أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - فتحى سيد فرج - التعليم التقنى الواقع وآفاق التطور















المزيد.....



التعليم التقنى الواقع وآفاق التطور


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 12:14
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


هد الواقع العربى بصفة عامة والمصرى بصفة خاصة مجموعة من الاختلالات والفجوات الهيكلية، ولكن أخطر وأهم هذه الاختلالات والفجوات هى اختلال وفجوة العملية الاجتماعية بأضلاعها الثلاث المكونة من : منظومة التعليم فى تفاعلها مع مؤسسات الإنتاج، ومؤسسات البحث والتطوير التكنولوجى، منظومة القيم والسلوكيات المجتمعية، منظومة أدارة شئون المجتمع السياسية والاقتصادية .
ورغم أن هناك علاقات تفاعل ودرجات من التأثير والتأثر بين هذه المنظومات إلا أننا سنركز بحثنا فى هذه الورقة على المنظومة التعليمية فى تفاعلها مع مؤسسات الإنتاج وعملية التطوير التكنولوجى، أولا بإعتبار هذه المنظومة مجال تخصصنا، وثانيا لأنها تعتبر الركيزة الأساسية لأى تنمية أو تقدم فى المجالات الأخرى.
واقع التعليم التقني في الدول العربية : تولي معظم الدول العربية التعليم العام الموسوم "بالتعليم االأكاديمى أو النظرى" اهتماماً كبيراً يفوق بكثير اهتمامها بالتعليم الفني بصفة عامة، والتعليم التقنى بصفة خاصة ، كما توجد نظرة سلبية للتعليم التقنى والفنى، حيث يلتحق به كل من لا يستطيع الالتحاق بالتعليم العام الذى تفتح لطلابه أولوية أستكمال دراساتهم فى التعليم العالى والجامعات، بينما لا يقبل من طلاب التعليم الفنى والتقنى بالتعليم العالى إلا نسبة ضئيلة جدا لا تتتعدى 5% وبشروط خاصة .
وهناك خلط بين التعليم "الفنى" والتعليم "التقنى" فى أغلب البلدان العربية، وقد تبدى هذا الخلط بشكل واضح فى صياغة مشروع القانون المصرى " مشروع قانون التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى المقدم من الحكومة رقم ( ) لسنة 2015" الذى وردت به فى عديد من المواد صياغات غير واضحة أو محددة عن "التعليم التقنى" أو تحديد فروق بينه وبين التعليم الفنى سواء فى عدد سنوات الدراسة أو الأهداف أو مستويات القبول أو مراحل الترقى، لذلك كان من المهم الوصول لتعربف واضح للتعليم "التقنى" وتحديد فروق بينه وبين التعليم "الفنى" .
تعريف التعليم التقنى والفرق بينه وبين التعليم الفنى : عرفت منظمة العمل العربية "التعليم التقنى" بأنه تعليم جامعى متوسط، يلتحق به الحاصلون على شهادة الثانوية (العام والفنى) ومدة الدراسة فيه سنتان بالمتوسط، ويستهدف :
• إعداد العمالة وفقا لاحتياجات سوق العمل الوطنى والإقليمى فى مستوى العامل الفنى / التقنى بحسب فئات مستوى المهارة فى التصنيف العربى المعيارى للمهن .
• تمكين الملتحقين / الخرجين من مواصلة التعليم الجامعى فى مجال التخصص المهنى .
التعليم المهنى الفنى : هو أحد مسارات التعليم المتاحة بعد إنهاء مرحلة التعليم الأساسى ، وتتراوح مدة الدراسة فيه مابين 2 – 3 سنوات ويستهدف :
• إعداد العمالة وفقا لاحتياجات سوق العمل الوطنى والإقليمى فى مستوى العامل الماهر بحسب مستويات المهارة فى التصنيف العربى المعيارى للمهن .
• تمكين الملتحقين / الخرجين من مواصلة التعليم التقنى أو الجامعى فى مجال التخصص المهنى (1).
