أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - محمد الحمّار - لو أصبحت تونس بلدا ديمقراطيا، لَما انتحر أرسطو وقدم ساركوزي















المزيد.....

لو أصبحت تونس بلدا ديمقراطيا، لَما انتحر أرسطو وقدم ساركوزي


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 4874 - 2015 / 7 / 22 - 22:24
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


لو كان أرسطو حيا كمواطن تونسي لانتحر شنقا في ساحة الحكومة بالقصبة لرؤيته الديمقراطية تداس بشكل مرعب في تونس، مما جلب لها، وهي في سنتها السادسة "ديمقراطية"، العراب نيكولا ساركوزي كي يتطاول عليها وعلى أهلها وعلى جارتها الجزائر وهو في عقر الدار المغاربية.

لو كان أرسطو حيا سيفعل صنيعه مفارقا الحياة حين يدرك أنً مبدأه الذي ينص إما على تقليص الديمقرطية، إما على تقليص الفقر (وهو ما نصح به) لكي تنجح الديمقراطية دون أن يفتكّ الفقراء الملكية من عند الأثرياء في بلد فيه عدد قليل من أصحاب الثراء الفاحش بالمقارنة مع العدد الكبير من المعدمين، حين يدرك أنّ هذا المبدأ لا يشتغل في تونس. أما السبب في عدم اشتغاله والذي لم يقرأ له أرسطو حسابا فهو أنّ في تونس ليس كل الأثرياء هم ممن جمعوا ثرواتهم من الحلال وبالتالي فإنّ مبدأ أرسطو يتطلب اليوم قيمة مضافة ليكون متناسبا مع الزمان والمكان، ألا وهي المتمثلة في أنّ تقليص الفقر ليس خيارا وإنما هو واجب لأن العملية أضحت تتعلق باسترداد الفقراء لثروات افتكتها منهم الفئة السارقة من بين فئات الأثرياء ، وبالتالي فإنّ وجوب التقليص في عدد الأثرياء يستوجب تدعيم الديمقراطية كواجب أيضا لا كخيار وذلك لكي يتمكن الفقراء من تنفيذ الأحقية في استرداد ما سُلبوا منه وبالتالي يصبحون ممن يتفطنون لكيد الكائدين فيذودون عن بلدهم وعن جيرانهم وعن المنطقة.

لكن كيف سينجز "مبدأ أرسطو زائد واحد" والحال أننا نتأكد يوما بعد يوم من أنّ الديمقراطية الصحيحة موجودة فقط في الكتب وفي خطاب السياسيين، أما في الواقع فإن الديمقراطية هي ضمان الامتيازات للشركات العالمية الكبرى وللشركات المحلية التابعة لها حتى تكون لها الكلمة العليا وتكون عائقا أمام سائر مكونات المجتمع فلا تتركها تنال الديمقراطية الحقة؟ وما علاقة أن يكون مجتمع مثل المجتمع التونسي غير دارٍ بالطريق الصحيحة المؤدية إلى هذه الاستحقاقات وبالتالي فإنّ جهلَه يجعله عرضة للانتهاكات المتأتية من الخارج على غرار ما يحدث في الآونة الأخيرة من تلاعب بأمن البلاد و بكرامة وعزة أبنائها ومن تهديد لجيرانها على حساب تاريخ تونس وأمجادها وقيمها وعقائدها؟

لقد تفطنتُ إلى أنّ الديمقراطية مفهوم عابر للأزمنة وللقارات وللمجتمعات وأنه يشتغل كتعلة في كل الحالات: تعلة لفرض الاستبداد؛ وتعلة لإقامة العدل؛ وتعلة لاستشراء الثراء السافر مثلما هو الحال في تونس في سنتها السادسة "ديمقراطية". وتفطنت أيضا أن قيمة الحرية هي التي تحدد منسوب الديمقراطية في كل مجتمع ينوي إرساءها، لا العكس. والحرية في بلدٍ ما تحددها الشخصية الجماعية والثقافة وسلّم القيم والمعرفة. من هذا المنظور ليس هنالك أيّ بلد في العالم يستحق أن يسمى ديمقراطيا. أو بالأحرى لاينفع أن نسمي بلد كذا ديمقراطيا وبلد كذا غير ديمقراطي. على العكس من ذلك، ثمة بلد أكثر حرية من الآخر، او أكثر عدلا او عدالة اجتماعية او قوة او رفاهة وازدهارا من بلد آخر. وبالتالي فحتى الولايات المتحدة ليست بلدا ديمقراطيا، ناهيك أن تكون فرنسا بلدا ديمقراطيا وهي التي حكمها العراب ساركوزي ملحقا بها أضرارا معنوية لا تُغتفر.

إنّ تونس في ضوء ما سبق ليست مطالبة بأن تكون ديمقراطية بل بأن تختار السير قُدُما على طريق الاستقلال والعدل والمساواة والوحدة المغاربية، ولِم لا على درب تأديب العالم "المتحضر". فالغرب الذي يستميلنا على أنه متقدم وراقٍ ومتحضر هو نفسه الذي يفرض علينا أنظمة من الحرية مبنية على رأس المال ومحددة من طرف من يملك الثروات ووسائل الإنتاج من مصانع وآلات ووسائل الاتصال، وهو نفسه الذي يصدّر إلينا سلعة بائرة مثل منظومة ساركوزي.

