أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عثمان - ماذا يميز الفكر المتطرف؟















المزيد.....

ماذا يميز الفكر المتطرف؟


أحمد عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 4877 - 2015 / 7 / 25 - 11:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يتميز الفكر المتطرف بالسهولة و المباشرة ، فهو لديه كل الإجابات غير الصحيحة على أسئلة الواقع المعقدة التي ليس لديها إجابات مباشرة! إذ أنه لا يتطلب أي جهد ذهني لمعالجة أياً من تلك الأسئلة، فكل ما على من يعتنقه أن يرجع لرأي من آراء الفقهاء النقليين معطلي العقل كإبن تيمية ، ليجد الإجابة جاهزة عن سؤال ما كان لإبن تيمية أن يعلمه أو يسمع به ناهيك عن أن يجيب عليه. فبالنسبة للعقل المتطرف، لا يوجد جديد ألبتة، فالكون تجمد منذ القرن السابع و لم يعد يتجدد، و أي تجديد هو من محدثات الأمور، وبالتالي هو بدعة والبدعة ضلالة والضلالة في النار. لذلك الفكر المتطرف، ينظر إلى الحياة بمنظار يقسمها للونين أبيض و أسود، وحلال وحرام، و موجود في ذهنية الأسلاف مفصل و محاكم و محدد على سبيل القطع، و محدث باطل و منكر لابد من تغييره باليد. و هذه السمة لهذا الفكر، تعفي الشباب من التفكير في المشكلات المستعصية الماثلة كالمشكلات الإقتصادية و أزمة البطالة و مشكلات التبعية لرأس المال العالمي و مشكلات السياسة المحلية والإقليمية والدولية، لأنها تعطي إجابة واحدة لكل هذه الإسئلة وهي أن العودة إلى الدين قادرة على حل جميع المشكلات. أي أن هذا الفكر المبسط للقضايا المعقدة الراهنة، يعفي الشباب من التفكير الجاد ، و يعلمهم الكسل الذهني، و يبشرهم بأن علاج جميع المشاكل هو فرض دولة الخلافة على المجتمعات الإسلامية.
كذلك يتميز هذا الفكر بدائرية تجعله غير قابل للنقض وفقاً لمنطقه، فهو من ناحية يمتلك كل الإجابات لكل الأسئلة، ومن ناحية أخرى يربط كل نشاط معتنقه السياسي و المجتمعي بالغيب و إرادة السماء فيعفي محازبه من تبعات أفعاله و يجعله ينسبها إلى إرادة الله عز وجل من ناحية أخري، و ينسب كل ما يعترضه من فشل و إخفاقات و عقبات إلى الإبتلاء و الإمتحان الإلهي من ناحية ثالثة. و لذلك المتطرف لا يرى عيوبه بإعتبار أنه في مطلق الأحوال يجد نفسه في إحدى هذه الحالات الثلاث أو فيها مجتمعة. فهو من ناحية مجرد آلة تنفذ إرادة الله و أوامره بإقامة الدين و إعمار الأرض عبر سياسة الدنيا، و لا يقوم الدين في ذهنه إلا بدولة مطابقة للدولة التي أقامته إبتداءاً لأنه يؤمن بأن التاريخ يجب أن يعيد نفسه و أن يستمر بنفس الصورة إلى أن تقوم الساعة. وهذا يعطيه رضا و سلام داخلي، يمنعه من رؤية ما يرتكبه من جرائم و بشاعات يندى لها جبين الإنسان، من ذبح للبشر و إسترقاق لأهل بلاد لا علاقة له بها من قريب أو بعيد، لمجرد أن أهل هذه البلاد لا يوافقونه فكرته بأن الله يريد لهم أن يعيشوا كما عاش البشر في القرن السابع الميلادي. أيضاً يملكه هذا الفكر يقيناً بالصحة المطلقة لأفكاره حتى و إن لم تتحقق أو قوبل بهزائم يسميها فكره إبتلاءات، كما يعزز إيمانه بالنصر الحتمي الذي يدفعه لمزيد من العنف و إرتكاب مزيد من الجرائم.
و فوق ذلك يزود فكر التطرف المنتسب إليه بأدوات فاعلة تجعله و صياً على البشرية جمعاء، ويقيض له تكفير المجتمع الذي يعيش فيه بعد تكفير حكامه، كما يعطيه القدرة على تكفير كل الحكام بالدول الإسلامية و تكفير المسلمين الذين لا يوافقونه و يدعمون أفكاره، فضلاً عن تكفير غير المسلمين بالجملة بإعتبار أن الكفر ملةً واحدة. و هذا يعطيه إجابات على ثلاثة مستويات هي: مستوى الدولة التي يعيش فيها و طريقة حكمها مما يعزز قناعته بكفر الحاكم و ينسحب ذلك على بقية حكام العالم الإسلامي لأنهم لا يقيمون الدين و يمنعون قيام دولة الخلافة، و مستوى مجتمعه و مجتمعات المسلمين الذين يجد راحة في تكفيرهم لرضاهم بالتحاكم للطاغوت و عدم قيامه بواجب إقامة الخلافة ، وعلى مستوى دولي يسمح له بتكفير و معاداة كل الدول بالعالم بإعتبار أنها تعادي الإسلام و تكيد له. و هو بذلك يجيب على مشكلة الإستبداد السياسي الداخلي بتجاوز الدولة الوطنية لما هو أكبر منها و إلغاء الحاكم الكافر المحلي، و يلغي المجتمعات المحلية و مشكلاتها بإلغائها هي نفسها و دمج ما يتبعه منها بجسم دولة الخلافة، و يجيب على مشكلة التبعية بحتمية إنتصار دولة الخلافة على الغرب و عودة سيادة المسلمين على كل العالم.
