أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - غواية الكذب في حديث الترللي














المزيد.....

غواية الكذب في حديث الترللي


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 15:08
المحور: الادب والفن
    


غواية الكذب في حديث التراللي
د. أبو الحسن سلام
للكذب سحره على ألسنة الكذابين وسحره في آذان السامعين ؛ لأنه اختلاق ؛ وكل اختلاق محط اهتمام الناس في كل مكان وزمان ؛ فالناس يحبون الفرجة على كل عجيب وغريب سواء عن طريق السمع أو عن طريق المشاهدة ؛ ولا غرابة إذا قلنا إنه ما من فن أو أدب إلا ويقوم على الاختلاق ؛ وكلما توهجت الكذبة في الصورة الفنية والأدبية كلما ازداد سحرها وازدادت غواية الاستماع إليها . ومن الغريب أيضا أننا لا نجد كذاباً واحداً غير جذاب فللكذاب جاذبية ما وخفة دم وحضور طاغ قادر على غواية الآذان ؛ ومن الغريب أن أهم خصائص الحكي يتمثل في قدرة الحكاء على تغليف حكيه بغلاف الانتحال الفني الذي لا يكون تأثير ما بدونه على المتلقي سامعا أو مشاهدا ذلك الانتحال القائم على تقنية التخييل بإيهام السامع بصدق ما يسمع من كذب !
ومع أن التعبير الفني والأدبي يقوم على عقد اتفاق ضمني بين الأديب أو الفنان وجمهور فنه أو أدبه على قبول المتلقي للصورة الإيهامية التي ينتجها المبدع ؛. إلا أن صدقها كامن في قدرتها على الإيهام . وإذا كان أكذب الشعر أصدقه - كما قيل- فبالمثل أقول : أكذب الحكي أصدقه !! وصدق التعبير الكاذب ليس صدقا بالمعنى الأخلاقي ؛ وإنما هو صدق فني ؛ يتحقق بقدرة المبدع على صنع حالة الاكتمال الفني في أسلوب حكيه ؛ وهذا ما تمكن مبارك بن شافي من تحقيقه في نسجية حكيه عن ( حديث التراللي ) .خاصة وأن عنوان الرواية يشف عن لا منطقية ما؛ ومن ثم يفقد مصداقيته عند السامع قبل أن يبدأ الحديث ؛ فكيف تمكن بن شافي من أن يقنعنا بصدق كذب وسيطه الروائي عندما يحدثنا !!
يبدأ الحكي في هذه الرواية على لسان السارد الأول : ( الكاتب نفسه ) دون أن يكون هو نفسه التراللي.
ولأن مبارك بن شافي شاعر من كبار شعراء ( القلطةالشعر الشعبي النبطي ) الذي يقوم على المعارضة الشعرية بين فريقين يقود كل فريق منهما شاعر في حالة تبار شعري ارتجالي بين شاعرين ؛ تقوم جوقة كل منهما بترديد مقاطع منغمة من شعره كنوع من التأييد أو التحميس ( التسخين والحض ) أو التفاخر بقدرة شاعرهم الارتجالية على دحض شاعرية منافسه ؛ وهو لون من ألوان الشعر الشعبي بين فريقين أشبه بالجوقة التراجيديا اليونانية عند أساطين المسرح الإغريقي. وتتجلى خبرة القاص هنا في روعة الاستهلال وانسياب الحكي ساريا كسريان تيار الماء على أرضية منحدرة :
" حدثني رجل لا أعرفه ولا أثق بروايته عن آخر لا تعرفونه ، قال : سمعت أحد الأشخاص يقول: سمعت جماعة يقولون: حدثنا أحد الكذابين قال : حدثني عابر سبيل قال: كنا نعيش في أطراف قرية عجيبة؛ تطل على بحر البدو؛ يحيط بها خندق عظيم ، له ثلاثة منافذ؛ يحرس كل منفذقبيلة من القبائل المجاورة، الأول تقوم بحراسته قبيلة المراحبة ؛ وهي قبيلة من أكبر القبائل في المنطقة، والثاني تحرسه قبيلة بني الفرزدق، والثالث تحرسه قبيلة الجبابرة ."
ولنا أن نلاحظ روعة الاستهلال في الصياغة المراوغة التى توظف العنعنة التى ينفي فيها القائل الذي لم يقل شيئاً بعد حتى ينفي نسبة ما لم يقل بعد لآخر جاء بعده ولم يأت قبله ؛ ليقوم بإزاحة حمل ما لم يقل هو بعد محاكاة لمن سبقه؛ وهكذا يفعل القاص أسلوب التكرار بصيغ متباينة تتصاعد من على لسان الفرد إلى الجماعة لتسلمها إلى ( أحد الكذابين) الذي يضع عهدة ما لم يقل بعد على لسان نكره ( عابر سبيل ) ينسب القول الذي حان أوان التصريح به إليه .... " قال : كنا نعيش في أطراف قرية عجيبة ..... "
هكذا غابت منذ بداية الحكي المقولة التي لم يتجرأ السارد الأول (الراوية القناع : الذي تتخفي (أنا القاص ) خلفه -. لتكشف من خلال روغان العنعنة السردية عن حمل عبء نسبة ما لم يقل بعد لأنا القائل بالتدرج تالتنازلي ؛ لمكتشف في نهاية التقديمة السردية ما استشف في الجملة الأولى " حدثني رجل لا أعرفه ولا أثق بروايته .. " من البداهة أن الإنسان لا يصدق من لا يثق به الكذب يفوح من أول جملة ؛ وهذا وحده كفيل بغواية السامع ليواصل متابعة الحكاء ؛ هكذا بتفعل تقنية التشويق فعلها في الإمساك والمتلقي من أذنيه ؛ فلا يستطيع الفكاك من غواية الكذب .
فإذا كان من البدانة أن المرء لا يصدق قول من لا يعرفه وهو المعنى المسكوت عنه في الجملة الأولى التي استهل بها السارد الأول؛ فما هي حاجتنا إلى الجملة التالية لها مباشرة في سرده:
" ولا أثق بروايته " هي للتوكيد كذب قول القائل قبل أن نعرف منه بعد ما قال !!




#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فساد الكتابة
- اللحن المسرحي بين الاقتباس وحرفية النقل
- المونودراما والفرجة المسرحية
- التفاعل الاتصالي المسرحي بين التوظيف الإبداعي والتوظيف العلم ...
- كتابات الدكتور أبو الحسن سلام بين أسئلة المنهج وفعاليات قراء ...
- ذاكرة المسرح في الأقاليم الثقافية
- الذكاء الصناعي بين الرخاء السلبي والرخاء الاختكاري
- حيوات النص المسرحي في مفترق قراءات بن زيدان النقدية
- المسرح وصورة الوصايا السبع بين الوعي التراثي والوعي الحداثي
- المسرح المقارن والكتابة الدراماتورجية
- نهار اليقظة في المسرح المصري
- القراءة الطفولية لشهرزاد
- النموذج الصراعي والنموذج المقاوم في الشخصية المسرحية
- الفاعل السينوغرافي في فن التمثيل
- نظرية المسرح - قراءة وقراءة مضادة -
- هوية التعبير
- التعبير الحركي وإنتاج الدلالة
- مدخل لورشة كتابة مسرحية
- رجل من طينتنا
- الطاقة النغمية لألحان سيد درويش وعلاقتها بالطاقة التعبيرية ل ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - غواية الكذب في حديث الترللي