أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد رفعت الدومي - اسهار بعد اسهار (2) : ولادة مبكرة














المزيد.....

اسهار بعد اسهار (2) : ولادة مبكرة


محمد رفعت الدومي

الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 13:23
المحور: الادب والفن
    


كان الذين لا يرون أبعاد شخصية أبي في ضوء قريب ، يردّون عراءَ أعصابه الدائم إلي ولادته المبكرة ، الشاعر القديم جرير أيضاً ، ولدَ لسبعة أشهر ، ولقد اتخذ الفرزدق ، الشاعر القديم ، من ذلك المنعطف الأليف من منعطفات حياته ذريعة ً لهجائه ، يقول :

وأنت ابن ُ صغري لم تتم َّ شهورها .

ولأنني انحاز علي الدوام إلي أبي ، انحزتُ مباشرةً ، منذ أن وقفتُ علي هامش المعركة الشهيرة بين الشاعرين ، وقرأت هذا المنحدر الشعري من منحدراتها ، إلي ائتلاف المتواطئين مع الشاعر الكبير جرير ضدَّ الفرزدق الشاعر الكبير ، الشاعر الكبير بحماية مقاييس الشعر في عصره طبعاً ، فإنَّ شعرَه لايصمدُ أمام مقاييسنا الحديثة للشعر فقط ، بل ويضاف الكثيرُ منه إلي آثامه العديدة ِ أيضاً ، آثامه التي لم يتَّسع ِ المؤرخون للوشاية بها منجَّمة ً ، فعمَّروا لها شارعاً علي طرف الزمن ، وعلقوا عليه لافتة ً كبيرةً . ليلة الفرزدق .

يزعمون الفرزدق مرَّ ذات ليلة ٍ بدير ، وعرضت راهبة الدير استضافته فقبل ، وجاءته بشرائح لحم الخنزير فأكل . وبخمر ٍ فشرب . ثم فتحت له خزائنها فزني بها ، ثمَّ .. ليزيِّن ذكري الليلة علي مايبدو ، سرق وشاح الراهبة وانسلَّ بالليل إلي الضياع .

لقد اقترف الرجل كلَّ الموبقات في ليلة ٍ واحدة .

أشكُّ كثيراً في صحة هذه الوشاية ، ولا أشكُّ كثيراً في وقوفها علي حافة الخلق الشهيرة ، وإن كان الفرزدقُ بكلِّ ظن سيئ منوطاً .

لكن الذين كانوا يعرفون أبعادَ شخصية أبي ، لا يرضون بهذه المقاربة المتسرعة ، ولا أرضي بالطبع ، وأري أن وجه حنانه المدوَّر مشرعٌ لمغفرة هزائم العالم ، وإن كان عراءُ أعصابه يلسعُ أحياناً ، فهو لسع الورد لا أكثر .

وأري أن أفعال أبي ، أبعد الأفعال تعبيراً عن ضيق الأفق والبعد الواحد ، هذا يقودني إلي ذكري بعيدة .

أتذكَّر أنَّ أبي صعد يوماً ذروة َ نقطةٍ من نقاط صفائه الذهنيِّ ، وكانت تتواكبُ عادةً مع انسياب القطرات الأولي من عصير الأفيون الأسود في دمه ، وكنت أعرف أنها قافيةٌ ملائمةٌ للوقوف بذهن ٍ معلن ٍ علي كافة التابوهاتِ دون مراقبةِ العواقب ، وأنشدته خلف حديثٍ عالقٍ بالطرح بيت أبي العلاء :

أفيقوا ، أفيقوا يا غواة فإنما ، دياناتَكم مكرٌ من القدماء

انتزعَ ذهنَه برفق ٍ من عالمه ، فجأةً ، ونظرَ إليَّ في دهشة ٍ، والتقطتُ خيوط رائحة الأدرينالين تتناسل في دمي ، ثمَّ ابتسمَ ابتسامةً معقوفةً انخرطت في سرِّي إلي الأبدِ ، وعاد إلي عالمه ، شعرتُ بالخوف يتبدَّد .

ذكَّرني في اليوم التالي ، بمساري الأزهريِّ ، وما يمكن أن تشكِّله قناعاتي الطارئةُ من مخاطر علي مستقبلي لا أكثر ، مع ذلك كان متسامحاً جداً .
ربما كان ذلك التماهي معي تعليقاً جارحاً علي شكه في سلامة عقلي ، وهو شكٌّ يقومُ علي الكثير من الدعائم التي تسبق ركام التحول عادةً بشجاعةٍ صلبةٍ ، نزوعي الشديد إلي العزلةِ الصارمةِ ، وما تشكِّل العزلةُ من التعابير الشهيرة ، خجلي المتفاقم ، وجهي المستغرق ، نظراتي المحاطة بالتوترات ، أحاديث النفس التي تنمو بصوتٍ مسموعٍ علي أسيجةِ العزلة ، طبيعتي القلقة ، وشرودي المسرفِ في التكرار ، خارج الآخرين وخارج قواعد المنظور تماماً .
ربما اعتقدَ الكثيرون ، أنَّ مرونة أبي الممتلئة حيال قناعاتي المتطرفة ، هي صفر امتلائها ، وهذا اعتقادٌ يجري في يقين الخطأ ، فلقد اخترتُ خرزتي من العقد بعزيمةٍ لا تقيمُ لرضا أبي ولا لسخطِه وزناً .

حدث هذا بالطبع بعد أن سيَّجتُ ذهني بأفكار ٍفولاذيةٍ ، حتي لا يستطيع امرؤٌ أيَّاً كان أن يسمِّرَ فيه أوراقاً مقدَّسةً ، حيث توقف الوقتُ وتجاوز الأساليب ، حتي القشرة الأكثر عمقاً .

أصبحتُ خارج التسريحة القومية المرتبكة ، وأصبحتُ أيضاً خارج عالم البالين وأصحابِ الحدِّ الأدني تماماً ، وإن كانت تربطني به غابةٌ من العواطف المبتذلة .

محمد رفعت الدومي



#محمد_رفعت_الدومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسهار بعد اسهار (1): أدينُ بدين الحبّ
- نبّوت عبد الناصر المزيف
- إعدام الماضي / إعدام المستقبل
- الأردوغانية والأعراب
- النبيُّ ابراهيم.. الزِفَري آخر موضة!
- أوَّلُ المكيدة إنحناءة
- وداعًا فريناز خسرواني
- إن إزاري مُرَعْبل!
- إسم الله عليه.. إسم الله عليه
- حمير مصر
- الأنوثة للرغبة لا المرأة
- حبيبة
- بلطاي - مرسي!
- ويحبُّ ناقتها (بشيري)!
- خمسون درجة من الرمادي.. أو.. رماد النور!
- واذكر في الكتاب إسماعيل!
- وديارٌ كانت قديمًا ديارا
- أمان يا لاللي .. خنفس عُصْملِّي!
- فتِّش عن (الهوسبتاليين) في ليبيا!
- “إيج نوبل” ل “عبد العاطي”.. أو.. استثمار العار!


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد رفعت الدومي - اسهار بعد اسهار (2) : ولادة مبكرة