أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - المأزق العربي الأميركي المتبادل















المزيد.....

المأزق العربي الأميركي المتبادل


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1345 - 2005 / 10 / 12 - 10:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الولايات المتحدة في مأزق في العراق: لا تستطيع أن تنتصر ولا يمكن أن تنهزم. هذا الوضع يفتح أبواب العراق والمنطقة على أفق أشد مأزقيه وخطرا هو الدمار. لا تسمح الولايات المتحدة لنفسها أن تنهزم، ولا تسمح لها أوربا ودول عربية بذلك، لا لأن من شأنه أن "يشجع القاعدة والكثير من الجماعات الإرهابية الأخرى على تنفيذ المزيد من هجماتها في العراق" كما قال الرئيس بوش في كلمة ألقاها في 21 أيلول المنقضي، بل لأنه سوف يعني نصرا لجماعات معادية للسياسة وللدور الأميركيين في المنطقة والعالم، وسوف يجرّئ جماعات أخرى في منطقتنا وفي أنحاء أخرى من العالم على تحدي الأميركيين. أي أن هزيمة الأميركيين قد تطلق مفعول دومينو لتراجع النفوذ الأميركي في "الشرق الأوسط" وربما ما وراءه، مفعولا رغب الأميركيون أن يحوزه نجاحهم في غزو العراق وتحديث نظام الحكم فيه. ثم إن الولايات المتحدة قادرة على تدفيع غيرها ثمن ورطاتها ومآزقها، ما يغريها بتجريب ممارسة مزيد من القوة سعيا وراء استجلاب النصر. فإن استحال عليها أن تنتصر فلن تترك أحدا ينتصر غير الدمار. شيء شبيه بما مارسته في الهند الصينية، فيتنام وكمبوديا ولاوس. تركت المنطقة لدمار لم تشف منه بعد.

