرة كمعطى معقد".( 8 )

......................................

(1)عز الدين الخطابي ،أسئلة الحداثة ورهاناتها في المجتمع والسياسة والتربية ،منشورات الإختلاف،الجزائر ،ط1،2009
(2)محمد سبيلا ،في تحولات المجتمع المغربي ،2011
(3) المرجع نفسه
(4)نور الدين الزاهي ، المدخل لعلم الإجتماع المغربي، دفاتر وجهة نظر ،العدد 20،2011
(5) جريدة أخبار اليوم (23 يونيو 2012): ملف الحرية الجنسية بالمغرب إعداد: محمد احمد عدة
(6)الديالمي عبدالصمد ، سوسيولوجيا الجنسانية العربية ، دار الطليعة ، ط1،2009،ص 177
(7) التحولات الإجتماعية والثقافية بالبوادي المغربية ، تنسيق المختار الهراس وإدريس بنسعيد ،منشورات كلية الأداب والعلوم الإنسانية الرباط ، ندوات ومناظرات رقم 102
(8)عز الدين الخطابي ،سوسيولوجيا التقليد والحداثة بالمجتمع المغربي ،منشورات عالم التربية ،ط1،2001



#عبد_الرحمان_فضلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوسيولوجيا التقليد والتحديث بالمجتمعات العربية : المجتمع الم ...


المزيد.....




- كينيا: إعلان الحداد بعد وفاة قائد الجيش وتسعة من كبار الضباط ...
- حملة شعبية لدعم غزة في زليتن الليبية
- بولندا ترفض تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي -باتريوت-
- إصابة أبو جبل بقطع في الرباط الصليبي
- كيم يعاقب كوريا الجنوبية بأضواء الشوارع والنشيد الوطني
- جريمة قتل بطقوس غريبة تكررت في جميع أنحاء أوروبا لأكثر من 20 ...
- العراق يوقّع مذكرات تفاهم مع شركات أميركية في مجال الكهرباء ...
- اتفاق عراقي إماراتي على إدارة ميناء الفاو بشكل مشترك
- أيمك.. ممر الشرق الأوسط الجديد
- ابتعاد الناخبين الأميركيين عن التصويت.. لماذا؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرحمان فضلي - سوسيولوجيا التقليد والتحديث بالمجتمعات العربية : المجتمع المغربي نموذجا