أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العالي زغيلط - قراءة في رواية -عصر الطحالب-* للكاتب: كمال بولعسل















المزيد.....


قراءة في رواية -عصر الطحالب-* للكاتب: كمال بولعسل


عبد العالي زغيلط

الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 20:50
المحور: الادب والفن
    






في "بيت الأمير" كانت الطحالب تنمو في كل مكان وبمختلف الألوان وأنا لم يكن لدي سوى قدمين وطريق واحد بين المياه الآسنة والغدران.
كان زمن الفتنة الكبرى؛زمن الإغراء والزلل. ص74 من الرواية

ــــ تدور أحداث الرواية ،في ست وتسعين صفحة والمبوبة إلى ستة عشر فصلا،ضمن فضائين مختلفين،أحدهما مدينة باريس حيث استقر البطل في جامعة السربون من أجل دراسة الانتروبولوجيا أين ألتقى بصديقه "خالد" طالب النقد الأدبي والشاعر،كما التقى "سيمون" المهموم هو الآخر بالأدب،وأما الوجه الأنثوي فتمثله "كاترين" الجامعية والباحثة في علم النفس،والتي تعرَّفَ عليها أو تعرفت عليه.وتشغل لقاءات البطل وحواراته الوجه الآخر من الصورة التي ظهر بها في باريس.
في المقابل تمثل القرية ـــ في الجزائرــــ الفضاء الآخر العامر بأحداث أزمة التسعينات ،حيث اضطر البطل إلى الالتحاق بالجماعات الإسلامية المسلحة بعدما تعرض للتعذيب،وقُتِلَ والده وذاقت أخواته الإذلال،ولكن الحياة في الجبل مع الجماعات المسلحة كشفت له عن خواء المشروع "الأصولي"،وفراغ المنتسبين إليه،وانسداد الآفاق،فقرر رفقة مفتي الجماعة"يوسف"الانسحاب من العمل المسلح.
لا تحدثنا الرواية عن كيفية وصول البطل"نوار" إلى باريس وانخراطه في النشاط الأكاديمي،ولا عن كيفية تحوله من "إرهابي" مطارد في الشعاب والوديان والأدغال إلى باحث في الانتروبولوجيا.
تنتهي الرواية عندما اتجه نوار/الراوي إلى بيت "كاترين" ليخطبها من والدها (جورج)،والذي تشاء الصدف أن يكون قد شارك في حرب التحرير الجزائرية،وأنقذه جد الراوي (نوار) بعدما اكتشف رسالة من زوجته (زوجة جورج) توصيه فيه بأن لا يمشي في مؤخرة الجيش،ويعزو الراوي هذه المصادفة السردية إلى القدر.وبهذه العبارة تختم الرواية.
الراوي المشارك
إذا أغفلنا التشابه الهائل حد التطابق بين رواية "عصر الطحالب" لصاحبها كمال بولعسل،ورواية "أزهار الرصيف لا تجيب" للروائي الجزائري مالك حداد فإن رواية عصر الطحالب جاءت كمحاولة لقراءة سنوات الإرهاب في الجزائر من منظور الراوي المشارك في الأحداث ـــ أقول الراوي ـــ حيث تشكل الشخصية الرئيسية الراوي/البطل حجر الزاوية في البناء السردي،ويشكل الاسترجاع أداتها في هذا البناء،إذ ومن موقع مفارق زمنيا للحدث في تسعينات القرن الماضي حاول الراوي أن يعيد بناء وقائع سنوات الجمر التي أتت في الجزائر عصرئذ على الرطب واليابس، ومن موقع المشارك في الحدث/الأحداث روى لنا كيف انجرف،أو جُرِف إلى الهاوية السحيقة التي ابتلعت أبناء الجزائر،ومن موقع مفارق فضائيا (وجوده في باريس) حاول بتقنية الاسترجاع ترتيب الأحداث أين "كان عنفوان الشباب ينسحب في الشوارع والقرى ليستقر في أدغال الجبال القائمة حول البلدة كأبراج يلفها الضباب"[1]
لماذا حدث الذي حدث؟
الإجابة التي يتبناها الراوي لا تشبع نهم القارئ،فليس ما حدث "في هذا الوطن هو صوت ارتطام الدولة بعد انقطاع حبل السماء" على الرغم من شعرية العبارة ورمزيتها في الآن نفسه،لأن حبل السماء يومذاك كانت تتجاذبه الأهواء.