لقد دخلت أميركا صراع حياة أو موت مع آخر تجسدات أو أسواء تجسد (انمساخات) الحركة القومية العربية، في أفغانستان وفي العراق، وربما في سوريا، وهي ستخرج دون هزيمة لكن بخيبة عميقة، بعد أن تكون حطمت المنطقة، وفتحت كيس العقارب الطائفية والإثنية التي كان مزيج من العروبة والدكتاتورية يضبانها.
قد يبدو غريبا اعتبار الصراع مع القاعدة استمرارا للصراع مع القومية العربية. لكنه كذلك في رأينا. فالقاعدة تحول فرانكشتايني للقومية العربية بعد إلحاق الهزيمة بها على يد الأميركيين أنفسهم وشجاعهم الإسرائيلي، وبعد رعاية الأميركيين أنفسهم لتيارات إسلامية متنوعة ودفعها لمقاومة الحركة القومية الاستقلالية في بلاد عربية عديدة وضد احتلال "العدو الشيوعي الكافر" لأفغانستان في أواخر سبعينات القرن العشرين. إن أسامة بن لادن هو بديل جمال عبد الناصر والآخذ بثأره، حتى لو أن الإرهابي الوهابي السعودي معاد لرجل الدولة القومي العربي المصري. وكما كان "المسيح انتصر لأن سبارتاكوس هزم"، فقد ظهر الشيخ أسامة لأن عبد الناصر سحق. لقد حل اللاعقلاني مكان العقلاني، والمنظمة محل الدولة، والإسلامية التي لم يتح لها أن تستوعب الحداثة وتستوعب فيها محل العروبة التي تعرضت للتحطيم السياسي والتشويه والتبخيس الثقافي. ما انفك الأميركيون يخوضون الحرب السابقة ضد الحركة القومية العربية المستقلة، متسببين بأزمة هيمنة عميقة في المنطقة وبفراغ سياسي ثقافي سينالون قبل غيرهم لسعاته.
سيكون إلحاق الهزيمة بهذا المسخ الفرانكشتايني أصعب من إلحاقها بالنموذجين البعثيين للحركة القومية العربية الذين نجحا في بناء أسوار من العزلة حولهما، في مواجهة مجتمعيهما وفي مواجهة العالم. لكن الهزيمة السهلة لهذين ليست نصرا. إذ يكشف المثال العراقي قانون قصور حراري غير متوقع: تحطم عدوك بسهولة، لكنك تتخبط طويلا في حطامه. وحين يزول نظام صدام الاستثنائي فإن ما ينبعث ليس الديمقراطية، بل "القاعدة". وبدلا من عدو يرتدع ثمة الآن عدو لا يرتدع، والقليل من عقلانية نظام صدام أخلى المجال للاعقلانية بلا حدود.
هذه لعبة لا نصر فيها. "القاعدة" لا يمكن أن تنتصر ولا تسعى وراء شيء غير العدم. والنصر الأميركي مستحيل رغم سهول الإطاحة بنظام طالبان والبعث العراقي بسبب الإفرازات المنبعثة من جثة النظامين. هذا مرة أخرى ما يجعل دمار المنطقة هو الأفق الأرجح للمشروع الأميركي فيها.
لكن لماذا يستحيل على اقوى دولة في العالم أن تنتصر على خصوم اضعف منها عسكريا بكثير؟ للسبب ذاته الذي يجعل انتصار القاعدة وبعث ما بعد السلطة مستحيلا: التطرف. تطرف البرنامج الأميركي وكونه، في الجوهر برنامجا للهندسة الاجتماعية والجيوسياسية، مفرط الطموح ومفرط اللاعقلانية في آن معا، كبير الجسم والهيكل وصغير الرأس والقلب معا. مفهوم الأميركيين للنصر هو أن تكون لهم السيادة العليا في المنطقة دون اعتراض، وان يتقبل العرب أن تكون اليد الإسرائيلية هي العليا أمنيا وعسكريا، وان يتخلوا عن أية أفكار عروبية، مقابل أن ينالوا ديمقراطية مبسترة، مجردة من تطلعات الحرية والسيادة على الذات والمطامح الحضارية. هذا برنامج متطرف وغير عقلاني، بل وعنصري، يحافظ على كل ما اختصمت الحركة القومية الاستقلالية مع الأميركيين من اجله دون أي تعديل. وهو برنامج لا يتوافق مع مقتضيات العدالة والاستقرار في المنطقة، ويصعب على أي ديمقراطيين ووطنيين عقلانيين قبوله.
وهو بعد برنامج يصعب ألا يستثير مقاومات عنيفة. وبقدر ما تواجه هذه المقاومات بجدار المستحيل الذي هو القوة الأميركية المتفوقة، فإنها ستتحول نحو الإرهاب الأعمى، فإن تعذر عليها ذلك أو سحق هذا الإرهاب ذاته سار المجتمع على طريق الانحلال والتفسخ. وهو شكل ليس أقل كلفة على العالم: هجرات، نزاعات مستمرة، فوضى. بهذا، أي بتحولها إلى عبء، تحقق مجتمعات سحقت مقاومتها انتقامها من الغزاة.
هل هذا هو النصر الذي يسعى إليه الأميركيون؟ هذه ثمرة سياستهم وحروبهم بالتأكيد. وهي سياسة متطرفة وشديدة العدوانية.
ولعله ذو دلالة على التطرف أن أكبر شعوب "الشرق الأوسط"، العرب، بصفتهم هذه، غير ممثلين في خطط "الشرق الأوسط الجديد"، ولا يحتلون فيه غير موقع الشيطان. العرب موجودون كمفهوم لماضي المنطقة الاستبدادي، المتعصب، والمولد للإرهاب الذي ينبغي التخلص منه، أما في الخطط والترتيبات السياسية العملية فهناك شيعة وسنة ومسيحيون وأكراد...إلخ. إن الشرق الأوسط الكبير هو شرق أوسط بلا عرب، وبالخصوص بلا عروبة. والعرب بلا عروبة هم إثنية شرق أوسطية توجد، شبه نقية، في الجزيرة العربية. ثم إن نزع العروبة لا يسفر عن سوريا مستقلة وعراق مستقل ولبنان مستقل.. بل فقط طوائف وعشائر وإثنيات متناحرة مثل الكلاب المسعورة.