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" فى المؤتمر العام الدورة (31) المنعقدة فى باريس 15 أكتوبر – 3 نوفبر 2001 اتخذت توصية هامة بغرض تطوير وتحسين التعليم التقنى والمهنى أشارت فيها لتعريف وأهداف التعليم التقنى فيما يلى نصها :
التوصية الخاصة بالتعليم التقنى والمهنى (2001) : يقصد بالتعليم التقنى جوانب العملية التعليمية التى تتضمن بالإضافة إلى التعليم العام دراسة التكنولوجيات والعلوم المرتبطة بها واكتساب المهارات والمواقف وضروب الفهم والمعارف المتسمة بالطابع العملى فيما يتعلق بالمهن والأعمال فى شتى قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية . وفضلا عن ذلك ينبغى ان يكون التعليم التقنى والمهنى بالمعنى المقصود هنا :
(أ) جزءأ لا يتجزأ من التعليم العام .
(ب) سبيلا للالتحاق بقطاعات مهنية والمشاركة الفعالة فى عالم العمل .
(ج) وجهأ من أوجه التعليم مدى الحياة والإعداد للمواطنة المسؤولة .
(د) أداة لتعزيز التنمية المستديمة السليمة بئيا .
(هـ) طريقة للتخفيف من وطأة الفقر والبطالة .
كما ركزت منظمة اليونسكو فى إطار تحديد أهداف التعليم التقنى على توضيح التطورات المرتقبة " نظرأ لضخامة التطورات العلمية والتكنوولوجية والاجتماعية والاقتصادية الجارية أو المرتقبة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإنه ينبغى للتعليم التقنى والمهنى أن يكون عنصرأ أساسيا فى العملية التعليمية فى جميع البلدان، مع ضرورة إلغاء الحواجز القائمة بين مختلف أنواع ومراحل التعليم ومجالاته، وبين التعليم التقنى وعالم الأعمال، وبين المدرسة والمجتمع وذلك من خلال ما يلى :
الدمج الملائم للتعليم التقنى والمهنى فى كافة مستويات التعليم .
القضاء على كافة أشكال التمييز بين أنواع التعليم .
إنشاء بنى تعليمية مفتوحة ومرنة .
مراعاة احتياجات الأفراد التعليمية وتطور المهنوالوظائف والاعتراف بالخبرة العملية باعتبارها جزءأ من عملية التعلم .
تحسين نوعية الحياة من خلال إقامة ثقافة للتعلم تمكن الأفراد من توسيع أفقهم الفكرى، واكتساب مهارات ومعارف مهنية وتحسنها باستمرار والمساهمة الإيجابية فى المجتمع بهدف استخدام ثمار التقدم العلمى والاقتصادى والتكنولوجى من أجل الصالح العام .
وبناء على كل ذلك أتخذت التوصية فى الجلسة العامة رقم (19) بتاريخ 2 نوفبر 2001 للعمل على تطوير وتحسين االتعليم التقنى والمهنى، وذلك بدعوة كافة الدول الأعضاء باتخاذ جميع الأجراءات التشريعية أو غيرها من التدابير اللازمة لوضع المبادئ المنصوص عليها فى هذه التوصية . موضع التنفيذ فى أراضيها (2).
وقد سارعت عدد من الدول العربية فى وضع هذه التوصية موضع التنفيذ ففى سلطنة عمان على سبيل المثال، انشأت المديرية العامة للتعليم التقنى، واعتبرت ان التعليم التقنى هو أحد مكونات منظومة التعليم العالى، ولكنه يختلف في غاياته وأهدافه عن التعليم العالي الجامعي . ففي حين يهتم التعليم الجامعي بالجانب النظري وإجراء البحوث العلمية ذات الطابع النظري في المقام الأول، يركز التعليم التقني على التطبيقات العملية والتعامل مع التكنلوجيا وطرق ووسائل إدارة وتشغيل المنظومات وتصنيع الأدوات والمعدات وكيفية الإستفادة منها في كافة المجالات، كما يهتم كذلك بالتطبيقات العملية للإكتشافات التكنلوجية ومجالات استخدامها إضافة لتطوير الموجود منها.