إن الوقائع والتفاصيل الصغيرة التي جاد بها الراوي هي التي شكلت ،في تقديري،الإجابة عن السبب الذي حوَّل بلدا بحجم الجزائر إلى خرائب تنعق فيها غربان الموت من كل جانب،فعندما يصبح تلميذ في الثانوية جاسوسا يتسقط الكلمات،ويؤولها قصد الوشاية ،والإيقاع بخصومه مستخدما عصا الدولة ،فإن التفسير سينصرف إلى مفهوم الدولة وليس إلى حبال السماء التي تتعلق بها الدولة،أو أوتاد الأرض التي تمنعها أن تميد.
فمن بين التفاصيل الصغيرة التي تتعاضد، والتي برع الراوي في تصويرها، هي تلك البساطة والسهولة التي تؤخذ بها أرواح البشر،وتصادر أرزاقهم،إذ لم يعد ثمة منطق يحتكم إليه الناس غير منطق القوة،الذي يختصر في عبارة "من ليس معي فهو ضدي"،هذا المنطق تؤكده الصورة المأساوية التي يتذكرها الراوي ،وهي لوحدها كافية لإدانة العنف مهما كان مصدره؛"تذكرت في هذه السنوات المبكرة للحرب حيث اختار كل الناس معسكرهم،تلك الأم التي أفاقت ذات يوم على جثتيْ ولديها واحدة قادمة من الجبل والأخرى حلت بالبيت صندوقا ملفوفا في العلم الوطني،محمولا على أكتاف الجندرمة،لم تستطع البكاء لأن الجنون باغتها"[2]
إن منطق المغالبة هذا هو ما لاح من عيون "معاذ" صديق البطل/الراوي،وأحد أفراد الجماعات المسلحة،حيث جبَّه "نوَّار"ـــ المتدين بالفطرة والثقافة معاـــ بالقول:"أنت ترفض الجهاد إذن هذه كبيرة من الكبائر"[3]
وواضح من الصيغة الشرطية التي بنيت بها الجملة،أن الخيار أمام منطق القوة المتبنى باسم الجهاد يتحول إلى تكفير مبطن عنوانه ارتكاب الكبيرة.
في مقابل هذا المنحى الجاذب للعمل المسلح،هناك منحى آخر عمل بوعي منه أو بغير وعي إلى الدفع بالبطل/الراوي (نوار) أن يتبنى العمل المسلح؛ففي لحظة اختيار (نوار) الحياد كان القدر المُسَيَّج بالعنف من كل جانب يترصده وعائلته،فمع أن شاحنة نقل أثاث البيت ومغادرة القرية قد اختارت"طريق الجندرمة لأنه رغم بطشه وجبروته لا يرغمك على ملء الكؤوس الأربعة"[4] [في إشارة إلى قطع أربعة رؤوس] فإن هذا الدرب هو الذي أدى في النهاية بنوار إلى أن يكون إلى جانب أمير الجماعة المسلحة،فها هو الطريق الذي ظنه أقل سوءا يدفع به إلى أن يكون إلى جانب الجماعات المسلحة،إذ سهلت الشتائم،وألوان العذاب التي ذاقها على يد الجندرمة سهلت اقتناصه من قبل الجماعات المسلحة وأعطته مبررا كافيا لأن يكون ضد الدولة التي تسوم مواطنيها سوء العذاب وتعاملهم بمنطق:أنت متهم حتى تثبت براءتك: "أصمت أيها الكلب المنبوذ،ملأت عقول تلاميذ الثانوية بأحاديث الجهاد وأحاسيس الحقد على الدولة والنظام ،ستلقى العذاب الأليم...أنت خطر داهم على البلاد وأمنها،لا بد من استئصالك،أنت ووالدك"[5]
هذه الوقائع بمأساويتها ربما هي ما يفسر أن الدولة لم تقطع يومذاك الحبل لأنها لم تكن موجودة بالمرة،أو أن الجانب الذي يحترم فيها كان مفقودا.
