أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فلاح رحيم - اللغة أم العنف؟














المزيد.....

اللغة أم العنف؟


فلاح رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4876 - 2015 / 7 / 24 - 12:19
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


من البديهيات الشائعة المكرسة في خطاب الصواب السياسي القول إن اللغة والتحاور اللغوي هما بديل العنف. وقد كتبت جين ـ ماري مولر لحساب اليونسكو إفادة جاء فيها: "الكلام هو أساس التواصل الاجتماعي وبنيته، وهو يتصف بخاصية نبذ العنف أيضاً." ولأن الإنسان "حيوان ناطق" فإن نبذ العنف لابد وأن يكون صفة متأصلة في طبيعته إذ لا يعد العنف، بحسب مولر، إلا تشويهاً جذرياً للسجية الإنسانية الناطقة. مفاد الجدال هنا أن الظروف السياسية والاجتماعية الطارئة هي التي تسيء إلى الطبيعة المسالمة للغة وتخرق رمزيتها التي تضمن التواصل والتفاهم.
في كتاب سلافوي جيجيك، الفيلسوف السلوفيني المعروف، "العنف" (الصادر عن بيكادور، 2008) استدراك مثير على هذه البديهية يستحق التأمل. يتساءل جيجيك: "ماذا لو أن البشر يتفوقون على الحيوانات في قدرتهم على ممارسة العنف لامتلاكهم القدرة على الكلام تحديداً؟" وهو يتوسع في هذه الفكرة ويجادل لتأكيدها اعتماداً على عدة مقدمات نظرية وفلسفية. أولها أن اللغة تدس الشيء الذي تصفه في حقل دلالي غريب عنه، خارجي من حيث الجوهر. عندما نطلق على الذهب تسميته فنحن إنما نسلخ المعدن البراق الجميل عن وجوده المستقل لنحشره في أحلام الثروة والقوة والنقاء الروحي وما إلى ذلك، وهذه كلها لا تتصل بالواقع المباشر لمعدن الذهب. وبالرغم من أن علم اللغة عزل الدلالة الحرفية للكلمة denotation (أي معناها القاموسي دون إيحاءات سياقية) عن الدلالة الايحائية أو المصاحبة connotation (أي ما توحي به من معان طارئة) فإن ملاحظة جيجيك تنبهنا إلى حقيقة أن هذين النمطين من الدلالة لا ينفصمان على مستوى الخطاب (أي اللغة وقد دخلت سياقاتها الاستعمالية المختلفة).
ولأن جيجيك مختص بفكر جاك لاكان ونظرياته النفسية اللغوية فإنه يستخدم مفهوم لاكان عن "الدال الأعلى" Master-signifier ليدعم اعتراضه على مولر. وهو مفهوم يشير به لاكان إلى أن كل تواصل بين الذوات المختلفة مهما اتخذ شكل المساواة التامة لابد أن ينطوي على "دال أعلى" يفرض على عملية التواصل قراراته بطريقة "لاعقلانية" عنيفة. وهذه الحقيقة يدعمها سياسياً ونستون تشرتشل بقوله إن القيادة تعني الشخص الذي يتدخل في نهاية جدالات طويلة وتنافر في الآراء وصخب ليقول كلمته الفصل، وإن الحياة السياسية في دولة ذات سيادة لن تستقيم بدون وجود مثل هذه القيادة. وإذا عدنا إلى الفلسفة فإن عمانوئيل ليفيناس هو الآخر أكدّ اختلال التناسب في البينية الذاتية وأن في كل تواصل تفاوتاً في صلاحيات المتحاورين وقدراتهم.
إذا كان التفاوت كامناً في وجود الدال الأعلى على المستوى اللغوي فإن هذه الحقيقة تهدد بمخاطر عنفية وخيمة. أهمها ما أشار إليه سيمون ويل من أن الأفراد يسعون إلى القوة لكي لا يقعوا تحت سطوة الآخرين. إلا أنهم في سعيهم إلى الهيمنة عليهم، قد يجتازون الحدود الفاصلة بين الدفاع والهجوم إذا لم يتوخوا الحذر، لذا لن يتحقق التعالي على التنافس العنيف بين الكائنات البشرية إلا إذا وضع البشر حدوداً تمنع رغباتهم من الانطلاق دون رادع. وهذه الحدود تتمثل سياسياً في القوانين الدستورية والدولة الديمقراطية. لكن هذه الغاية المثالية تواجه عقبة كبيرة عندما تكون الرغبة المقيدة بقوانين هذا العالم الأرضي مطروحة لغوياً بوصفها رغبة تتضمن اللامتناهي المطلق. لنتذكر أن اللغة هي الوسيلة الوحيدة التي تأخذ رغباتنا الدنيوية إلى ما وراء الأطر النسبية عند الاختلاف وتحولها إلى "رغبة تحتوي اللامتناهي" فترفعها إلى مستوى توق مطلق لا يمكن اشباعه أبداً. من المؤكد أن ما يتوصل إليه جيجيك هنا خطير وجدير بالتأمل، ذلك أنه يعني أن الخير البشري، الخير النابع من الروح الذي يعلو على الخير الطبيعي هو ما يمثل الأصل في ظاهرة العنف.
يواصل جيجيك دفاعه عن فكرة العنف المتأصل في اللغة فيجادل بأن ما يجعلني أعيش في عالم مختلف عن الذي يعيش فيه جاري برغم التقارب المكاني بيننا إنما هو اللغة. عندما يحتج المحرومون على ما يتعرضون له من استغلال لا يكون احتجاجهم على الواقع البسيط كما هو، ولكن على تجربتهم لورطة العيش في هذا الواقع التي جعلتها اللغة ذات معنى. يقول جيجيك: "لا يكون الواقع بحد ذاته، في وجوده الغبي، ثقيلاً لا يُحتمل، إنما هي اللغة ورمزيتها التي تجعله كذلك." (ص. 69) لذلك فهو يدعونا إذا ما رأينا مجموعة من المتظاهرين تحرق وتدمر ما يقع أمامها إلى أن نقرأ ما تحمل من لافتات.
القراءة التي يقدمها جيجيك لمفهوم "الجوهر" لدى مارتن هيدغر توضح الطريقة التي تعمل اللغة بها على توليد جوهر ثابت يتعكز على السياق التاريخي والانكشاف الحقبي للكينونة، وهو ما يسميه "بيت اللغة". ذلك أن عبارة هيدغر Wesen der Sprache لا تعني "جوهر اللغة" بل "قدرة اللغة على صناعة الجوهر" essencing. لهذا يرى هيدغر أن "جوهر العنف لا علاقة له بالعنف الأنطيقي: المعاناة، الحرب، الدمار، الخ؛ بل يكمن جوهر العنف في الطبيعة العنيفة لعملية فرض/إيجاد النمط الجديد لانكشاف الجوهر في الوجود الجماعي نفسه." (ص 70). أي أن هذا العنف الجوهري الناجم عن اللغة هو ما يفتح المجال أمام انفجار العنف الأنطيقي.
يدعونا كل هذا إلى تأمل الدور الخطير الذي تلعبه اللغة في دوامة العنف الدائرة في المنطقة العربية عموماُ وفي العراق على نحو خاص. نحن نؤخذ على غفلة عندما نخلط حق حرية التعبير المشروط بظرفيته وسياقاته لنحوله إلى فرض عنيف لخطاب لانهائي صادر عن هويات مطلقة. علينا الحذر من خلط الهوية بوصفها جوهراً متماسكاً ثابتاً لانهائياً مع الظرفية السياسية والتاريخية لانكشافها. وهو ما يتمثل في حالتنا العراقية الراهنة في فخ اللغة الطائفية التي صارت من بديهيات الخطاب الإعلامي والسياسي والثقافي. علينا أن ننتبه إلى أن تحوطنا تجاه طبيعة اللغة العنفية هو خطوتنا الأولى على المستوى الإعلامي والثقافي نحو التصدي لمأساة العنف ومحنة القطيعة الطائفية في بلادنا.



