|
- شلضم - التلميذ الذهبي يبيع الخضار بالطريق !
صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 1344 - 2005 / 10 / 11 - 12:54
المحور:
الادب والفن
" شلضم " التلميذ الذهبي.. يبيع الخضار بالطريق !!! كان " شلضم " يجلس دائما بآخر الفصل عندما كنا تلاميذا بالمدرسة الاعدادية بقرية صغيرة تتبع مركز ميت غمر الذي يبعد عن القاهرة بحوالي 85 كم .. ، والسبب في ذلك ليس لكونه بليد الفصل الذي يتهرب من تلقي أسئلة المدرس بالجلوس بآخر الصف ، وانما لكونه طويل القامة ، وجرت العادة أن المدرسين يجلسون طوال القامة من التلاميذ بآخر الصفوف كي لا يحجبوا الرؤية عن غيرهم..
وكان" شلضم " يبدوبالنسبة لنا جميعا أكبر من سنه لطوله الفارع ، و قده الممشوق وسواعده المجدولة وجسمه الممتليء ، مما يجعله أقرب ما يكون الي تمثال فرعوني ، ولاسيما أنه يشبه الي حد كبير الفراعنة في لون البشرة . واسم شلضم هذا ليس اسمه وانما كان يطلق عليه لكونه غليظ الشفتين ، واسع الفم ، وجرت عادتنا نحن المصريين أن نطلق علي صاحب الفم الواسع غليظ الشفتين اسم " شلضم " – كالفنان اسماعيل ياسين أما الاسم الحقيقي لشلضم فهو " جابر" الا أن زملاءنا التلاميذ ممن كانوا يجاورونه في السكن هم الذين كانوا ينادونه ب " شلضم "شأنهم في ذلك شأن باقي أهل الحارة أو المنطقة التي يقيم بها بالقرية، و كنت أقيم أنا مع أسرتي بقرية ملاصقة لتلك القرية. وبالرغم من أنه كان بيننا بالفصل عدد كبير من أبناء المدرسين ، ومعنا أيضا ابن العمدة وأبناء أثرياء القرية ، الا أن" جابر " أو شلضم، - أفقر تلميذ بالفصل – في الغالب ترتيبه علي الفصل هو الأول ، وأمه السيدة الفقيرة كانت تبيع الفجل والليمون علي ناصية الحارة - بجوار دوار العمدة – والد زميلنا عبد الرحمن ، الذي كان شلضم يتفوق عليه وعلينا- .. - واذا سأل مدرس الرياضيات وقتها سؤالا في الحساب أو الجبر أو الهندسة ، وعجزنا كلنا عن الاجابة الصحيحة ، غالبا كانت الاجابة عند - شلضم .. ونصفق له جميعنا بأمر المدرس .. - واذا سأل مدرس العلوم أو اللغة العربية أو أية مادة أخري سؤالا عز علي الجميع الاجابةعليه ، فغالبا ما تكون الاجابة جاهزة عند "شلضم - والابتسامة السمحة المتواضعة الدائمة علي وجهه كما هي ، وكان هو أكثرنا هدوءا وتواضعا وبساطة ، وصمتا والشعور بالرضا يكسو وجهه الأسمر القريب الي ملامح وطبيعة أهل النوبة ، وأهل جنوب مصر – أسوان - . - ولم يكن " شلضم " تلميذا متفوقا وحسب ، وانما كان أيضا خطاطا موهوبا ، اذ كانت سبورة المدرسة المخصصة للآعلانات بداخل الحوش ، أو الأخري التي تتصدر مدخلها لا يزينها سوي الخط الذهبي للتلميذ جابر، أو: شلضم .. - وكنا تلاميذ المدرسة والمدرسون نقف مسحورين أمام الخط الرائع لتلميذ الاعدادية " جابر " .. - أما مدرس اللغة الانجليزية- أحمد محرم – فقد كانت كراسة التلميذ جابر ..تسحره بخط رائع غاية الروعة لدرجة أنه كان يمسك بكراسته - وكأنه قد جن ويسير بها بين طرقات الفصل قائلا : انظروا .. انظروا خط جابر .. سلاسل من الذهب ..!! - وبعد سنوات وسنوات ، قابلت بالصدفة بالقاهرة التي انتقلت اليهامع أسرتي بعد نهاية دراستي الاعدادية ، أحد أهالي تلك القرية ، فسألته - عن أحوال زملاء الماضي ، وعرفت أن منهم من أصبح محاميا ، ، ومنهم الطبيب والمدرس والمهندس ، ومنهم من أصبح رئيسا لمجلس ادارةأحد البنوك وعضوا بالبرلمان ورئيسا للجنة الشئون الاقتصادية به ، وصرت أنا بالاضافة للمكتب التجاري الذي أمتلكه ، مؤلفا صدر لي عدد من الكتب ، وأنشر بعض المقالات من حين لآخر بالصحف والمجلات ، وحصلت علي عضوية اتحاد الكتاب ، وكتبت احدي المجلات العلمية عن أحد كتبي ، ونقلت وكالات الأنباء مقتطفات من كتاب آخر .. .. ، وجميعنا بمن فينا ابن العمدة ، كان جابر يفوقنا ذكاء - .. فتري : كيف اذن صار حال جابر، وأين مكان جابر..؟ - كان الجواب عندما سألته : انه خطاط القرية ..! - سألته مندهشا: تقصد خطاط المحافظة التي تتبعها القرية ؟! - - كلا .. - خطاط القرية .. - سألته مرة أخري وأنا غير مصدق : اذن هل تقصد خطاط المركز كله الذي تتبعه القرية ؟! - - كلا ، بل أقول لك انه خطاط القرية وحسب . - !! !! - تعجبت ورحت أبحث عن سر ذلك ؟ - لعل السر ببساطة هو أن جابر وان كان يفوقنا ذكاء ، وكان هو الأحق بأن يكون رئيس مجلس ادارة البنك أو الأديب ، أو المفكر ، أو الطبيب ، أو المهندس أو خطاط كبري صحف الدولة.. - لكونه كان متفوقا علينا جميعا في كل مواد الدراسة ..، الا أننا – كما يبدو لي – كنا نتفوق عليه في شيء آخر هام .. ، ليس لأن ظروف معظمنا الاقتصادية كانت أفضل من ظروفه ..، كلا .. ، وانما الشيء الذي كنا نتفوق عليه فيه اسمه : الطموح - نعم : الطموح ، وقد كان جابر ( شلضم ) بلا طموح .. وذكاء ومواهب بلا طموح غالبا تذهب أدراج الرياح .. - انني لم أقابل جابر ( شلضم ) منذ عام 1964 ونحن الآن في عام 2002 – وقت كتابة قصته – أي منذ 38 سنة الا أنني لا زلت أتذكر - ابتسامة الرضا التام التي كانت تكسو وجهه السمح ومشاعر القناعة والسعادة والسرور التي كانت تملأه رغم فقره المدقع الذي كان - يلمسه مدرس الرياضيات في تلميذه النجيب الذهبي العقل الرائع الذكاء ، فكان هذا المدرس يتسلل أثناء انشغالنا بحل المسائل خلسة كي لا نراه ويدس بجيب جابر بعض النقود مساعدة له ، وتقديرا منه لذكائه الفذ وعبقريته في فن الخط أيضا .. تلك العبقرية التي شأنها شأن - أية عبقرية لا يمكنها أن تطير وتحلق عاليا بدون : أجنحة الطموح .. - == == ==========
عندما قرأ الصديق الفنان التشكيلي والشاعر " محمودالهندي" – مسودة كتابي هذا – ضمن مجموعة قصص " من حديقة البشر " - توقف عند تلك القصة وعقب لي بالقول أن قصة شلضم ، هذه قد ذكرته بطالب كان زميلا له بالمدرسة الثانوية ، وكان ترتيب ذاك الطالب الأول علي الجمهورية كلها .. واسمه محمود الكوز .. وقد فرقت بينهما الأيام بعد انتهاء الدراسة.. وذات يوم سمع دقا علي با ب مسكنه وصوت يناديه ، فتح الباب ، فوجد يدا تناوله رسالة ، مد يده ليأخذ الرسالة ونظر في وجه ساعي البريد ليشكره فاذا بساعي البريد هو: محمود الكوز ... ( الطالب الذهبي .. الذي كان ترتيبه الأول علي الجمهورية كلها ) ! ---------------------------------------- كتبت بالسجن السياسي بالقاهرة عام 2002
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- مصر والعرب - عربية ؟ أم مصرية ؟
-
الي زرقاء الندامة
-
- مها - زهرة الياسمين البيضاء
-
مؤتمر دولي لرعاية الأديان وحمايتها
-
العروبة والاسلام يتآمران علي العراق وشعبه
-
كيف نختار رئيسا للجمهورية ؟
-
لماذا لا يفرجوا عن : عبود الزمر ، وصفحة من مذكراتي في السجن.
...
-
تضامنوا مع المعارض المصري : أيمن نور
-
.. اصلاح الأمم المتحدة ، وفرض علمانية الحكم
-
دخول العرب مصر .. غزو أم فتح ؟!
-
ماذا بعد رئيس لمصر بالتزوير؟! (3)
-
ماذا بعد رئيس بالتزوير لمصر ؟!!
-
ماذا بعد رئيس بالتزوير لمصر ؟!
-
التكفير الثقافي، ومصحف أمل دنقل- (!)
-
انه يقول! كيف يقول ؟ ولماذا يقول؟!
-
تابع - قائمة أعوان مبارك - ، بعد صدام ..
-
تقارب معارضين مصريين من الاخوان المسلمين .. بين النظرية ، وا
...
-
الفرعونية ليست أطلال أحجار ومومياوات محنطة
-
درس سقوط انتفاضة يناير 1977 في مصر
-
لا ديموقراطية مع : ريا ، وسكينة !!
المزيد.....
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|