الفضاء:
صحيح أن عنوان الرواية يحيل على الزمان؛ "عصر الطحالب" إلا أن الإطار الزمني لهذه الرواية لا يشكل سوى معطى ثانوي إذا ما أخذنا في الحسبان الفضاء الذي تجري فيه الحوادث ؛ فالراوي يتحرك سرديا بين فضائين متضادين،وبحركة بندولية ينتقل السرد من فضاء باريس المخملي، الناعم ،الطري،الهادئ، المثقف،المتحضر،المنظم إلى فضاء الجزائر المهجورة منذ عشرة أعوام حيث كان العنف،والقسوة،والتربص،والقتل،الأفق المسدود.
ينتقل الراوي بتقنية الاستذكار من حاضر يعيشه وكأنه حلم،إطاره المكاني هو باريس إلى ماض يسترجعه وكأنه كابوس،إطاره المكاني جبال وغابات الجزائر،ومن خلال هذه الثنائيات الضدية ترتسم معالم الفضائين.
الجزائر فضاء تبادل الموت.
على الرغم من أن هذا الفضاء يأتي تاليا في الخطاب إلا أنه سابق في الحكاية،حيث لا يظهر إلا في الصفحة 13 ولا نفهم وجود البطل في باريس إلا بالعودة إلى الفضاء الذي تحرك فيه قبل الذهاب إلى فرنسا،ومن خلال الوحدات المعجمية والجمل الواصفة،والمقاطع المتعاقبة على مساحة نصية بأربع وخمسين صفحة ترتسم صورة فضاء خالق للحوادث،بينما يعمل على تضييق إمكانات الشخصية في الفعل إذ يطبق عليها القلق الدائم والتوتر المستمر،فالجندرمة مثلا والتي هي مقر للأمن يستشعر فيها البطل نوار بافتقاد الأمن "هذه أول مرة ألج فيها هذا العالم الحديدي لمقر الجندرمة ،كانت السيارات المصفحة، وقضبان السجون التي أعدت خصيصا لمجريات هذه الحرب التي اندلعت منذ مدة وجيزة تبعث في نفسي حالة من فقدان الوعي"[6] هذا العالم الحديدي المغلق،والذي يقسو على قاطنيه ويشكل لهم "مصدر الحقد الدفين الذي ينمو في صدور هؤلاء المساكين بسبب العزلة التي لا تنفتح على شيء سوى ظلمة القبر"[7] هو نفسه العالم الذي يتجنبه السكان مخافة العقاب الذي قد يطالهم ،وهو ما حدث لنوار فغيَّر مجرى حياته وحوَّله من تلميذ يتلقى دروسه إلى مسلح،ينشر الموت والخراب،لا لشيء إلا لأنه نسي في "غمرة العجلة ...تفادي المرور أمام الجندرمة"[8]
كانت القرية إذن فضاء للتنازع على البقاء، أو الفَنَاء "فحين كان يحل الغضب الأحمر على البلدة يرد عليه غضب الجندرمة الأسود المدجج بالنعال الغليظة،والرشاشات التي تتدلى كالأفاعي السوداء"[9]
وفي مقابل الجندرمة التي تأوي عسكر الدولة داخلها،تنتصب الجبال التي اعتصم بها نوار،ومعاذ وبقية الشباب رتع فيهم العنف المضاد لعنف الدولة فــ"عندما ترفع بصرك إلى السماء لن تشاهد إلا شريطا ضيقا للزرقة تطوقه قمم الجبال الإلتوائية المحيطة بالوادي السحيق"[10] وهذا المكان يبعث في نفس البطل إحساسا بانقطاع الجذور،والوحشة والغرابة،فهو "يشبه تلك الجزر المنسية التي كان الرحالة القدامى يعثرون عليها خلف جدران الضباب في البحور الأسطورية"[11]
عندما يطبق الفضاء على شخصية "نوار" الغضة وينقلها من رحابة الدرس إلى ضيق الأوامر العسكرية،ويتحول من تلميذ يتلقى الدروس إلى مقاتل يحمل السلاح ،ورئيس لديوان أمير الجماعة،عندما يحدث كل هذا فإنه"حل عصر القفز في الفراغات والسقوط المحتوم"[12]
يلوح الفضاء في تجربة نوار مع الجماعة المسلحة خانقا ،موحشا،مخيفا،مريبا،على الرغم من انفتاحه على الطبيعة ،بل هو فضاء باعث على الشعور بالخوف،ما دامت العلاقة بين قاطنيه هي انتظار الموت أو الاستعداد له،وفضاء كهذا يملأ صاحبه برغبة التمرد ومحاولة الخروج،وخاصة إذا كان له شيء من الوعي،والواقع أن الثقافة،والوعي ملازمتان لنوار فــ"كل العناوين كانت تؤكد أنك كنت تبحث عن منطق ما يجري في هذا الوطن"[13] كما قال له مفتي الجماعة بعد ذلك.