#فلاح_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتناص المعنى
- القناع والشخصية الروائية
- المُعتمد ورفوف الكتب
- الفجوة بين المثقفين والمجتمع: خرائط البداوة والشرعية
- السجل الأسود للنفط: الديمقراطية والحروب الأهلية
- ما بعد العلمانية ومجالس بغداد
- الحقيقة والمصالحة في رواية كوتزي -العار-
- “اعترافات كائن” والتمثيل الروائي للفاجعة
- أنسنة الشعر: حسن ناظم قارئاً لفوزي كريم
- قصائد في يوميّات: أحلام صحراوية
- -مدينة الصور-:الفوتغراف بين اللوحة التشكيلية والمشهد الروائي
- ديفيد لودج ودليل حرفة الرواية
- كُتب في يوميّات: المجموعة الكاملة لقصص مارك توين القصيرة
- كُتُب في يوميّات: العصافير لا تموت من الجليد لأفنان القاسم
- كُتُب في يوميّات: الطاحونة الحمراء لبيير دي مور
- مصر وحمى الربيع والصيف
- كتب في يوميات: تونيو كروجر لتوماس مان
- كتب في يوميات: فيلكس كرول لتوماس مان
- موعظة الهوتو والتوتسي: أنف ومليون قتيل
- الموسيقى الألمانية واجتثاث النازية والأمريكيون


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فلاح رحيم - اللغة أم العنف؟