وينعكس هذا الاختلاف في المناهج وطرق التدريس الملائمة لكل منها، إذ يركز التعليم التقني على التدريب التطبيقي أكثر من التعليم النظري، ولذلك نجد أن برامج التدريب التقني تتضمن عموما على قدرمرتفع نسبيا من التدريب في الورش والمختبرات وعلى التدريب لفترات أطول في مواقع العمل من المصانع والشركات والمؤسسات لإكتساب الخبرات العملية من خلال التطبيق الميداني وإجراء المشاريع التطبيقية. وقد حصل هذا التباين لسد الحاجة في سوق العمل على القوى العاملة التي يتطلب منها ان تمتلك كفاءات ومهارات تطبيقية وتقنية مع القدر الملاءم من المعارف النظرية للتمكن من التعامل مع التكنلوجيا بمختلف اشكالها، ولذلك فان وجود برامج تعليم عالي جامعية وأخرى تقنية لها مسميات متشابهة لا يعني أنها متطابقة وخاصة من جهة غاياتها وأهدافها ومخرجاتها من الكفاءات والمهارات وفرص عمل الخريجين في سوق العمل، ويوجد حاليا سبعة كليات تقنية في مختلف المناطق أحدها كلية تقنية عليا تمنح شهادة البكالوريوس التقني وهي الكلية التقنية العليا بمسقط .
وفى العراق انشأت هيئة للتعليم التقنى استطاعت ان تقيم أكثر من 10 كليات تقنية و25 معهد عالى فى مجالات الصناعة والطب والزراعة، وهكذا الأمر فى السودان والجزائر وسائر البلدان العربية تم الأهتمام بالتعليم التقنى والتوسع فيه وتطويره، ولكن فى مصر اقتصر الأمر على الخلط بين التعليم "الفنى" والتعليم "التقنى" إلى ان تنهت الدولة أخيرا لضرورة الفصل بينهم وقررت عمل وزارة خاصة للتعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى عام 2015 .
وكى نوضح صورة الواقع الراهن للتعليم التقنى فى البلدان العربية يجب أن نبدأ بصورة المنظومة التعليمية وأهمية التعليم التقنى فيها وبصفة خاصة التعليم الصناعى حيث تصل نسبة تلاميذ التعليم الأساسي إلى إجمالي السكان في معظم الدول العربية إلى نحو الخُمس ، مما ينم عن معدل قيد مدرسي عال ( في ضوء ارتفاع نسبة صغار السن فى الهيكل العمري للسكان ) ومعدل استيعاب عال نسبيا للأطفال في المرحلة العمرية المناظرة (6- 15 سنة) وفى مقابل هذا ( الإنجاز الكمي ) نلاحظ التواضع الشديد في مستوى التحصيل المدرسي لتلاميذ المدارس الحكومية ، لأسباب متعددة :( ارتفاع كثافة الفصول ، سوء حالة المباني المدرسية، عدم التأهيل التربوي لقسم من المدرسين، عدم توفر التجهيزات الكافية، طريقة التعليم التقليدية) ..ويلاحظ بصفة خاصة انخفاض مستوى اكتساب مهارات التعليم الأساسية والتي تؤهل التلاميذ للتعامل البناء مع المحيط الطبيعي الاجتماعي .
واذا كان "من المعلوم وفق المعايير الدولية ان استكمال مرحلة التعليم الاساسى لا يكفى لتأهيل التلميذ للتعامل مع المحيط الطبيعى – الاجتماعى، وانما يعتبر استكمال مرحلة التعليم الثانوى شرطا لتحقق الحد الادنى لهذا التعامل، فان من الملاحظ وفق الابحاث الميدانية ان ( الطالب فى المجتمعات العربية – بما فيها مصر – الى ان ينتهى من الدراسة الثانوية يقضى حوالى 5000 ساعة فى تعلم مادة العلوم سواء من خلال الدراسة او التحضير فى المنزل ، ولكن لا يترتب على كل هذه الساعات الدراسية اكساب الطالب مهارات التعلم الذاتى .. فقد اتضح مثلا ان الطالب لا يستطيع القيام باجراء تجربة معملية بسيطة بنفسه ما لم يكن قد اجراها من قبل" (3) وفى دراسة للدكتور . محمد عبد الشفيع يتساءل " إذا كان هذا يصدق على التعليم الثانوى العام ، فماذا عن التعليم الثانوى التقني ، وبالتحديد: التعليم الصناعى، بالتطبيق على مثال جمهورية مصر العربية.؟
تتبع الأنظمة التعليمية في الدول العربية النموذج القائم على الفصل بين المسار العام والمسار التقني أو (الفني) في المرحلة الثانوية؛ فكل منهما يخضع لتوجهات محددة تختلف عما يخضع له الآخر: حيث يقوم التعليم الثانوي العام في الغالب بالتهيئة للالتحاق بمرحلة التعليم العالي ( الكليات الجامعية والمعاهد العليا) من خلال الحصول على (شهادة الثانوية العامة) التي لا تصلح في حد ذاتها لتهيئة الحاصل عليها للالتحاق بسوق العمل، نظرا لأن المرحلة الثانوية في هذه الحالة لا تمثل مرحلة "منتهية". وينعكس ذلك على فلسفة التعليم الثانوي العام، ومناهج الدراسة، وموقع الحاصلين على شهادة إتمام التعليم الثانوي العام من منظومة الإنتاج والتشغيل (4) .