والبحث عن منطق ما يجري قاده في النهاية إلى الاعتراف بلا منطقية هذه الحرب وعبثيتها وبلا جدوى أن يقتتل فيها أبناء الوطن الواحد من غير أن يلوح بريق في الأفق ينقذ الجميع،وينتهي البحث بنوار إلى الاعتراف :"المهم أن أغادر هذا الخراب،لقد تحولنا إلى حيوانات برية،لا يمكن مطاردة طيف الجهاد والاحتكام إلى كلام السماء في ظلمات هذا الضباب،انزلقنا بعيدا عن الحياة،كلام الله لا يمكن أن يسري هادئا إلا في حرارة الحياة داخل المجتمع والناس...لا يمكنني المواصلة هكذا"[ 14]
لا يمكن المواصلة، لقد أعْلن المشروع الأصولي إفلاسه منذ أول قطرة دم أريقت،فليبحث له إذن عن فضاء آخر،فمن خلال هذا الفضاء الذي تحولت فيه حركة البطل إلى حركة لطلب الموت أو النجاة منه يمكن قراءة الفضاء الآخر المضاد له؛ فضاء الضفة الأخرى وتحديدا باريس.
الفضاء الباريسي؛الحياة والحب والأدب:
لا شيء يؤكد ظلمة الهوة التي كادت تبتلع نوار أكثر من الضوء الكاشف الذي تدفق من باريس،وما الجمل التي حاولت رسم باريس إلا دليلا على أن المهرب من فضاء جاس وقاتم وقاتل لا يصلحه ولا يخفف من وطأته إلا فضاء متخيل يقف على الضد من حالة البربرية التي مثلتها جبال الجزائر التي احتضنت نوار سنين عددا.
لا تظهر من باريس تفاصيل توهم بالواقعية ،وإنما هي خطاطة عامة تصدق على أي مدينة في العالم لأن الوصف لا ينصرف إلى الخارج،بل يرتد إلى أعماق الذاكرة،تلك الذاكرة التي "بها كل الصور قاتمة"[15] ولأن صور الماضي قاتمة والحاضر منفى اختياري حتى ولو تلبس بلبوس العلم،فإن الإبداع والشعر هي البدائل التي كما يقول الراوي/البطل "تقينا برودة المنفى القاتلة"[16] وما اختيار أوروبا إلا للبحث "عن الكأس السليمة ،الكأس التي كسرت في الجزائر ،لم تصنعها الفطرة السليمة التي جاء بها الإسلام"[17]
التأملات الباطنية،الحوار الباطني،قراءة الكتب،محاورة الصديق "خالد" المهاجر هو الآخر،وكذا الصديق سيمون،أو الصديقة كاترين ،التسكع في شارع سان دوني،وشارل دوغول، والنادل روبارتو،والفرنسيات المحدقات بالراوي في بهو الفندق هي كل ما يظهر من باريس وفي حالة الإشارة إلى الفضاء الباريسي يكتفي الراوي بالقول أنه قضى الأسبوع مع صديقه خالد "يقرأ الشعر ويتحدث عن الكتب،ويتسكع في شوارع باريس"[18]
باريس /كاترين:
في باريس إذن يتعرف البطل (الإرهابي السابق!) على كاترين التي أُعْجِبَتْ به إثر سماعها لمحاضرته حول "أصول سلوك التدين عند الإنسان"[19] ليتحول إعجابها بالراوي/البطل إلى حب غاية في الرومانسية!