كل ما تقدم يكرس حالة الإستعلاء لدى الشخص المتطرف، فهو مرتبط بالذات الإلهية و ينفذ تعليماتها، و مجرد آلة في ترس كبير غرضه تعبدي بالدرجة الأولى ، لا أطماع دنيوية لديه ولا أهمية ألبتة لكينونته الفردية. فالمشروع الذي إنتمى إليه مشروع وضعه الله للبشر ، و من الطبيعي أن يضحي بكينونته البشرية من أجله، حتى و إن إستلزم ذلك نفي ذاته و تنفيذ عملية إنتحارية تساعد في إنتصار المشروع. وهو في ذلك لا يسأل عن أية تفاصيل، بل يثق ثقة كاملة في قيادته و في شرعييه الذين يقومون بنبش ما يحقق أهداف المشروع من التراث الإسلامي و حوادثه حتى و إن كان مخالفاً لصريح نصوص القرآن. فهو غير مكلف بالنظر في التفاصيل، و لا بالتفكير لنفسه، ولا مناقشة كيفية تنفيذ المشروع الإلهي الذي يتبناه، لأن مهمته تتقوم في الذوبان في الجماعة و طاعة أولي الأمر. و بقيامه بذلك ، يكون قد حقق الطاعة بمفهومها المتكامل، و يحظى بجنة عرضها السموات و الأرض. ومثل هذا الموقف يكسبه قسوة و عنف في مواجهة مخالفيه في الرأي، لا لأنهم يرفضون إقامة دولة الخلافة الإلهية فقط، بل لأنهم يفضحون عجزه عن مناقشة التفاصيل الخاصة بمشروعه نفسه، و لا يطيعون أولي الأمر الذين يطيعهم بلا تردد حتى و إن طلبوا منه ذبح من يقول لا إله إلا الله محمداً رسول الله.
فالفكر المتطرف بعد إعفاء معتنقه من التفكير، يكلف قيادته بالتفكير نيابةً عنه تماماً كالفوهرر الذي كان يفكر بدلاً عن أعضاء الحزب النازي. و هو يزود الفرد بقدرة على رفض مجتمعه و رفض محيطه الإسلامي و رفض العالم بمجمله، كما يزوده بسلاح التكفير الموسع الذي يجعله قادراً على رفض أي فكرة تخالف فكرته، و يزوده كذلك بحصانة من الجرائم التي يرتكبها، فيحوله إلى آلة مدمرة تم تغييب عقلها تماماً و تخديره بأقوى أنواع المخدرات. إذ ان من يقع في أحابيل هذا الفكر لا يستطيع الخروج منه إلا بصدمة كبيرة تجعله قادراً على إعادة التفكير من جديد. فالراحة التي يجدها الشخص القلق الباحث عن إجابات لأسئلة صعبة و معقدة تحتاج إلى جهد إنساني كبير للإجابة عليها في هذا الفكر التبسيطي، لا تعادلها راحة. فهو يخرجه من دائرة العجز إلى دائرة إمتلاك الحقيقة المطلقة، و من دائرة الهزيمة إلى دائرة الوعد بالنصر الحتمي، و من دائرة المسئولية إلى مركز الحصانة و الإستعلاء على الآخرين. بالإضافة إلى أنه يمنيه برضا المولى عز وجل عليه، و يبشره بدخول الجنة و الفوز بالحور العين في حال موته. لذلك يصبح عدواً شرساً لمن يخالفه الرأي أو من يحاول أن يزيل حلاوة هذا المخدر العنيف عنه و يرجعه لواقع الهزيمة و الأسئلة المؤرقة منعدمة الإجابات المباشرة.
و المنتمي لهذا الفكر، يلغي كل منجزات البشرية الفكرية و كل ما أنجزه العقل الفلسفي الإنساني، و لا يكتفي بذلك بل يصادر كل منجزات العقل العلمي التطبيقي و ينسبها إلى الدين. وهو في ذلك يلاقي عقل الإسلام السياسي الذي يدعي التحديث و في نفس الوقت يحاول أن يصادر العلوم التطبيقية و الإنسانية لأسلمتها عبر إدعاء التأصيل و أبحاث الإيمان و ما إلى ذلك من الإدعاءات. لذلك نراه في المنظمات المتطرفة الراهنة لا يستنكف عن إستخدام التكنلوجيا الحديثة، ويركز على التجنيد عبر و سائط التواصل الإجتماعي ، و يركز في دعايته السياسة على المواقع الإلكترونية، في حين أنه في القرن الماضي كان يكفر الحاكم لمجرد قبوله إستخدام التلكس و التلغراف. فالفكر المتطرف الراهن على عكس سلفه، وعى أهمية المعرفة و منجزات البشرية لا للتصالح معها و لكن لمصادرتها لمصلحة مشروعه و إستخدامها لهزيمة العقل الذي أنجزها بترويج التاريخ على حساب المستقبل، و إستدعاء الماضي حرفياً لتمثيله في حاضر اليوم لمصادرة هذا الحاضر.
و الناظر للفكر المتطرف، يجد أنه يعلم ضمنياً إستحالة جلب الماضي برمته لفرضه على الحاضر، لذلك يكتفي بجلب التصور السياسي التاريخي لتركيبه على الحاضر لتحقيق أهدافه السياسية، و يرفض بالتالي كل منجزات الإنسانية بخصوص السياسة التي أصبحت علماً، و لكنه يرضى بكل منجزات التكنلوجيا و العلوم التطبيقية و يسعى لمصادرتها و توظيفها ضد العقل الذي أنتجها. فهو يقاتل بتكنلوجيا كافرة صنعها الغرب الكافر، و يركب السيارات ذات الدفع الرباعي و لا ينادي بالعودة لركوب البعير و الحصان، و يستخدم أجهزة اللاسلكي و يستعين بصور الأقمار الصناعية، و يوظف الإنترنت في خدمته. و هذا يعني أن هذا الفكر يسعى لإستخدام منجزات العصر ضد حالة العصر و إنسانيته، و لهذا هو أكثر خطورة من سلفه.
خلاصة الأمر هي أن الفكر المتطرف التكفيري الراهن، فكر غير علمي بالمطلق على مستواه الإنساني، ولكنه يستفيد من منجزات العلوم التطبيقية و يستهلكها في سبيل هزيمة منتجيها و هزيمة العقل النقدي المعرفي الذي أنتجها. و لبساطته و دائريته و عدم قابليته للنقض كأي فكر لا علمي، ينجح في إراحة الكثيرين بصيغته الإحتجاجية و يوفر لهم ملاذاً يسمح لهم بممارسة الكسل الذهني و إكتساب التفوق الوهمي و الحصانة، و يبشرهم بحتمية الإنتصار. و لهذا هو خطر على البشرية جمعاء ، لن تنجح الحلول الأمنية فقط في إستئصاله.