أما التعليم التقني، فإنه بصفة عامة يمثل مرحلة منتهية في معظم الدول العربية ( مع ملاحظة فتح قناة التعليم العالي جزئيا أمام بعض خريجي المسار الفني – التقني- بشروط معينة، في جمهورية مصر العربية مثلا وفي حدود نسبة 5% من أولئك الخريجين). وتكون وظيفة التعليم التقني على هذا النحو هي إمداد سوق العمل باحتياجاته من التخصصات المختلفة، من مستويات معينة للعمالة.
في جمهورية مصر العربية، يتبع (التعليم الفني) وزارة التربية والتعليم بصفة أساسية، حيث يضم حاليا نحو 1810 مدرسة فنية، يدرس بها قرابة مليوني طالب ( 1,9 مليون) ويذهب لسوق العمل من بينهم أكثر من 620 ألف خريج سنويا، حسب التقديرات الرسمية (5) .
العلاقة بين التعليم التقنى وسوق العمل : يشير د. محمد عبد الشفيع فى عدة دراسات مقدمة لمؤتمرات وندوات "منظمة العمل العربية" إلى ان سوق العمل يعانى من غياب تقنين مستويات العمالة الحرفية والصناعية عموما ، وتحديد مواصفاتها ومعاييرها، (تجربة تحوتى لتقنين وتنظيم الحرف والمهن) بينما تعاني مواقع الإنتاج من "نقص الجودة" لمدخلاتها البشرية التي هى مخرجات النظام التعليمي – التدريبي ، من زاوية المهارات اللازمة للفروع الإنتاجية. وفى النهاية يبدو غياب الترابط العضوي بين المنظومتين المذكورتين من مستوى (البحـث والتطوير) R&D كنشاط ينبغي أن يأخذ دفعته الضرورية، ماديا وبشريا، معرفيا وإنتاجيا ، بما يحقق نقله نوعية لمسـتوى ومعدل النمو الاقتصادي وتركيب الناتج المحلي الإجمالي .
يتصل بذلك أمر آخر ، أن المهارات لم تعد هي أيضا مركز الاهتمام فى بناء القوة البشرية، وإنماالقدرة على إنتاج المعرفة. وبالتالي فإن تكوين "المهارات" قد أخلى مكانه تدريجيا لتكوين المعرفة المرتبطة بالابتكار والإبداع.
ويتصل بذلك بناء منظومة (قيم) تحكم النشاط الاقتصادي، ومنها: المبادرة، والتعاون مع الآخرين، التفاعل الخـلاق فيما بين البشر المنتجين والمبدعين، ومن هنا يجيءالاهتمام بما يسمى (رأس المال الاجتماعي) الذي يعمل كقوة دافعة للعمل (المشترك) .
في عالم التكنولوجيا المتطورة،ينتقل مركز الاهتمام من التنفيذ والتشغيل إلى "التصميم" .. بدءً من تصميم أجهزة الحاسبات وانتهاءً بتصميم سلع الاستخدام النهائي البسيطة .. ويتطلب ذلك إعادة توجيه سياسات التعليم والتدريب، بتنمية القدرة على التصميم، المرتبطة بالقدرة على الابتكار، وعلى "البحث والتطوير" .