المعروف أن الشخصية السردية تدرك قرائيا من خلال الجمل والعبارات الواصفة لها ،سواء أصدرت من الراوي أم من الشخصيات الأخرى أو من خلال الشخصية نفسها بالمونولوج أو بإبداء الرأي، أو تستنبط من أفعالها...إلخ ،وهو ما يعوز شخصية كاترين فباستثناء صفة الطالبة في علم النفس التي تؤهلها لدور الفاعلية فإن هذا الدور سرعان ما يتقلص إلى دور الأنثى المنجذبة إلى الراوي/البطل ،فهي "الفرنسية الطيبة التي دأبت على زيارتي بمكتبي في الجامعة تستفسر عن حالة الفراغ لدي" [20] وهي أيضا "باحثة في علم النفس"[21] كما أنها "ككل الفرنسيين؟؟ تؤمن أن الحياة ظاهرة أدبية"[22] وهكذا يتم الاستحواذ على كاترين/ باريس من خلال عزل الصفات في انتقائية ترشحها للانسجام مع قيم الإسلام؟!
وبصرف النظر عن طبيعة العلاقة وتأرجحها بين الراوي وكاترين والتي كانت باريس مسرحا لها ،أو بالأحرى كانت مدرجات الجامعة فضاءها الأثير مما يقلص الحضور الباريسي إلى مستواه الأدنى،بصرف النظر عن كل هذا فإن باريس هي حالة ذهنية خالصة ونصيبها من الواقعية مثل نصيب كاترين أيضا ،فالسلوك الانطوائي الذي رسمه الراوي /البطل لنفسه ينهض عائقا هائلا أمام إمكانية التأثير على ابنة باريس الباحثة في علم النفس،ولا يشفع له الحافز المصطنع بنجاح تجربة زميله في الإرهاب "يوسف" الذي استدرج إحدى الفرنسيات ؛حيث يقول يوسف لصديقه الراوي:"خذ بنصيحتي لن تكون عادة سيئة ،مضى على زواجي من مايرا خمسة أعوام.لم أجد الكثير من المعاناة لسحبها من عالمها الفرنسي [23]
ليست باريس المتخيل هي البديل عن جزائر الواقع فحسب ،بل هي اليوطوبيا ؛مدينة للأدب والحياة والمرأة ،المرأة المنتظرة للفاتح والمتعطشة لثقافة أخرى والمتطلعة للانسلاخ من ثقافتها في استسلام لإرهابي كان يستبيح دماء الناس لتمنحه الحب، ومعه كرسيا في معهد الانتروبولوجيا يُشَرِّح من خلاله البشرية منذ طفولتها الأول؟!
هي إذن الإيديولوجية الإسلامية التي ترى الضلال في الغرب والهداية في الإسلام ،وتحاول استعادة تجربة الرواية الحضارية العربية التي يسعى بطلها "أن يثبت أن الغرب،على الرغم من تفوقه الثقافي الذي يكاد أن يكون ساحقا،هو الذي يمثل المؤنث والطرف المتلقي في عملية المثاقفة"[24]
إن هذا التلقي السلبي يصبح إدِّعَـــاءً غير مؤسس عندما يصدر من إرهابي سابق مثلما هو حال بطل رواية "عصر الطحالب" والذي كان إلى عهد قريب أدنى إلى التوحش منه إلى الآدمية ،ومن ثم فأسْلَمَة (المثاقفة بشكل ما) كاترين ومن ورائها باريس ليس سوى أمنية إسلامية عبر عنها ساخرا أحد المشتغلين بحركة الإسلام السياسي بالقول:"الاسلاموية هي الشريعة زائد الكهرباء"[25]
عن أيديولوجية الراوي/البطل:
هل يمكن لشاب كان إلى عهد قريب مستشارا لأمير جماعة مسلحة أن يصبح طالبا في جامعة السربون؟ ،ثم هل لحامل سلاح ضد المجتمع أن يتحول إلى باحث في الإنسان تحت عنوان الانتروبولوجيا؟،وهل لإنسان أخرج لينتقم لشرف عائلته،وثأرا لدم والده أن يتحول إلى داعية وداعية لأنثى رقيقة المشاعر عارفة بذبذبات النفس البشرية مثل "كاترين"؟!