ومن لا يتعظ من التاريخ ومن الماضي القريب فلا مكان له على درب إرساء العدل والمساواة والتحلي بالأخلاق الحميدة والتمدن والتحضر. فتونس كبلد عربي، مدانة مثل باقي البلدان لعربية لكونها لم تقرأ حسابا للتوقي من الشرور الخارجية ولم تعرف كيف تتعظ من الماضي القريب. ومن لم يأخذ العبرة من التاريخ فمآله السقوط بين أيدي القناصين.

ففي عام 1973 اثر الحرب ضد اسرائيل، "استعرب" عرب البترول فقطعوا المؤونة النفطية عن العالم المتحضر الذي عاد كنتيجة لذلك إلى امتطاء الدراجة الهوائية وركوب الحصان واستخدام العربة المجرورة. منذ ذلك الحين وأروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان يتدبرون الأمر ويفكرون في طاقات بديلة ففلحوا إلى حدّ كبير. لكنهم في نفس الوقت كانوا يُحكمون قبضتهم شيئا فشيئا وأكثر فأكثر على بترول العرب حتى صار تقريبا ملكا خاصا لهم، يتحكمون في سعره ويمارسون المساومات على البلدان المصدرة له مقابل إسداء خدمات هم الفاتقون الناطقون في مجال توفيرها. ثم واصلَ الغرب مسيرته الارتقائية وصنع الطائرات والسفن والسيارات والحواسيب والهواتف الجوالة وغيرها، غير مبالٍ بأيّ منافس له، بل مدرك أن لا منافس له من بلاد العرب والمسلمين.

وفي الاثناء انهمك عرب البترودولار في صرف المليارات يمنة ويسرة، في شراء القصور والفنادق والشاليهات والطائرات واليخوت وسيارات البورش والرولس رويس والنساء والغلمان والكلاب وقنوات الغناء والرقص والكازينوهات والكاباريهات والوسكي والسفرات إلى لهند والفيليبين و اندونيسيا. حتى فقراء العرب من تونسيين ومغاربة وموريطانيين ويمنيين ولبنانيين، حتى هم بدورهم لحقتهم عدوى التحضر" والتي لا ترقص تهز كمامها كما يقال، قرروا أن تكون قلة قليلة من السكان مستولية على أكثر من ثمانين بالمائة من الثروات. فتونس مثلا تباع فيها البورش و أفخم السيارات يناهز ثمن الواحدة مرة ونصف المرة ثمنها في أوروبا ومع هذا فلا يقتصر الأمر على توفّر عدد ضئيل منها - في مستوى ضئالة الدخل الوطني- وإنما توجد من الموديل الواحد المئات من القطع. وفي بلد مثل تونس يقال عن سعر الوحدة السكنية - العمودية- 250 الف دينارا (120 ألف دولارا) إنه سعر عادي جدا بينما توجد آلاف من الديار الشعبية التي تأوي كل واحدة منها أكثر من عائلتين اثنتين. وفي تونس يتقاضى شهريا أستاذ الثانوية ما لا يزيد عن مبلغ ألف دينار على امتداد 12 شهرا بينما يتقاضى نظيره في الشهائد العليا الذي يشتغل بمصرف ضعف هذا المبلغ على امتداد 17 عشر شهرا.

إذن لا نعحب لتطاول بعض السياسيين الذي لفظتهم بلدانهم كالنواة من أمثال ساركوزي، لا نعجب لتطاولهم على تونس طالما أنّ التطاول بات سمة داخلية وذاتية سابقة. حتى لو جاءت الولايات المتحدة وحطت الرحال في تونس فلن يكون لدينا مبررات للتصدي لهذا الأمر. حتى لو صح تنصيب هذا البلد لمنظومته التجسسية الالكترونية في الهوارية. ولو صحت مراميه للحصول على قاعدة عسكرية في الجنوب الغربي، فلا ينفع أن أكون أنا أو غيري أو كثير منا مناهضين لهذا الغزو طالما أنّ الشعب كله لم يعِ بضرورة محو المبررات والدواعي التي ترسل إشارات عميقة تقوم مقام الدعوات المتجددة للاستعمال والاستغلال والاستعمار.












#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الإسلاميون وحدهم يلعبون لعبة الغرب؟
- جريمة سوسة: لماذا بريطانيا؟
- المسلمون والفهم الضبابي للواقع، داعش نموذجا
- تونس: كفانا مغالطة لأنفسنا !
- الشباب التونسي بين إخلالات الحاضر ورهانات المستقبل
- وكأنّ التوانسة سيموتون غدا...
- تونس: الإصلاح اللغوي والتربوي من أضغاث الأحلام إلى الحلم
- تونس: وهل سيُنجز الإصلاح التربوي بعقل غير صالح؟
- تونس: التجديد الديني بين تطاول المفكرين وتبرير المشايخ
- آفة الدروس الخصوصية وعلاقتها بالعولمة
- الإرهاب الفكري المستدام
- تونس لن تستسلم للإرهاب
- مبادرة من أجل مدرسة المستقبل في تونس
- تونس: أزمة التعليم تتجاوز الوزارة والنقابات
- في مقاومة داعش وسلوكنا الفاحش
- هل الحكومة التونسية قادرة على الردّ الحضاري؟
- تونس: إصلاح الغصن أم الشجرة؟
- تونس: نصيب الجمعيات من حصة تخريب البلاد
- تونس: شهادة حول الخميس الأسود من سنة 1978
- تونس: ما معنى أن يشنّ أساتذة الثانوي إضرابهم لآن؟


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - محمد الحمّار - لو أصبحت تونس بلدا ديمقراطيا، لَما انتحر أرسطو وقدم ساركوزي