ومن جهة أخرى فإن تسارع وتيرة التطور التكنولوجي ، وخاصة من حيث ضيق المدى الزمني بين الابتكارات والاختراعات وبعضها البعض، وبينها وبين تطبيقاتها العملية، لذلك لم يعد أمام المتخصص فسحة من الوقت للانتقال من مجال إنتاجي إلى مجال آخر، مع كل تغير في طراز المنتج، وإنما أصبح من المتعين عليه أن يعمق تخصصه في المجال المحدد، وأن يرفع مستوى الجودة والدقة في الأداء .
كل هذا يؤكد أهمية العمل على تطوير التعليم التقنى من خلال رؤية جديدة تتبدى فيما يلى :
أ - الانطلاق من مفهوم جديد للتعليم التقني والتدريب المهني، يواكب القفزة العلمية – التكنولوجية العالمية. ومن هنا يجب إعادة النظر فى جميع المشروعات القائمة لتطوير التعليم التقني لمواكبة المعايير العالمية في مجال الجودة بالذات.
ب- تكوين فئة عريضة للتقنيين والمهنيين والعلميين، من خلال مشروعات وطنية كبرى للانطلاق العلمي – التكنولوجي فى مجالات محورية كالفضاء (تصنيع "الأقمار الصناعية" لأغراض البحث والبث) ، وتوليد الكهرباء من الطاقة الذرية (والاستخدامات السلمية الأخرى للطاقة النووية) والهندسة الوراثية، والمواد الجديدة، وعلوم الحياة والاتصالات. إن هذه المشروعات تعتبر بمثابة مدارس حقيقية لتكوين أجيال جديدة من الطلائع التقنية والمهنية .
ويرتبط التعليم الفنى وخاصة التعليم "التقنى" بإكساب المهارات الفنية والسلوكية وتأمين المؤهلات المطلوبة لإحتياجات سوق العمل بما يساعد على مواجهة الخلل الهيكلي بين العرض والطلب في أسواق العمل، وأرتقاء وتطوير هذا النوع من التعليم لا يؤدي إلى زيادة الإنتاجية فحسب بل يؤدي إلى زيادة الثقة بالنفس ورفع الروح المعنوية للعمال وتحسين الرضا الوظيفي ورضا المستفيدين من الإنتاج أو الخدمات بما يساعد على المنافسة في سوق العمل الداخلي والخارجي، كما يساهم تطوير التعليم "التقنى" في خفض تكاليف العمل والمحافظة على الأجهزة وصيانتها وتنمية الانتماء وتحقيق الذات والتكيف مع المتغيرات التكنولوجية وتحفيز العاملين وإكسابهم القدرة على البحث والتطوير وزيادة قابلية الإستخدام والترقية بما يساعد على زيادة فرص العمل (6) .
علاقة البطالة بالتعليم التقنى والفنى : دق البنك الدولي ناقوس الخطر بالكشف عن أن معدل البطالة في مصر تجاوز مستوى %25، فى عام 2015 في حين تقدره الحكومة بنسبة 13% فقط. وطالب البنك الحكومة المصرية باستغلال المساعدات المالية الخليجية لتوفير فرص عمل للشباب، وتعتبر البلدان العربية بصفة عامة من أكثر مناطق العالم فى ارتفاع معدلات البطالة، حيث أعلن المدير العام لمنظمة العمل العربية أحمد لقمان فى مؤتمر العمل العربى المنعقد بالكويت 19 أبريل 2015 أن أكثر من 30 % من البطالة في بعض البلدان العربية، أغلبهم من الشباب خاصة المتعلمين، جراء النزاعات ونقص الاستثمارات التي تساهم في تأمين الوظائف، وأن المتوسط العام للبلدان العربية بلغ 17% وهذه النسبة تصل إلى ثلاث أضعاف معدل البطالة فى العالم، وأضاف أن عددا كبيرا من حملة الشهادات لا يتمكنون من إيجاد عمل لأن اختصاصاتهم غير مطلوبة في سوق العمل خاصة فى القطاع الخاص (7).
وفى مصر تشير التقديرات المتاحة من واقع النتائج النهائية لدورات بحث العمالة بالعينة بالجهاز المركزى للتعبئة العامة الى ان الحاصلين على الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة والاقل من المستوى الجامعى يشكلون حوالى 80% من اجمالى المتعطلين على مستوى الجمهورية (8) .