#أحمد_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يتطرف أبناؤنا؟
- في تحويل الفضيحة إلى فتح رباني - ملاحظات حول ما جرى في جنوب ...
- في السودان (إنتخابات الإستمرارية لا إنتخابات الشرعية الديمقر ...
- النظام السوداني ( تحول إستراتيجي أم تموضع تكتيكي؟)
- لماذا انتشر الإسلام السياسي؟
- دلالات إيجابية في السياسة السودانية!!
- الحوار تحت أسنة رماح الجنجويد !
- عقبات في سبيل تأسيس أحزاب سياسية سودانية جديدة
- جنوب السودان - مضمون النزاع وآفاق الحلول
- الأخوان المسلمون والفشل الإستراتيجي
- سيناريو الخراب المحتمل -إتهام جديد لحزب الله!-
- ما لاتريد الحركة الشعبية أن تراه!
- ماذا لو
- نورونا ياهداكم الله ! أو في الإستفتاء و دعوى الكونفيدرالية ! ...
- الى الصحفي سردش
- إتفاق الدوحة الإطاري (مزالق وسقوف)
- السودان ونذر التفكك (مخاطر الإنفصال على دولتي الجنوب والشمال ...
- إستفتاء سويسرا (أفول المآذن أم سقوط حرية المعتقد؟)
- نرجوكم…….. قاطعوها يرحمكم الله
- المعارضة السودانية (إرتباك الأداء وإضعاف الحجج)


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عثمان - ماذا يميز الفكر المتطرف؟