سرديا، الأمر ممكن مادام الخيال لا حدود له، أما مرجعيا فهذه التساؤلات كلها لها إجابة واحدة يمكن إجمالها في الوظيفة الإيديولوجية للراوي؛الإيديولوجية الإسلامية تحديدا حيث هيمنت على بقية الوظائف وراحت تقيم بناء الرواية وتسعى لضمان تماسكها ،وخلاصة هذه الإيديولوجية تكمن في "الوسطية"،أو الاعتدال،وتقديم الإسلام على أنه ملاذُ البشر ،وليس ملاذا لفئة بعينها،وأنه الكلمة الخاتمة والخالدة لإنقاذ بني آدم من غول التطرف،وظلمة التوحش القابعة في نفس كل إنسان،والتي تنفجر مع أول قادح كما حدث للبطل نفسه عندما زلت قدمه بعد ثبوتها،ثم سرعان ما ساخت في أتون عنف لا يبقي على جوهر الإنسان ولا يذر.
وإذا كانت هذه الإيديولوجية مقبولة ،وممكنة على المستوى النظري،أي الفكري،فإنها تطرح أسئلة مشروعة حول إمكانية تحقيقها تخييليا من غير القفز على معطيات المرجع،ومن ثم التأسيس لفانتازيا لا يسندها من الواقع سوى الأماني.
من هذه الكوة بالذات يمكننا فهم تأجيل الرغبات الجامحة لحاجات الجسد أمام عنفوان الأنثى؛ فيتحول الجاذب الجنسي إلى طهرانية ،تلك الطهرانية مهما زينت سرديا ورافع لصالحها الراوي فإنها عصية على النفس البشرية،وعصية أكثر على شاب عاد لتوه من غابة تحقق فيها الحرمان بأل التعريف.
إن "نوار" بطل رواية "عصر الطحالب" يبني علاقته بـ"كاترين" الأنثى على أساس تفوق "قيمي" أو "روحي" إن جاز التعبير،ضدًّا على نمطية العلاقة التي رسختها الرواية العربية مع الغرب بتقديم البطل رجلا بفورة جنسية مثلما هو شأن مصطفى سعيد بطل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" أو بعنَّة جنسية كما هو الحال مع "رجب" بطل رواية "شرق المتوسط"،فرواية "عصر الطحالب" ترسم شخصية المسلم المتماسك أمام الإغراء بقوة الوازع الديني،والآمر الأخلاقي "دينكم ــ كما قالت له كاترين ــ عظيم لأنه يدرك مواطن الرغبة ويعطلها"[26]
إن الصفات التي من خلالها تشكلت صورة "نوار" بطل الرواية لا تحيل على الجسد،بل هي صفات أخلاقية أو هي بالأحرى ترسيمات إيديولوجية فنوار شاب يصلي "صليت الفجر"ص29،وهو قارئ للقرآن "نظرت إلى القرآن الملقى فوق الطاولة" ص27 ،بل هو مواظب على الصوم "قررت الصوم في الليلة الماضية" ص29
وكل هذه الصفات تمنحه مؤهلات لأن يكون داعية بل هو داعية له كتاب "فقه الإسلام"ص52، وهو باحث في انتروبولوجيا الدين مثلما يتضح من محاضرته في أمريكا حول "أصول التدين عند الإنسان" ص31
تحيل شخصية نوار ـــ والحالة هذه ـــ على شخصية مبنية من قيم،ومثل عليا،تنأى بنفسها عن مطالب الجسد وانشقاقات الذات،وكأنها ضرب من الفكر الخالص والجوهر المصفى،ومن هنا بالذات يتحول السرد من عمل يبني المتخيل مستفيدا من معطيات الواقع إلى مرافعة إيديولوجية تصارع الهوة السحيقة التي انحدر إليها الخطاب الإسلامي العنفي المتطرف،والذي كان يقول عنه نوار قبل أن يلتحق بالسربون " لقد اكتسب هؤلاء [يقصد المنخرطين في العمل المسلح من أنصار جبهة الإنقاذ] عبر سنوات الدعوة والصحوة قدرة خارقة على امتصاص نسغ الظروف الطارئة لتغذية طاقة الترويج للحزب والجهاد"[27]
وهنا بالذات ينكشف الاختلال في بناء شخصية "نوار" تلك الشخصية التي أقامت مع أهل الجبل على قلق،وكأن القناعات الفكرية بلا جدوى العمل المسلح راسخة وتعمل كابحا في وجه اندفاع "نوار" من جهة وانغماسه أكثر في الأعمال الدموية من جهة أخرى ،ليحصل فيما بعد على صك غفران بعدما انتشلته باريس من وهاد وأدغال الجزائر المفتونة بحربها وتنصبه في جامعة السربون المفتونة بالبحث الانتروبولوجي.