وهناك أسباب عديدة لارتفاع معدلات البطالة فى مصر، السبب الاول هو عدم ملاءمة المستوى النوعي لاحتياجات سوق العمل او انهم (دون المستوى) من وجهة نظر اهم الفاعلين الرئيسين فى السوق( قطاع الاعمال الخاص) لان هيكل ( تخصصات الخريجين لا يتوافق مع هيكل (متطلبات) سوق العمل او ان عرض المهارات لا يتفق مع الطلب عليها. فالتخصصات السائدة فى المدارس الثانوية الصناعية هى الى حد كبير التخصصات التقليدية( نجارة-كهرباء.. الخ) وهو ما لا يفى بالاحتياجات الناشئة للقطاع الخاص الصناعى، كما ان هناك سبب آخر لا يقل أهمية عن الأسباب السابقة وهو تزايد نسبة مشاركة الشباب فى الاقتصاد غير الرسمى لارتفاع الفوائد والحريات فى هذا الاقتصاد، عن ضوابط وأجور الاقتصاد الرسمى .
آفاق التطور للتعليم التقنى : قامت جهات عديدة بدراسات عن أهمية العمل على تطوير وتحسين التعليم بصفة عامة والتعليم التقنى والفنى بصفة خاصة مثل المجالس القومية المتخصصة، والمجلس القومى للتعليم والبحث العلمى والتكنولوجى، وقد لخص د . عبد الشفيع بعض التوصيات التى خلصت إليها هذه الجهات فيما يلى :
أولا: تطوير هيكل التخصصات للتدريب الصناعي ، من منظور التطور التكنولوجي و خاصة تطور تكنولوجيا الإلكترونيات .
ثانياً : وضع سلم للتعليم التقنى والفني والتدريب المهني يحدد أهداف ومواصفات خريجيه ومسمياتهم فى كافة المراحل والمستويات التعليمية .
ثالثاً : وضع وتطبيق المواصفات القياسية للمهن المختلفة والمستويات الوطنية للمهارة، و تفعيل الاختبارات القياسية لأدائها ، وفق المعايير العالمية المعترف بها، مع مراجعة هذه المواصفات والمستويات دورياً لتطويرها بما يتلاءم مع المتغيرات التكنولوجية الدولية .
رابعاً: تحقيق الترابط بين مواقع الإنتاج الصناعي المتطورة وبين مواقع التعليم التقنى والفني والتدريب المهني ، وإتاحة فرص التدريب الحقيقي في هذه المواقع .
خامساً : مشاركة قطاع الأعمال الخاص في تمويل التعليم التقنى والفني والتدريب المهني، وفق صيغ منظمة وذات طابع تعاقدي بما في ذلك عقود التلمذة الصناعية .
سادسا : تفعيل المجلس الأعلى لتنمية الموارد البشرية، بوصفه الجهة الناظمة لمجمل النشاط التدريبي في البلاد، وفق استراتيجية معلومة وواضحة المعالم وقابلة للتنفيذ الفعلي، لخدمة العملية التنموية في الأجل الطويل (9) .
كما ناقشت منظمة العمل العربية فى عديد من المؤتمرات والندوات القومية محاور هامة يمكن الاستفادة منها فى تطوير وتحسين التعليم التقنى مثل :
]1[ إنشاء نظام للمؤهلات يدعم مبدأ التعليم المستمر :• وذلك ببناء نظام للمشاركة في إتخاذ القرار بين رجال الأعمال وأجهزة التدريب والأطراف المعنية الأخرى على المستوى القومي والقطاعي والمحلي، من خلال بناء مستويات مهارة قومية وآلية لإدارتها وإعتماد مؤهلاتها وأجهزة التدريب ومخرجاتها تسمح بتطوير الأفراد على مدي سنوات حياتهم العملية وِفق قدراتهم وظروفهم .
]2[ إنشاء نظام تعليم تقنى وفني وتدريب مهني موجه للطلب بسوق العمل : لتيسير الدعم الفني لأصحاب الأعمال والشركات لتحديد احتياجاتهم التدريبية وربطها بخطة تطوير المنشأة مما يحقق الشراكة بينهم وبين جهات التدريب، مع ضرورة إقرار نظام مالي وإداري لمؤسسات التعليم والتدريب يتيح تعظيم عائد خدماتها في تطوير إمكاناتها .