مثل أنظمة عربية كثيرة الأميركيون قادرون على إلحاق الهزيمة بأعدائهم، لكنهم عاجزون عن النصر. وهذا لأنهم لا يقترحون على شعوب المنطقة شراكة حقيقية في الأمن والازدهار والكرامة. أي بالضبط لأن خططهم في المنطقة غير ديمقراطية، حتى لو انتحلت الديمقراطية راية قتال لها. بل إن انتحال شعار إيديولوجي كالديمقراطية بدل مفاهيم المصلحة وموازين القوى، وتوسل الحرب بدل التفاوض والبراغماتية، يشير إلى الطابع المتطرف للبرنامج الأميركي في المنطقة. فلطالما استصلح المتطرفون قيم زمنهم شعارات لمشاريعهم التوسعية أو الامبريالية.
الولايات المتحدة آخر قوة سوفييتية في عالمنا: الحماس الإيديولوجي ذاته، التعصب ذاته، والهندسة الاجتماعية الكلية ذاتها، والأممية ذاتها (لا حاجة بالولايات المتحدة إلى كومنترن، تقوم بوظائفه منظمة التجارة العالمية ومجلس الأمن وحلف شمال الأطلسي...). فكأن تمكنها من إلحاق الهزيمة بـ"امبراطورية الشر" قد كشف التماثل العميق بين السلطتين، فيما وراء اختلاف الحجب الإيديولوجية التي انتهى دورها. ويبدو أنها ستكلف العالم، و"الشرق الأوسط" بالتحديد، كلفة أكبر.
بالنتيجة مشروع الهندسة الكلية المسمى "الشرق الأوسط الكبير" هو بمثابة زواج بالإكراه، بل اغتصاب، لن تكون ثمراته غير مسوخ فتاكة، تفتك بالعرب لكن بالأميركيين ايضا.
على أنه لا مجال لمعارضة المشروع الأميركي بمشاريع فات أوانها، بما فيها عروبة الربع الثالث من القرن العشرين التي فقدت روحها الحداثية والعقلانية والعلمانية منذ عقود، واستسلمت لأنظمة تجمع بين الطغيان والفساد والفئوية. إن أقصى طموح هذه المشاريع هو أن يرضى عنها الأميركيون و"يجددون البيعة" لها.
هذا يجعلنا شركاء للأميركيين في المأزق. هم لا يستطيعون أن ينتصروا ولا يمكن أن ينهزموا، فيجدون في الدمار مخرجا؛ ونحن نلوذ بالإرهاب من مقاومة مستحيلة، فإذا انتصرنا تدمرنا بإرهابنا، وإذا انهزمنا تدمرنا بسيطرة أعداءنا.
هل هناك مخرج من هذا الشرط المأزقي؟ يمكن لأميركا أن تخرج من مأزقها بأن تتيح لنا مقاومتها. وبقدر ما إن إرهابنا متولد عن تعذر المقاومة، فإن مقاومة أميركا هي ذاتها ما تتيح لنا أن نقاوم الإرهاب. الأميركيون محتاجون لأن يدركوا أن فرص عقلنتنا أوثق صلة بتمكننا من مقاومتهم منها بفرض الخضوع علينا. باختصار، لا مجال لأن يخرج الأميركيون من الورطة إلا إذا خرجنا معهم. هذا ثمن الامبراطورية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو جامعة متقدمة وديمقراطية: المسألة الجامعية وقضية الطلاب ف ...
- أربع تنويعات على فكرة التسييس
- فحص الضمير الوطني السوري
- العقيدة والهوية ونزع العلمانية
- أخلاق بلا أخلاق
- أوجه اللاعقلانية في السياسة السورية
- لماذا لن ينجح تصدير الديمقراطية من أميركا للعرب؟
- تسمية الأشياء بغير أسمائها: الإعلام محصنا ضد الحقيقة
- خوض الحرب السابقة
- إصلاح سوريا ولبنان للإصلاح بينهما
- سياسة الفرط والبعثرة: إعادة احتلال الميدان العام في سوريا
- من أين يأتي التغيير؟ جدليات الداخل والخارج في -الشرق الأوسط-
- السيف والندى: تأملات سياسية
- في تضاعيف المسألة الإرهابية
- الإسلاميون ومبدأ الشرعية المتساوية
- علمانية في العالم الاجتماعي أم في عالم المثل؟
- علمانية وإسلامية وديمقراطية في السجال السوري
- حقائق وزير الحقيقة البعثي
- الانحلال حلا: تأملات لا عقلانية في الشرط العربي
- البعثية السورية: من الإرادوية إلى الإداروية


المزيد.....




- تحقيق لـCNN.. قوات الدعم السريع تطلق العنان لحملة إرهاب وترو ...
- ستتم إعادتهم لغزة.. مراسل CNN ينقل معاناة أمهات وأطفالهن الر ...
- أردوغان يريد أن يكمل -ما تبقى من أعمال في سوريا-
- استسلام مجموعة جديدة من جنود كييف للجيش الروسي (فيديو)
- عودوا إلى الواقع! لن نستطيع التخلص من النفط والغاز
- اللقاء بين ترامب وماسك - مجرد وجبة إفطار!
- -غباء مستفحل أو صفاقة-.. مدفيديف يفسر دوافع تصريحات باريس وب ...
- باشينيان ينضم إلى مهنئي بوتين
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 31819 قتيلا ...
- هل مات الملك تشارلز الثالث؟ إشاعة كاذبة مصدرها وسائل إعلام ر ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - المأزق العربي الأميركي المتبادل