الرواية والنقد:

هل هذا كل ما في الرواية؟
بالطبع لا،فالرواية إضافة إلى كونها نصا موضوعه ما ذكر آنفا فهي رواية مكتنزة بالدلالات،مثلما هي عامرة بالثغرات،والاكتناز بالدلالات ينصرف إلى المستوى التأويلي المنوط بممكنات النص وآفاق القارئ،باعتبار أن القراءة دمج للوعي بمجريات النص،وإعادة ترتيب لوحداته المعجمية وفقا لإستراتيجية قرائية تمكن من توزيع الدلالات وإنتاجها، إذ" لا يمكن للقراءة أن تخالف بعض المعطيات الموضوعية (السيرة،التاريخ،وأشياء أخرى) التي نمتلكها عن النص،كما لا تتساوى كل القراءات "[28]
في مقابل ذلك فإن الثغرات تتعلق بالمستوى البنائي وهو ما يخرجنا من وهم المرجع إلى صنعة الرواية،وليؤكد لنا دائما أن ما نقرأه هو عمل تخييلي ،وأن نصيبه من الواقعية يتضاءل أمام ثغرات السرد،ويتراجع أمام لعبة الحكي التي في لذتها الحتف.
ومع كل ما في الرواية ،وربما بسبب ما فيها فإن نصيبها ـــ للأسف ـــ من النقد هو الإهمال الأكاديمي والصمت الصحفي وكأن أيديولوجية الراوي المعلنة باتت وصمة توجب التنصل منها،أو تهمة تستوجب الرد أو التبرئة،وإذا كانت الإيديولوجية عائقا قرائيا فالحري أن لا تقرأ كثير من الأعمال انطمس فيها هذا البعد،وغدت رصفا للكلمات،وإرهاقا للمطابع،وتبجحا "إبداعيا" يكذبه النص من أول صفحاته.
إن رواية "عصر الطحالب" ليست جديرة بالقراءة فحسب،بل هي حقيقة بالمحاورة،والرد،لأن حجم ما تطرحه دلاليا أكبر بكثير من مساحتها النصية التي لم تتجاوز مائة صفحة ،وهذا في حد ذاته دافع آخر للقراءة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
إحالات:
• كمال بولعسل،عصر الطحالب،دار الألمعية،قسنطينة،الجزائر،ط01/2011
1) الرواية ص:40
2) الرواية ص:44-45
3) الرواية،ص:45
4) الرواية،ص:48
5) الرواية،ص:49
6) الرواية،ص:38
7) الرواية،ص:38
8) الرواية،ص:37
9) الرواية،ص:40
10) الرواية،ص:71
11) الرواية ،ص:73
12) الرواية،ص:78
13) الرواية،ص:90
14) الرواية،ص:91
15) الرواية،ص:19
16) الرواية،ص:21
17) الرواية،ص:24
18) الرواية،ص:26
19) الرواية،ص:31
20) الرواية،ص:30
21) الرواية،ص:31
22) الرواية،ص:52
23) الرواية،ص:66
24) جورج طرابيشي ،شرق وغرب،رجولة وأنوثة،دارالطليعة،بيروت،لبنان،ط04/1997،ص:15
25) أوليفيه روا،تجربة الإسلام السياسي،ترجمة:نصير مروَّة،دار الساقي،بيروت،لبنان،ط02/1996،ص:56
26) الرواية،ص:52
27) الرواية،ص:77
28) Vincent jouve ,la lecture, paris, hachette livre, p :16







#عبد_العالي_زغيلط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية الوطنية القديمة
- عائشة -نائمة-...


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العالي زغيلط - قراءة في رواية -عصر الطحالب-* للكاتب: كمال بولعسل