]3[ إنشاء إطار قانوني ومؤسسي لأنظمة التعليم التقنى والفني والتدريب المهني .
]4[ تطوير وتحديث عناصر العملية التعليمية والتدريبية : من خلال رفع كفاءة الإدارة التعليمية والتدريبية، تطوير وتحديث المباني والتجهيزات والمساعدات التدريبية، تطوير وتحديث المناهج وأساليب التدريب لمواكبة احتياجات سوق العمل، إعداد وتدريب هيئات التدريس والتدريب تربوياً وفنيا، • رفع كفاءة أخصائيو التوجيه المهني ، تطوير وتحديث أساليب متابعة وتقييم التدريب، تنويع مصادر تمويل التعليم الفني والتدريب المهني .
]5[ تطوير سياسات التشغيل في الوطن العربي : بالعمل على توجيه سياسات الاستثمار والسياسات المالية والنقدية والتجارية في الوطن العربي بما يعزز الطلب على العمل، دعم وتشجيع المشروعات الصغيرة وربطها بالمؤسسات الكبرى، مع ضرورة وضع الأُطر التشريعية لتحفيز دخول القطاع الخاص في مشروعات التعليم التقنى والفني والتدريب المهني وخدمات الإستخدام والإستثمار فيها، مع دعم مشروعات تأهيل العمالة للمنافسة على فرص عمل حقيقية بالأسواق الخارجية.
]6[النهوض بالتشغيل في القطاع غير المنظم من خلال التدريب والتسويق والابتكار والتمويل، و تشديد عمليات التفتيش وزيادة التقيد بتشريعات العمل ، والأهم من كل ذلك ضرورة السعى لتقنين وتنظيم الاقتصاد غير الرسمى ودمجه فى الاقتصاد القومى بتيسير ةتبسيط أجراءات الترخيص لهذ المشروعات التى تصل إلى أكثر من 50% من حجم الاقتصاد الوطنى فى مصر .
]7[زيادة كثافة استخدام الأيدي العاملة العربية في المشروعات العامة، وتعزيز الحوار الإجتماعي وزيادة العضوية في المنظمات العمالية ، التوسع في تشغيل المرأة (10) .
وتجدر الأشارة إلى ان هناك تطورات مزهلة تطبيقا للنظريات العلمية المتسارعة استنادا إلى تكامل وتضافر مجموعة التكنولوجيات الحديثة (التكنولوجيا الحيوية، تكنولوجيا المعلومات، تكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا العصبية) تتطلب تطويرا موازيا التعليم التقنى حيث :
• سيكون التحدي الرئيسى للمؤسسات والدول فى السنوات القادمة هو البحث عن المواهب
• وربما تحدث حروب من أجل الوصول للمواهب، فالموهبة والقدرة على الابتكار ستكون المحرك الرئيسى للميزة التنافسية، محرضة الدول على تطوير التعليم، والأفراد على البحث عن التعليم الجيد، ستفتح مجالات أوسع لانتقال المواهب عبر الدول .
• وهناك فرص لصناعات "التعهيد" والعمال المهرة فى سياحة الفضاء، وسيكون التنافس بين القوى العاملة والروبوت كبير، حيث سيكون %60 من القوى العاملة من الروبوت، و%90 من العاملين بالمنازل مزودة بالروبوت .
وستكون أزمة القوى العاملة في نقص العمال المهرة خاصة فى تقنيات الطب العصبى واستزراع الأعضاء، والعاملين فى مجالات النانو تكنولوجيا، والبرمجيات، وتطوير شبكات التواصل الاجتماعى، وتكنولوجيات طب اطالة العمر من خلال التعامل مع الخلايا الجزعية، وتكنولوجيات غزو الفضاء، وسوف تتضافر تكنولوجيات حديثة وتخلق الطلب على أعمال ووظائف جديدة، وستكون القدرة على التحقق الذاتى واختيار المصير وتحديد مجالات التخصص للأفراد كبيرة جدا.
أخيرا نود التأكيد على إن التوجه للمستقبل يحمل معه آفاق واسعة للأجيال القادمة، وإمكانية تحديد واختيار مصيرهم، من خلال امتلاك أدوات هذا التقدم العلمى المتسارع، لا وقت لتضيع الفرصة، من يمتلك القدرة على التعامل مع هذا التطور بما يتيحه من التحقق، واكتساب المهارات فسوف تنفتح أمامه الحياة بالعمل الجاد، حتى يكون لنا مكان فى خريطة هذا المستقبل الواعد .
المراجع
ــــــــــــ
1. المهندس أحمد مصطفى . منظومة التعليم والتدريب التقنى والمهنى وتزايد دورها فى تنمية التشغيل . ورقة مقدمة للندوة القومية حول تنمية وتطوير منظومة التعليم المهنى والتقنى . عمان 25/ 25 سيبتمبر 2013 .
2. : قرارات وتوصيات منظمة "اليونسكو" سجلات المؤتمر العام الدورة (31) عام 2002 .
3. د. محيا زيتون ، التعليم العربى وتحديات المستقبل ، ورقة مقدمة لورشة العمل بالجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ، القاهرة ، 9 –3-1998، ص 2.
4. د . محمد عبد الشفيع . العلاقة بين منظومة التعليم التقنى والتدريب ومؤسسات الإنتاج "البحث والتطوير" فى الدول العربية . منظمة العمل العربية .
5. د . محيا زيتون، مرجع سابق .
6. د . ﻢ-;- / محمد صبري الشافعي . واقع وآفاق التعليم الفني والتدريب المهنى . يونيو 2005
7. المصدر: "ا ف ب" .
8. المركز الديموجرافى بالقاهرة ، بيانات عن المتعطلين وقوة العمل (سنوات متفرقة ) وانظر ايضا :د. عبد اللطيف الهنيدى ، سوق العمل فى مصر والعوامل المؤثرة فيه ، ورقة مقدمة الى ندوة ( فرص العمل والتكنولوجيا فى المشروعات الصغيرة)،معهد التخطيط القومى، 13-15 ديسمبر 1998،جدول رقم 4، ص 15.
9. المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى والتكنولوجيا ، التقرير المقدم عن الدورة الحادية والعشرين( سبتمبر 1993-يونيه94)،ص115-155.
10. موقع منظمة العمل العربية من خلال تتبع المؤتمرات والندوات القومية التى تغقدها المنظمة سنويا .

تكوين فئة عريضة للتقنيين والمهنيين، من خلال مشروعات وطنية كبرى للانطلاق العلمي – التكنولوجي فى مجالات محورية كالفضاء تصنيع "الأقمار الصناعية" ، وتوليد الكهرباء من الطاقة الذرية، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والهندسة الوراثية، والمواد الجديدة، وعلوم الحياة والاتصالات.



#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسلمون والديمقراطية
- دور التقدم العلمى فى حل مشكلات التنمية - رؤية متفائلة لمستقب ...
- دور التقدم العلمى فى حل مشكلات التنمية المستدامة رؤية متفائل ...
- دور التقدم العلمى فى حل مشكلات التنمية المستدامة رؤية متفائل ...
- حال الرواية المصرية الآن
- دور التقدم العلمى فى حل مشكلات التنمية المستدامة رؤية متفائل ...
- دور التقدم العلمى فى حل مشكلات التنمية المستدامة رؤية متفائل ...
- قراءة نقدية للقواعد المنهجية لدراسة التراث
- خروج العرب من التاريح 2 من 2
- خروج العرب من التاريح 1 من 2
- جدل الهوية والنهضة (البحث + المراجع) 3 من 3
- جدل الهوية والنهضة (البحث + المراجع) 2 من 3
- جدل الهوية والنهضة (البحث + المراجع) 1من 3
- جدل الهوية والنهضة
- القواعد المنهجية للبحث في التراث (الدراسة كاملة بالمراجع)
- القواعد المنهجية للبحث في التراث 3 من 3
- القواعد المنهجية للبحث في التراث 2من 3
- القواعد المنهجية للبحث في التراث 1 من 3
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر
- العقل الأخلاقي العربي


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - فتحى سيد فرج - التعليم التقنى الواقع وآفاق التطور